id
stringlengths
4
6
url
stringlengths
34
789
title
stringlengths
3
152
text
stringlengths
100
1.13M
180445
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%A7%D8%A8%D9%86%20%D8%B9%D9%82%D9%8A%D9%84/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85%20%D9%88%D9%85%D8%A7%20%D9%8A%D8%AA%D8%A3%D9%84%D9%81%20%D9%85%D9%86%D9%87
شرح ابن عقيل/المجلد الأول/الكلام وما يتألف منه
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، وصلاته وسلامه على من لا نبي بعده. الكلام المصطلح عليه عند النحاة: عبارة عن اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها فاللفظ جنس يشمل الكلام والكلمة والكلم ويشمل المهمل ك ديز والمستعمل ك عمرو ومفيد أخرج المهمل وفائدة يحسن السكوت عليها أخرج الكلمة وبعض الكلم وهو ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ولم يحسن السكوت عليه نحو إن قام زيد ولا يتركب الكلام إلا من اسمين نحو زيد قائم أو من فعل واسم كـ" قام زيد" وكقول المصنف "استقم" فإنه كلام مركب من فعل أمر وفاعل مستتر والتقدير استقم أنت فاستغنى بالمثال عن أن يقول: "فائدة يحسن السكوت عليها فكأنه قال الكلام:هو اللفظ المفيد فائدة كفائدة استقم". وإنما قال المصنف كلامنا ليعلم أن التعريف إنما هو للكلام في اصطلاح النحويين لا في اصطلاح اللغويين وهو في اللغة اسم لكل ما يتكلم به مفيدا كان أو غير مفيد. والكلم: اسم جنس واحده كلمة وهي إما اسم وإما فعل وإما حرف لأنها إن دلت على معنى في نفسها غير مقترنة بزمان فهي الاسم وإن اقترنت بزمان فهي الفعل وإن لم تدل على معنى في نفسها بل في غيرها فهي الحرف. والكلم: ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر كقولك إن قام زيد. والكلمة: هي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد فقولنا الموضوع لمعنى أخرج المهمل كديز وقولنا مفرد أخرج الكلام فإنه موضوع لمعنى غير مفرد ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن القول يعم الجميع والمراد أنه يقع على الكلام أنه قول ويقع أيضا على الكلم والكلمة أنه قول وزعم بعضهم أن الأصل استعماله في المفرد ثم ذكر المصنف أن الكلمة قد يقصد بها الكلام كقولهم في لا إله إلا الله كلمة الإخلاص وقد يجتمع الكلام والكلم في الصدق وقد ينفرد أحدهما فمثال اجتماعهما قد قام زيد فإنه كلام لإفادته معنى يحسن السكوت عليه وكلم لأنه مركب من ثلاث كلمات ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا البيت علامات الاسم. فمنها الجر: وهو يشمل الجر بالحرف والإضافة والتبعية نحو مررت بغلام زيد الفاضل فالغلام مجرور بالحرف وزيد مجرور بالإضافة والفاضل مجرور بالتبعية وهو أشمل من قول غيره بحرف الجر لأن هذا لايتناول الجر بالإضافة ولا الجر بالتبعية. ومنهما التنوين: وهو على أربعة أقسام: تنوين التمكين: وهو اللاحق للأسماء المعربة كزيد ورجل إلا جمع المؤنث السالم نحو مسلمات وإلا نحو جوار وغواش وسيأتي حكمهما وتنوين التنكير: وهو اللاحق للأسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها نحو مررت بسيبويه وبسيبويه آخر وتنوين المقابلة وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم نحو مسلمات فإنه في مقابلة النون في جمع المذكر السالم كمسلمين. وتنوين العوض وهو على ثلاثة أقسام: عوض عن جملة: وهو الذي يلحق إذ عوضا عن جملة تكون بعدها كقوله تعالى: {وأنْتُمْ حِينَئذٍ تَنْظُرُونَ} أي حين إذ بلغت الروح الحلقوم فحذف بلغت الروح الحلقوم وأتى بالتنوين عوضا عنه وقسم يكون عوضا عن اسم وهو اللاحق لكل عوضا عما تضاف إليه نحو كل قائم أي كل إنسان قائم فحذف إنسان وأتى بالتنوين عوضا عنه. وقسم يكون عوضا عن حرف: وهو اللاحق لجوار وغواش ونحوهما رفعا وجرا نحو هؤلاء جوار ومررت بجوار فحذفت الياء وأتي بالتنوين عوضا عنها. وتنوين الترنم : وهو الذي يلحق القوافي المطلقة بحرف علة كقوله: فجيء بالتنوين بدلا من الألف لأجل الترنم وكقوله: والتنوين الغالي: وأثبته الأخفش وهو الذي يلحق القوافي المقيدة كقوله: وظاهر كلام المصنف أن التنوين كله من خواص الاسم وليس كذلك بل الذي يختص به الاسم إنما هو تنوين التمكين والتنكير والمقابلة والعوض وأما تنوين الترنم والغالي فيكونان في الاسم والفعل والحرف . ومن خواص الاسم: النداء نحو يا زيد والألف واللام نحو الرجل والإسناد إليه نحو زيد قائم. فمعنى البيت حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف بالجر والتنوين والنداء والألف واللام والإسناد إليه أي الإخبار عنه. واستعمل المصنف أل مكان الألف واللام وقد وقع ذلك في عبارة بعض المتقدمين وهو الخليل واستعمل المصنف مسند مكان الإسناد له. ثم ذكر المصنف أن الفعل يمتاز عن الاسم والحرف بتاء فعلت والمراد بها تاء الفاعل وهي المضمومة للمتكلم نحو فعلت والمفتوحة للمخاطب نحو تباركت والمكسورة للمخاطبة نحو فعلت ويمتاز أيضا بتاء أتت والمراد بها تاء التأنيث الساكنة نحو نعمت وبئست فاحترزنا بالساكنة عن اللاحقة للأسماء فإنها تكون متحركة بحركة الإعراب نحو هذه مسلمة ورأيت مسلمة ومررت بمسلمة ومن اللاحقة للحرف نحو لات وربت وثمت وأما تسكينها مع رب وثم فقليل نحو: ربت وثمت. ويمتاز أيضا بياء أفعلي والمراد بها ياء الفاعلة وتلحق فعل الأمر نحو اضربي والفعل المضارع نحو تضربين ولا تلحق الماضي. وإنما قال المصنف يا أفعلي ولم يقل ياء الضمير لأن هذه تدخل فيها ياء المتكلم وهي لا تختص