image
imagewidth (px) 612
612
| label
class label 28
classes | text
stringlengths 5
1.73k
|
---|---|---|
3Noto_Kufi_Arabic
| التصريحات المحرَّفة والانتقادات غير المبرَّرة الصادرة عن الجهات الرسمية
الأسترالية اتسمت بالعنف الشديد، وذاعت ذيوعًا كبيرًا في الشرق الأقصى، إلى
الحد الذي دعا الولايات المتحدة إلى الحفاظ على مكانتها في اليابان والشرق
الأقصى؛ حيث كانت الولايات المتحدة قد اتخذت قرارات في ذلك وأعلنت عنها … ويرى
المقربون من المشهد السياسي الأسترالي أن المعارضة الأسترالية منبعها سياسة
قائمة على السعي — عبر التصريحات الصارخة — إلى الوصول بأستراليا إلى الهيمنة
الفعلية على الشرق الأقصى … وأي ترضية للأستراليين ستقوض بلا شك مكانة الولايات
المتحدة الأمريكية في هذا الجزء من العالم.(٢) منطقة حوض المحيط الهادي
تبيَّن من جديد أن الولايات المتحدة وأستراليا ليستا شريكتَيْ سلام بقدر ما هما
غريمتان تتنازعان نزاعًا مريرًا للسيطرة على منطقة حوض المحيط الهادي. ولم يكن
النزاع — قطعًا — نزاعًا خطرًا، غير أن ما ارتأت
الولايات المتحدة خطورته الشديدة هو ما شكَّله تعنت أستراليا من تهديد للاستراتيجية
الكبرى للحرب الباردة المفترض تطبيقها على نحو فعال. ففي ٨ مايو عام ١٩٤٧، في خطبة
تُنبئ ﺑ «مشروع مارشال»، ربط أتشيسون بين اليابان وألمانيا بوصفهما «اثنتين من أهم ورش
العمل في أوروبا وآسيا؛ حيث اعتمدت هاتان القارتان على إنتاجهما إلى حد كبير قبل
الحرب.» لكنهما «عجزتا تمامًا عن بدء عملية إعادة إعمارهما؛ نظرًا لعدم وجود تسوية
سلمية.»
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ركب القاضي سكوت العربة إلى المدينة لكي يخطر الشرطة ويحضر طبيبًا لأبيض الناب. ومع
انكسار أول خيط لضوء الفجر، كان جميع أفراد الأسرة ينتظرون في قلق شديد تقريرًا عن حالة
أبيض الناب.
قال الطبيب: «هناك كسر في ثلاثة من أضلاعه وفي إحدى قدميه الخلفيتين، وثلاثة ثقوب أحدثتها
طلقات الرصاص. يحزنني أن أخبركم بأن نجاته غاية في الصعوبة.»
قال القاضي: «لا تهتم بالتكاليف، عالج ذلك الذئب كما لو كنت ستفعل مع أي بطل. إننا ندين
له بحياتنا.» قال الطبيب إنه يفهم ذلك جيدًا وإنه سيشرع في مداواة الذئب.
جلس جميع أفراد عائلة سكوت في هدوء تام داخل حجرة المعيشة، وأخذت زوجة ويدون تبكي وتدعو
الله أن ينقذ حياة أبيض الناب. لم يرغب أحد في أن يفكر فيما قد يحدث دون وجود ذئبهم إلى
جانبهم، بل لم يرغب أيٌّ منهم في أن يفكر كيف ستبدو الحياة إن لم ينج ذئبهم الحبيب.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| وظهر طائر النورس
غادر التاكسي، حيث وقف بعيدًا عن سيارة الشياطين ثم قطع الطريق إليهم مشيًا. في نفس
اللحظة، كان اللنش قد وصل، وخرج منه أحد البحَّارة في هدوء، ثم قفز إلى الشاطئ … حيث ركب
السيارة واختفى.
نزل الشياطين إلى اللنش، وأخذ «خالد» مكانه أمام عجلة القيادة، وضبط بعض المؤشرات في
التابلوه أمامه ثم انطلق في سرعة. وجلس بقية الشياطين حوله في کابينة القيادة … كان الوقت
بعد الظهر بقليل، ولا تزال أشعة الشمس الحارة تنعكس على سطح المحيط، فيبدو لامعًا جدًّا.
لم تكن هناك موجات مرتفعة، وهذا ما جعل اللنش ينطلق بسرعة فائقة.
كانت «بوصلة» اللنش محددة الاتجاه على خطي ١٠ درجات عرض و٥٠ درجة طول، فسأل «أحمد»: هل
انطلقوا في نفس الاتجاه؟ أجاب «عثمان»: نعم.
ضغط «أحمد» على زر الرادار الموجود أمامه، فظهرت الشاشة خالية من أي أثر، فقال «بو عمير»
يبدو أنهم الآن خارج دائرة الرادار! لكنه لم يكد ينتهي من كلامه حتى ظهرت علامة سوداء على
الشاشة جعلت «عثمان» يهتف في فرح: ها هم! نظر له الشياطين مبتسمين: فعلَّق قائلًا: إنني في
شوقٍ إلى اشتباكٍ جديدٍ! قال «أحمد» يخاطب «خالد»: أعتقد أننا يجب أن نكون بعيدين عنهم خلال
النهار.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وأيَّدها «بو عمير» و«زبيدة» و«أحمد» أما «عثمان»، فقد كان ينظر إلى الجبال صامتًا، ثم قال
ﻟ «زبيدة»: أرجو يا «زبيدة»، أن تُحضِري نظارة مكبِّرة من الداخل.
أحمد: هل تُريد أن ترى أبعد مما ترى الآن؟
عثمان: لا … إنني أريد أن أتأكَّد من شيء ما يَلمع بين صخور الجبال.
وعادت «زبيدة» بالمنظار، ووضعه «عثمان» على عينَيه، ثم أخذ يُدير العدسة حتى ثبتَت عند بُعد
معيَّن، وأخذ ينظر بإمعان ثم قال: هناك من يُراقبنا خلف الصخور.
أحمد: ما شكله؟
عثمان: إنَّني لا أرى منه إلا جزءًا من رأسه، وهو يلبس «الغطرة» الحمراء، وهي لباس الرأس
المعروف في هذه المنطقة.
أحمد: لعلَّه أحد الصيادين، يُشاهد قاربًا غريبًا فيُريد أن يراه.
عثمان: إنَّ صيادًا عاديًّا لا يُمكن أن يكون معه بندقية سريعة الطلقات من أحدث طراز، إنني
أرى فوهة البندقية على كتفه!
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| حكاية من سالف الزمان(١) حكاية عن نشأة كتاب «الطريق والفضيلة» (تاو-تي-كنج) الذي أملاه
الحكيم «لاو-تزو» وهو في طريقه إلى المهجر١
لما بلغ السبعين من عمره وأحس بالضعف الشديد، تاقت نفس المعلم إلى الراحة؛ فقد تداعت
أركان الخير في البلاد، والشر عاد إلى سطوته. وربط حذاءه.
٢
ثم حزم ما يحتاج إليه. متاع قليل، لكنه يضم شيئًا من هنا ومن هناك: الغليون الذي تعوَّد أن
يدخن فيه كل ليلة، والكتيب الذي تعوَّد أن يقرأ فيه، ومن الخبز الأبيض على قدر النصيب.
٣
فرح قلبه برؤية الوادي للمرة الأخيرة، ثم نسيه عندما سار في طريق الجبل. فرح ثوره بالعشب
النديِّ فراح يمضغ منه والعجوز فوق ظهره، ولم يكن هذا في عجلة من أمره.
٤
لكن في اليوم الرابع عند أسفل الجبل، سد عليه الطريق عامل الجمرك: هل من شيءٍ نفيسٍ يستحق
الضريبة؟ «لا، لا شيء.»
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
غير أن الحرية الجنسية التي تمتَّع بها الشباب، رغم أنها ربما كانت مألوفة طوال حياة
البشر في عصور ما قبل التاريخ، فإنها كانت مُمكنة فقط في المجتمعات التي كان للنساء
فيها حرية اختيار عشاقهن وأزواجهن. أما في المجتمعات التي مارست الزراعة لمدة طويلة —
لا سيما المجتمعات التي كانت لوراثة الأرض فيها أهمية — كان اختيار الشريك ودوام الزواج
مسألة لها أهميتها البالغة بالتأكيد.
السماح بعلاقات جنسية قبل الزواج في المجتمعات الزراعية كان سيضع على المحك الخطط
التي وضعها جيل الآباء بحرص؛ حيث إن الرجال والنساء بطبيعتِهم يصبحون متعلِّقين
بشركائهم الجنسيِّين. فإن تبيَّن أن أولئك الرفاق ليسوا الأزواج المثاليِّين أو الزوجات
المثاليات من ناحية وراثة الأملاك، والحفاظ على المزرعة، وإعالة الآباء، فقد يصير من
الصعب جدًّا على الوالدَين إقناع الأبناء أو البنات بالزواج من شخصٍ آخر. بالإضافة إلى
ذلك، إذا قرَّر رجل وامرأة فيما بعدُ الانفصالَ وإنجاب أطفال من أشخاص آخرين، فإن كيفية
توريث أملاكهما ستكون مسألة معقَّدة ومُثيرة للخلاف، ومن الممكن بسهولةٍ أن تتفاقم
فتصير نزاعًا علنيًّا وسخطًا طويل الأجل.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| تتمخض عنها الحرب العالمية.
وفي سبيل هذا البحث، طفق كتابنا ينكتون الماضي وينقبون في حناياه وخفاياه ويرسمون لنا
صورًا قوية مشرقة لأعلام ذلك الماضي ومواقفه: هذا هو العقاد يُخرج سلسلة متعاقبة الحلقات من
«العبقريات» الإسلامية، فيخرج «عبقرية عمر» و«عبقرية الإمام» (على) سنة ١٩٤٢م، و«عبقرية
محمد» و«عبقرية الصديق» (أبي بكر) سنة ١٩٤٣م، ثم يُتابع الحلقات حتى تشمل السلسلة عددًا غير
قليل من شخصيات الإسلام في عصره الأول الزاهر، ويكتب محمد حسين هيكل عن أبي بكر وعن عمر من
خلفاء المسلمين، وكان قبل ذاك قد كتب عن محمد عليه السلام، ويكتب توفيق الحكيم عن محمد،
ويكتب كثيرون آخرون عن بطولات الإسلام، إما مقالات في المجلات الأدبية، أو كتبًا كاملة …
وسيظل هذا الاتجاه قائمًا في حياتنا الأدبية عبر الخمسينيات والستينيات، ليضيف طه حسين روائع
من روائعه عن صدر الإسلام متمثلًا في تضحياته وبطولاته، ومما نذكره له في ذلك كتابه
«الشَّيخان».
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| الفصل السادس(١) جَنَّةُ البَحْرِ
وانْطَلَقَ بِنا الزَّوْرَقُ فِي عُرْضِ البَحْرِ عَلَى غَيْرِ هُدًى، حَتَّى لاحَتْ
لَنا تَباشِيرُ الصُّبْحِ، فَحَلَلْنا جَزِيرَةً كَثِيرَةَ الأَنْهارِ، وارِفَةَ
الأَشْجارِ، دَانِيَةَ الثِّمارِ، تكادُ غُصُونُها تَمَسُّ الأَرْضَ لِوَفْرَةِ ما
تَحْمِلُ مِنْ ناضِج الفَاكِهَةِ. وَكانَتْ تُخَيِّلُ لِمَنْ يَراها أَنَّها جَنَّةٌ
مِنْ جَنَّاتِ الأَرْضِ. وَكانَ الجُوعُ والعَطَشُ قَدْ جَهَدانا وبَرَّحَا بِنا،
فَأَكلْنا مِنْ لَذائِذِ فاكِهَتِهَا، وارْتَوَيْنا مِنْ عَذْبِ مائِها، وَحَمِدْنا
اللهَ الَّذِي أَطْعَمَنا مِنْ جُوعٍ، وَآمَنَنا مِنْ خَوْفٍ.
وَجَلَسْنا نَعْرِضُ ما مَرَّ بِنا مِنْ أَحْداثٍ وأَهْوالٍ، فَنَضْحَكُ
مُتَفَكِّهينَ، بَعْدَ أَنْ نَجَوْنا مِنَ الخَطَرِ وَضَمِنَّا السَّلامَة.
وعَجِبْنا كيْفَ خَلَتْ هذِهِ الجنَّةُ النَّاضِرَةُ مِنَ النَّاسِ، فَقُلتُ
لِصاحِبي: «لِأَمْرٍ مَا أَقْفَرَتْ هَذِهِ الجَزِيرَةُ، فَلَمْ يَعْمُرْها أحَدٌ مِنَ
النَّاسِ؛ فَما أَظُنُّنا أَوَّلَ مَنْ حَلَّ بِأَرْضِها، وَأُعْجِبَ باعْتِدال جَوِّها
وَلَذِيذِ فاكِهَتِها.»
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| وواصل أوديب السير دون أن يعلم عن شخصية من قتل شيئًا، حتى أشرف على أسوار مدينة طيبة، فسمع أهل هذه المدينة يشكون في فزع بالغ من وحش له جسم أسد ووجه امرأة وأجنحة نسر ضارٍ، يلقى الواحد منهم فيسأله عن لغز لا يستطيع حله فيصرعه الوحش لتوه، فتطوع أوديب للقاء هذا الوحش، وسأله الوحش الذي سمَّوه أبا الهول عن حيوان يمشي في الصباح على أربع وعند الظهيرة على اثنتين وفي المساء على ثلاث، فأجابه أوديب على الفور بأن هذا الحيوان هو الإنسان الذي يحبو طفلًا ويسير على قدميه رجلًا ويتوكأ على عصا شيخًا، وما إن حل أوديب هذا اللغز حتى فقد الوحش قوته وانتحر بإلقاء نفسه في أمواج البحر، وقيل: بل قتله أوديب بسيفه، ثم دخل أوديب مدينة طيبة فاستُقبل فيها استقبال الأبطال، وقرر أهلها توليه العرش الذي خلا بموت لاووس وتزويجه من جوكاستا أرملة الملك السابق. وبذلك تحققت النبوءة المشئومة كاملة بقتل أوديب أباه الحقيقي لاووس وزواجه من أمه الحقيقية جوكاستا وتوليه عرش طيبة، وأنجب من جوكاستا |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
تم العثور على جثته العارية، ومع أن وجهه تشوَّه من أثر الجروح التي أصابته، فقد استطاع
مضيفه وصديقه الكورنثي، الذي دعاه للمشاركة في المهرجان، أن يتعرَّف على ملامحه العزيزة على
قلبه: «كيف تحتَّم عليَّ أن أراك على هذه الصورة؟ أنا الذي كنت آمل أن أضع إكليل الغار على
رأسك بعد أن تنتهي من الغناء، ويتوهَّج وجهك هذا ببريق المجد الساطع.»
شعر كل الضيوف — الذين تجمَّعوا في الاحتفال بأعياد بوزيدون — بالأسى والغضب عند سماعهم
بالنبأ الحزين، بل إن بلاد الإغريق بأكملها قد غمرها الألم الفظيع، وأحسَّ كل قلب بأنه قد فقد
عزيزًا عليه. اندفعت حشود الشعب الغاضبة إلى بيت الحاكم مُطالِبةً بالانتقام للقتيل والتكفير
عن تلك الجريمة بسفك دماء القَتَلة المذنِبين.
لكن كيف يمكن العثور على أثرٍ واحد يدل على الآثِم البغيض وسط زحام الجماهير المتدفقة التي
جذبتها روعةُ الاحتفالات والألعاب؟ هل كان القاتل أو كان القَتَلة من اللصوص؟ أم فعل الفعلة
الشنعاء عدوٌّ خفيٌّ يحسد أمير الغناء؟ لا أحد يمكنه أن يقول الحقيقة سوى هيليوس (إله الشمس)
الذي ينشر ضياءه على كل ما هو أرضي.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| يتبع كوكبَ المريخ قمران صغيران، بينما يتبع كوكب المشتري أربعة أقمار يتجاوز قطرها ٣ آلاف كيلومتر (وهي الأقمار الأربعة التي اكتشفها جاليليو)، إضافة إلى ٥٩ قمرًا آخر — وفقًا لأحدث المعلومات — يقل قطرها عن ٢٠٠ كيلومتر (معظمها أقل من ٤ كيلومترات). ولكوكب زحل عدد مماثل من الأقمار، بالرغم من أن واحدًا فقط من تلك الأقمار هو الذي يضاهي أكبر قمر تابع لكوكب المشتري. ويتبع كوكبَ أورانوس خمسةُ أقمار بقطر يتراوح بين ٤٠٠ و١٦٠٠ كيلومتر، و٢٢ قمرًا معروفًا أصغر حجمًا. ويتبع كوكبَ نبتون قمرٌ ضخم واحد، واثنا عشر قمرًا معروفًا صغير الحجم. ومعظم الأقمار الخارجية الصغيرة (بقطر يبلغ بضعة كيلومترات) التي تتبع كوكب المشتري وزحل تم اكتشافها باستخدام تليسكوبات (وليس عن طريق إحدى المركبات الفضائية)، وبالتأكيد لا يزال هناك المزيد من الأقمار الصغيرة التي تتبع الكواكب العملاقة بانتظار أن يتم |
|
3Noto_Kufi_Arabic
| في الوقت المناسب
تردَّدَتْ صيحة «محب» في السكون … ولم يكن شيئًا مُهمًّا أن يكون القادم واحدًا أو اثنين
… ولكن ربما كان بداية إحساسهم بالملل هو السبب في الاهتمام بالراكب القادم … وبأنهما اثنان
وليسا واحدًا.
وأخذت الناقة تقترب، حتى أصبحت واضحةً تمامًا … ونظر «عاطف» إلى ساعته وقال: لا أحد
يكسب!
لم يَعُد أحد من المغامرين مهتمًّا إذا كان سيكسب أو يخسر … فقد أصبح اهتمامهم مُنصَبًّا
على القادمين … مَن هما؟! ولماذا أتيا إلى المعسكر؟ وما هي الأخبار التي يحملانها؟
وعندما أصبحَتِ الناقة على بُعد نحو مائة مترٍ من مكان الأصدقاء، خرجوا جميعًا من البئر
الجافة ومن ظلال الصبَّار، واندفعوا إلى القادمِينَ.
كانت الناقة تقترب … وبدأت ملامح الرَّجُلَينِ تتَّضح … كان أحدهما أعرابيًّا طويل
القامة، نافذ النظرات … وكان الآخَر رجلًا يغلب عليه الطابع الأوروبِّي … أصفر الشعر …
طويلًا … وقد ربط ذراعه بقطعةٍ من القماش … مما يدلُّ على أنه مُصاب … ويحمل كاميرا
مُعلَّقة في كتفه.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
عُثر منذ ذلك الوقت على كنوز لفنٍّ شبيه في عدة كهوف أخرى في أنحاء العالم، في شرق
أوروبا والهند وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، وكذلك في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية. وقد
وثَّق علماء آثار ما قبل التاريخ في فرنسا وإسبانيا وحدهما أكثر من ثلاثمائة كهف تحتوي
على أعمال من فنون ما قبل التاريخ، أغلبها كان يسكنه الشعب المجدليني في الفترة بين ما
قبل ١٨ ألف عام و١١ ألف عام.
عُثر على أشهر هذه المجموعات من فنون ما قبل التاريخ في كهف نيو (الذي استقصى بشأنه
إميل كارتياك نفسه عام ١٩٠٧م)، وكهف بيش ميرل (الذي اكتشفه صِبية مُراهقون بالمصادفة
عام ١٩٢٢م)، وكهف لاسكو (أيضًا اكتشفه صِبية مُراهقون بالمصادفة عام ١٩٤٠م). أما أقدم
الأمثلة على فن عصور ما قبل التاريخ التي عُثر عليها حتى الآن فهي موجودة في كهف شوفيه،
الذي اكتشفه علماء اكتشاف الكهوف في فرنسا عام ١٩٩٤م. يحتوي كهف شوفيه على رسوماتٍ عدة
نابضة بالحياة لحيوانات صيد وضوارٍ، ويعود تاريخه إلى ثلاثين ألف عام مضت، قبل أول ظهور
للثقافة المجدلينية بعشرة آلاف عام على الأقل.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
علَّقتُ ونحن نتبعُ الحاجبَ إلى قاعة الفنِّ والإلهام: «ما ألطفَه من عجوزٍ
نبيل!»