بالفعل بل تكون فيه نحو أكرمني وفى الاسم نحو غلامي وفى الحرف نحو إني بخلاف ياء افعلي فإن المراد بها ياء الفاعلة على ما تقدم وهي لا تكون إلا في الفعل ومما يميز الفعل نون أقبلن والمراد بها نون التوكيد خفيفة كانت أو ثقيلة فالخفيفة نحو قوله تعالى: والثقيلة نحو قوله تعالى: فمعنى البيت ينجلي الفعل بتاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة وياء الفاعلة ونون التوكيد. يشير إلى أن الحرف يمتاز عن الاسم والفعل بخلوه عن علامات الأسماء وعلامات الأفعال ثم مثل بهل وفي ولم منبها على أن الحرف ينقسم إلى قسمين مختص وغير مختص فأشار بهل إلى غير المختص وهو الذي يدخل على الأسماء والأفعال نحو هل زيد قائم وهل قام زيد وأشار بفي ولم إلى المختص وهو قسمان مختص بالأسماء كفي نحو زيد في الدار ومختص بالأفعال كلم نحو لم يقم زيد ثم شرع في تبيين أن الفعل ينقسم إلى ماض ومضارع وأمر فجعل علامة المضارع صحة دخول لم عليه كقولك في يشم لم يشم وفي يضرب لم يضرب وإليه أشار بقوله فعل مضارع يلي لم كيشم ثم أشار إلى ما يميز الفعل الماضي بقوله وماضي الأفعال بالتا مز أي ميز ماضي الأفعال بالتاء والمراد بها تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة وكل منهما لا يدخل إلا على ماضي اللفظ نحو تباركت يا ذا الجلال والإكرام ونعمت المرأة هند وبئست المرأة دعد. ثم ذكر في بقية البيت أن علامة فعل الأمر قبول نون التوكيد والدلالة على الأمر بصيغته نحو اضربن واخرجن فإن دلت الكلمة على الأمر ولم تقبل نون التوكيد فهي اسم فعل وإلى ذلك أشار بقوله: فصه وحيهل اسمان وإن دلا على الأمر لعدم قبولهما نون التوكيد فلا تقول صهن ولا حيهلن وإن كانت صه بمعنى اسكت وحيهل بمعنى أقبل فالفارق بينهما قبول نون التوكيد وعدمه نحو اسكتن وأقبلن ولا يجوز ذلك في صه وحيهل.
180455
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%A7%D8%A8%D9%86%20%D8%B9%D9%82%D9%8A%D9%84/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%A8%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D9%86%D9%8A
شرح ابن عقيل/المجلد الأول/المعرب والمبني
يشير إلى أن الاسم ينقسم إلى قسمين: أحدهما: المعرب وهو ما سلم من شبه الحروف. والثاني: المبني وهو ما أشبه الحروف وهو المعني بقوله لشبه من الحروف مدني أي لشبه مقرب من الحروف فعلة البناء منحصرة عند المصنف رحمه الله تعالى في شبه الحرف. ثم نوع المصنف وجوه الشبه في البيتين الذين بعد هذا البيت وهذا قريب من مذهب أبي علي الفارسي حيث جعل البناء منحصرا في شبه الحرف أو ما تضمن معناه وقد نص سيبويه رحمه الله على أن علة البناء كلها ترجع إلى شبه الحرف وممن ذكره ابن أبي الربيع. ذكر في هذين البيتين وجوه شبه الاسم بالحرف في أربعة مواضع: فالأول: شبهه له في الوضع كأن يكون الاسم موضوعا على حرف. واحد كالتاء في ضربت أو على حرفين كنا في أكرمنا وإلى ذلك أشار بقوله في اسمي جئتنا فالتاء في جئتنا اسم لأنه فاعل وهو مبني لأنه أشبه الحرف في الوضع في كونه على حرف واحد وكذلك نا اسم لأنها مفعول وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع في كونه على حرفين . والثاني: شبه الاسم له في المعنى وهو قسمان أحدهما ما أشبه حرفا موجودا والثاني ما أشبه حرفا غير موجود فمثال الأول متى فإنها مبنية لشبهها الحرف في المعنى فإنها تستعمل للاستفهام نحو متى تقوم وللشرط نحو متى تقم أقم وفي الحالتين هي مشبهة لحرف موجود لأنها في الاستفهام كالهمزة وفي الشرط كإن ومثال الثاني هنا فإنها مبنية لشبهها حرفا كان ينبغي أن يوضع فلم يوضع وذلك لأن الإشارة معنى من المعاني فحقها أن يوضع لها حرف يدل عليها كما وضعوا للنفي ما وللنهي لا وللتمني ليت وللترجي لعل ونحو ذلك فبنيت أسماء الإشارة لشبهها في المعنى حرفا مقدرا والثالث: شبهه له في النيابة عن الفعل وعدم التأثر بالعامل وذلك كأسماء الأفعال نحو دراك زيدا فدراك مبنى لشبهه بالحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه غيره كما أن الحرف كذلك. واحترز بقوله بلا تأثر عما ناب عن الفعل وهو متأثر بالعامل نحو ضربا زيدا فإنه نائب مناب اضرب وليس بمبني لتأثره بالعامل فإنه منصوب بالفعل المحذوف بخلاف دراك فإنه وإن كان نائبا عن أدرك فليس متأثرا بالعامل. وحاصل ما ذكره المصنف أن المصدر الموضوع موضع الفعل وأسماء الأفعال اشتركا في النيابة مناب الفعل لكن المصدر متأثر بالعامل فأعرب لعدم مشابهته الحرف وأسماء الأفعال غير متأثرة بالعامل فبنيت لمشابهتها الحرف في أنها نائبة عن الفعل وغير متأثرة به وهذا الذي ذكره المصنف مبني على أن أسماء الأفعال لا محل لها من الإعراب والمسألة خلافية وسنذكر ذلك في باب أسماء الأفعال. والرابع: شبه الحرف في الافتقار اللازم وإليه أشار بقوله وكافتقار أصلا وذلك كالأسماء الموصولة نحو الذي فإنها مفتقرة في سائر أحوالها إلى الصلة فأشبهت الحرف في ملازمة الافتقار فبنيت وحاصل البيتين أن البناء يكون في ستة أبواب المضمرات وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام وأسماء الإشارة وأسماء الأفعال والأسماء الموصولة. يريد أن المعرب خلاف المبني وقد تقدم أن المبني ما أشبه الحرف. فالمعرب: ما لم يشبه الحرف وينقسم إلى صحيح وهو ما ليس آخره حرف علة كأرض وإلى معتل وهو ما آخره حرف علة كسما وسما لغة في الاسم وفيه ست لغات اسم بضم الهمزة وكسرها وسم بضم السين وكسرها وسما بضم السين وكسرها أيضا وينقسم المعرب أيضا إلى متمكن أمكن وهو المنصرف كزيد وعمرو وإلى متمكن غير أمكن وهو غير المنصرف نحو أحمد ومساجد ومصابيح، فغير المتمكن هو المبني والمتمكن هو المعرب وهو قسمان متمكن أمكن ومتمكن غير أمكن. لما فرغ من بيان المعرب والمبني من الأسماء شرع في بيان المعرب والمبني من الأفعال ومذهب البصريين أن الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال فالأصل في الفعل البناء عندهم وذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل في الأسماء وفي الأفعال والأول هو الصحيح ونقل ضياء الدين بن العلج في البسيط أن بعض النحويين ذهب إلى أن الإعراب أصل في الأفعال فرع في الأسماء. والمبني من الأفعال ضربان: أحدهما: ما اتفق على بنائه وهو الماضي وهو مبني على الفتح نحو ضرب وانطلق ما لم يتصل به واو جمع فيضم أو ضمير رفع متحرك فيسكن. والثاني: ما اختلف في بنائه والراجح أنه مبني وهو فعل الأمر نحو اضرب وهو مبني عند البصريين ومعرب عند الكوفيين. والمعرب من الأفعال هو المضارع ولا يعرب إلا إذا لم تتصل به نون التوكيد أو نون الإناث فمثال نون التوكيد المباشرة هل تضربن والفعل معها مبني على الفتح ولا فرق في ذلك بين الخفيفة والثقيلة فإن لم تتصل به لم يبن وذلك كما إذا فصل بينه وبينها ألف اثنين نحو هل تضربان وأصله هل تضربانن فاجتمعت ثلاث نونات فحذفت الأولى وهى نون الرفع كراهة توالي الأمثال فصار هل تضربان. وكذلك يعرب الفعل المضارع إذا فصل بينه وبين نون التوكيد واو جمع أو ياء مخاطبة نحو هل تضربن يا زيدون وهل تضربن يا هند وأصل تضربن تضربونن فحذفت النون الأولى لتوالي الأمثال كما سبق فصار تضربون فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصار تضربن وكذلك تضربن أصله تضربينن ففعل به ما فعل بتضربونن. وهذا هو المراد بقوله وأعربوا مضارعا إن عريا من نون توكيد مباشر فشرط في إعرابه أن يعرى من ذلك ومفهومه أنه إذا لم يعر منه يكون مبنيا فعلم أن مذهبه أن الفعل المضارع لا يبنى إلا إذا باشرته نون التوكيد نحو هل تضربن يا زيد فإن لم تباشره أعرب وهذا هو مذهب الجمهور. وذهب الأخفش إلى أنه مبني مع نون التوكيد سواء اتصلت به نون التوكيد أو لم تتصل ونقل عن بعضهم أنه معرب وإن اتصلت به نون التوكيد ومثال ما اتصلت به نون الإناث الهندات يضربن والفعل معها مبني على السكون ونقل المصنف رحمه الله تعالى في بعض كتبه أنه لا خلاف في بناء الفعل المضارع مع نون الإناث وليس كذلك بل الخلاف موجود وممن نقله الأستاذ أبو الحسن بن عصفور في شرح الإيضاح. الحروف كلها مبنية إذ لا يعتورها ما تفتقر في دلالتها عليه إلى إعراب نحو أخذت من الدراهم فالتبعيض مستفاد من لفظ من بدون الإعراب والأصل في البناء أن يكون على السكون لأنه أخف من الحركة ولا يحرك المبني إلا لسبب كالتخلص من التقاء الساكنين وقد تكون الحركة فتحة كأين وقام وإنّ وقد تكون كسرة كأمس وجير وقد تكون ضمة كحيث وهو اسم ومنذ وهو حرف إذا جررت به وأما السكون فنحو وعلم مما مثلنا به أن البناء على الكسر والضم لا يكون في الفعل بل في الاسم والحرف وأن البناء على الفتح أو السكون يكون في الاسم والفعل والحرف. "كم واضرب وأجل". أنواع الإعراب أربعة: الرفع والنصب والجر والجزم. فأما الرفع والنصب فيشترك فيهما الأسماء والأفعال نحو زيد يقوم وإن زيدا لن يقوم وأما الجر فيختص بالأسماء نحو بزيد وأما الجزم فيختص بالأفعال نحو لم يضرب والرفع يكون بالضمة والنصب يكون بالفتحة والجر يكون بالكسرة والجزم يكون بالسكون وما عدا ذلك يكون نائبا عنه كما نابت الواو عن الضمة في أخو والياء عن الكسرة في بني من قوله جاء أخو بني نمر وسيذكر بعد هذا مواضع النيابة. شرع في بيان ما يعرب بالنيابة عما سبق ذكره والمراد بالأسماء التي سيصفها الأسماء الستة وهي أب وأخ وحم وهن وفوه وذو مال فهذه ترفع بالواو نحو جاء أبو زيد وتنصب بالألف نحو رأيت أباه وتجر بالياء نحو مررت بأبيه والمشهور أنها معربة بالحروف فالواو نائبة عن الضمة والألف نائبة عن الفتحة والياء نائبة عن الكسرة وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله وارفع بواو إلى آخر البيت والصحيح أنها معربة بحركات مقدرة على الواو والألف والياء فالرفع بضمة مقدرة على الواو والنصب بفتحة مقدرة على الألف والجر بكسرة مقدرة على الياء فعلى هذا المذهب الصحيح لم ينب شيء عن شيء مما سبق ذكره: أي من الأسماء التي ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء ذو وفم ولكن يشترط في ذو أن تكون بمعنى صاحب نحو جاءني ذو مال أي صاحب مال وهو المراد بقوله إن صحبة أبانا أي إن أفهم صحبة واحترز بذلك عن ذو الطائية فإنها لا تفهم صحبة بل هي بمعنى الذي فلا تكون مثل ذي بمعنى صاحب بل تكون مبنية وآخرها الواو رفعا ونصبا وجرا نحو جاءني ذو قام ورأيت ذو قام ومررت بذو قام ومنه قوله: وكذلك يشترط في إعراب الفم بهذه الأحرف زوال الميم منه نحو هذا فوه ورأيت فاه ونظرت إلى فيه وإليه أشار بقوله والفم حيث الميم منه بانا أي انفصلت منه الميم أي زالت منه فإن لم تزل منه أعرب بالحركات نحو هذا فم ورأيت فما ونظرت إلى فم. يعني أن أبا وأخا وحما تجري مجرى ذو وفم اللذين سبق ذكرها فترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء نحو هذا أبوه وأخوه وحموها ورأيت أباه وأخاه وحماها ومررت بأبيه وأخيه وحميها وهذه هي اللغة المشهورة في هذه الثلاثة وسيذكر المصنف في هذه الثلاثة لغتين أخريين. وأما هن فالفصيح فيه أن يعرب بالحركات الظاهرة على النون ولا يكون