همَس جرين وقد شابَ صوتَه رهبةٌ: «ذلك الرجل الخارق هو صاحب السيادة توريه،
داهيةٌ من دواهي رجال الدولة في أوروبا، ونفوذُه في البلاط الملكي لا حدودَ له
تقريبًا؛ فهو يجمعُ ما بين السُّلطة الكنسية والعلمانية؛ فهو مسئول بابويٌّ ومَطْران في
الكنيسة، وفي الوقت ذاتِه، هو كبير موزِّعي صدقات الأسرة الملكيَّة، ومُشرِفُ
الصالة الثالثة بالملهى، وهو أحد القادة الرئيسيين للزُّمرة الكارهةِ لتايتس
والناقمةِ عليه. هو أيضًا يكرهُني بشدَّة، ولكنه يهابُني ويخشاني في الوقت نفسه.
أَلاحظْتَ كيف تمكَّنَ من إخفاءِ مشاعرِه؟»
قلتُ له: «ما يُدهشُني وأجدُه مضحكًا هو تعدُّدُ الأدوارِ الوظيفيةِ هذا!»
ردَّ جرين بنبرةٍ رزينةٍ تمامًا: «هذا أمرٌ ضروريٌّ هنا في موناكو، حيث إجمالي عددِ
السكَّانِ ليس بالضخم؛ فإليكَ مثلًا كبيرَ أُمناءِ القصرِ الذي يسيرُ أمامنا هذا،
وقائدَ حرَسِ القصر، والحاجبَ ذا السلسلةِ الذهبيَّة، إذا جَنَّ عليهم الليلُ تراهم
يشتغلون كموظَّفين في الملهى. حتى النبيل فولفير؛ وزير الخارجية الحاصل على وسام جوقةِ
الشرف من رُتبةِ فارس، يعملُ قائدًا لفِرقةِ الملهَى الموسيقية؛ فهو موسيقيٌّ بارعٌ
ومعاملتُه لنا ولمصالحنا ودودةٌ بالنظر إلى أنِّي قد قدَّمتُ له بعضَ الخدماتِ البسيطةِ
ذاتِ الطبيعةِ المالية، لكن والحقُّ يُقالُ، هذا النبيلُ متخاذل متزعزِعٌ ولا يَفقه
شيئًا في شئونِ السياسة؛ فهو لا يعدو كونه أداةً طيِّعةً في يد صاحب السيادة توريه
الذي لا يَعرفُ طموحُه حدودًا، تمامًا مثل قُدراتِه الشيطانية.»
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| وبعد فترة سمعت الكلاب تتجه ناحيتي، وبرغم أنني لم أعد
أخافها فقد خشيت أن تحدث صوتًا يلفت الأنظار إليَّ … وهكذا
غادرت المكان وتسلَّقت الشجرة ونزلت إلى الشارع ثم توجهت إلى
الفيلا … وبمناسبة الصبارات الثلاث … لقد لاحظت أن هذا هو شعار
أسرة «سيف»؛ فعلى الباب الخارجي للقصر … وعلى جميع الأبواب تجد
هذا الشعار من النحاس … فهل هناك صلة بين الشعار وبين ما
تحسسته على الأرض بين الصبار؟إنني أترك لك فرصة التفكير … وسوف أحاول مرة أخرى الذهاب إلى
المكان والبحث جديًّا عمَّا يوجد في هذه الأرض من
أسرار.لم يظهر بعدُ «الطيب»، ولم يتقدَّم الشاويش في قضية البحث عن
طوابع البريد … وسأكتب لك عن أي شيءٍ جديد يظهر في
القضية.من «تختخ» إلى «محب»إنك مخبر ممتاز … ولكني ما زلت أنصح بألَّا تغامر وحدك وتدخل
القصر ليلًا؛ فقد تقع في أيديهم … صحيح أننا حتى الآن لا نجد
ما يدل على وقوع أشياء مخالفة للقانون، ولكن تصرفات سكان القصر
تؤكد أن شيئًا مريبًا يحدث داخل قصر الصبار … وأن سكان القصر
يهمهم ألَّا يعرف أحدٌ ماذا يفعلون، فإذا اكتشفوا أنك تتجسس
عليهم فلن يترددوا في البطش بك … |
|
3Noto_Kufi_Arabic
| وفي قصيدة أخرى يقول:ووصف الرسول بأنه ابن آمنة من كلمات التمجيد التي أذاعها حسان، وستكثر في المدائح
النبوية، وقوله في ختام إحدى القصائد:سيصير من التعابير المألوفة في كلام من يمدحون الرسول.وعبارة «صلى الإله» جملة دعائية، كان حسان يقولها في الرسول، وفي أصحابه، كقوله
يرثي أصحاب الرجيع:ونجد مويلك المزموم يرثي امرأته فيقول:ونرى آخر يقول: ولكن هذه العبارة ستُقصَر فيما بعد على الرسول، وستحل محلها في الرثاء عبارة
«يرحمه الله» كقول أحد الشعراء:وبعد مدائح حسان ومراثيه تجيء الفقرات المنسوبة إلى علي بن أبي طالب، ونثر علي من
المشكوك في صحته ولكنا نستشهد به لأمرين؛ الأول: تصويره لما كان يفهم القدماء من
حال علي الروحية، فهو — على فرض وضعه — صورة للأدب الذي كان يتمثلون ذيوعه في تلك
الأيام في خطب أصحاب الرسول.الثاني: أننا نرجِّح صحة ما نُسب إلى علي في التحميدات والعظات، فإن الذين طعنوا
في صحة نثره وقفوا عند المصاولات التي وقعت بينه وبين معاوية بن أبي سفيان. |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
إن حياة التأمل والنظر ليست حياة بشرية خالصة، وإنما هي شيء يسمو فوق البشرية. لأن في
الإنسان نفسه شيئًا يفوق الإنسان. بيد أنه ينظر ويتأمل — أي يتفوق على الإنسان — بما هو
إنسان، وبقدر ما تغوص قدماه في الوحل تكون قدرته على التطلُّع للنجوم. بقدر ما ينغمس في
أعماق الواقع اليومي بقدر ما يرتفع فوقه ليراه في كليته. من ثمة هذا الوضع الغريب
الفاجع: سقراط يغوص «حافي القدمين» في حارات أثينا وفي نفس الوقت يُحلِّق فوق السُّحب،
يكون في كل لحظة يتحاور فيها مع الناس في العالم وخارجه، يسأل عن هذا الشيء أو ذاك
ويسأل في نفس الوقت عن الكل، يتكلم عن المعرفة والعدالة والفضيلة … إلخ، ويسعى في نفس
الوقت إلى «ماهية» المعرفة و«جوهر» العدالة و«حقيقة» الفضيلة. إنه في كل سؤال فلسفي
حقيقي إنما يسأل عن «كل» ما هو موجود، عن ماهيته وحقيقته الأخيرة. إذ ليس سؤالًا
فلسفيًّا ذلك الذي لا ينصب على «الكل».
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| الحكيم بين «لويس» و«مندور»(٢) المؤلف المسرحي والأساطير والتاريخ
يعود صديقنا الدكتور لويس عوض فيؤكد في جريدة «الشعب» رأيه في الحظر على الأديب
والفنان أن يغيِّر كلًّا من الوقائع الجوهرية أو من المضمون الحيوي في الأساطير التي
يتخذها مادة لأدبه أو فنه، وذلك في مقال نشره بالجريدة تعليقًا أو ردًّا على مقالي الذي
نشرته في الجريدة نفسها بعنوان «توفيق الحكيم في مهب الرياح»، ودافعت فيه عن حق الحكيم
وغيره من الأدباء والفنانين في التصرف في الأساطير بل وفي التاريخ، في الوقائع والمضمون
وفقًا لما يريدون التعبير عنه من مشاكل حياتهم أو حياة عصرهم؛ لأنهم ليسوا مؤرخين حتى
يلتزموا بوقائع الماضي والآراء والمعتقدات التي تحملها تلك الوقائع أو تصدر
عنها.
ولسنا نشك في أن صديقنا الدكتور لويس عوض قد قرأ مقالًا لسينجارن عن النقد الجديد،
وفي هذا المقال يوضح الأستاذ سينجارن إحدى البديهيات التي يراها كسبًا جديدًا من مكاسب
النقد، وهي أن الأديب أو الفنان لا يعود إلى التاريخ أو الأساطير ليبعث الماضي، بل
ليتخذ منها وسيلة لمعالجة مشاكل حياته أو حياة عصره أو وعاء يسكب فيه أفكاره وأحاسيسه،
وما الأساطير أو التاريخ عندئذٍ إلا كالمسمار الذي يشجب فيه الفنان لوحاته كما قال
«ديماس» الكبير.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
هذه الخصومة، اضطرت الشعوبية والذين كانوا يعادون الأدب العربي إلى أن ينكروا عليه كل
قيمة، فيزعموا أن ليس له قيمة بالقياس إلى الآداب الأخرى، ويزعموا أنه إن كان للأدب
العربي خطر، فمصدره راجع إلى القرآن الكريم، واضطر أنصار العرب أن يغلوا غلوًّا فاحشًا
في الدفاع عن الأدب العربي ويمثلهم الجاحظ؛ إذ زعم أن الأدب العرب هو وحده الأدب، وأن
الأمم الأخرى لا حظَّ لها من الأدب.
فاليونان لا حظَّ لهم إلا من الفلسفة، والفرس والهنود لا حظَّ لهم إلا من هذه الحِكم
السائرة، فأما الأدب العربي فهو الأدب حقًّا، الذي يظهر فيه هذا الشعر الخصب المتميز،
الذي لا تكلف فيه ولا صناعة، ويكفي أن يوجه العربيُّ فكره إلى المعنى حتى يتدفق الشعر
على لسانه تدفقًا، والأدب العربي أدب الخطابة الذي أنتج «عليًّا» و«زيادًا» و«الحجاج»،
وهو الأدب الذي أنشأ الأمثال السائرة والحكم، أما الأمم الأخرى فلا قيمة لأدبهم عند
الجاحظ.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
فإذا اتفقنا على أن العالم قوامه أفراد — مع اتفاقنا على أن الفرد ينحل إلى شبكة من
علاقات تربطه بالأشياء والأحياء من حوله — فقد اتفقنا في الوقت نفسه على أن لكلِّ فرد محلًّا
من مكان ولحظة من زمان، بهما تتعين حدوده ويتحدد وجوده، فليس منا من يعيش خارج مكانه
وزمانه، مهما شطح به الوهم وطار الخيال؛ لأن وهمه هذا أو خياله هو «حالة» نفسية أو ذهنية
قائمة راهنة، فهو دائمًا «هنا» و«الآن»، إذا أعاد الماضي بذاكرته، فقد أصبح الماضي عنده
«حاضرًا»، وإذا تشوف المستقبل بخياله، فقد ارتد المستقبل «حاضرًا» كذلك.
نعم إننا محليون، ليس لنا من المحلية فكاك، بحكم اللغة التي نتحدث بها، وما يتعلق
بألفاظها من مضمونات ثقافية تتصل بتاريخنا وبواقعنا، ولا غرابة أن تكون اللغة أقوى العوامل
جميعًا، التي تتحدد بها «القومية»؛ لأنه إذا اختلف قوم عن قوم في اللغة، فقد اختلفا كذلك في
الحصيلة الثقافية التي ينظران بها إلى الحياة بأسرها، وسؤالنا الآن هو هذا: مع اعترافنا بأن
الترجمة من لغة إلى لغة أخرى هي دائمًا نقل على وجه التقريب فحسب، فهل يمكن لجماعة من الناس
أن تنقل ثقافتها إلى جماعة أخرى، عن طريق الترجمة، بحيث تصبح الثقافة المنقولة في لغتها
الجديدة مثيرة لاهتمام الجماعة المنقول إليها، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي الشروط التي لا
بُدَّ من توافرها ليكون للثقافة المنقولة هذه القوة؟ ونعيد هذا بعبارة أبسط فنقول: هل يمكن
للفكر والأدب المحليين أن يصبحا فكرًا وأدبًا عالميين؟ ومتى يكون ذلك؟
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| يجيب بأن لديه معرفة بالمستقبل تتصف باليقين المطلق، بل أنه يستطيع فقط أن يقدم أفضل ترجيحاته. ولكن في وسعه أن يثبت أن هذه بالفعل هي أفضل الترجيحات، وأن القول بها أفضل ما يمكن عمله. وإذا كان المرء يعمل أفضل ما يمكن عمله، فهل يستطيع أحد أن يطلب منه المزيد؟ (عن هانز ريشنباخ، نشأة الفلسفة العلمية، ترجمة الدكتور فؤاد زكريا، القاهرة، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، صفحات (١٩٦٧م)، ٥٣-٥٤، ١٥٣، ٢١٨) إن الحقيقة ليست ملكًا لأحد، وإنما البشر جميعًا ملك الحقيقة (كما يقول ياسبرز) ولو استقرت هذه «الحقيقة» البسيطة في عقولهم ووجدانهم لتجنبوا كوارث رهيبة نجمت في تاريخهم القديم والحديث عن التسلط والتحكم والتزمت، وكلها مسوخ تولَّدت عن ادِّعاء الحقيقة المطلقة، والانغلاق في سجن الرأي الواحد الذي لا يأذن للرأي الآخر بالدخول إليه، والتحجر في معتقد فكري مجرد عن الوجود |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ولم يشتمل سِفْر الجامعة على جميع ما يرنو إليه أقصى الطموح من المحاسن فقط، بل يشتمل
أيضًا على بصيرة واسعة؛ فقد نفذ إلى أساس الحكمة البشرية.
فمما جاء في سِفْر الجامعة: «رأى قلبي كثيرًا من الحكمة والعلم، ووجهت قلبي لمعرفة الحكمة
والجنون والحماقة.»
وبطل ذلك السِّفْر — وهو مؤلفه — كاملٌ، فلا يعوزه شيء، وهو يملك كل ما يجوز دعوته
بالسعادة، سواءٌ أمن الناحية الذهنية أو الناحية الجثمانية.
هل بلغ الغاية التي وجد من أجلها في العالم؟ أفيعرف هذا الهدف وحده؟ ما هو أساس
جميع الأشياء؟ آلشرور؟ أصاحب سفر الجامعة سعيدٌ؟
جاء في سفر الجامعة: «قلت في قلبي من جهة أمور البشر: إن الله يمتحنهم ليريهم أنهم
كالبهائم؛ لأن ما يحدث لبني البشر هو يحدث للبهيم، وللفريقين حادثة واحدة، كما تموت هي يموت
هو، ولكليهما روحٌ واحدة، فليس للإنسان فضلٌ على البهيمة؛ لأن كليهما باطلٌ، كلاهما يذهب
إلى مكان واحد، كان كلاهما من التراب، وكلاهما يعود إلى التراب.»
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| أشمل، فيكون عندئذٍ في مرحلة فكرية هي التي نسميها بالفلسفة.
بهذا تنتهي الخطوة الثانية من خطواتنا الثلاث (كانت الخطوة الأولى عملًا مجسدًا أخفى في
تلافيفه أفكاره، وكانت الخطوة التالية استخراجًا لتلك الأفكار لتقوم وحدها وكأنما هي شيء
مستقل عن العمل الذي كانت تجسدت فيه) وتبقى خطوة ثالثة بغيرها لا تتم الدورة ولا يكتمل
النضج والوعي، وهي أن نعود إلى أعمالنا الأولى نفسها — فتيارها مستمر لم ينقطع — نعود إلى
زراعتنا وإلى صناعتنا، إلى علمنا وتعليمنا، إلى جدنا ولهونا، لكننا هذه المرة نعود إلى تلك
الأعمال وقد عرفنا كوامن أسرارها، فلا يصبح التوفيق والإخفاق مرهونًا بالحظ الذي يواتينا
حينًا ولا يواتينا حينًا آخر، بل إننا هذه المرة نُمسك بالزمام فنوجه تيار الحياة العملية
إلى حيث شئنا لا إلى حيث يقذف بنا الموج.
إننا إذ نكون في الخطوة الأولى، لا نفرق بين نظرية وتطبيق، فهنالك بين أيدينا مواقف تتتابع علينا من بيئة تحيط بنا، وعلينا أن نرد عليها موقفًا موقفًا بما يلائمها، وهنالك تكوينات اجتماعية نجد أنفسنا أطرافًا في بنائها وعلينا أن نتفاعل مع بقية الأطراف تفاعلًا من شأنه أن يصون ذلك البناء، نجد أنفسنا — مثلًا — أعضاء في أسرة، وأبناء في أمة، فنجد أمامنا قواعد وضعها لنا أسلافنا لنسلك على هداها داخل تلك التكوينات لنصونها، فعلى الوالد كذا وكذا من الواجبات نحو ولده، وعلى الولد كيت وكيت من الواجبات نحو والده، والزواج يكون صحيحًا إذا اتبعت فيه القواعد الفلانية وهكذا، ومن خرج على القواعد المرعية في معاملاته مع أفراد أسرته أو أفراد أمته أو أفراد الإنسانية جمعاء، فهو معرض لعقوبات القانون إذا كان خروجه مما نص عليه القانون، ومعرض لاستهجان الناس إذا كان خروجه مما لم ينص عليه القانون، ولكنه متروك للأصول الخلقية تسيره وتتحكم فيه، وفي كل حالة من هذه الحالات «فكر» تقمص |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وأما بعد ثورة ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢، فقد رأينا توفيق الحكيم يصدر لأول مرة في مسرحيات
الحياة التي كتبها — وهي «الأيدي الناعمة» و«الصفقة» — عن فلسفة اجتماعية محددة هي الفلسفة
الاشتراكية، ويجب أن نلاحظ هنا أن توفيق الحكيم لم يكن من رواد هذه الفلسفة في يوم من
الأيام وإنما أصبح من التابعين لها أو على الأقل المتأثرين بها، فهو في ذلك تابع لا رائد،
وأدبه الصادر عنها يُعتبر من الأدب الذي يسمَّى «أدب الصدى» لا «أدب القيادة»، على نحو ما
كان في أعقاب ثورة سنة ١٩١٩ التي أوحت إليه بقصة «عودة الروح» التي يسجل فيها بعث الشعب
المصري، ويعلن عن ثقته فيه وقدرته على التقدم والنهوض إذا أتيحت له القيادة الصالحة، فهو في
هذا أيضًا صدى شعري لتلك الثورة العاتية التي لم يترسب معناها الضخم في نفسه إلا بعد سنوات
عدة تبلغ ثماني أو تسع سنوات.
وأيًّا ما يكون الأمر فنحن نعتقد أن مسرحيتي «الأيدي الناعمة» و«الصفقة» هما خير ما كتب
توفيق الحكيم من مسرحيات اجتماعية؛ وذلك لأن «الأيدي الناعمة» توضح معنًى كبيرًا من معاني
ثورتنا الاشتراكية الأخيرة، بل معنى من معاني التطور الإنساني العام في العصر الحديث، وهو
أنه لم يَعُد في الحياة الحديثة مجال لمن سمَّاهم الرئيس جمال عبد الناصر المتعطلين
بالوراثة، الذين كانوا يعيشون على الإقطاعيات التي نهبها أجدادهم من الشعب واحتكروا ثرواتها
وسخَّروا في العمل بها أيدي الشعب الخشنة المحرومة، كما تسجل تفاهة العلوم الجدلية العقيمة
التي كان يبدد فيها أعمارهم عدد من شبابنا، مثل الدكتور الذي حصل على الدكتوراه عن بحث في
حرف «حتى» جعله يُعرف في المسرحية باسم الدكتور حتى، ويجد نفسه بين «الأيدي الناعمة» بعد
الثورة ويصادق أميرًا سابقًا، ولا يجدان معًا بدًّا من البحث عن عمل منتج يكتسبان منه قوت
حياتهما.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
فإذا عرفوا الحروف الهجائية انتقلوا إلى الكلمات الصغيرة من حرفين فثلاثة … إلخ، ثم
الجمل، ولا يعطي المعلم لهم جملة من غير أن يُفهمها لهم.
وقد وضع منهجًا لمدة الدراسة وهي ثلاث سنوات، ففي السنة الأولى يتعلم القراءة والكتابة
باللغة العربية واللغة التركية (وهذا عجيب)، ويحفظ بعض نوادر ونصائح وأمثال وحكم وأعداد
الحساب.
وفي الثانية والثالثة يتعلمون قواعد النحو والصرف مع الاستمرار على المطالعة في الكتب،
وحفظ بعض نوادر تركية، ومواد تاريخية وجغرافية، وتكميل العمليات الحسابية، ورسم جميع
الأشكال الهندسية، وفهم بعض خواصها وتعريفاتها.
هذا من حيث التعليم، أما من حيث التربية، فوضع لها خططًا محكمة، وجه المعلمين إلى العناية
بحسن سلوك التلاميذ، ومراعاة صحتهم، فالمعلمون يجب أن يلاحظوا سلوك التلاميذ ونظافتهم،
ويضعوا لذلك «نمرًا» كل يوم، تجمع مع «نمر» العلوم، ويرتب التلاميذ بحسبها جميعًا، ويُوضع
على كل فصل لوحة كل ستة شهور بأسماء التلاميذ مرتبة حسب متوسط درجاتهم العلمية والخُلقية
والنظافة.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
الطائر: طائرات … طائرات …
ظلَّت «نوسة» تُناقش الطائر وتستجوبه … ولكنه لم يردِّد إلا هذه الكلمات، فحمَلت القفص
وخرجت إلى الحديقة في انتظار عودة الأصدقاء.
جلست «نوسة» في الحديقة تتحدث مع الطائر … وكان بعض الجيران يقفون في الشُّرفات يتفرَّجون
عليها وهي تتحدث مع الطائر وتكتب … كان مَنظرًا يستحقُّ الفُرجة!
عاد «تختخ» … ولم تكَد «نوسة» تراه حتى صاحت: أشياء مُدهِشة … لقد حلَلتُ لكم لُغز
الطائر.
تختخ: صحيح؟!
نوسة: طبعًا … إنه طائرٌ يتكلم مِثل الببغاء.
فتح «تختخ» عينَيه على اتِّساعهما، وتقدَّم منها قائلًا في استغراب: صحيح؟
نوسة: صحيح … صحيح … ألا تصدِّقني؟
تختخ: إن هذا مهمٌّ جدًّا … جدًّا … جدًّا.
نوسة: وهو حقيقيٌّ وصحيح جدًّا … جدًّا … جدًّا.
تختخ: وهل سمِعتِ ما قال؟
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| العش الهادئ واستبداد الجمهور
وأخيرًا زرت مسرح التليفزيون الذي لم تكن لديَّ عنه فكرة واضحة من قبل، ومع ذلك فقد وجدت
فيه ما توقعته من استبداد الجمهور بمثل هذه الأجهزة التي تخاطب الملايين وتحرص على
اجتذابهم.
فمسرح التليفزيون أو على الأصح مسارح التليفزيون يلوح لي أن اعتمادها الأكبر ينهض على جذب
الجمهور بواسطة الأسماء المعروفة من بين أدباء ومن بين نجوم السينما، وإذا لم يكن الأديب
المعروف كاتب مسرحيات بل كاتب قصص حُوِّلت قصصه إلى مسرحيات، كما حدث لقصص يوسف السباعي
وإحسان عبد القدوس وعبد الحليم عبد الله وعبد الرحمن الشرقاوي، وإذا كان الأديب المعروف
كاتب مسرحيات كتوفيق الحكيم اختير من بين مسرحياته العديدة أخفها وزنًا من أمثال «العش
الهادئ»، ولم يُكتفَ بذلك بل تُرجمت إلى العامية و«لحلحها» المترجم، ثم زادها المخرج
«لحلحة» لكي تُرضي الجمهور الذي يريد أن يضحك!
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وعلى الرَّغم من أن الرِّق، من حيث هو نظام اقتصادي، يَنطوي على استغلال فِئةٍ من
الناس لفئةٍ أخرى استِغلالًا تامًّا، يصِل إلى حدِّ التحكم في أشخاصِهم معنويًّا
وماديًّا، فإنه كان على الأقلِّ يَضمَن قدرًا كبيرًا من الحرِّية (المعنوية والماديَّة
أيضًا) للمُواطنين الأحرار، وكان لذلك أثرُه الكبير في ازدِهار الفكر في ذلك
العصر.
(٣) مُقارنة بين النُّظم الاستبدادية القديمة ونِظام الرِّق ولو أجرَيْنا مُقارَنة بين النُّظم الاستبدادية، كما عُرفَت في بلاد الشرق القديم، وبين نظام الرق، من حيث مدى تشجيع كلٍّ منهما للنهضة الفكرية والعلمية، لكانت المقارنة في صالح النظام الثاني؛ ذلك لأن مبدأ الحُكم الاستبدادي المُطلَق كان يُطبَّق على المَيدان العقلي والرُّوحي بدَوره، فالعِلم كلُّه تَحتكِره طبقةٌ من الكهنة، هي وحدَها التي تتداول أسراره وتتوارَثها، وتحرِص على كِتمانها عن بقيَّة الناس. ومن المُستحيل أن تحدُث نهضة فكرية وعلمية شاملة في جَوِّ التكتُّم هذا. وكل ما كان يحتاج إليه الناس هو مجموعة من المعارِف العملية التي تُساعِدهم على تحقيق أغراضِهم المُباشرة في الزراعة والعِمارة والمِلاحة، إلخ. ولذلك أحرَزَت المعارف العملية تقدُّمًا كبيرًا في بلاد الشرق القديم، تُعدُّ الآثار المصرية الباقية نموذجًا رائعًا له. والأرجَح أنه كان هناك من وراء هذا التقدُّم العملي فكر نَظري لا يُستهان به، ولكن هذا الفكر لم ينتشر ولم يُتداوَل، نظرًا |
|
3Noto_Kufi_Arabic
| الهجوم
كان هنري يقلب الفاصوليا على النار عندما سمع فجأة هرير كلاب المزلجة ونباحها، فراح يتفقد
الأمر وشاهد الكلاب منتشرة حول النار. لكنه عندما اقترب من الكلاب، اكتشف أنهما قد فقدا
كلبًا آخر. حينئذ لحق به بيل عند النار.
قال هنري: «قد اختفى فروج، وكان أقوى كلب في المجموعة.»
أطل بيل بنظره في الظلام باحثًا عن حركة أو عيون قريبة من المخيم، ليبدأ قطيع الذئاب
عندها في العواء ثانية باثًّا مزيدًا من الرعب في قلوب كلاب المزلجة. كانت الذئاب تنتشر في
كل مكان حول المخيم الصغير، فأدرك بيل أنهما محاصران. كان الاثنان في خطر كبير. قال بيل:
«يبدو أننا لن نهنأ بنوم هذه الليلة.»
تبادل هنري وبيل نوبات الحراسة والنوم. كانت تلك الليلة شاقة للغاية، وشعر كلا الرجلين
بقلق شديد؛ فقد كان أي صوت يصيبهما بالفزع. راحا ينظران حولهما في كل مرة يئن فيها أحد كلاب
المزلجة أو يتحرك. في بداية الأمر، هرب واحد من كلاب المزلجة ثم تلاه آخر، ولم يتسنَّ لهما
أن يعرفا هل لَحِق هذان الكلبان بقطيع الذئاب أم وقعا فريسة له أم شقا طريقهما داخل البرية.
إلا أنهما تمنيا أن يتمكن الكلبان من الوصول إلى القرية التالية.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| في الذوق الأدبيصديقي …
أعود إليك الآن، بعد أنْ فرغت من درس في الأدب القديم، أعجبني موضوعه وأرضاني ما قيل فيه،
أعود إليك إلى حيث تركتك منذ ساعات، تسألني عن ذوق العصر: ما هو؟ وما الصلة بينه وبين
الأدب؟ وما الصلة بينه وبين المثل الأعلى في الفن؟ وأنا أتعجل هذه العودة إليك؛ ليتصل آخر
الحديث بأوله، وليكون هذا الكتاب تتمة للكتاب الذي أرسلته إليك ضحى هذا اليوم.
وماذا تريد أنْ أصنع لك؟ وقد قصرت ذاكرتك أو تكلفت لها القصر، فنسيت أو تناسيت ما كان لنا
من مجلس، وما كان بيننا من حديث. إنك خليق — أيها الصديق — ألَّا تعتمد على الذاكرة وحدها،
وأنْ تتخذ لنفسك هذه العادة التي لا بأس بها، وهي تقييد الأحاديث العذبة اللذيذة القيِّمة
إنْ صادفتها في يوميات تعود إليها من حينٍ إلى حين، فتذكرك نفسك وأصدقاءك وظروفكما
المختلفة، وتصل بينك وبين قديمك الخاص، وتعينك على أنْ تتبع تطور عقلك وشعورك وانتقالهما من
حالٍ إلى حال، وتأثرهما بالظروف المختلفة التي تحيط بهما وتعمل فيهما دون أنْ تحس أنت ذلك
أو تلتفت إليه. وكيف تريد أنْ تقضي بين قديم الأدب وجديده، وأنت لا تستطيع أنْ تقضي بين
قديمك وجديدك؟! لأنك لا تلتفت إلى هذا القديم وذاك الجديد، ولا تشعر باستحالة أحدهما إلى
الآخر في ظلِّ ما تخضع له من المؤثرات الماديَّة والمعنويَّة!
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وربما كان عصر هشام هو العصر الذي عُنِي فيه بهذه الرسائل العناية الفنية.
فنحن في آخر العهد الأموي نشهد فنونًا منظمًة من النثر العلمي، الذي يتناول التاريخ
والفلسفة والسياسة وعلوم الدين، ونشهد نثرًا أدبيًّا سياسيًّا موضوعه هذه الرسائل التي
كانت تصدر من الخلفاء والأمراء في المسائل السياسية المختلفة، ولم يكد النثر أيام بني
أمية يتجاوز هذا النحو من التبسط، إلى أن كانت الدولة العباسية في أواسط القرن
الثاني.
النثر مع الدولة العباسية
عندما قامت الدولة العباسية امتد سلطان النثر شيئًا فشيئًا، واتسعت موضوعاته إلى أكثر
مما كانت عليه في آخر العصر الأموي. وكان من أسباب هذا اشتداد الاتصال بين العرب والفرس
وغيرهم من الموالي في الشام والجزيرة والعراق، ومن أهم هذه الأسباب تسلط الفرس
والموالي، ووصول الأمة العربية الإسلامية إلى طور التسوية بين العرب وغيرهم من الموالي
في الحقوق.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| الثور المذءوب
سُعارٌ أصاب الرجل منذ البواكير الأولى من حياته، أنفق عمره يتعلم
لغاتٍ غير لغته العربية وله من الوقاحة ما يُحاوِل به أن يكون أديبًا
في اللغة العربية، وانتهت حياته أو أوشكَت ولكن المسكين فَشِل أن يكون
بين قومه أديبًا، وفشل أن يكون في اللغات التي تعلَّمها وأتقنها شيئًا
مذكورًا أو غير مذكور.
إنه ثَورٌ أصابه سُعار الذئاب المفترسة يريد أن يحطِّم الحياة من
حوله، ولكن لأنه ضئيل القَدْر هيِّن الشأن حقير النفس وضيع الفكر لم
يحطِّم إلا نفسه.
هم أوَّل ما هَم باللغة العربية والتراث العربي، وراح يُحارب كل ما
هو أصيل في أدبنا وتراثنا، ونظره الكليل المنحرف مُصوَّب على أن اللغة
العربية هي لغة القرآن. وهو يظُن بما ركِّبَت عليه نفسه من اجتماع
الثور والذئب أنه يستطيع أن يحطِّم اللغة ليُبعِد الناس عن القرآن وعن
الدين، واستقبله فيما تكالَب عليه الفشل الوبيل. وأحَسَّ الناسُ بما في
هجمته من سُعار فرفعوا المصاحف على الرءوس، وألجموه بما لا يُطيق،
وانهالوا عليه رجمًا، فإذا الثور فيه والذئب جميعًا يتمحَّضان عن كلبٍ
أجربَ يضع ذيلَه بين فخذَيه الخلفيتَين ويُسارِع في تلصُّص المجرمين،
يعدو باحثًا عن مخبأٍ أمين يلعَق فيه جرَبَه وجراحَه، ويصمت حتى يهدأ
ما ثار من الناس وحتى ينثني عنه الراجمون، وينساه الذين يقولون لا إله
إلا الله، محمد سيد الخلق رسول الله.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| فإذا ما نطح ثور رجلًا أو امرأة فمات النطيح، رُجِم الثور من فوره.
وكان المجرمون يُحاكَمون ويُجازَوْن باسم المجتمع، ومع ذلك بقي من الطبائع الابتدائية في
المجتمع اليهودي ما كان يحق للمظوم أن يقتصَّ به لنفسه، ومن هذا القبيل حق القريب في
الانتقام للقتيل، وكان لهذا القريب المعروف بوليِّ الدم أن يقتل القاتل في غير المعبد وفي
بعض الملاجئ.
ولم يَرْتَقِ اليهود إلى ما هو أعلى من درجة التطور الدنيا هذه التي لم تكن وحيدةً في
عاداتهم، ولم تكن سَنَةُ الإبراء عند اليهود إلا وجهًا مخففًا من الشيوعية
الابتدائية.
وفي كل تسع وأربعين سنة، أي ما يَعدل أسبوعَ سنواتٍ في سبع سنواتٍ، كما كان يقول اليهود،
كانت تُفتَح سنة الإبراء، وهي السنة الخمسون، فتُترَك الأرض بائرةً فيها، ويُحرَّر العبيد
فيها، وفيها تَسترد كل أسرة ميراث آبائها في الحصة التي أُعطِيت لأجدادها عند
القسمة.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| من لم يروِ: «طربت وما شوقًا إلى البِيض أطرب» فليس بهاشمي.
ومن لم يروِ: «ذكر القلب إِلْفه المهجورا» فليس بأموي.ومن لم يروِ: «هلَّا عرفت منازلًا بالأبرق» فليس بمهلَّبي.ومعنى هذا أن قرابة العقل كانت تجمع بين الرجلين، وتلك لفتة خُلُقية لا يدرك
قيمتها إلا الأقلون، ومن أجل هذا اهتم ابن قتيبة برواية شعره في باب الإخوان من
عيون الأخبار، فروى له في باب المودة بالتشاكل هذه الأبيات:وروى له في باب شرار الإخوان:ويتصل بصدق الأخوَّة في نفسه ما وقع له يوم مدح الحكم بن الصلت بقصيدته:فإنه لما فرغ من إنشاده دعا الحكم بخازنه ليعطيه الجائزة، ثم دعا بأبان بن الوليد
فأُدخل عليه وهو مكبَّل بالحديد، فطالبه بما عليه من المال، فالتفت الكميت فرآه
فدمعت عيناه، وأقبل على الحكم، فقال: أصلح الله الأمير! اجعل جائزتي لأبان.وكان حوشب بن يزيد الشيباني بالمجلس، وكان يكره الكميت وأبان معًا وساءه أن يشفع
الكميت لأبان، فقال: أصلح الله الأمير! أتُشفِّع حمار بني أسد في عبد بجيلة؟ |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
رغم هذا كان الطريق لا يزال طويلًا.
ظل مينزيز معارضًا لإقصاء البريطانيين عن المباحثات، ووصل دولز إلى كانبيرا في ١٤
فبراير لإجراء المباحثات مع الأستراليين والنيوزيلنديين، مستعدًّا للتظاهر بأن مسألة
معاهدة منطقة المحيط الهادي لم تُثَر قط على نحو يرتبط بمعاهدة السلام مع اليابان. وإذا
بسبيندر يخبر دولز على الفور بأن الحكومة الأسترالية لن تقبل أبدًا بمعاهدة كالتي
يقترحها دولز من دون إجراءات تصاحبها لضمان أمن أستراليا. من جهة أخرى، حثَّ مينزيز
سبيندر على عدم الضغط بشدة لإبرام معاهدة دفاع ثلاثية؛ لئلا يجازف بفرص الحصول على ضمان
رئاسي على الأقل بتأمين أستراليا ونيوزيلندا، غير أن سبيندر (الطائر الجزار) وعى طبيعة
مَنْ يتعامل معه، وأقر دولز في نهاية المطاف بأنه كانت لديه النية طوال الوقت للتباحث
بشأن معاهدة منطقة المحيط الهادي. وبعد ثلاثة أيام من الجدل العنيف، اتفقت الوفود
الثلاثة على مسودة معاهدة أمن تمثل نص معاهدة أنزوس النهائي مع اختلافات طفيفة.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
السبب الأول هو أن تربة وديان الأنهار الخصبة وتضاريسها المُنبسطة أثبتت أنها بيئة
زراعية غزيرة الإنتاج، وقد أدَّت الزيادة في إنتاج الغذاء سريعًا إلى ارتفاع هائل في
تعداد السكان الذين يعيشون هناك. وربما تتذكَّرون أن شعب الخزف الخطي انتشر سريعًا في
شمال أوروبا باستعمار وديان أنهار الدانوب والراين وإلبه، التي كانت غنية بطبقات ممتازة
من تربة اللويس التي خلَّفتها الأنهار الجليدية الذائبة. على غِرار هذا، استوطن أول
مُزارِعي العصر الحجري الحديث سريعًا وديان أنهار الهلال الخصيب والهند والصين، حيث
استُؤنس في الأصل العديد من النباتات والحيوانات.
حين حلَّت مجتمعاتٌ زراعية محلَّ مجتمعات الصيد وجمع الثمار التي كانت تسكن وديان هذه
الأنهار فيما مضى، تضاعَف عدد السكان من البشر عشر مرات. وعندما أُقيمت عدة مستوطَنات
دائمة على مقربة بعضها من بعض، وجد آلاف الناس أنفسهم في نهاية الأمر يعيشون في مناطق
صغيرة بدرجة تسمح لهم بعبورها مشيًا في مسيرة سفر يوم أو يومين. وقد أثبت هذا التمركز
البشري داخل مناطق جغرافية صغيرة أنه بيئةٌ مثالية لظهور مراكز مدنية.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ليس يعنيني ما يقوله الفتى في ذاته، وإنما أن يتشدَّق رجلٌ ملء هدومه
يعيش في بلدٍ من أعظم بلدان الغرب منذ سنوات، ويرى الحضارة وهي ترقى
إلى القمر، ويظل الفخر عنده بإجرام أُسرته وقوَّتها؛ فهذا أمر يجعل
الإنسان حائرًا مع البشر. إذا لم يتفاخر هذا الفتى الذي تُفتَرض فيه
الثقافة والتحضُّر الإنساني بالعلم أو الفن أو الخلق فمن يتفاخر به؟
كيف يعيش في هذا القرن الباذخ العلم الشاهق الحضارة؟! فمتى حصَل على
شهادة تعليمه العالي وعاصَر هذا العلم وتلك الحضارة في أرقى منابعها،
ثم يتفاخر بالإجرام بلغةٍ جاهليةٍ قضى عليها الإسلام منذ أربعة عشر
قرنًا؟!