في آخره حرف علة نحو هذا هن زيد ورأيت هن زيد ومررت بهن زيد وإليه أشار بقوله والنقص في هذا الأخير أحسن أي النقص في هن أحسن من الإتمام والإتمام جائز لكنه قليل جدا هذا هنوه ورأيت هناه ونظرت إلى هنيه وأنكر الفراء جواز إتمامه وهو محجوج بحكاية سيبويه الإتمام عن العرب ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وأشار المصنف بقوله وفي أب وتالييه يندر إلى آخر البيت إلى اللغتين الباقيتين في أب وتالييه وهما أخ وحم فإحدى اللغتين النقص وهو حذف الواو والألف والياء والإعراب بالحركات الظاهرة على الباء والخاء والميم نحو هذا أبه وأخه وحمها ورأيت أبه وأخه وحمها ومررت بأبه وأخه وحمها وعليه قوله: وهذه اللغة نادرة في أب وتالييه ولهذا قال وفي أب وتالييه يندر أي: يندر النقص. واللغة الأخرى في أب وتالييه أن يكون بالألف رفعا ونصبا وجرا نحو هذا أباه وأخاه وحماها ورأيت أباه وأخاه وحماها ومررت بأباه وأخاه وحماها وعليه قول الشاعر: فعلامة الرفع والنصب والجر حركة مقدرة على الألف كما تقدر في المقصور وهذه اللغة أشهر من النقص. وحاصل ما ذكره أن في أب وأخ وحم ثلاث لغات أشهرها أن تكون بالواو والألف والياء والثانية أن تكون بالألف مطلقا والثالثة أن تحذف منها الأحرف الثلاثة وهذا نادر وأن في هن لغتين إحداهما النقص وهو الأشهر والثانية الإتمام وهو قليل. ذكر النحويون لإعراب هذه الأسماء بالحروف شروطا أربعة: أحدها: أن تكون مضافة واحترز بذلك من ألا تضاف فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة نحو هذا أب ورأيت أبا ومررت بأب. الثاني: أن تضاف إلى غير ياء المتكلم نحو هذا أبو زيد وأخوه وحموه فإن أضيفت إلى ياء المتكلم أعربت بحركات مقدرة نحو هذا أبي ورأيت أبي ومررت بأبي ولم تعرب بهذه الحروف وسيأتي ذكر ما تعرب به حينئذ. الثالث: أن تكون مكبرة واحترز بذلك من أن تكون مصغرة فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة نحو هذا أبي زيد وذوي مال ورأيت أبي زيد وذوي مال ومررت بأبي زيد وذوي مال. الرابع: أن تكون مفردة واحترز بذلك من أن تكون مجموعة أو مثناة فإن كانت مجموعة أعربت بالحركات الظاهرة نحو هؤلاء آباء الزيدين ورأيت آباءهم ومررت بآبائهم وإن كانت مثناة أعربت إعراب المثنى بالألف رفعا وبالياء جرا ونصبا نحو هذان أبوا زيد ورأيت أبويه ومررت بأبويه. ولم يذكر المصنف رحمه الله تعالى من هذه الأربعة سوى الشرطين الأولين ثم أشار إليهما بقوله وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا لياء أي شرط إعراب هذه الأسماء بالحروف أن تضاف إلى غير ياء المتكلم فعلم من هذا أنه لا بد من إضافتها وأنه لا بد أن تكون إضافتها إلى غير ياء المتكلم ويمكن أن يفهم الشرطان الآخران من كلامه وذلك أن الضمير في قوله يضفن راجع إلى الأسماء التي سبق ذكرها وهو لم يذكرها إلا مفردة مكبرة فكأنه قال وشرط ذا الإعراب أن يضاف أب وإخوته المذكورة إلى غير ياء المتكلم. واعلم أن ذو لا تستعمل إلا مضافة ولا تضاف إلى مضمر بل إلى اسم جنس ظاهر غير صفة نحو جاءني ذو مال فلا يجوز جاءني ذو قائم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن مما تنوب فيه الحروف عن الحركات الأسماء الستة وقد تقدم الكلام عليها ثم ذكر المثنى وهو مما يعرب بالحروف وحده لفظ دال على اثنين بزيادة في آخره صالح للتجريد وعطف مثله عليه فيدخل في قولنا لفظ دال على اثنين المثنى نحو الزيدان والألفاظ الموضوعة لاثنين نحو شفع وخرج بقولنا بزيادة نحو شفع وخرج بقولنا صالح للتجريد نحو اثنان فإنه لا يصلح لإسقاط الزيادة منه فلا تقول اثن وخرج بقولنا وعطف مثله عليه ما صلح للتجريد وعطف غيره عليه كالقمرين فإنه صالح للتجريد فتقول قمر ولكن يعطف عليه مغايره لأمثله نحو قمر وشمس وهو المقصود بقولهم القمرين وأشار المصنف بقوله بالألف ارفع المثنى وكلا إلى أن المثنى يرفع بالألف وكذلك شبه المثنى وهو كل ما لا يصدق عليه حد المثنى وأشار إليه المصنف بقوله وكلا فما لا يصدق عليه حد المثنى مما دل على اثنين بزيادة أو شبهها فهو ملحق بالمثنى فكلا وكلتا واثنان واثنتان ملحقة بالمثنى لأنها لا يصدق عليها حد المثنى ولكن لا يلحق كلا وكلتا بالمثنى إلا إذا أضيفا إلى مضمر نحو جاءني كلاهما ورأيت كليهما ومررت بكليهما وجاءتني كلتاهما ورأيت كلتيهما ومررت بكلتيهما فإن أضيفا إلى ظاهر كانا بالألف رفعا ونصبا وجرا نحو جاءني كلا الرجلين وكلتا المرأتين ورأيت كلا الرجلين وكلتا المرأتين ومررت بكلا الرجلين وكلتا المرأتين فلهذا قال المصنف وكلا إذا بمضمر مضافا وصلا. ثم بين أن اثنين واثنتين يجريان مجرى ابنين وابنتين فاثنان واثنتان ملحقان بالمثنى كما تقدم وابنان وابنتان مثنى حقيقة ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن الياء تخلف الألف في المثنى والملحق به في حالتي الجر والنصب وأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحا نحو رأيت الزيدين كليهما ومررت بالزيدين كليهما واحترز بذلك عن ياء الجمع فإن ما قبلها لا يكون إلا مكسورا نحو مررت بالزيدين وسيأتي ذلك وحاصل ما ذكره أن المثنى وما ألحق به يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء وهذا هو المشهور والصحيح أن الإعراب في المثنى والملحق به بحركة مقدرة على الألف رفعا والياء نصبا وجرا. وما ذكره المصنف من أن المثنى والملحق به يكونان بالألف رفعا والياء نصبا وجرا هو المشهور في لغة العرب ومن العرب من يجعل المثنى والملحق به بالألف مطلقا رفعا ونصبا