فالبشرية إذن عند هؤلاء جامدةٌ متحجرة لا تتطوَّر ولا تنمو مع العصر،
ونحن إذن قوم نعالن العالم أن حضارته وثقافته لم تصِل بعدُ إلى أغوار
نفوسنا، وأن فينا — لا نزال — هذه البداوة الجاهلية، وأننا حتى نختلقُ
أحداث الإجرام لنُضفي بها على أنفسنا وأُسراتنا الجلال والهيبة. وبدل
أن نبحث لهذه الأُسرات عن أثَر في الفن أو الحياة العامة أو الوطنية أو
الأخلاق الرفيعة أو المُثُل العليا نختلق لها الفخر من أحقرِ ما ينبغي
أن ينتسب إليه الإنسان. وهل هناك أحقر من الإجرام؟
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ولا أظنني أجاوز الحق إذا زعمت أن مفكري إنجلترا وفرنسا معًا يشتركان في قضية رئيسية
واحدة، يعالجونها من جميع أطرافها، وهي قضية الحرية التي يمكن أن يظفر بها الإنسان الفرد إذ
هو يعيش في جماعة سادها العلم واستحكمت فيها الصناعة، مما أضاع على الفرد حرية المبادأة،
فمتى وأين وكيف يتحقق له قسط من هذه الحرية في حياته؟
••• ليس «المفكرون» — بالمعنى الذي حددناه للكلمة — هم القادة في ألمانيا أو الولايات المتحدة، فالعقل الألماني عقل منهجي دارس متعمق — يجب أن تؤخذ الأمور مأخذًا صارمًا يتعقبها إلى جذورها، ولا يكون ذلك إلا على أيدي الأساتذة الباحثين الذين لا يصدرون في أحكامهم عن خواطر تعن لهم بحكم تجاربهم الشخصية في الحياة اليومية الجارية — فالخواطر التي من هذا القبيل قد تصلح للتسلية عن طريق الصحافة، وأما ما هو هام وجاد فيُترك أمره إلى الدراسة الجادة المتعمقة، ومثل هذه الدراسة إنما تتم في الجامعات على الأغلب الأعم، لا في دور الصحافة، ولئن كان لهذا الوضع حسناته من حيث دقة العلم، فله سيئاته التي من أهمها أن هؤلاء الدارسين في العادة موظفون في معاهد تتبع الدولة، وإذن فيغلب عليهم أن لا يكون لهم شأن بمجرى الأحداث؛ لأن الأحداث تتصل بالسياسة من قريب أو من بعيد، حتى لقد أجاب أستاذ جامعي في ألمانيا ذات يوم وهو بصدد الاعتراف بأنه يستغرق نشاطه كله في بحوثه العلمية ولا يتدخل في |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ثُمَّ أَشارَتِ الأمِيرَةُ إلَيَّ أنْ أَجْلِسَ إَلى جانِبها عَلَى فَرْوَةِ نَمِرٍ
لِأَشْرَكَها في الطَّعامِ، فَأَذْعَنْتُ لِأَمْرِها كارِهًا، وَازْدَرَدْتُ
لُقَيْماتٍ. وكانَتِ الأَمِيرَةُ تُشَجِّعُنِي عَلَى الاسْتزادَةِ منْ طَعامِها،
وَتَقُولُ لِي بَيْنَ حِينٍ وَآخَرَ: «ماذا بِكَ أَيُّها الفَتى؟ ما بالُكَ لا تُقْبِلُ
عَلَى الطَّعامِ؟ لا رَيْبَ أنَّ ما فاجَأْتُكَ بِهِ منْ بُشْرَياتٍ قَدْ شَغَلَكَ عَنْ
كُلِّ شَيْءٍ، وَما أراكَ إلَّا مُتعَجِّلًا تَحْقِيقَ وَعْدِي. الحَقُّ مَعَكَ يا
فَتى، فَخَيْرُ البِرِّ عاجِلُهُ، ها أَنَا ذِي مُسْرِعَةٌ إلى مُقابَلَةِ أَبِي
لِأَرْجُوَهُ أنْ يَسْتَبْقِيَ لِي حَياتَكَ وَحَياةَ صاحِبِكَ الَّذِي اخْتارَتْهُ
جارِيَتي الوَفِيَّةُ «مَهْرڨيا» زَوْجًا لَها.»
وَلَمَّا أَتَمَّتْ هذِهِ الْكَلِماتِ أَذِنَتْ لِي بالْخُرُوجِ، وقالَتْ لِي وَهِي
تُوَدِّعُنِي: «عُدْ إلى خَيْمَتِكَ أيُّها الفَتى، ونَبِّئْ صاحِبَكَ أنَّ السَّعادَةَ
مُقْبِلَةٌ عَليْهِ، وأنَّ زَوَاجَهُ بِوَصيفَتي المُخْتارَةِ «مَهْرَڨْيَا» سَيَتِمُّ
مَعَ زَوَاجِكَ بِي. عَجِّلْ إلَيْهِ بِهذِهِ البُشْرَى، واشْكُرِ الحَظَّ السَّعِيدَ
الَّذِي أَفْرَدَكُما منْ بَيْنِ إِخْوانِكُما بالنَّجاةِ مِنَ الهَلاكِ، وَأَتاحَ
لِكِلَيْكُما أنْ تَنْعَما بالسَّعادَةِ الكامِلَةِ. طِيبا نَفْسًا، وَقَرَّا عيْنًا؛
فَإنِّي مُحَقِّقَةٌ لَكُما رَجاءَكما، وَمُبَلِّغَتُكُما أُمْنِيَّتَكُما،
وَسَتَتَعَشَّيانِ مَعِي هذِهِ اللَّيْلةَ حِينَ تَكُفُّ شُعْلةُ النَّهارِ عَنْ
إِضاءَةِ الجَزِيرةِ السَّعِيدَةِ. وَلْيُبارِكْ مَعْبُودُنا الأُفْعُوَانُ العَظيمُ
فِي حَياتِنا المَدِيدَةِ.»
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
فبالرغم من الظاهرة العامة التي تشيع في مسرح الحكيم الذي يسمِّيه ذهنيًّا ونسميه
تجريديًّا، وهي عدم نجاحه النجاح الكافي في إيهامنا بأن الشخصيات لا تعبِّر عن آرائه بل
تصدر عن ذاتها؛ فإننا نلاحظ مع ذلك أنَّه قد جعل الراعي الساذج يمليخا أرسخ إيمانًا وأكثر
اطمئنانًا روحيًّا من زميليه، ومشلينا ومرنوش الوزيران المثقفان يلجأان إلى التفكير المنطقي
على نحو يقودهما حتمًا إلى الشك، كما نحس من الحوار السريع الذي يجري بين الشخصيات الثلاث
إثر بعثهم:
الوداع! وأشهد الله والمسيح أن أموت ولا أعرف هل كانت حياتي حلمًا أم
حقيقة.
مثل هذا القول لا يمكن أن يصدر عن يمليخا إلا أن تكون شخصيته قد تطورت تطورًا كبيرًا منذ
بعثه في الفصل الأول حتى عودته إلى الموت بالكهف في الفصل الأخير، وهو تطور لا وجود له في
المسرحية.
وأما عن تنويع الحكيم للروابط التي كانت تربط كلًّا من الشخصيات الثلاث بالحياة وتنويع النتائج التي تترتب على اختلاف هذه الروابط، فقد أظهر الحكيم في كل ذلك مهارة واضحة، فيمليخا لا يربطه بالحياة غير قطيع غنمه الذي تركه يرعى الكلأ ويحرص على أن يسرع بالعودة إليه، ثم كلبه الذي صحبه إلى الكهف ليرقد بالوصيد أي الباب. والحكيم يرى بحق أن المال هو أهون الروابط بحكم أنه غادٍ ورائح، وإن يكن الحكيم لم يرتب على هذه الحقيقة نتيجتها المنطقية عندما نراه يجعل يمليخا أسرع الجميع يأسًا من الحياة وعودة إلى الكهف بمجرد أن تيقن من أن قطيع غنمه قد أهلكته السنون، وكنا نتوقع أن يهون عليه الخطب وأن يحاول تعويض ما فقده. وأما مرنوش فقد كان يربطه بالحياة — كما رأينا — بيت وزوجة وولد كان قد أعد له هدية، ولكن تهديد دقيانوس أعجله عن حمل الهدية إلى ولده فتأبطها إلى الكهف، وكان مرنوش ثاني من عاد إلى الكهف بعد أن تحقق من زوال بيته وفناء زوجته وولده بل وأحفاده فكان يأسه سريعًا |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ومهما تكن الأسباب التي دعت إلى رقي النثر وإسراعه في هذا الرقي، وإلى جمود الشعر
واستمساكه بهذا الجمود، فإن هناك حقائق أدبية واقعة، لا سبيل إلى الجدال فيها، وهي أنَّ
نهضتنا الأدبية إنما استمدت روحها وحياتها من القديم، قبل أنْ تستمده من الجديد، وأنَّ
نهضتنا الشعرية ظلت إلى الآن قديمة في نشأتها وروحها وغايتها، بينما تطورت نهضتنا النثرية،
فلم تعتمد على القديم إلَّا ريثما ينبت في جناحها الريش، فلما استوثقت من جناحيها طارت
مستقلة؛ فبلغت من الرقي أمدًا بعيدًا.
وإذن، فعندنا كُتَّاب مجددون، وعندنا كُتَّاب أحيوا النثر القديم، وللكُتَّاب فضلان: فضل
هذا التجديد الذي لم يكن، وفضل هذا الإحياء لما كان قد عبث به الزمان. وعندنا شعراء، ولكنهم
لم يجددوا شيئًا، ولم يبتكروا ولم يستحدثوا، وإنما اكتسبوا شخصيتهم من القديم، واستعاروا
مجدهم الفني من القدماء، فليس لهم إلَّا فضل واحد هو فضل الإحياء، وما زال ينقصهم فضل آخر
هو فضل الإنشاء والابتكار.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| •••
حين بدأ أسلاف أشباه البشر صنعَ الرماح وعِصيَّ الحفر وحملها واستخدامها في حياتهم
اليومية، بدءوا سلسلة من الأحداث تُوِّجت بتطوُّر حيوان له شكل جسدي جديد جذريًّا،
تكيفًا مع البيئة التي تطلَّبت تعاونًا غير مسبوق بين الذكور والإناث، وامتداد السلوك
الجنسي بدرجة هائلة، وظهور روابط أُسرية كانت بمنزلة لَبِنات بناء لمجتمعاتٍ أكبر وأكثر
تطورًا للإنسان الحديث.
أدَّت تقنية الرماح وعِصي الحفر إلى حدوث نقلة لدى البشرية؛ لأن الأدوات والأسلحة
المصنَّعة كانت تفوق نظيراتها البيولوجية. وقد أتاح تفوُّق ما هو تقني على ما هو
بيولوجي لأشباه البشر بدء رحلتهم التطورية الممتدَّة صَوْب الهيمنة على كل أشكال الحياة
الأخرى. وكما سنرى في الفصل التالي، زادت سطوة السلالة البشرية مرةً أخرى لدرجةٍ هائلة
خلال التحول الرئيسي الثاني، حين أتقنت مجموعةٌ مميَّزة جدًّا من أشباه البشر تقنية
النار، وأطلقت استراتيجيةً أخرى غيَّرت مجرى التاريخ في الصراع من أجل البقاء.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وكان الوفاء الزوجي أمرًا محترَمًا لدى بني إسرائيل، وكان زنا الأزواج يُعَدُّ جُرمًا
فظيعًا فيُعاقَب مقترِفه بالقتل، وزنا المرأة، لا زنا الرجل، هو المقصود هنا؛ وذلك لاستطاعة
الرجل أن يتزوَّج بالعدد الذي يرغب فيه من الزوجات الشرعيات وغير الشرعيات ما سمحت وسائله
له بذلك، وما كان الرجل ليُعَدَّ مجرمًا إلا إذا زنى بفتاة مخطوبة أو بامرأة متزوجة، فهنالك
يُقتَل.
وليس زنا الأزواج هو الجُرم الوحيد الذي تحرِّمه الشريعة على مزاج بني إسرائيل الداعر،
ففي شريعتهم تعدادٌ لدعارات عنيفة مع شدة عقوبة مَن يقترف إحداها، وتُثْبِت هذه الشدةُ
كثرةَ المخالفات.
وسِفاحُ ذوي القربى، أي الزنا بالأخت والزنا بالأم، واللواط والمساحقة ومواقَعة البهائم
من أكثر الآثام التي كانت شائعةً بين ذلك الشعب الذي نصَّ تاسيت على شَبَق له لا يُروَى
غليله.
وأريد لدى بني إسرائيل — كما عند كل شعب ذي غُلْمَةٍ — خلطُ أفظع الملاذِّ بالطقوس
المقدسة، وموافقة الشريعة على هذه الملاذ، فعُدَّت ضروب البغاء تكريمًا لعَشْتَروت، وعُدَّ
الانهماك في السكر على بُسط الأزهار وتحت ظلال شجر الزيتون في الليالي الرطيبة نوعًا من
العبادة التي لم تفتَأْ تُمارس آنئذٍ في فلسطين، على الرغم من غضب الأنبياء.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| سلطان العلماء (٢)
دخل عز الدين بن عبد السلام مصر، وقد سبقته شهرته بالعلم الواسع في مذهب الشافعية،
وبغيرته الدينية وبعظمته الخلقية، وكان يعرفه بذلك كله ملك مصر «نجم الدين أيوب»، فولاه
الخطابة في جامع عمرو بن العاص، وقلده القضاء في مصر (الفسطاط) والوجه القبلي (أما القاهرة
فأفرد لها قاضيًا خاصًّا) وعهد إليه بعمارة المساجد المهجورة بمصر والقاهرة.
وزاره المحدث الكبير وعالم مصر العظيم «عبد العظيم المنذري» فرأى من عز الدين فقهًا
غزيرًا وعلمًا كثيرًا، ورأى عز الدين من عبد العظيم بحرًا في الحديث وعلمه، فامتنع «عبد
العظيم» من الفتوى وقال: لا أفتي وعز الدين بها، وامتنع عز الدين من «الحديث» وقال: لا أحدث
وعبد العظيم بها.
وسرعان ما شاهد الناس من «عز الدين» فصاحته في الخطابة، وعلمه بأسرار الفقه وإخلاصه في
عمارة المساجد، ونزاهته في القضاء، وصلابته في الحق، فكانت مكانته في مصر كمكانته في
الشام.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| وهكذا يظهر مبدأ التخطيط في المُجتمع الاشتراكي بوَصفِه وَسيلةً لتحقيق التوازُن بين حاجات المجتمع وبين ما يستطيع أن يُنفِقه على هذه الحاجات من موارد. فالتخطيط في أساسه جُهد يُبذَل من أجل التخلُّص من فوضى الإنتاج، ومن أجل تحقيق النظرة الشاملة إلى موارد المجتمع، وتوزيعها حسْب الأولويَّات على مَطالبه وحاجاته. ومثل هذه النظرة الشاملة يَستحيل أن تتحقَّق في المجتمع الرأسمالي، الذي تسعى فيه كل صناعة، وكل شركة، إلى نفعِها الخاص، حتى ولو كان ذلك على حِساب الآخرين. ومن الواضِح أن لمبدأ التخطيط في المجتمع الاشتراكي قِيمةً معنوية كبرى، إلى جانب قِيمته المادية. فهو من جهةٍ يُساعِد على ترشيد الإنتاج في المجتمع على النَّحوِ الذي يَضمن له نُموًّا مُتوازِنًا لا يَطغى فيه جانبٌ على جانبٍ إلَّا بمقدار ما يُلبِّي من حاجاتٍ حقيقية للمجتمع. وهو من جهةٍ أخرى يُساعِد على انتشار مبادئ معنوية لا غناء عنها لكلِّ مجتمع يسعى إلى تقدُّمٍ حقيقي، |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
لوزة: أخاف؟ على العكس … إنني متحمِّسة جدًّا!
تختخ: إنك وحدَك.
لوزة: إن هذا يجعل مغامرة الركوب أكبر.
عاطف: إن أُسرة خالك ستكون في انتظارك بمطار «بيروت».
لوزة: لا تخَفْ علىَّ … إن في استطاعتي السفر إلى «أستراليا» وحدي.
ووصلت السيَّارة بهم إلى المطار، وظلُّوا هناك حتى ارتفعت الطائرة في الجو وعادوا
جميعًا.
وعندما وصلوا المعادي كان الظلام قد بدأ يهبط … وخفَّت حِدَّة الحرارة، وقال «تختخ» لوالد
«عاطف»: إن «لوزة» سافرت، وسيبقى «عاطف» وحده، هل عندك مانع يا عمِّي أن يقضيَ معي بضعة
أيام؟
قال والد «عاطف» ضاحكًا: لا مانع يا ولدي مُطلَقًا.
وهكذا انطلق الأصدقاء الأربعة إلى منزل «تختخ» وقضَوا ساعتَين يلعبون ويتحدَّثون، وفجأةً سمِعوا
صفَّارات سيَّارات الشُّرطة تدوِّي في الشارع، ثم توقَّفت غيرَ بعيد عن منزل «تختخ»، فقال «محب»:
ماذا حدَث؟
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
جاء صوت ليتون، بينما ينطلِق القارب متسارعًا: «ليس هذه المرَّة، سيد كونواي.»
حدق ضابط سكوتلانديارد فيه لدقيقة أو أكثر، ثم عاد إلى هاتش. لاحظ الصحفيُّ أنه شاحب،
شاحبٌ جدًّا.
سأله كونواي: «هل أوثقتَه؟»
أجاب هاتش: «أجل، هل جُرحتَ؟»
رد ضابط سكوتلانديارد: «بالتأكيد، لقد أصابني في ذراعي اليُسرى. لم أكن أعرف من قبل قطُّ
أنه يحمل مسدَّسًا. من حسن الحظ أنه لم يكن لدَيه سوى هاتين الطلقتين.»
وضع آلة التفكير اللمساتِ الأخيرة على جرح كونواي المضمد. كان جرحًا بسيطًا، ثم التفت إلى
زائرَيه الآخرَين؛ وهما: هاري تشيشير، أو ماندرلينج، والمحقق مالوري الذي سُلِّم إليه المتهم
فورَ وصول هاتش وكونواي إلى بوسطن. صدَر إنذار عام عبرَ السواحل للقبض على ليتون.
كان كونواي غيرَ مهتم، فيما يبدو، بالجرح، وإنما كان يتملَّكُه شعور بالفضول الصريح فيما
يخص ما فعله آلة التفكير، وكيف حدث ما حدث.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ولم يقصر أنصار النثر في الاحتجاج لفنهم، فقالوا: لا ننكر ما للشعر من فضل ومزية،
ولكن نرى أن النثر أفضل منه؛ لأنه يفي بضروريات الحياة، ولأن الشعر لا يكون إلا فنًّا
من فنون اللهو، ورأوا أن النثر لغة السياسة ولغة الدين ولغة العلم، وإذن فقد يكون الشعر
ذا مكانة، ولكن النثر أشد مساسًا بحاجات الإنسان، وأشد اتصالًا بما يتجه إليه؛ وإذن
فالنثر أفضل من الشعر.
وزادوا على هذا أن الشاعر ينشد واقفًا، على حين أن الناثر يستطيع أن يتكلم واقفًا أو
جالسًا.
وعلى هذا النحو لا تكادون تقرءون كتابًا من كتب الأدب الضخمة، حتى تجدوا خلافًا بين
الشعراء والكتَّاب، وأنصار الشعراء وأنصار الكتَّاب، ومصدر هذا أن الذين يدرسون الأدب
العربي لا يقدرون مكانة الشعر ومكانة النثر من الحياة بقدر ما ينبغي.
الشعر والنثر وأيهما أسبق
فالشعر ضرورة من ضرورات الحياة في طور من أطوارها، فإذا انقضى هذا الطور أصبح الشعر
عاجزًا عن أن يقوم بشيء من ذلك، وأصبح النثر خليفته يصور هذه الأشياء الجديدة.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
– نعم.