وجرا فيقول جاء الزيدان كلاهما ورأيت الزيدان كلاهما ومررت بالزيدان كلاهما ذكر المصنف قسمين يعربان بالحروف أحدهما الأسماء الستة والثاني المثنى وقد تقدم الكلام عليهما ثم ذكر في هذا البيت القسم الثالث وهو جمع المذكر السالم وما حمل عليه وإعرابه بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا وأشار بقوله عامر ومذنب إلى ما يجمع هذا الجمع وهو قسمان جامد وصفة. فيشترط في الجامد أن يكون علما لمذكر عاقل خاليا من تاء التأنيث ومن التركيب فإن لم يكن علما لم يجمع بالواو والنون فلا يقال في رجل رجلون نعم إذا صغر جاز ذلك نحو رجيل ورجيلون لأنه وصف وإن كان علما لغير مذكر لم يجمع بهما فلا يقال في زينب زينبون وكذا إن كان علما لمذكر غير عاقل فلا يقال في لاحق اسم فرس لاحقون وإن كان فيه تاء التأنيث فكذلك لا يجمع بهما فلا يقال في طلحة طلحون وأجاز ذلك الكوفيون وكذلك إذا كان مركبا فلا يقال في سيبويه سيبويهون وأجازه بعضهم. ويشترط في الصفة أن تكون صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث ليست من باب أفعل فعلاء ولا من بان فعلان فعلى ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث فخرج بقولنا صفة لمذكر ما كان صفة لمؤنث فلا يقال في حائض حائضون وخرج بقولنا عاقل ما كان صفة لمذكر غير عاقل فلا يقال في سابق صفة فرس سابقون وخرج بقولنا خالية من تاء التأنيث ما كان صفة لمذكر عاقل ولكن فيه تاء التأنيث نحو علامة فلا يقال فيه علامون وخرج بقولنا ليست من باب أفعل فعلاء ما كان كذلك نحو أحمر فإن مؤنثه حمراء فلا يقال فيه أحمرون وكذلك ما كان من باب فعلان فعلى نحو سكران وسكرى فلا يقال سكرانون وكذلك إذا استوى في الوصف المذكر والمؤنث نحو صبور وجريح فإنه يقال رجل صبور وامرأة صبور ورجل جريح وامرأة جريح فلا يقال في جمع المذكر السالم صبورون ولا جريحون وأشار المصنف رحمه الله إلى الجامد الجامع للشروط التي سبق ذكرها بقوله عامر فإنه علم لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث ومن التركيب فيقال فيه عامرون. وأشار إلى الصفة المذكورة أولا بقوله ومذنب فإنه صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث وليست من باب أفعل فعلاء ولا من باب فعلان فعلى ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث فيقال فيه مذنبون. أشار المصنف رحمه الله بقوله وشبه ذين إلى شبه عامر وهو كل علم مستجمع للشروط السابق ذكرها كمحمد وإبراهيم فتقول محمدون وإبراهيمون وإلى شبه مذنب وهو كل صفة اجتمع فيها الشروط كالأفضل والضراب ونحوهما فتقول الأفضلون والضرابون وأشار بقوله وبه عشرون إلى ما ألحق بجمع المذكر السالم في إعرابه بالواو رفعا وبالياء جرا ونصبا. وجمع المذكر السالم هو ما سلم فيه بناء الواحد ووجد فيه الشروط التي سبق ذكرها فمالا واحد له من لفظه أوله واحد غير مستكمل للشروط فليس بجمع مذكر سالم بل هو ملحق به فعشرون وبابه وهو ثلاثون إلى تسعين ملحق بجمع المذكر السالم لأنه لا واحد له من لفظه إذ لا يقال عشر وكذلك أهلون ملحق به لأن مفرده وهو أهل ليس فيه الشروط المذكورة لأنه اسم جنس جامد كرجل وكذلك أولو لأنه لا واحد له من لفظه وعالمون جمع عالم وعالم كرجل اسم جنس جامد وعليون اسم لأعلى الجنة وليس فيه الشروط المذكورة لكونه لما لا يعقل وأرضون جمع أرض وأرض اسم جنس جامد مؤنث والسنون جمع سنة والسنة اسم جنس مؤنث فهذه كلها ملحقة بالجمع المذكر لما سبق من أنها غير مستكملة للشروط. وأشار بقوله وبابه إلى باب سنة وهو كل اسم ثلاثي حذفت لامه وعوض عنها هاء التأنيث ولم يكسر كمائة ومئتين وثبة وثبين وهذا الاستعمال شائع في هذا ونحوه فإن كسر كشفة وشفاه لم يستعمل كذلك إلا شذوذوا كظبة فإنهم كسروه على ظباة وجمعوه أيضا بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا فقالوا ظبون وظبين. وأشار بقوله: ومثل حين قد يرد ذا الباب إلى أن سنين ونحوه قد تلزمه الياء ويجعل الإعراب على النون فتقول هذه سنين ورأيت سنينا ومررت بسنين وإن شئت حذفت التنوين وهو أقل من إثباته واختلف في اطراد هذا والصحيح أنه لا يطرد وأنه مقصور على السماع ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف في إحدى الروايتين ومثله قول الشاعر: الشاهد فيه: إجراء السنين مجرى الحين في الإعراب بالحركات وإلزام النون مع الإضافة. حق نون الجمع وما ألحق به الفتح وقد تكسر شذوذا ومنه قوله: وقوله: وليس كسرها لغة خلافا لمن زعم ذلك. وحق نون المثنى والملحق به الكسر وفتحها لغة ومنه قوله: وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أن فتح النون في التثنية ككسر نون الجمع في القلة وليس كذلك بل كسرها في الجمع شاذ وفتحها في التثنية لغة كما قدمناه وهل يختص الفتح بالياء أو يكون فيها وفي الألف؟ قولان وظاهر كلام المصنف الثاني. ومن الفتح مع الألف قول الشاعر: وقد قيل إنه مصنوع فلا يحتج به. لما فرغ من الكلام على الذي تنوب فيه الحروف عن الحركات شرع في ذكر ما نابت فيه حركة عن حركة وهو قسمان: أحدهما: جمع المؤنث السالم نحو مسلمات وقيدنا ب السالم احترازا عن جمع التكسير وهو ما لم يسلم فيه بناء واحده نحو هنود وأشار إليه المصنف رحمه الله تعالى! بقوله: "وما بتا وألف قد جمعا أي جمع بالألف والتاء المزيدتين فخرج نحو قضاة فإن ألفه غير زائدة بل هي منقلبة عن أصل وهو الياء لأن أصله قضية ونحو أبيات فإن تاءه أصلية والمراد منه ما كانت الألف والتاء سببا في دلالته على الجمع نحو هندات فاحترز بذلك عن نحو قضاة وأبيات فإن كل واحد منهما جمع ملتبس بالألف والتاء وليس مما نحن فيه لأن دلالة كل واحد منهما على الجمع ليس بالألف والتاء وإنما هو بالصيغة فاندفع بهذا التقرير الاعتراض على المصنف بمثل قضاة وأبيات وعلم أنه لا حاجة إلى أن يقول بألف وتاء مزيدتين فالباء في قوله بتا متعلقة بقوله جمع. وحكم هذا الجمع أن يرفع بالضمة وينصب ويجر بالكسرة نحو جاءني هندات ورأيت هندات ومررت بهندات فنابت فيه الكسرة عن الفتحة وزعم بعضهم أنه مبني في حالة النصب وهو فاسد إذ لا موجب لبنائه. أشار بقوله كذا أولات إلى أن أولات تجرى مجرى جمع المؤنث السالم في أنها تنصب بالكسرة وليست بجمع مؤنث سالم بل هي ملحقة به وذلك لأنها لا مفرد لها من لفظها. ثم أشار بقوله والذي اسما قد جعل إلى أن ما سمي به من هذا الجمع والملحق به نحو أذرعات ينصب بالكسرة كما كان قبل التسمية به ولا يحذف منه التنوين نحو هذه أذرعات ورأيت أذرعات ومررت بأذرعات هذا هو المذهب الصحيح وفيه مذهبان آخران أحدهما أنه يرفع بالضمة وينصب ويجر بالكسرة ويزال منه التنوين نحو هذه أذرعات ورأيت أذرعات ومررت بأذرعات والثاني أنه يرفع بالضمة وينصب ويجر بالفتحة ويحذف منه التنوين نحو: "هذه أذرعات ورأيت أذرعات ومررت بأذرعات"، ويروى قوله: بكسر التاء منونة كالمذهب الأول وبكسرها بلا تنوين كالمذهب الثاني وبفتحها بلا تنوين كالمذهب الثالث. أشار بهذا البيت إلى القسم الثاني مما ناب فيه حركة عن حركة وهو الاسم الذي لا ينصرف وحكمه أنه يرفع بالضمة نحو جاء أحمد وينصب بالفتحة نحو رأيت أحمد ويجر بالفتحة أيضا نحو مررت بأحمد فنابت الفتحة عن الكسرة هذا إذا لم يضف أو يقع بعد الألف واللام فإن أضيف جر بالكسرة نحو مررت بأحمدكم وكذا إذا دخله الألف واللام نحو مررت بالأحمد فإنه يجر بالكسرة . لما فرغ من الكلام على ما يعرب من الأسماء بالنيابة شرع في ذكر ما يعرب من الأفعال بالنيابة وذلك الأمثلة الخمسة فأشار بقوله يفعلان إلى كل فعل اشتمل على ألف اثنين سواء كان في أوله الياء نحو يضربان أو التاء نحو تضربان وأشار بقوله وتدعين إلى كل فعل اتصل به ياء مخاطبة نحو أنت تضربين وأشار بقوله وتسألون إلى كل فعل اتصل به واو الجمع نحو أنتم تضربون سواء كان في أوله التاء كما مثل أو الياء نحو الزيدون يضربون. فهذه الأمثلة الخمسة وهي يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها فنابت النون فيه عن الحركة التي هي الضمة نحو الزيدان يفعلان فيفعلان فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها نحو: الزيدان لن يقوما ولم يخرجا فعلامة النصب والجزم سقوط النون من يقوما ويخرجا ومنه قوله تعالى . شرع في ذكر إعراب المعتل من الأسماء والأفعال فذكر أن ما كان مثل المصطفى والمرتقي يسمى معتلا وأشار بالمصطفى إلى ما في آخره ألف لازمة قبلها فتحة مثل عصا ورحى وأشار بالمرتقي إلى ما في آخره ياء مكسور ما قبلها نحو القاضي والداعي ثم أشار إلى أن ما في آخره ألف مفتوح ما قبلها يقدر فيه جميع حركات الإعراب الرفع والنصب والجر وأنه يسمى المقصور فالمقصور هو: الاسم المعرب الذي في آخره ألف لازمة فاحترز بالاسم من الفعل نحو يرضى وبالمعرب من المبني نحو إذا وبالألف من المنقوص نحو القاضي كما سيأتي وبلازمة من المثنى في حالة الرفع نحو الزيدان فإن ألفه لا تلزمه إذ تقلب ياء في الجر والنصب نحو رأيت الزيدين. وأشار بقوله والثاني منقوص إلى المرتقي فالمنقوص هو: الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة قبلها كسرة نحو المرتقي فاحترز بالاسم عن الفعل نحو يرمي وبالمعرب عن المبني نحو الذي وبقولنا "قبلها كسرة" عن التي قبلها سكون نحو ظبي ورمي فهذا معتل جار مجرى الصحيح في رفعه بالضمة ونصبه بالفتحة وجره بالكسرة وحكم هذا المنقوص أنه يظهر فيه النصب نحو رأيت القاضي وقال الله تعالى ويقدر فيه الرفع والجر لثقلهما على الياء نحو جاء القاضي ومررت بالقاضي فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الياء وعلامة الجر كسرة مقدرة على الياء. وعلم مما ذكر أن الاسم لا يكون في آخره واو قبلها ضمة نعم إن كان مبنيا وجد ذلك فيه نحو هو ولم يوجد ذلك في المعرب إلا في الأسماء الستة في حالة الرفع نحو جاء أبوه وأجاز ذلك الكوفيون في موضعين آخرين أحدهما: ما سمي به من الفعل نحو يدعو ويغزو والثاني: ما كان أعجميا نحو سمندو وقمندو. أشار إلى أن المعتل من الأفعال هو ما كان في آخره واو قبلها ضمة نحو يغزو أو ياء قبلها كسرة نحو يرمى أو ألف قبلها فتحة نحو يخشى. ذكر في هذين البيتين كيفية الإعراب في الفعل المعتل فذكر أن الألف يقدر فيها غير الجزم وهو الرفع والنصب نحو زيد يخشى فيخشى مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف ولن يخشى فيخشى منصوب وعلامة النصب فتحة مقدرة على الألف وأما الجزم فيظهر لأنه يحذف له الحرف الآخر نحو لم يخش. وأشار بقوله وأبد نصب ما كيدعو يرمي إلى أن النصب يظهر فيما آخره واو أو ياء نحو لن يدعو ولن يرمي. وأشار بقوله والرفع فيهما انو إلى أن الرفع يقدر في الواو والياء نحو يدعو ويرمي فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الواو والياء. وأشار بقوله واحذف جازما ثلاثهن إلى أن الثلاث وهي الألف والواو والياء تحذف في الجزم نحو لم يخش ولم يغز ولم يرم فعلامة الجزم حذف الألف والواو والياء. وحاصل ما ذكره أن الرفع يقدر في الألف والواو والياء وأن الجزم يظهر في الثلاثة بحذفها وأن النصب يظهر في الياء والواو ويقدر في الألف.