– ومتى كنتَ تُريد أن تذكُر الله؟
إننا نحن المؤمنين نذكُر الله حين نُصبِح عاجزين؛ فإن الله
يأمرنا أن ندبِّر نحن أمر أنفسنا ونتوكل عليه ولا نتواكل.
وقد كنتَ أنت مشغولًا بإنقاذ نفسكَ وحين جاءت اللحظة التي يجب أن
تقول فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله كنتَ
مُغمًى عليك. يا صديقي، إن هذه التجربة لا تصلُح دليلًا تطمئن إليه
أنك محصَّن ضد الإيمان.
– أترى ذلك؟
– لا شك في ذلك. هيه، أتأتي معنا؟
– لا، سأذهب وحدي.
وأثار الحديث الكثير من الوساوس في ضميره. ما مصيري إذا اهتزَّت
مشاعري من الإيمان، واستيقظَت من سُباتها تلك البذرة القديمة التي
ألقى بها في نفسي أبواي، وسقتها البيئة والتقاليد وتاريخ أجدادي
الطويل ذاك في ظل العقيدة.
وما البأسُ أن أُومن وأظلَّ في عملي؟ هُراء. إن عملي متوقِّف على
إلحادي. ولماذا ألقي بنفسي إلى صراع أنا في غنًى عنه؟ وما لي لا
أُبعد مشاعري عن هذا الامتحان؟ قد أجوزه وأظل على إلحادي، أو قد
أرسب وأعود إلى الإيمان، ويومئذٍ وداعًا للكاديلاك، والملابس
الأنيقة والعيش السعيد.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| سعى الألمان في محاولة أخيرة لم تُجْدِ نفعًا إلى اقتحام مقر تمركز قوات الحلفاء في فرنسا في معركة أميان، حيث تمَّت الاستعانة بالأستراليين لتنفيذ هجمات الاختراق الرئيسية بمنطقة سان كوينتين؛ مما جعل الثامن من أغسطس من ذاك العام أصعب يوم واجهه الجيش الألماني. وبدءًا من ذلك الوقت، بدأ تقهقر الجيش الألماني حتى دعا جنرالات الجيش في نهاية المطاف إلى إبرام هدنة تم التوقيع عليها في ١١ نوفمبر عام ١٩١٨ في الحادية عشرة صباحًا. لم يكن الفوز بالحرب ممكنًا، رغم قرار البحرية الألمانية بعد إبرام الهدنة باجتياح بحر المانش لوقف وصول التعزيزات القادمة من إنجلترا؛ وذلك في إطار اعتقادهم أن الجيش الألماني سيكون قادرًا على الاحتفاظ بالأراضي التي ظل محتلًّا لها في بلجيكا وفرنسا. وقد أشعلت هذه الخطوة التي أقدم عليها قادة البحرية الألمانية فتيل الثورة الألمانية في ١٥ نوفمبر. كانت القوات الألمانية قد فاض بها الكيل، وانتهى بها الأمر إلى |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وهنالك حالة ثالثة من حالات الخلاف الفكري يكون فيها السؤال المطروح سؤالًا واحدًا
محددًا، فتجيء عنه إجابتان يظن أنهما مختلفتان على حين أنك لو حللتهما، وجدتهما مترادفتين
متساويتين، وكل ما في الأمر بينهما هو أنهما وضعتا في عبارتين مختلفتين، ولا زلت أذكر
سؤالًا ألقاه عليَّ أبي إذ كنت غلامًا، إذ سألني: أيهما تفضل؟ برتقالة مُقشَّرة أم برتقالة بغير
قشر؟ فاندفعت مجيبًا: أفضل برتقالة بغير قشر، فقال مازحًا: ولماذا لا تأخذها مقشرة؟ فقلت:
لكي أضمن نظافتها، وعندئذٍ لفت ذهني إلى أن البرتقالة بغير قشر هي نفسها البرتقالة المقشرة،
والاختلاف هو في اللفظ لا في المعنى.
ومن أحدث الأمثلة في حياتنا الفكرية، على مثل هذه الحالة تلك المشكلة التي ما تفتأ تثار بين فريقين من الكُتَّاب، وهي: أنعد اشتراكيتنا اشتراكية عربية أم نعدها تطبيقًا عربيًّا للاشتراكية؟ فيُجيب فريق بالإجابة الأولى حرصًا على أن تكون اشتراكيتنا مطبوعة بطابعنا الخاص المتأثر بظروفنا الخاصة، ويجيب الفريق الآخر بالإجابة الثانية حرصًا على وحدانية المبدأ الاشتراكي وعدم تجزئته، على أن الفريقين معًا متفقان على أن الاشتراكية معناها بصفة عامة عدم استغلال الإنسان للإنسان، وفي اعتقادي أن الإجابتين مترادفتان برغم ما يبدو على ظاهرهما من تباين، فافرض — مثلًا — أنني طرحت سؤالًا عن القطن العربي ما طبيعته: أهو قطن عربي أم نبات عربي للقطن؟ فأجاب مجيب بالصيغة الأولى وأجاب مجيب آخر بالصيغة الأخرى، فهل ترى بينهما من خلاف في المعنى؟ كان اختلاف الرأي بين الفريقين عن الاشتراكية العربية ليكون ذا معنى لو أن كل فريق منهما عرف مفهوم الاشتراكية تعريفًا يخالف تعريف الآخر له، أما وقد اتفقا على |
|
3Noto_Kufi_Arabic
| الكواكب الصخرية(١) اللب
تتميز الكواكب الأرضية عن غيرها بامتلاكها أجزاءً خارجية صخرية تتكون في أغلبها من
معادن السليكات. لكن كثافاتها كبيرة جدًّا بحيث لا تسمح لها بأن تكون صخرية بالكامل،
ويُعتقد أن كلًّا منها يحتوي على لب غني بالحديد في مركزه. ولا يمكن رؤية لب أي كوكب أو
أخذ عينة مباشرة منه، لكن يوجد العديد من الأدلة المستقلة. والكثافة أحد هذه الأدلة؛ إذ
تشير إلى أن الجزء الداخلي لا بد أن يكون أكثر كثافة من الصخر بما يسمح حتى بانضغاط
داخلي في ظروف الضغط المرتفع. وتشير تحليلات مسارات مركبات الفضاء التي تدور حول تلك
الكواكب إلى أن الكثافة تزداد باتساق حول مركز كل كوكب. وتشير النماذج الكيميائية
المتعلقة بما يحدث — على الأرجح — داخل الكواكب الصخرية إلى أن هناك قدرًا غير كافٍ من
الأكسجين بحيث يمكن لكل الحديد الموجود أن يتأكسد ويتَّحد مكوِّنًا معادن السليكات؛
لذا، لو أن الجزء الداخلي من الكوكب قد انصهر، فإن هذا كان من شأنه أن يسمح للحديد
المعدني الذي هو أكثر كثافة من الصخر، أن يغوص نحو المركز. وهذا مثال على عملية يُطلق
عليها: التمايز الكوكبي.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
لكن حين اقترب العصر الحجري القديم من نهايته مع تراجع العصر الجليدي الأخير، حرَّرت
البشرية نفسها من الحاجة للانهماك الدائم في البحث عن شيء لتناوله، التي تحدُّ حياة كل
الحيوانات الأخرى وتُقيدها؛ فحين جعلت تقنية الزراعة بإمكان البشر إنتاج غذائهم وتخزينه
للمستقبل، ألقى نوعنا عن كاهله العبء الذي كان يحمله، مع كل الحيوانات الأخرى، منذ
نشأته.
متحرِّرين من البحث اليومي عن الغذاء، استقرَّ أسلافنا في مستوطنات دائمة ضمَّت المئات بل
الآلاف من الناس، وتعلَّموا الاشتغال بالفنون والحِرف، وبدءوا يتضاعفون. ومكَّنتنا تقنيات
النقل والاتصالات الجديدة والقوية من بناء المدن والتضاعف أكثر لنبنيَ حضاراتٍ هائلةً
مكوَّنة من مئات آلاف الأشخاص. وأتاحت لنا تقنية الآلات الدقيقة إمكانية إنشاء دول قومية
صناعية حديثة تضمُّ ملايين الأشخاص؛ ونتيجةً لذلك تضاعَفْنا سريعًا حتى بات مستقبلنا البعيد
في خطر الآن. وبفضل التطور الحديث للتقنية الرقمية — التي منحتنا القدرة على التجارة مع كل
أفراد النوع البشري وزيارتهم والتواصل معهم — أصبح بإمكان البشرية الاندماج في مجتمع عالمي
واحد، لأول مرة في تاريخنا.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| مدح أهل البيت
نشأة العطف على أهل البيت – مقتل الحسين – النوح في يوم عاشوراء – الصلاة على
الحسن والحسين في بعض الخطب المنبرية – مصرع ابن السكيت – دسائس الأمويين ضد الحسن
بن علي – المبالغة في بكاء الحسين – أشياع علي في حضرة معاوية وغيره من الخلفاء –
مدح شعراء الفاطميين لأهل البيت ليس من التصوف.
***وُلِد العطف على أهل البيت منذ اليوم الذي خُذِل فيه عليٌّ، وكان يرى نفسه صاحب
الحق في الخلافة الإسلامية، وبلغ العطف أشُده يوم قُتل، وأتيحت بقتله الفرصة لقيام
الخلافة الأموية، ثم تأصلت جذور ذلك العطف في أفئدة المسلمين بعد قتل الحسين رضي
الله عنه وما تلاه من أحزان أهل البيت.وسورين: نهر بالري وأهلها يتطيرون منه؛ لأن السيف الذي قُتل به يحيى بن
زيد بن علي بن الحسين غُسل فيه.والتطير من نهر غُسل فيه سيف قُتل به رجل من أهل البيت يمثل أقصى معاني التصوف في
حب أسباط الرسول. |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وبالرغم من أن أستاذنا الخولي قد قرر في عمق ووضوح مدى حرية الأديب أو الفنان إزاء
التاريخ وحقه في استكمال الصورة الفنية التي يختارها من أحداثه وإعادة تفسيرها واستخراج
دلالتها، فإنه لم يستطع أن يُقر توفيق الحكيم على ما فعل بهذا القاضي الجليل العز بن عبد
السلام هو والمخرج، ثم يقول: «وللعز بن عبد السلام في نفسي وفي التاريخ الصورة التي قدمتها،
وأكتفي بأن أسأل: أهكذا أيها المؤلف …؟! أهكذا أيها المخرج؟!»
وأنا أقر أستاذنا المحقق على الحدود التي رسمها لحرية الأديب أو الفنان إزاء التاريخ
عندما يلجأ إلى أحداثه، كما أشكر له بحثه الدقيق القيِّم عن تاريخ القاضي عبد العزيز بن عبد
السلام، والصورة المشرفة التي صوَّرها لتلك الشخصية الناصعة، وكان باستطاعتي أن أقره على
نقده للصورة التي تعاون الأستاذ توفيق الحكيم مع المخرج على إبرازها أمام الجمهور لهذه
الشخصية الجليلة في مسرحية «السلطان الحائر»، ولكن الذي يمنعني من ذلك هو اختلافي الجذري مع
أستاذنا المحقق أمين الخولي في النظرة إلى طبيعة هذه المسرحية.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
– لا تسخر مني يا سيدي القسيس الكبير، فما أنا يا مولاي إلا ساحرة مسكينة، وادعُ ربك وربي
الرحيم أن يغفر ذنوب خاطئة بغير ذنبها وملعونة، تريدني أن أعترف؟
– أجل، أجل. كيف صعقت الملَّاح البائس بشعاعٍ من عينيك وأنت على قمة جبلٍ عالٍ؟ وكيف …؟
– وكيف اصطدمت مركبه بالصخرة فتحطمت المركب وتحطم معها الملاح؟ أوليس كذلك ما ترويه
الأغنية على ألسنة الملاحين والفلاحين، وتردده النسوة وعجائز تلك البلدة والشبان مع
الأطفال. مولاي تعبت من الأغنية ومن غناها ويغنيها صبح مساء. ولهذا جئت إليك لتنفِّذ حكمك
فيَّ وتأمر.
– ليس قبل أن تعترفي وتقولي، ما حكاية هذا الملاح؟ وماذا فعلت به يا لورا لاي؟
– صدقني فالأمر بسيط يا مولاي، وهو كما حدث بعيد عما يحكون. لم أذنب فيه — علم الله — ولم
أقصد أن أوذي الرجل المسكين.
– لكن شعاع الجمر بعينيك، ماذا فعل؟ اعترفي، قولي.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
مرَّت لحظاتٌ صامتةٌ. كانت الخريطة لا تزال مضيئةً، تبين خط سير «القمر»، ومكان غرقها،
الذي تحدد عند نقطة التقاء خط عرض ٢٠ درجة، وخط طول ٢٠ درجة أيضًا.
جاء صوت رقم «صفر»: لقد انتهى الموقفُ عند هذا الحد، واعتُبرت المسألة عادية، ودفعَت شركةُ التأمين ما دفعَت. إن المعلومات لدينا تفيد أن هذه حادثةُ نصبٍ ضخمة، وهذه هي مهمتكم.
صمت لحظة، ثم قال: «هل لديكم أسئلة؟» انتظر لحظةً، فلم يتحدث أحد من الشياطين، فقال: إذا
وصلت معلوماتٌ جديدةٌ، فسوف أُخبركم بها، إلى اللقاء، وأتمنَّى لكم التوفيق.
أخذت أقدام رقم «صفر» تبتعد، حتى اختفت تمامًا، وكانت الخريطة لا تزال مضيئة، وكان
الشياطين يتأمَّلونها لحظة، ثم وقف «مصباح» قائلًا: أظنُّ أننا يجب أن نتحرَّك!
نظر الشياطين له قليلًا، ثم بدءوا يتحرَّكون الواحد وراء الآخر، وغادروا القاعة، وكان
النهار لا يزال في بدايته، فأخذوا طريقهم إلى قاعة الاجتماعات الصغرى، في نفس الوقت اتَّجه
«أحمد» إلى قسم المعلومات في المقر السري فقد كان يحتاج إلى معلومات عن جزيرة «مدغشقر»، وكان
قسم المعلومات يعتمد على ذاكراتٍ إلكترونيةٍ، فضغط «أحمد» الأزرار، فظهرت شاشة صغيرة،
وبدأت المعلومات تتوالى عليها، وأخذ «أحمد» يقرأ، حتى إذا انتهى، ضغط الزِّر، فاختفت
الشاشة، وخرج متجهًا إلى القاعة الصغرى …
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وكُتَّاب اليهود إذا لم يكونوا مؤرخين صادقين كانوا وصافين أوفياء، ومن الوثائق التي لا
يَعدِل قيمتها شيءٌ ما أتوا به من الأوصاف الساخطة حول وثنية بني إسرائيل المتأصلة،
والأوصاف الساذجة للطبائع الرعائية، وسلاسل الأنساب التي لا حدَّ لها، وسمات الأخلاق
الهائجة.
ومن الناحية الأدبية عرضوا علينا صفحاتٍ جميلةً إلى الغاية، وتُعَدُّ فصول سِفْر التكوين
الأولى أثرًا ممتازًا للعظمة والبساطة، وعلى هذا الوجه وبمثل هذا العرض وهذه اللغة، يمكن
المرء أن يتمثل بدء الرواية البشرية الكبرى.
وإذا كان الأساس كلدانيًّا فإن الشكل عبري، وكان لا بد من قناعة السامي لوصف تلك المبادئ
الهائلة في بضع كلمات، ومنحها حتى بالوسائل الساذجة مظهرًا غريبًا من ظاهر الحق
والحياة.
وبجانب أسفار العبريين التاريخية والخرافية تجد القصة الصِّرْفة التي لا يُزعَم صِدْقها،
والتي لا يبالى فيها بالغلط التاريخي، والتي لا غاية لها سوى افتتان القارئ وثقافته
الخُلقية في بعض الأحيان.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| كان ردَّ فعلٍ على النَّزعَة العقلانية اللا شخصيَّة المُتطرِّفة التي كان يتَّسِم بها العصر الجديد، ولكن الأرجَح أنه كان مُتمشِّيًا مع مُقتضَيات عصرٍ فُتِحَت فيه أمام الفرد آفاقٌ لا نهائية، وازداد فيه الإنسان ثقةً بنفسه وشعورًا بكِيانه، وأُزيلَت فيه الحواجز التي كانت تَحُول دُون تحقيقه لأمانِيه في النجاح والارتقاء إلى أعلى دَرَجات السُّلَّم الاجتماعي.(٢) الرأسمالية المُكتمِلة
كانت المرحلة المُبكرة من العهد الرأسمالي مرحلة كفاحٍ ضِدَّ قوى الإقطاع المادية
وقِيَمِه المعنوية. وإذا كُنَّا قد أكدْنا من قبلُ مزايا هذه المرحلة وسِماتها
الإيجابية، فذلك لأنها تُمثِّل بالفعل تقدُّمًا ملموسًا بالقياس إلى المرحلة السابقة
عليها. فهي قد دفَعَت بالبشرية خُطواتٍ واسعةً إلى الأمام، حين أكدت سيادة العقل على
كلِّ النَّزَعات اللا عقلية المُضطرِبة الغامِضة التي كانت تَسُود في العصور الوسطى،
وحين أطلَقَت طاقات الإنسان ليستكشِف الطبيعة جُغرافيًّا ويَفهمها عِلميًّا ويَستغلَّها
اقتصاديًّا.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ما هي مسئولية الكاتب ورسالته؟ أهي أن يلتزم بالمبدأ كما فعل مسطاط، أم أن يلتزم بالقضية
كما فعل توت؟ هل الفرق بين الملائكة والبشر هو أن الملائكة لا تعرف من الوجود غير شيء واحد
المثالية، فهي عندها هدف ووسيلة في عين الوقت، في حين أن البشر يعرفون شيئين المثالية
والواقعية، ولا يمكن أن يتجردوا من الواقع وهم يسيرون نحو مثل أعلى؟ ما هو مستقبل الإنسان؟
هل هو في الارتفاع إلى صفاء الملائكة، أو هو في بقائه بشرًا يكافح ليعادل المثالية
والواقعية، ويخرج من هذا التعادل بهدف أنبل لحياة أفضل؟»
وباستطاعتنا أن نستنتج من استعراض المؤلف نفسه لكل هذه القضايا وإيحائه لنا بالبحث عنها واستقصائها في مسرحيته، أن المؤلف نفسه قد أصبح يعتقد أن الدنو بأي موضوع من واقع الحياة حتى ولو كان هذا الموضوع أسطوري الأصل؛ من الممكن أن يُكسب هذا الموضوع غنى لا يمكن أن يتوافر للفكرة المجردة أو الصراع المجرد بين «المطلق من المعاني» كما كان المؤلف نفسه يقول من قبل، وذلك ما لم يستطع أحد العباقرة الأفذاذ أن يحتفظ في مسرحيته الأسطورية الموضوعة بكافة الرموز العميقة التي تتضمنها أحداث الأسطورة مع المحافظة في نفس الوقت على القوة الدرامية المؤثرة لتلك الأحداث، على نحو ما استطاع عملاق التراجيديا الأكبر سوفوكليس في مسرحيته «أوديب ملكًا»، بينما فشل جميع من حاولوا بعده في معالجة نفس الأسطورة، في حين استطاعت بعض العبقريات العادية مثل عبقرية برنارد شو أن تخلق من أسطورة كأسطورة بجماليون مسرحية واقعية نابضة بمشاكل الحياة العصرية غنية بقضايا الحياة الحية، كما استطاع توفيق |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ومرت بجانبنا سفينة ملئت فرحًا وسرورًا، وبها «جوقة» موسيقية تعزف وتغني، ويأخذ أهلها
الطرب فيتصايحون ويتنادرون ويضحكون.
فأخذ صديقنا يُلقي محاضرة أخرى في الموسيقى الشرقية وعيوبها، وبدأ يُقارن بين الموسيقى
الشرقية والغربية، وكاد يتدفق في هذا تدفقه في ذاك.
قال أحدنا: على رِسْلك يا دكتور!! فإن لقدرتنا على الاستماع حدًّا، والمتحدث ينبغي أن
يُوائم بين أحاديثه، فأين ما كنت فيه من مصير العالم من الموسيقى العربية والغربية؟ فإن كنت
خبيرًا بالموسيقى فتجنب «النشاز».
وضحك الجميع، ورست السفينة، وإلى اللقاء.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وتمالكتُ نفسي.
– لا أسمع صوتك، قم امشِ.
وحاولتُ أن أقول شيئًا فعاجلَني: ولا كلمة، اخرج.
وحين خرجتُ رجعتُ إلى نفسي، ما الذي جعل هذا الرجل يثور هذه
الثورة المحمومة، أنا أعلم أن صوتي جميل، ولكن لم أكن أعلم أنه
جميل إلى هذا الحد. لقد أفقد الرجل عقله واتزانه. وما ثورته هذه
إلا رعبُه وهلعُه أن يصل صوتي إلى الآذان بلحنٍ من ألحاني فيُصبِح
هو ضائعًا لا قيمة له؛ فإني واثق أن الجمهور إذا سمع صوتي فسينصرف
عن كل الأصوات الأخرى وسيرفض ألحان جميع الملحِّنين، فلم يكن
عجيبًا إذن أن يثور الملحِّن هذه الثورة، بل كان العجيب ألا
يثور.
حاولتُ أن أتقدَّم للإذاعة، وذهبتُ إلى هناك وسجَّلتُ اسمي ضمن
من يرغبون في اختبار أصواتهم. وتحدَّد الموعد، وذهبت فيه. ما هذا؟
إن اللجنة جميعها من الملحنين والمغنين. قلتُ: لعل الجماعة تكون
أكثر عدلًا من الفرد. وغنَّيت. أكملتُ الجزء الأول من الأغنية،
وقيل لي كفى. وظهرت النتيجة؛ لا يصلُح. عجبتُ! ثم سرعان ما زال
عجبي، وعجبتُ من نفسي. كيف ظننتُ أن أجد العدالة عند هؤلاء؟ كيف
توهَّمتُ أن أجد العدل عند الجماعة حين أفقدها عند الفرد؟ وهل
الجماعة إلا مجموعة أفراد؟
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
أحدثت تقنية المسكن والملبس تحولًا في البشرية بمنحها نوعًا من الحرية لم يتمتَّع به
نوع حيواني آخر. فإذا لم تكن هناك كهوف لتوفير ملاذ من أمطار المناطق المدارية
المنهمِرة أو شمس الصحراوات المحرقة، كان أشباه البشر يستطيعون بناء ملاجئ من الزرع
الموجود في بيئاتهم وجلود الحيوانات التي كانوا يصطادونها. وإذا كانت فصول الشتاء باردة
في المناطق الشمالية المتجمدة، فإنهم كانوا يستطيعون تغطية أجسامهم بالفراء والجلود
والتجمُّع بالقرب من دفء نيران مخيَّماتهم. وإذا كانت فصول الصيف حارة، فإنهم كانوا
يستطيعون خلع ملابسهم، وتمنحهم رطوبة غددهم العرقية المتعدِّدة شعورًا بالبرودة.
هكذا سرعان ما انتشر الإنسان الحديث تشريحيًّا بدماغه الكبير وذكائه المنقطع النظير
في أنحاء كل قارات العالم وأهل كل البيئات الأرضية المُمكنة تقريبًا، متسلِّحًا بأسلحةٍ
متقدِّمة، ومُتمكنًا من السيطرة على النار، وقادرًا على بناء مساكن وصنع ملابس متنوعة
أتاحت له العيش في أي بيئة تقريبًا. نتيجة لهذا، بدأ تعداد أشباه البشر في الأرض يزيد
زيادةً هائلة، بعد أن ظل لملايين السنين ثابتًا بدرجة كبيرة عند أقل من مليون نسمة.
وتُشير التقديرات إلى منذ نحو ١٥ ألف عام، حين صار الإنسان الحديث تشريحيًّا النوع
الوحيد الحي من أشباه البشر، كان تعداد أشباه البشر على الأرض قد زاد لعدة ملايين
فرد.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وأما عن القيمة الثانية: قيمة التفاوت الطبقي بين المواطنين، فقد كانت كذلك نتيجة طبيعية
في مرحلة العُرف والتقليد التي سادها الاقتصاد الزراعي؛ لأن الزراعة بطبيعتها عندئذٍ كانت
تتطلب صاحب أرض يسود وجماعة من الفلاحين يفلحون له الأرض ويسادون، وليس من المعقول عندئذٍ
أن يتساوى في العرف سيد ومسود، فللسيد معاملة وللمسود معاملة أخرى دون أن يحس السيد أو
المسود شذوذًا في هذا التفاوت، ولكم سمعت آذاننا في آلاف المواقف رجلًا يظن أنه قد أهين،
فيسأل من وجه إليه الإهانة: أتعرف من أنا؟ وذلك لأنه لا يكفيه أن يكون مواطنًا كسائر
المواطنين، وأن تكون المعاملة الاجتماعية قائمة على أساس المواطنة وحدها بغض النظر عمن تكون
أنت، ومن أكون أنا من حيث العمل الذي يؤديه كل منا.
هاتان قيمتان اثنتان استخرجناهما من موقف واحد: قيمة الزمن وقيمة التفاوت الطبقي، لندل
بهما على ما زعمناه، وهو أننا نعيش في مرحلة الانطلاق بعلمها وصناعتها، على قيم المرحلة
البائدة، ولن تستقيم الأمور وتتناغم جوانب حياتنا إلا إذا أحدثنا الثورة في القيم، كما
أحدثناها في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وإنها لثورة لا تتم لنا إلا إذا خلقنا — نحن
رجال الفكر والأدب — أزمة في نفوس الناس ليحسوا حدة التناقض القائم.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
أما الابن فمهندس في بواكير عمره، وأما الأب فهو من عَرفت. أما
التهمة التي دخل بها المهندس إلى السجن فليس لها أي أهمية؛ فقد لا تكون
هناك تهمةٌ على الإطلاق.
أُعجب الضابط بالمهندس وأحبَّه، وأحبَّ المهندس الضابط حتى كان يومٌ
سمعا فيه أن المهندس أوشك على الخروج من السجن فتقدَّم المهندس إلى
الضابط.
– لقد عاشرتَني وعرفتَني كما يعرف الأب ابنه.
– وأحببتُكَ أيضًا كما يُحب الأب ابنه.
– وإني أريدُ لهذه العلاقة أن تتوطَّد.
– ليس من سبيل؛ فليس هناك علاقةٌ أوطد من علاقة الأب بابنه.
– إن لك ابنةً وأُريد أن أخطبها.
– لكم أُحب ذلك!
– لقد عرفتُها وعرفَتني من زيارتها لك، وما أظُنها ترفُضني.
– اسمع. إن ابنتي في الجامعة.
– أعرف ذلك.
– إن أردتَ أن تقدِّم لي معروفًا فاخطب ابنة أختي.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
حين حلَّ اليوم الخامس من احتجاز آلة التفكير، كان القلق باديًا على وجه المأمور؛ إذ كان
يترقب نهاية الأمر كله. لم يستطع منع نفسه من الشعور بأن سجينه المميَّز كان يستمتع بوقته،
ولو كان هذا صحيحًا، فإن آلة التفكير لم يفقد شيئًا من حس الدعابة لديه؛ ذلك لأنه في اليوم
الخامس ألقى رسالة مكتوبة على قطعة أخرى من الكتان، مدوَّن عليها عبارة «لم يتبقَّ إلا
يومان.» كما ألقى نصف دولار.
كان المأمور يعلم — علم اليقين — أن السجين الموجود في الزنزانة رقم ١٣ لم يكن يمتلك أي
أنصاف دولارات؛ فمن المستحيل أن يكون معه نصف دولار، تمامًا كما كان من المستحيل أن يكون
معه قلم وحبر وقماش كتان، ومع ذلك فقد كانت هذه الأشياء موجودة بالفعل. كان ذلك أمرًا
واقعًا، وليس نظرية، وهذا أحد الأسباب التي جعلت القلق باديًا على وجه المأمور.
أيضًا ظل ذلك الإحساس المُريع العجيب المُرتبط بالكلمات «ماء النار» و«قبعة مقاس رقم ٨»
عالقًا في ذهنه بقوة. لم تكن هذه الكلمات تعني شيئًا بطبيعة الحال؛ فهي محض هذيان من قاتل
مجنون دفعه الخوف إلى الاعتراف بجريمته، ومع هذا فقد كان ثمةَ كثيرٌ من الأشياء التي «لم
تكن تعني شيئًا» تحدُث داخل السجن منذ أن أُودِع آلة التفكير فيه.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| (٨) الأغلفة الجوية
بعد نشأة كل كوكب أرضي، لا بد أن يكون قد تشكَّل لديه غلاف جوي عندما تسربت الغازات
الداخلية من محيط الماجما. وهذه الأغلفة الجوية البدائية ليست موجودة اليوم، بالرغم من
أن الغازات التي تنبعث من البراكين تبين الخصائص التي ربما كانت تتَّسم بها تلك
الأغلفة. وجاذبية كلٍّ من القمر وعطارد ضئيلة بدرجة لا تمكنهما من الاحتفاظ بغلاف غازي
حولهما، و«الغلاف الجوي» الذي قد يشار أحيانًا لوجوده في كلٍّ منهما، والذي يكون ضغطه
أقل بكثير من ١ على مليار من ضغط الغلاف الجوي لكوكب الأرض؛ يتكون في الأساس من ذرات
شاردة طُردت من السطح بفعل اصطدام النيازك الشديدة الصغر والأشعة الكونية. وهذه الذرات
شحيحة جدًّا لدرجة أن كل واحدة منها تشرد — على الأرجح — في الفضاء بدلًا من أن تصطدم
بذرة أخرى. وهذه الحالة توضح ما يُعرف باسم الإكسوسفير (الغلاف الخارجي) للكوكب. وهذا
الغلاف يمثل النطاق الخارجي الرقيق من معظم الأغلفة الجوية، لكن القمر وعطارد لا
يستطيعان الاحتفاظ بسواه.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
قال ويدون: «انهض يا سميث، ما الذي جاء بك إلى هنا؟»
تلعثم بيوتي وهو يرد: «أنا … أنا … أنا.» استمر أبيض الناب في الهرير، وأدرك سميث أنه في
ورطة كبيرة، فأردف قائلًا: «احرص فقط على ألا ينفلت الذئب من يدك.»
سأله ويدون: «لماذا تحوم حول كوخنا في منتصف الليل، يا سميث؟ لا أظن أنها زيارة
ودية.»
رد سميث وهو يئن: «أتيت … أتيت لأستعيد ملكيتي؛ لأستعيد ذئبي!» وما إن نظر سميث إلى أبيض
الناب حتى بدأ الذئب يزمجر ويهِرُّ ثانيةً.
ضحك منه ويدون: «هل تريدني حقًّا أن أتركه من يدي؟ هل تحب حقًّا أن تأخذ أبيض الناب معك
إلى المنزل؟»
جاهد الكلب لكي يحرر نفسه من قبضة سيده وقد لمعت أنيابه في الظلام وانتصب شعر فروه.
عندئذ صرخ سميث: «لا … لا … لا، لا تتركه من يدك.» ووضع يديه على وجهه.
قال ويدون: «سيظل أبيض الناب حيث هو الآن، إن رحلت في هذه اللحظة.»
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| مطاردةٌ في منتصف الليل
أعاد الرجل المُسدَّس إلى جيبه حتى لا يلفت الأنظار … وأسرع وراء «بو
عمير» الذي كان قد اقترب من سيارته، في حين كانت «ساندي» قد ركِبَت
سيارتها وبدأت تهمُّ بالانطلاق.
أخرج الرجل مُسدَّسه وصوَّبه ناحية «بو عمير»، ولكنه لم يطلق الرصاص؛
لأن سيارةً أخرى مرت فجأة أمام الرجل، وكانت فرصة «بو عمير» الذهبية
فوصل إلى سيارته وأدار المحرك …
وهنا أطلق الرجل أول طلقةٍ ولكن سيارة «بو عمير» المصفَّحة أنقذت
حياته … وانطلق «بو عمير» بسرعةٍ رهيبة، وعلى الفور أسرع الرجل إلى
سيارته، وانطلق بها خلف «بو عمير» …
كانت حركة المرور في المدينة قد بدأت تسكن؛ لذا مكَّنت الطرق الخالية
«بو عمير» من الانطلاق مُسرعًا بسيارته «المرسيدس» القوية المصفحة،
التي أعدتها أجهزةٌ خاصة في المقر السري، وزوَّدتها بإمكانياتٍ كبيرة
…
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
محب: دعونا نتراهن.
نوسة: على أي شيءٍ؟! ليس هنا جيلاتي … ولا كوكاكولا!
تختخ: فلنقل إن مَن يستطيع حساب الوقت بدقةٍ … هو «ملك التوقيت»!
عاطف: هذا أحدث ملك في العالَم … لماذا لا نصنع له عرشًا؟
لوزة: المهم … إنني أعتقد أنهم سيصلون في ساعة.
عاطف: نصف ساعة.
محب: ٤٥ دقيقة.
نوسة: ٥٠ دقيقة.
وبقي «تختخ» ساكتًا، فقالت «لوزة»: وأنت يا «توفيق»؟
ردَّ «تختخ»: خمسة وخمسون دقيقة.
عاطف: ياه، وكم ثانية؟!
تختخ: وستون ثانية!
وضحك الأصدقاء، ثم قالت «نوسة»: على كل حالٍ … يجب أن نبحث عن مكان ظليلٍ … فلو وقفنا في
الشمس أيَّ مدةٍ من هذه المدد لأُصِبْنا جميعًا بضربة شمسٍ.
ونظروا حولهم … كانت الشمس قد أصبحَتْ عموديةً تقريبًا … ولا ظِلَّ هناك مطلقًا، ولكن
«زنجر» الذي كان يقف بعيدًا ومتضايقًا من هذا الحوار لوى عنقه ثم سار … وصاح به «تختخ»: إلى
أين يا «زنجر»؟!
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| الرجلان في كثير، ولكنهما — على كل حال — أعظم المحدَثين حظًّا في إقامة مجدنا الحديث. |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
إن سؤالنا الأساسي المطروح للبحث هو: إذا كان التمايز الاصطلاحي بين ما هو يمين وما هو
يسار واضحًا في مجال الاقتصاد والاجتماع، فهل لهذا التمايز نفسه امتداد في الفلسفة والعلم
والأدب والفن؟ ولقد بحثنا في مجال الفلسفة فلم نجد حدًّا فاصلًا، وبحثنا في مجال العلم،
فقضينا بادئ ذي بدء باستحالة أن يكون هنالك حد فاصل بين علم يميني وعلم يساري، ورجحنا أن
تكون التفرقة في هذا المجال منصبة على ما يسمونه بفلسفة العلم، لكننا رأينا أنه حتى على هذا
الفرض، فليس هو بالاختلاف الذي يقيم مع الحياة العلمية نفسها شيئًا قاعدًا، أو يقعد منها
شيئًا قائمًا.
هنالك أساس آخر يتخذه بعض الكاتبين للتفرقة بين يمين الفكر ويساره، لكنه في الحقيقة أوهى من أن نقف حياله موقفًا جادًّا، وذلك هو «علمية» التفكير، فلئن كان «العلم» نفسه مشتركًا بين اليمين واليسار، فإن استخدام «النظرة العلمية» عند التفكير في ميادين الإصلاح الاجتماعي وغيرها من جوانب الحياة العملية، أمر يختص به — عند هؤلاء الكاتبين — أصحاب اليسار دون أصحاب اليمين، وهو قول — في رأينا — عجب من العجب، فما هي أهم الصفات التي تجعل من نظرة الإنسان إلى شئون الحياة نظرة علمية، لا نظرة تقوم على محض العاطفة والوجدان؟ في ظني أنها صفات كثيرة ينبغي أن تتوافر في الفكرة لكي تكون «علمية» إلا أن أهمها — فيما له صلة بالحديث الراهن — هو «إمكان التطبيق»، فالفكرة علمية إذا كانت تحمل في صلبها طريقة تطبيقها وتحقيقها على أرض الواقع، وهي حلم من الأحلام إذا لم يكن ذلك التطبيق والتحقيق ممكنًا؛ ولهذا كانت هذه «العلمية» هي محك التفرقة بين يسار ويسار، لا بين يسار ويمين، وذلك لأن الحلم الاشتراكي |
|
3Noto_Kufi_Arabic
| الكمبيوتر الشديد التقلص
غير أن تقنية الكمبيوتر انتشرت انتشارًا سريعًا للغاية بعد منتصف القرن، حين اخترع
جون باردين ووالتر براتين وويليام شوكلي في عام ١٩٤٧م الترانزستور، وهو رقاقةٌ صغيرة من
الجرمانيوم أو السيليكون أو زرنيخ الجاليوم. كان الترانزستور يؤدي نفس وظائف الصمام
المفرغ، لكنه كان أصغر كثيرًا، ويستهلك قدرًا ضئيلًا من الطاقة التي يستهلكها الصمام
المفرغ. وقد فاز باردين وبراتين وشوكلي بجائزة نوبل في الفيزياء على هذا الاختراع عام
١٩٥٦م.
سريعًا ما أحدث الترانزستور ثورة في عالم الإلكترونيات الحديثة، واستُعيض به عن
الصمام المفرغ في كل الأجهزة الإلكترونية التي كانت تستخدمه فيما سبق، ومنها أجهزة
الكمبيوتر ومعدات التسجيل ومكبِّرات الصوت وأجهزة الراديو وأجهزة التلفزيون والرادارات
وأنظمة الطيران والعديد من الأجهزة الإلكترونية الأخرى. وفي عام ١٩٥٤م بدأت شركة «تكساس
إنسترومنتس كوربوريشن» إنتاج الراديو الترانزستور بكمياتٍ كبيرة، وسريعًا ما استُعيض عن
الراديو المحمول المستنزف للطاقة القديم، الذي كان دائمًا ما يستهلك كل طاقة بطارياته
في غضون ساعات، بالراديو الترانزستور الصغير الخفيف الوزن، الذي يعمل لساعات وأسابيع
دون أن تحتاج بطارياته للتبديل.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| (٢) انكشاف السراقترحنا على السفير السوفييتي لدى بلدنا أن نتفق فيما بيننا بصورة عملية على
تولِّي الحكومة السوفييتية السيطرة على شئون رومانيا، بينما نتولى نحن السيطرة
على شئون اليونان، وأن تُقدِّم كل حكومة المساعدة للأخرى في الدولة الخاصة
بها.إننا لا نأمل بالطبع في تقسيم منطقة البلقان إلى مناطق نفوذ، وعند الموافقة
على هذا الاتفاق علينا أن نوضح أنه ينطبق فقط في حالات الحرب، ولا يؤثر على
الحقوق والمسئوليات التي سيتعين على القوى الكبرى الثلاثة ممارستها في التسوية
السلمية، وبعد ذلك فيما يتعلق بأوروبا بأسرها. مع مراعاة موقف سيادتكم وموقف
رئيس الوزراء حيال المسألة ومراعاة الضرورات الواضحة ذات الطبيعة المُلِحَّة
التي قد تستجد، ربما كان من الحكمة — عندما تلقيت أوامري بالتباحث في الأمر مع
وزير خارجية الولايات المتحدة السيد كورديل هَل — أن يتم تأجيل اتخاذ خطوات على
المستوى الأعلى، وأعني التباحث مع الرئيس الأمريكي إلى أن يتسنى لي إخطاركما
بإحراز تقدم في مباحثاتي مع السيد هل. ومن ثم يمكن اتخاذ الإجراءات الأخرى التي
قد تتطلعان إلى اتخاذها مع العلم بمجريات الأمور على المستوى الأدنى، وإلا فنحن
نجازف بخلق ارتباك وإحراج أنفسنا. |
|
3Noto_Kufi_Arabic
| ٧
وتمضي الأيام على حافظ وشوقي بعد أنْ عرفهما جمهور الأدباء في أواخر القرن الماضي،
وأوائل هذا القرن، ويسلك كل منهما طريقه في التطور الأدبي.
فأما حافظ فقد لقي الأستاذ الإمام، واتصل به، وأصبح له صفيًّا، وما هي إلا أنْ يتصل
بأصدقاء الأستاذ، وفيهم العالم الأزهري كالشيخ عبد الكريم سلمان، وفيهم المجدد في
الاجتماع كقاسم أمين، وفيهم القاضي الثبت الذي أدرك حظًّا عظيمًا من المجد، ولكن أستار
الغيب ما زالت مسدلة بينه وبين مستقبل عظيم كسعد زغلول، وفيهم رؤساء العشائر والأسر
الكبرى كحسن عبد الرازق وعلي شعراوي ومحمود سليمان، فيهم كل هؤلاء على اختلاف نزعاتهم
وميولهم وأهوائهم ومنازلهم الاجتماعية، وهم جميعًا متفقون على أنَّ حال الشعب سيئة،
وعلى أنَّ استنقاذ الشعب من هذه الحال فُرِضَ عليهم هم قبل غيرهم من الناس، وهم يسلكون
إلى هذا سبلًا مختلفة، ويتصل حافظ بغير هؤلاء من زعماء السياسة الحادة والملتوية في أول
هذا القرن؛ يعرف مصطفى كامل وعلي يوسف، يتحدث إلى هؤلاء جميعًا، يأنس إلى بعضهم، وينفر
من بعضهم الآخر، وأولئك وهؤلاء يحبونه ويؤثرونه بالمودة والبر.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
بعد ذلك استمرَّ «خالد» في تقدُّمه، وكان الانطلاق سهلًا، ولم يظهر حتى هذه اللحظة ما يمكن
أن يعوقَ تقدُّمَه. وفجأة، ظهرت سمكة قرش ضخمة، كانت تندفع في اتجاهه، وكأنها صاروخٌ. فكَّر
بسرعةٍ: إن الدخول معها في معركة يمكن أن يكشف وجوده، أو وجود الشياطين! واقتربت السمكة
أكثر، ثم اندفعت بجواره، حتى إنه اهتزَّ لقوة اندفاعها، ونظر خلفه، كانت لا تزال في
اندفاعها. لكنها فجأة استدارت، واندفعت نحوه، فظلَّ يرقبها دون أن يُبديَ حركةً ما، وكان
اندفاعها يبدو خطرًا هذه المرة. لقد كانت تندفع في اتِّجاه بطنه تمامًا. فضرب الماء بقدميه،
مندفعًا إلى أعلى، فمرقت من تحته، ومرة أخرى، استدارت في اتجاهه … فرفع غطاء صغيرًا في
ذراعه، فاندفع دخان أخضر رقيق، انتشر في الماء بسرعةٍ، حتى إن سمكة القرش ولَّت هاربةً. في
نفس الوقت كانت بعض الأسماك الصغيرة تلقى مصرعها، بتأثير الدخان السام، لكن سمكة القرش
الضخمة لم تكن هي السمكة الوحيدة في المكان، فقد بدأت تظهر أسماك أخرى. بعضها في نفس ضخامة
الأولى، وبعضها أقل قليلًا.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ولم يكن ذلك الوضع المتوسط غير ذي تهلكة، فأمة إسرائيل الصغيرة إذ قامت بين نِينَوَى
المرهوبة ومصر القوية، وكانت تستند إلى إحداهما لمقاومة الأخرى، كانت تشترك في الصراع
في الغالب فتُسْحَق فيه نهائيًّا.
ولكن القوافل المثقلة بالنسائج والحلي والتِّبْر والعاج المُشذَّب كانت تجوب فلسطين
بلا انقطاع في فواصل الحروب، فلا يَدَعِ الإسرائيلي، الماهر في التجارة في كل زمن
والطامع في الربح، تلك الثروات تجاوز أرضه من غير أن يحتفظ بشيءٍ منها لنفسه.
وحق المجاورة هو مصدر الرخاء الرئيس الذي كان ينمو في الغالب وبسرعة في اليهودية،
وكان منبع الزرابيِّ الجميلة والنُّسُج الثمينة والثياب الزاهية والحُليِّ اللامعة
والمرصوفة الحجارة، التي كانت تستهوي أبناء يعقوبَ على الدوام، فيرفع الأنبياء عقيرتهم
ضدها، هو ذلك الوضع المتوسط وأولئك السماسرة اليهود الذين غدوا مدينين لموقع البلد الذي
سكنوه.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ومَشَى الأَمِيرُ في طُرُقاتِ المَدِينَةِ بِضْعَ خُطُواتٍ، فَرَأى رَجُلًا واقفًا
عَلَى مَقْرَبَةٍ مِنْهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، ويَمُدُّ يَدَهُ بِالتَّحِيَّةِ في
بَشَاشَةٍ ولُطْفٍ؛ فأَسْرَعَ الأمِيرُ إلى تَحِيَّتِهِ، ومَدَّ إلَيْهِ يَدَهُ،
فَوَجَدَهُ جامِدًا لا يَتَحَرَّكُ. وتَأَمَّلَهُ فَإِذا هُوَ تِمْثالٌ مِنَ النُّحاسِ.
وَمَشَى الأمِيرُ خُطُواتٍ قَلِيلَةً، فَرَأى جَمَاعَةً يَتَشاجَرُونَ، وقَدْ
أَمْسَكَ بَعْضُهُمْ بِتَلابِيبِ رَجُلٍ، فَأَسْرَعَ إلَيهِمْ، لِيُخَلِّصَهُ مِنْهُمْ،
فَوَجَدَهُمْ جَميعًا تَماثيلَ جَامِدةً.
ثُمَّ مَشَى في المَدِينَةِ بِضْعَ خُطُوَاتٍ، فَرَأى رَجُلًا واقِفًا في عُرْضِ
الطَّرِيقِ، فَدَنَا مِنْهُ لِيَتأمَّلَهُ، فإذَا هُوَ تِمْثالٌ لا حَرَاكَ بِهِ،
فاشْتَدَّ بِالأمِيرِ العَجَبُ، وَاسْتأنَفَ سَيْرَهُ في شَوَارِع المَدِينَةِ، فَرَأى
كلَّ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِمْ عَيْناهُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يَتحَرَّكونَ. وَقابَلَ
عَجُوزًا عَلَى رَأْسِها أَثْوَابٌ اشْتَرَتْها مِنْ دُكَّانِ ثَوَّابٍ، فَدنَا مِنْها،
وَتَأَمَّلَها، فَلَمْ يَرَ أَمامَهُ غَيْرَ تِمْثالٍ. وَرَأى جَمْهَرَةً مِنْ نِساءٍ
وَصِبْيانٍ وَأَطْفالٍ، وَشَبابٍ وكُهُولٍ، وَصَبايَا وَعَجائِزَ لَيْسَ مِنهُمْ مَنْ
يَتَحَرَّكُ أوْ يَتكلَّمُ، فَهُمْ تَماثِيلُ لا تُشِيرُ بِطَرْفٍ (بِعَيْنٍ)، ولا
تَنْطِقُ بِحَرْفٍ.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
فالشعر الجيد يمتاز قبل كل شيء بأنه مرآة لما في نفس الشاعر من عاطفة، مرآة تمثل هذه
العاطفة تمثيلًا فطريًّا بريئًا من التكلف والمحاولة، فإذا خلَت نفس الشاعر من عاطفة، أو
عجزت هذه العاطفة عن أنْ تنطق لسان الشاعر بما يمثلها فليس هناك شعر، وإنما هناك نظم لا
غناء فيه، ولست أدري أخلت نفس حافظ من العاطفة القوية، أم عجزت هذه العاطفة عن أنْ تُجري
لسان حافظ بالشعر الجيد، ولكني أعلم أنْ ليس في هذه القصيدة من هذا الشعر شيء.
أول ما يؤذيك حين تقرأ هذه القصيدة خلوُّ أبياتها جميعًا من كل معنى رائع أو تصور بديع،
فإنك تنتقل من البيت إلى البيت، فلا تجد إلَّا ألفاظًا مرصوفة وكلمًا منظومة يتلو بعضها
بعضًا، وتدل على معانيها اللغوية لا أكثر ولا أقل، فإذا عمد الشاعر إلى التشبيه أو
المبالغة، أو أي حيلة من هذه الحيل اللفظية التي يخلص الشعراء بها من المأزق لم يجد إلَّا
ألفاظًا مألوفة، ومعاني كثيرًا ما رددها الشعراء، وطرقًا من التعبير قد سئمها الناس.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| مسرح الحياة
كتب توفيق الحكيم نيِّفًا وأربعين مسرحية من هذا النوع، ونشر الكثير منها في الصحف قبل أن
يُجمع في «مسرح المجتمع» و«المسرح المنوَّع»، وعدد منها في فصل واحد يقترب مما يسمى
«إسكتش»، أي لوحة حوارية، أو ما يشبه الحديث الصحفي، بينما يمتد عدد آخر إلى ثلاثة فصول
ويتضمن قصة وبناءً دراميًّا.
و«مسرح الحياة» — كما قلنا — يستمد موضوعاته من واقع حياة الأفراد أو حياة المجتمع،
ويستهدف الكشف عن حقيقة نفسية أو اجتماعية أو نقد اتجاه نفسي أو أخلاقي أو اجتماعي.
والشرط الأساسي لنجاح مثل هذا المسرح هو قدرة المؤلف على إيهامنا بأنه يصور واقعًا فعليًّا لينقده أو يكشف عن حقائقه الدفينة، ونحن نقول «الإيهام بالواقع» لأن الأدب لا يمكن أن يكون تصويرًا آليًّا للواقع، ولا مرآة ينعكس فيها ذلك الواقع بما فيه من تفصيلات مبتذلة فاقدة الدلالة أو تفكك وانسياب أو سطحية وتمويه، بل يختار المؤلف من حصيلة ملاحظاته لهذا الواقع العناصر التي يؤلف بينها ليخلق منها الصورة التي توهمنا بأنها صورة واقعية؛ لأنها تنجح في إقناعنا بصدقها، فالنجاح في الإيهام بالواقع لا مقياس له غير النجاح في إقناع القارئ أو المشاهد بصدق الصورة، والمؤلف الذي يريد أن ينجح في هذا العمل يجب أن يبدأ من الواقع لا من فكرة يريد تجسيدها في صورة درامية فيتخيل لها من الأحداث غير المقنعة ما يتخذه وسيلة لهذا التجسيد، فالبعد عن الواقع أو اصطناعه على نحو غير مقنع يهدد العمل القصصي أو الدرامي بالخروج من الواقعية إلى الكاريكاتيرية، فتأتي الشخصيات كأنها دمى من ورق تنقصها |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ووجدتُ دكانًا يتخفَّى وراء الظلام يُنير مصباحًا خجولًا يحوطه
بأسطوانةٍ ورقية من بقايا عُلبة سجائر قديمة. وكان باب الدكَّان لا
يزيد عن ربع ضلفة من ضُلف الأبواب العادية.
– عندك سجاير نمرة ثلاثة؟
– لا.
– عندك بحاري؟
– لا.
– كرافن إيه؟
– لا.
– ملك مصر أو سفير.
– لا.
وانغمستُ في حديثي مع صاحب الدكان ونسيتُ أمر من معي، حتى وجدتُ
يدًا تنبعث من الظلام تحمل نصف قرش وتضعُه على منضدة البائع لتقول
في حسم: اثنين فلاج وهات مليم وحياة أبوك.
أدرك الأستاذ عثمان أنني أُحادِث الرجل بلغة لن يفهمها؛ فلو كان
عنده شيء مما ذكرتُ لما سهر إلى آخر الليل ليهتبل ربحًا لن يزيد عن
ملاليم. وأراد الأستاذ عثمان أن يُعلِّمني اللغة الصحيحة التي يمكن
أن يفهمَها. اثنين فلاج وهات مليم؛ أي إنه يعرف الثمن تمامًا. وقد
تعلَّمتُ الكثير من هذه الجملة البسيطة التي طالما ضحكنا منها بعد
ذلك.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
لمعت عينا «ماكلاجلن» لأول مرة، وقال مبتسمًا: إن القيمة التاريخية لكشف «وادي المساخيط»
لا تُقدَّر بثمنٍ … واحتمال وجود كنوز ذهبيةٍ أو من الجواهر احتمال ضعيفٌ.
ونظر «ماكلاجلن» إلى ساعته ثم قال: من الأفضل أن ننام مبكرًا، فسوف يعود «مولود» في
الفجر، ولا بد أن نكون جاهزِينَ في هذا الوقت.
كانت الخريطة على المائدة، ولا يدري «تختخ» لماذا وجد يده تمتدُّ فتتناول الخريطة ويضعها
في جيبه … في نفس الوقت التي كانت يد «ماكلاجلن» تمتدُّ لتأخذها، ونظر كلٌّ منهما إلى
الآخَر. وقال «تختخ»: لقد حصلنا على هذه الخريطة بعد أن تعرَّضنا للموت … وأعتقد أننا يجب
أن نحتفظ بها.
وابتسم «ماكلاجلن» وقال: بالطبع … بالطبع.
وتبادلوا تحية المساء … وخرج المغامرون الخمسة إلى المقطورة التي ينزلون بها، وعندما
اقتربوا من المقطورة قال «تختخ» … موجِّهًا حديثه إلى «محب»: إنني أُريد أن أتحدَّث إليك
قليلًا يا «محب» … أريد أن أضع بعض الترتيبات لرحلة الغد.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
إلا أنه ثَمة أدلةٌ قوية على أن معالجة جلود الحيوانات تعود إلى زمنٍ بعيد من عصور ما
قبل التاريخ من حياة أشباه البشر، وقد أكَّد هذا الفحص المجهري لأدوات حجرية قديمة،
وخاصةً الأدوات المسطَّحة الضخمة ذات الحد القاطع الواحد المسمَّاة بالمكاشط. عند النظر
إلى الحد القاطع لهذه الأدوات تحت المجهر، يمكن رؤية نمط مميز من التآكل، وهذا «التآكل
المجهري» يشير إلى أن العديد من هذه المكاشط كان يُستخدم في إزالة اللحم والدهن من
الجانب السفلي لجلود الحيوانات. في الواقع، يعود دليل التآكل المجهري على استخدام أدوات
حجرية في كشط الجلود إلى ٧٨٠ ألف سنة على الأقل، وقد استمر هذا السلوك دون انقطاع في
ثقافات الصيد وجمع الثمار حتى صارت الأدوات المعدنية متاحة في العصور الحديثة.
إزالة اللحم من الجلود خطوة أولى ضرورية في عملية تحويل جلد الحيوانات إلى جلدٍ
مدبوغ. الجلود التي كان يدبغها الصيادون والجامعون كانت تُستخدم كلها تقريبًا في غرض من
ثلاثة أغراض؛ أولًا: من أجل أسقف الخيام والأكواخ وأغطيتهما. ثانيًا: من أجل الفراش
المستخدم داخل مساكن أشباه البشر. وثالثًا: من أجل الأثواب والعباءات والقبعات والأحذية
والقفازات، وسائر الملابس الأخرى التي لا بد أن أشباه البشر كانوا يرتدونها حين استقر
بهم المُقام في البداية في المناطق الشمالية البعيدة. الدليل على أن جلود الحيوانات
الخام كانت تُدبغ هو في حد ذاته دليلٌ غير مباشر على أن أناس ما قبل التاريخ كانوا
يبنون مساكن ويَحيكون ملابس منذ مئات آلاف السنين.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
فأولًا: كان البرونز ينصهر في درجات حرارة أدنى كثيرًا من الحديد. وكانت
سخونة نار الخشب قديمًا كافية لصهر النحاس والقصدير والبرونز والذهب،
لكنها لم تكن تبلغ درجات حرارة مرتفعة كفاية لصهر الحديد، حتى حين كان
العاملون يُفرِطون في إحمائها بنفخ الهواء فيها من خلال أنابيب
طويلة.
وثانيًا: يمكن طَرقُ البرونز لتشكيله حين يكون باردًا، أما الحديد فلا يمكن
تشكيله بالطَّرق إلا وهو مُلتهِب. وكان معنى هذا أنه لا بد لتشكيل
الحديد من صنع مِمساكات وسنادين خاصة مُقاوِمة للحرارة لم تكن ضرورية
لتشكيل البرونز.
وثالثًا: كان ينتج عن عملية صهر الحديد القديمة كتلة خشنة هشَّة إسفنجية، يجب
إعادة تسخينها وطرقها مرارًا وتكرارًا لتتحوَّل إلى «حديد مُطاوِع»
صالح لصناعة أشياء قابلة للاستخدام. أما البرونز فيمكن تشكيله بمجرَّد
صهره.
ورابعًا: حين يتعرَّض البرونز للجو يندمج مع الأكسجين الموجود في الهواء ليكون
«زنجارًا»، وهو طبقة من المعدن المؤكسد، رفيعة لكن متينة، تُغطي الغرض
المصنوع من البرونز وتقيه من المزيد من التحلل. أما الحديد فحين يتأكسد
ينتج عنه أكسيد الحديد أو «الصدأ»، وهو مادةٌ غبارية ضعيفة لا تحمي سطح
الحديد. لهذا السبب، حين تتعرَّض الأشياء المصنوعة من حديد للهواء
والماء لفتراتٍ طويلة، ينفُذ الصدأ إلى باطنها، فيَبْريها وتصير عديمة
الفائدة في النهاية.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| •••
ولكني متهم حين أَعرِض لنسيم، فقد تفضل بالثناء عليَّ، وأشار إلى أنَّ لي نثرًا يعجبه،
على أني سأكون حرًّا، وسأُغضب نسيمًا — كما أغضبت صاحبيه — فهو مثلهما ينتظر من كتاب
الأخلاق ما ينتظران، وما لم ينتظر أرستطاليس ولا لطفي، وكما أنَّ شوقي قد أخطأ حين قارن بين
أرستطاليس والمسيح، فقد أخطأ نسيم حين ذكر هوميروس على أنه من شعراء المدح، وحين تمنى أنْ
يوفق لمدح لطفي شاعر كهوميروس، فما كان هوميروس مادحًا، ولا هو من أصحاب المديح، وإنما
هوميروس وأصحابه أهل قصص وإشادة بذكر الأبطال الذين انقضت عصورهم، فأما صاحب المدح من شعراء
اليونان فهو بندار وتلاميذه، وشعراء الإسكندرية خاصة ككاليماك وتيوكريت وغيرهما.
وقد لا تخلو قصيدة نسيم من ملاحظات لفظية، وتكلف من شأن القافية، ولكني أعترف — لا لأن
نسيمًا ذكرني — بأن قصيدة نسيم أقل تكلفًا من قصيدتي صاحبيه، بل أعترف بشيءٍ آخر أجل من هذا
خطرًا، أعترف بأن في قصيدة نسيم شيئًا من الخفة لم يوفق إليه شوقي ولا حافظ، وانظر إلى مطلع
قصيدته:
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
ونحن نعلم أنه كان سيئ الحظ في حياته، لم يكن محببًا إلى الناس وإنما كان بغيضًا
إليهم، وكان محسدًا أيضًا، ولم يكن أمره مقصورًا على سوء حظه، بل ربما كان سوء حظه من
سوء طبيعته، فقد كان حاد المزاج مضطربه معتل الطبع ضعيف الأعصاب، حاد الحس جدًّا يكاد
يبلغ من ذلك الإسراف، وكان هذا كله قد أعطاه من الحياة صورة رديئة من ناحية، ومحببة من
ناحية أخرى، كان اضطراب مزاجه يبغض إليه الناس ويسيء رأيه فيهم، ولكن قوة حسه ورقة طبعه
كانت تحبب إليه كل اللذات، فكان يجمع بين الخصلتين، فهو رجل يحب اللذة ويسرف فيها
ويتهالك عليها، فهو إذن محب للحياة أشد الحب، وهو في الوقت نفسه مبغض للأحياء، قبيح
الرأي فيهم، يتبرم بهم أشد التبرم، ويود لو استطاع أن يتخلص منهم، أما الأحياء فكانوا
يبغضونه كما كان يبغضهم، وأما الحياة فلست أدري أكانت تحبه أم كانت تبغضه؟ ولكن الشيء
الذي لا شك فيه أنه أخذ من اللذات بحظ لا بأس به، ولعله أسرف في ذلك فضاعف ما كان يجده
من ألم، وضاعف ما كان في أعصابه من اضطراب، وفي مزاجه من فساد.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| دُرت حول سور القصر كله أبحث عن منفذ … وهو سور مرتفع من الحديد المدبب، فلم أجد منفذًا، ولكني لحسن الحظ وجدت شجرة كبيرة قرب منطقة الصبار … وهي مزروعة في داخل حديقة القصر، ولكن أفرعها الطويلة تمتد عبر السور إلى الخارج … وقفت تحتها واستجمعت قوتي، ثم قفزت وأمسكت بأحد الأغصان الكبيرة القوية، واعتمدت على عضلات ذراعي، ورفعت جسمي إلى فوق … ثم حركت جسمي كبندول الساعة بضع مرات، وفي المرة الأخيرة انثنيت بشدة ووجدت نفسي على الفرع … وزحفت ببطءٍ ثم نزلت من على جذع الشجرة! وقد صح ما توقعته قبلًا، فقد جاءت الكلاب تجري وتنبح بصوتٍ منخفض وتهمهم في سعادة وأنا ألقي إليها بقطع اللحم … وتركتها مشغولة بالطعام، وبحثت عن منفذٍ بين الصبار الكثيف … ولحسن الحظ وجدت فراغًا بين الصبار على شكل مربع قد نبتت على حوافِّه الحشائش فوقفت لحظات … وقد بدا لي أن الأرض ليست مستقرة تمامًا تحتي … |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
غير أن شخصًا بعينه هو من لاحظ أبيض الناب عن قرب، كان ذلك الشخص يدعى بيوتي (التي تعني
الجمال) سميث، مع أنه لم يكن له نصيب كبير من الجمال. كاد صيت هذا الرجل يكون سيئًا مثل صيت
الذئب، فلم يكن له أي أصدقاء وكان أعداؤه كثيرين. عمل ذلك الرجل في وظائف متعددة، لكن جرت
العادة أن يفصل منها جميعًا، وقد مارس السرقة والكذب والمقامرة بالأموال القليلة التي كان
يمتلكها. وكان بيوتي، مثله في ذلك مثل كثيرين غيره، قد جاء إلى «فورت يوكون» باحثًا عن
الذهب، غير أنه قرر، على عكس ما فعل غيره، أن يبقى في المدينة. لكن لم يكن السبب في ذلك حبه
للمقاطعة أو الصعوبات التي يعج بها الشمال، بل لأنه في حقيقة الأمر لم يكن لديه مكان آخر
يذهب إليه، فقد كانت «نورثلاند» وغيرها من المدن عنده سواء.
جرت عادة الأفراد في «فورت يوكون» على أن يضايقوا بيوتي ويسبونه، وهكذا كان حال الجزء
الأكبر من حياته. من أجل ذلك كان رجلًا فظًّا غيورًا، وما إن رأى عظم قوة أبيض الناب حتى
أراد هذا الذئب لنفسه، فقد ظن أنه والذئب يشتركان في كثير من الصفات.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
هذه الأفعال التي يلي بعضها بعضًا ولا يفصل بينها إلا المصادر، هي التي تحدث شيئًا من
النغم الموسيقي فتصرف عقولنا عن أن نفكر فيما وراء هذه الأفعال ويُخيَّل إلينا أن في
البيت شيئًا كثيرًا مع أن البيت لا شيء فيه.
والبيت الآخر:
أي شيء في هذا البيت أكثر من أنه يلائم البيت الذي سبقه؟! فإذا أنعم إسعافًا ودنا
وصلًا فالبحتري راضٍ، وإذا تأبَّى وصد فالبحتري غضبان أو حزين، وليس في البيت أكثر من
هذا، ولكن انظروا إلى هذا التقسيم، وهذه الموسيقى من هذه الأفعال التي لا يفصلها سوى
هذه الصفات: «أغتدي راضيًا وقد بت غضبان … البيت» ولاحظوا أن هذه الأفعال تعجبنا؛ لأنها
تقسيم الوقت، فهو في الغدوة راضٍ، وقد كان في الليل غضبان، وهو في أول النهار عبد، وفي
آخره مولى.
والواقع أنكم عندما تقرءون شعر البحتري في مدح المتوكل، فلن تجدوا معنى نادرًا
مطلقًا، ولا معنى واحدًا مبتكرًا، بل هي معانٍ مألوفة أسرف فيها الشعراء حين مدحوا،
فأنتم مضطرون إلى أن تعجبوا به لا لسبب، إلا أن الشاعر أجاد انتقاء اللفظ، فانظروا إلى
قوله:
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وفي الوقت الذي كان فيه كثير من النقاد يأخذون على الحكيم هذا الاتجاه الذهني في
مسرحياته، ويعيبون عليها عدم نجاحها على خشبة المسرح لطغيان الحوار الذهني فيها على عناصر
الدراما المثيرة، ثم التجريد في موضوعاتها وبُعدها عن واقع حياتنا ومجتمعنا ومشاكله
الواقعية المحددة في ذلك الوقت؛ كان الأستاذ الحكيم في فترة خروجه من العمل الحكومي قد
تعاقد مع إحدى المجلات الأسبوعية على التحرير المنتظم فيها، واختار أديبنا لهذا التحرير
سلسلة من المسرحيات القصيرة أو المتوسطة رأى أن يتناول فيها عددًا من مشاكل المجتمع المصري
الحية، مثل مشكلة المرأة، وفساد الحياة السياسية، والدولاب الحكومي، وطغيان التيار المادي،
وحياة الريف المصري، وقد رمى من ذلك هدفين؛ أولهما: أن يقدِّم للصحيفة مسرحيات خفيفة حية
تثير اهتمام جمهرة قرائها، وثانيهما: أن يرد عمليًّا على النقاد الذين أخذوا يتهمونه
بالإيغال في المسرح الذهني والهروب من واقع حياته وحياة مجتمعه إلى عالم الأساطير
والموضوعات المجردة.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
– قل لي يا ولدي. تقول إنك حلمت حلمًا فظيعًا. ما الذي رأيت في الحلم؟
– حلمت برجل يتقدم مني، رجل جهم الوجه غزير الشعر الطويل.
– هل كنت أنا هذا الرجل؟ انظر لي وتمعن فيَّ.
أحسب أني هذا الرجل وأنك لم ترَ أحدًا غيري، أوليس كذلك؟ قل لي ماذا حدث؟ تكلم، ماذا حدث
بهذا الحلم؟
– سحب الرجل السكين.
– هل كانت تشبه هذي السكين؟
– أجل، هي هي، هي نفس السكين.
– أمسكها في قبضته.
ثم طعن.
– طعنك في الرقبة؟ أوليس كذلك؟
– آه، ما جدوى أن أتعذَّب وأعذبك بكلماتي، ما الجدوى من أن … هيا خذها الآن.
(٤) الباحث عن كنز
فقيرًا في الجيب، مريضًا في القلب.
رحت أجر ورائي أيامي المظلمة المملولة والملعونة.
رأيت أن الفقر أعظم المصائب،
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
فقد قال هاريس، وصيفُ السيد سمارت، بنبرةٍ لا تخلو من تلذُّذٍ نابعٍ من افتراضٍ يدورُ في
ذِهنه، كأنَّه يتحدَّث بحِسٍّ يُقدِّر الإبداع: «من الغريبِ أنَّ رقبته لم تُنحَر حتى الآن.
إن ذلك شيءٌ يثير الشفقة.»
فيما قال جيمسون، مدير مكتب السيد سمارت، الذي أتى من المكتب إلى المنزل لمساعدة السكرتير
الجَديد: «من الغريب لامبالاته الشديدة بأيِّ شيء، إنَّه حتى لا يضعُ تلك القُضبان
المتهالكة؛ ليُوصد بها باب منزله المتداعي.»
بينما قالت مدبِّرةُ منزله، بشيءٍ من الغموض القوي، الذي كان يُميِّز آراءَها: «أرى أنَّ
الأب براون والطبيبَ لا يُشكِّلان أيَّ خطر، أمَّا بخصوص الأجانب، فلتُدرِكْنا العناية
الإلهية! لا أقصد الكونت فقط، بل ذلك الرجلَ الذي يعمل في البنك أيضًا؛ إذ يبدو لي ذا بشرةٍ أشدَّ
اصفرارًا من أن تكون بشرةَ رجلٍ إنجليزي.»
وهنا قال بويل مازحًا: «حسنًا، أرى أنَّ ذلك الشاب هارتوب إنجليزيٌّ إلى حدِّ أنَّه لا
يجد كلمةً يقولُها لنفسِه حتى.»
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وفي الليل كان الفناء يُضاء على نحوٍ باهرٍ يُضاهي ضوء النهار؛ فعلى كل جانب من الجوانب
الأربعة كان يوجد ضوء قوسي كبير يعلو سور السجن ويمنح الحراس رؤية واضحة. كانت الأضواء كذلك
تُضيء في سطوع السياج الحديدي الذي يعلو السور. كانت الأسلاك التي تُغذِّي الأضواء القوسية
تمتد على جانب مبنى السجن في مواسير عازلة وتخرج من الطابق العلوي إلى الأعمدة التي تحمل
الأضواء القوسية. رأى آلة التفكير كل هذه الأشياء وفهمها، رغم أنه لم يكُن قادرًا إلا على
التطلُّع من نافذة الزنزانة ذات القضبان المتقاربة عن طريق الوقوف على فراشه. كان هذا في
صباح اليوم التالي على سجنه. وقد عرف، أيضًا، أن النهر موجود في مكانٍ ما بعد السُّور؛ لأنه
سمع الضجيج الخافت لقاربٍ بخاري وحين نظر إلى السماء رأى أحد طيور النهر، ومن الاتجاه ذاته
تناهى إلى مسامعه صوتُ صِبيةٍ يلعبون والقرقعة العارضة لكرة مضروبة بمضرب، وقد علِم وقتها
أن ثمةَ مساحةً مفتوحةً تفصل بين السجن والنهر؛ أي ملعب.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| مغامرات شيرلو كومبسمع الاعتذار للدكتور كونان دويل وكتابه الممتاز؛ «دراسة في
اللون القرمزي».
ذهبت لزيارة صديقي، شيرلو كومبس دون موعدٍ سابق؛ لسماع ما لديه
ليقوله عن لغز بيجرام، كما سُمِّي في الصحف. وجدتُه يعزف على الكمان
وعلى وجهه نظرة سكينة وسلام جميلة، لم أُلاحظها أبدًا على أوجه من هُم
على مسافةٍ قريبة. كنت أعرف أن تعبير الهدوء الملائكي هذا يُشير إلى أن
كومبس كان منزعجًا بشدة من شيءٍ ما. وقد ثبت، بالفعل أن الأمر كذلك؛
حيث احتوت إحدى الصحف الصباحية على مقال يمدح يقظة شرطة سكوتلاند يارد
وكفاءتها العامة. كان ازدراء شيرلو كومبس لشرطة سكوتلاند يارد كبيرًا
جدًّا لدرجة أنه لم يزُر اسكتلندا أبدًا أثناء إجازاته، ولم يعترف
أبدًا أنَّ الرجل الاسكتلندي مناسب لأي شيءٍ سوى التصدير.
تكرَّم ووضع كمانه جانبًا؛ لأنه كان مُعجبًا بي حقًّا، واستقبَلني
بلطفه المعتاد.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| مصادر الصور |
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
دعوات إلى الحرية السياسية والحرية الاجتماعية لبثت تنبعث من أقلام المفكرين والأدباء،
منذ القرن التاسع عشر، وأخذت آثارها تتراكم في النفوس، حتى انفجرت ثورة سياسية عقب الحرب
العالمية الأولى مباشرةً سنة ١٩١٩م، ثم لم تلبث هذه الثورة إلا قليلًا، حتى اتَّسعت رقعتها
لتصبح ثورة تتعدى حدود السياسة والحرية السياسية والاستقلال عن بريطانيا، وتكون ثورة فكرية
عامة، تشمل الأدب بكل فنونه، والنقد، والفلسفة، والتعليم، وغير ذلك من جوانب الحياة
العقلية، وحسبنا في هذا البعث الشامل، أن نلتمس على الطريق معالمه الرئيسية، متمثلة في
مؤلفات أو في حركات تشير إلى الاتجاه الجديد.
وأوَّل ما نصادفه من معالم الطريق، في العشرة الأعوام الثالثة من هذا القرن، كتاب
«الديوان في الأدب والنقد» الذي أخرجه العقاد مع صديقه إبراهيم عبد القادر المازني سنة
١٩٢١م، ليوجها به حملة نقدية في مجال الشعر، يبغيان بها التحرر من قيود التقليد، والدعوة إلى
شعر جديد، يكفل لصاحبه التعبير الحر عن ذات نفسه الفريدة؛ حتى لا تنطمس معالمها في سواها
فينمحي وجودها، وإن الشاعر بتقريره لوجوده الفردي المتميز، لَيَضعُ حجر الأساس في بناء الحرية
الإنسانية المنشودة.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
والعجيب أن صحته تحسنت تحسنًا ملحوظًا إلا أن شيئًا عجيبًا كان
يحدُث في مشاعره، وما لبث لسانُه أن ترجم هذا الشيء العجيب الذي
كان يحدُث في مشاعره.
فسميرة هانم أصبحَت سميرة. يومًا بعد يوم خطب الرجل سميرة
وتزوَّجها … ألم أقل لك إنه شُفي تمامًا. وهل أدلُّ على الشفاء من
أنه أصبح زوجًا للدور الثاني والدور السادس في وقت معًا.
حَيرة مع مليمٍ ناقص
كانت المدارس تبدأ قبل أن يجمع الفلاحون القطن، فكان أبي
يُرسِلُنا إلى القاهرة ويبقى هو في القرية ليُشرِف على جمع القطن.
وكانت مديرة منزلنا سيدةً كبيرة السن وكان زوجها صديقًا لأبي، فحين
مات عنها عاشت هي معنا ترعى أمري أنا وإخوتي. وكانت مصاريف المنزل
ومصاريف أيدينا في يدها. وبطبيعة الحال فرتكتُ أنا مصروفي في
لحظات، وأصبحتُ يا مولاي كما خلقتَني. وجاءني صديقي إحسان عفيفي
وهو اليوم الدكتور إحسان عفيفي، وقال إن فيلمًا جديدًا ظهر للوريل
وهاردي ومعروض في سينما متروبول، وعملتُ الحسبة وتبيَّنتُ أنني
أريد خمسة قروش لأذهب إلى السينما وأركب الترام ذهابًا وإيابًا؛
فتذكرة السينما صالة درجة أولى ثلاثة قروش ونصف القرش والترام ستة
مليمات ذهابًا ومثلها إيابًا ويبقى معي ثلاثة مليمات.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
وفي الوقت المناسب، انتقل إلى تفتيشِ الغرفة نفسها؛ بعثر الفراش وتحسَّس الحَشيَّة
والملاءات والبطَّانيات والوسائد والأغطية، وتفحصها بتمعُّن. ثم أخرَج الأدراج الثلاثة من
خِزانة الملابس، وألقى نظرة خلفَها. أخذ كونواي يُقلِّب في عدة صُحف إنجليزية، ونفَضها واحدة
تلو الأخرى، ثم اختلس النظرَ إلى إبريق المياه، وتفحَّص الأنابيب الموجودة في الحمام الصغير
المُلحق بالغرفة. ولم يكتفِ بذلك، بل فحص السجادة ليرى ما إذا كان هناك أيُّ شيء مخبَّأ
أسفلَها. وفي النهاية، صعِد فوق مقعد، ومن هذا الموضع المرتفع بحثَ عن شق أو صَدع يُمكن
إخفاء عِقْد أو حبات لؤلؤ منفرطة بداخلِه.
وأخيرًا، قال لنفسِه، وهو يعيد الغرفة إلى ترتيبها السابق بحِرص: «لا تزال توجد ثلاثةُ
احتمالات. ربَّما يكون قد تركه في طردٍ بخزانة أمانات الباخرة، ولكن هذا احتمال بعيد؛ ففيه
مخاطرة بالِغة، أو ربما يكون قد تركَه في حقيبةٍ داخل عنبر الباخرة، وهو احتمال أبعد، أو
ربما يكون محتفِظًا به في حوزته. وهذا هو الأكثرُ ترجيحًا.»
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
|
من أهم ممثلي الرومانتيكية المتأخرة في منطقة «شفابين»، وتُذكر له مشاركته الفعالة في
السياسة وفي الكفاح من أجل قِيم الديمقراطية والليبرالية والحرية. تخلَّى في أواخر حياته عن
معظم مناصبه الإدارية والسياسية والتعليمية، وتفرَّغ للأدب وللبحث العلمي في الأدب الشعبي
والحكايات والأساطير الجرمانية الوسيطة، وشارك في تجميع وتحرير أول مجموعة علمية من الأغاني
الشعبية، وذلك بجانب بحوثه في الأدب الألماني وإحياء تراث أكبر شاعر ألماني في العصر
الوسيط، وهو فالتر فون دير فوجيلفيده، والتعاون مع الأخوَين جريم — المشهورَين بمجموعة
الحكايات الشعبية للأطفال وبتأسيس المعجم الشامل للغة الألمانية — في وضع أُسس علم الأدب
الشعبي. عُرف بقصائده الرومانسية، العاطفية والوطنية، وبقصائده القصصية التي استمد مادتها من
التاريخ والأساطير والحكايات الشعبية الجرمانية والشمالية، وتميَّز بلغته البسيطة وتعبيره
العاطفي، وقدرته على التشكيل المرِن لقصائده التي قام بتلحينها عدد كبير من كبار الموسيقيين
مثل: شوبرت وشومان وليست وبرامز.
|
|
3Noto_Kufi_Arabic
| عين السَّمكة
صعِد الأصدقاء المُرتفَع الذي يؤدِّي إلى الهرم، وكان «تختخ» ما زال مُستغرِقًا في خواطره عندما
وصَلوا إلى قاعدة الهرم … وجلسوا في ظل صخرة يتحدَّثون … قال «تختخ»: إنني مشغول بالكلمات
التي قالها الطائر … من المؤكَّد أن هذه الكلمات تعني شيئًا يمكن أن يؤدِّيَ إلى الإيقاع بشبكة
الجواسيس … يجب أن نُعِيد ترتيب الكلمات لنكوِّن منها جملةً لها معنًى!
عاطف: وقد لا تعني شيئًا على الإطلاق.
تختخ: هل أنت مُقتنع أن الرَّجلَين جاءا إلى المنزل لأخذ الطائر؟
عاطف: نعم.
تختخ: إذن فهذا الطائر له أهميةٌ خاصة … ولست أعتقد أن أهميته المادية هي التي دفعت
الجاسوسَين للمخاطرة بنفسَيهما … إنه قد يُساوي مائة جنيه أو أكثر. فهل هذا مَبلغٌ يدفع جاسوسَين
لدخول «فيلا» يحرسها شُرطي؟ إن الجواسيس هم أكثر الناس حذرًا … ولا يمكن أن يُغامر جاسوسان
بدخول «الفيلا» وهما يَعلَمان أن عليها حِراسة — وربما مراقبة — من أجل طائر … إلا إذا كان
هذا الطائر مهمًّا جدًّا.
|