180460
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A8%20%D9%85%D9%86%20%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85%20%D8%B3%D9%8A%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D9%85%D8%A9
الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار/المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم {فاذْكُرُوني أذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُون} [البقرة:152] الحمد للَّه الواحد القهَّار، العزيز الغفَّار، مقدِّر الأقدار، مصرِّف الأمور، مُكوِّر الليل على النهار، تبصرةَ لأُولي القلوب والأبصار، الذي أيقظ من خلقه ومن اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار، ووفَّق من اجتباه من عبيده فجعلَه من المقرَّبين الأبرار، وبصَّرَ من أحبَّه فزهَّدهم في هذه الدار، فاجتهدوا في مرضاته والتأهُّب لدار القرار، واجتناب ما يُسخطه والحذر من عذاب النار، وأخذوا أنفسهم بالجدِّ في طاعته وملازمة ذكره بالعشيّ والإِبكار، وعند تغاير الأحوال وجميع آناء الليل والنهار، فاستنارت قلوبُهم بلوامع الأنوار، أحمده أبلغَ الحمد على جميع نعمه، وأسألُه المزيد من فضله وكرمه. وأشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه العظيم، الواحد الصمد العزيز الحكيم؛ وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، وصفيُّه وحبيبه وخليله، أفضلُ المخلوقين، وأكرمُ السابقين واللاحقين، صلواتُ اللّه وسلامه عليه وعلى سائر النبيين، وآل كلٍّ وسائر الصالحين. أما بعد: فقد قال اللّه العظيم العزيز الحكيم: {فاذْكُرُوني أذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال تعالى: {وَمَا خَلقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا ليَعْبدون} [الذاريات:56] فعُلِم بهذا أ من أفضل ـ أو أفضل ـ حال العبد، حال ذكره ربَّ العالمين، واشتغاله بالأذكار الواردة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سيد المرسلين. وقد صنَّف العلماءُ رضي اللّه عنهم في عمل اليوم والليلة والدعوات والأذكار كتباً كثيرةً معلومةً عند العارفين، ولكنها مطوّلة بالأسانيد والتكرير، فضَعُفَتْ عنها هممُ الطالبين، فقصدتُ تسهيل ذلك على الراغبين، فشرعتُ في جمع هذا الكتاب مختصراً مقاصد ما ذكرته تقريباً للمعتنين، وأحذف الأسانيد في معظمه لما ذكرته من إيثار الاختصار، ولكونه موضوعاً للمتعبدين، وليسوا إلى معرفة الأسانيد متطلعين، بل يكرهونه وإن قَصُرَ إلا الأقلّين، ولأن المقصود به معرفةُ الأذكار والعمل بها، وإيضاحُ مظانّها للمسترشدين، وأذكر إن شاء اللّه تعالى بدلاً من الأسانيد ما هو أهم منها مما يخلّ به غالباً، وهو بيان صحيح الأحاديث وحسنها وضعيفها ومنكرها، فإنه مما يفتقر إلى معرفته جميعُ الناس إلا النادر من المحدّثين، وهذا أهمّ ما يجب الاعتناء به، وما يُحقِّقهُ الطالبُ من جهة الحفاظ المتقنين، والأئمة الحُذَّاق المعتمدين، وأضمُّ إليه إن شاء اللّه الكريم جملاً من النفائس من علم الحديث، ودقائق الفقه، ومهمات القواعد، ورياضات النفوس، والآداب التي تتأكد معرفتُها على السالكين. وأذكرُ جميعَ ما أذكرُه مُوَضَّحَاً بحيث يسهلُ فهمه على العوام والمتفقهين. وقد روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "مَنْ دَعا إلى هُدىً كانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلك مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئاً". فأردت مساعدة أهل الخير بتسهيل طريقه والإِشارة إليه، وإيضاح سلوكه والدلالة عليه، وأذكر في أوَّلِ الكتاب فصولاً مهمة يحتاجُ إليها صاحبُ هذا الكتاب وغيره من المعتنين، وإذا كان في الصحابة مَن ليس مشهوراً عند مَن لا يعتني بالعمل نبَّهتُ عليه فقلت: روينا عن فلان الصحابيّ، لئلا يُشكَّ قي صحبته. وأقتصر في هذا الكتاب على الأحاديث التي في الكتب المشهورة التي هي أصول الإِسلام وهي خمسة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي. وقد أروي يسيراً من الكتب المشهورة غيرها. وأما الأجزاء والمسانيد فلستُ أنقل منها شيئاً إلا في نادر من المواطن، ولا أذكرُ من الأصول المشهورة أيضاً من الضعيف إلا النادر مع بيان ضعفه، وإنما أذكر فيه الصحيح غالباً، فلهذا أرجو أن يكون هذا الكتاب أصلاً معتمداً. ثم لا أذكر في الباب من الأحاديث إلا ما كانت دلالته ظاهرة في المسألة. واللّه الكريم أسألُ التوفيق والإِنابة والإِعانة والهداية والصيانة، وتيسير ما أقصده من الخيرات، والدوام على أنواع المكرمات، والجمع بيني وبين أحبابي في دار كرامته وسائر وجوه المسرّات. وحسبي اللّه ونِعم الوكيل، ولا حول ولا قوَّة إلا باللّه العزيز الحكيم، ما شاء اللّه لا قوَّة إلاَّ باللّه، توكلتُ على اللّه، اعتصمتُ باللّه، استعنتُ باللّه، وفوَّضت أمري إلى اللّه، واستودعتُ اللّه ديني ونفسي ووالديّ وإخواني وأحبائي وسائر من أحسن إليّ وجميع المسلمين وجميع ما أنعم به عليّ وعليهم من أمور الآخرة والدنيا، فإنه سبحانه إذا استُودع شيئاً حفظه ونعم الحفيظ. كتاب الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار
180461
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A8%20%D9%85%D9%86%20%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85%20%D8%B3%D9%8A%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%BA%D9%81%D8%A7%D8%B1
الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار/الاستغفار
باب الاستغفار اعلم أن هذا الكتاب من أهمّ الأبواب التي يعتنى بها ويحافظ على العمل به. وقصدت بتأخيره التفاؤلَ بأن يختم اللّه الكريم لنا به، نسأله ذلك وسائر وجوه الخير لي ولأحبائي وسائر المسلمين آمين. قال اللّه تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعَشِيّ وَالإِبْكارِ} [غافر: 55] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَللْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ} [محمد:19] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:106] وقال تعالى: {لِلَّذينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها وأزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بالعِبادِ، الَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقانِتِينَ وَالمُنْفِقِينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ بالأسحَارِ} [آل عمران:15ـ17] وقال تعالى: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] وقال تعالى: {وَالَّذينَ إذَا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ؟ وَلَمْ يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء: 110] وقال تعالى: {وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمّ تُوبُوا إِلَيْهِ..} الآية [هود:3]، وقال تعالى إخباراً عن نوح صلى اللّه عليه وسلم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كانَ غَفَّاراً} [نوح: 10] وقال تعالى حكاية عن هود صلى اللّه عليه وسلم: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ..} الآية [هود:52]، والآيات في الاستغفار كثيرة معروفة، ويحصل التنبيه ببعض ما ذكرناه. وأما الأحاديث الواردة في الاستغفار فلا يمكن استقصاؤها، لكني أُشير إلى أطراف من ذلك. 1/1049 روينا في صحيح مسلم، عن الأغرّ المزنيّ الصحابيّ رضي اللّه تعالى عنه:أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إنَّهُ لَيُغانُ على قَلْبِي، وإني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَوْمِ مِئَة مَرَّةٍ". 2/1050 وروينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "واللّه إنّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأتُوبُ إلَيهِ فِي اليَوْمِ أكثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّة".(البخاري (6307) ، والترمذي (3255) "(البخاري (6307) ، والترمذي (3255) "(البخاري (6307) ، والترمذي (3255) "(البخاري (6307) ، والترمذي (3255) "(البخاري (6307) ، والترمذي (3255)"(البخاري (6307) ، والترمذي (3255) 3/1051 وروينا في صحيح البخاري أيضاً، عن شداد بن أوس رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "سَيِّدُ الاسْتغْفارِ أنْ يقُولَ العَبْدُ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبّي لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عليَّ وأبُوءُ بِذَنْبي، فاغْفِرْ لي فإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ؛ مَنْ قَالَهَا بالنَّهارِ مُوقِناً بِها فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ موقِن بها فَمَاتَ قَبْلَ أنْ يُصْبحَ فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ". قلت: أبوء بضم الباء وبعد الواو همزة ممدودة، ومعناه: أقرّ وأعترف. 4/1052 وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه،عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما، قال: كنّا نعدُّ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المجلس الواحد مِئَةَ مرّة: "ربّ اغْفِرْ لي وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ" قال الترمذي: حديث صحيح. 5/1053 وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً وَمِنْ كُلّ هَمٍّ فَرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ". 6/1054 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعالى فَيَغفِرُ لَهُمْ". 7/1055 وروينا في سنن أبي داود، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالى عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يُعجبه أن يدعوَ ثلاثاً، ويستغفرَ ثلاثاً. وقد تقدم هذا الحديث قريباً في جامع الدعوات 8/1056 وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن مولى لأبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما أصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإنْ عادَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً" قال الترمذي: ليس إسناده بالقويّ. 9/1057 وروينا في كتاب الترمذي، عن أنس رضي اللّه تعالى عنه قال:سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "قالَ اللَّهُ تَعالى: يا بْنَ آدَمَ! إَّنكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ما كانَ منْكَ وَ لا أُبالي، يا بْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يابْنَ آدَمَ! لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطايَا ثُمَّ أتَيْتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِها مَغْفِرَةً" قال الترمذي: حديث حسن. قلت: عنان السماء بفتح العين: وهو السحاب، واحدتها عنانة؛ وقيل العنان: ما عنّ لك منها، أي ما اعترضَ وظهر لك إذا رفعت رأسك. وأما قراب الأرض فروي بضم القاف وكسرها، والضم هو المشهور، ومعناه: ما يُقارب مِلْئَها، وممّن حكى كسرها صاحب المطالع. 10/1058 وروينا في سنن ابن ماجه، بإسناد جيد عن عبد اللّه بن بُسْرٍ ـ بضم الباء وبالسين المهملة ـ رضي اللّه تعالى عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفاراً كَثِيراً". 11/1059 وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه، قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ قالَ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إِليْهِ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ" قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم. قلتُ: وهذا الباب واسع جداً، واختصاره أقرب إلى ضبطه، فنقتصر على هذا القدر منه. ومما يتعلَّق بالاستغفار ما جاء عن الرَّبيع بن خُثَيْم رضي اللّه تعالى عنه قال: لا يقلْ أحدُكم: أستغفر اللّه وأتوب إليه فيكون ذنباً وكذباً إن لم يفعل، بل يقولُ: اللَّهمّ اغفر لي وتُبْ عليّ، وهذا الذي قاله من قوله: اللَّهمّ اغفر لي وتب عليّ حسن. وأما كراهيته أستغفرُ اللّه وتسميته كذباً فلا نُوافق عليه، لأن معنى أستغفرُ اللّه أطلبُ مغفرتَه، وليس في هذا كذب، ويكفي في ردّه حديث ابن مسعود المذكور قبله. وعن الفُضيل رضي اللّه تعالى عنه: استغفارٌ بلا إقلاع توبةُ الكذّابين، ويُقاربه ما جاءَ عن رابعة العدوية رضي اللّه تعالى عنها قالت: استغفارُنا يحتاجُ إلى استغفار كثير. وعن بعضِ الأعراب أنه تعلَّقَ بأستار الكعبة وهو يقول: اللَّهمّ إن استغفاري مع إصراري لؤم، وإن تركي الاستغفارَ مع علمي بسَعَة عفوك لعجز، فكم تَتَحَبَّبُ إليّ بالنعم مع غِناكَ عني، وأَتَبَغَّضُ إليك بالمعاصي مع فقري إليك، يا مَن إذا وَعدَ وَفَّى، وإذا توعَّدَ تجاوز وعفا، أدخلْ عظيمَ جُرمي في عظيم عفوكَ يا أرحم الراحمين. بابُ النّهي عن صَمْتِ يَوْمٍ إلى الليل 1/1060 روينا في سنن أبي داود، بإسناد حسن، عن عليّ رضي اللّه عنه، قال:حفظتُ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا يُتْم((لا يُتْم: بسكون التاء. يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام)) "((لا يُتْم: بسكون التاء. يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام)) "((لا يُتْم: بسكون التاء. يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام)) "((لا يُتْم: بسكون التاء. يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام)) " عْدَ احْتِلام، وَلا صُماتَ يَوْمٍ إلى اللَّيْلِ". وروينا في معالم السنن للإِمام أبي سليمان الخطابي رضي اللّه عنه قال في تفسير هذا الحديث: كان أهل الجاهلية من نُسْكهم الصُّماتُ، وكان أحدُهم يعتكفُ اليومَ والليلة فيصمتُ ولا ينطق، فنُهوا: يعني في الإِسلام عن ذلك، وأُمروا بالذكر والحديث بالخير. 2/1061 وروينا في صحيح البخاري، عن قيس بن أبي حازم رحمه اللّه قال:دخل أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه على امرأة من أحْمَسَ يُقال لها زينب فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً، فقال لها: تكلمي فإن هذا لا يَحِلّ، هذا من عمل الجاهلية، فتكلَّمتْ. الأحاديث التي عليها مدار الاسلام فصل: في آخر ما قصدتُه من هذا الكتاب، وقد رأيتُ أن أضمَّ إليه أحاديث تتمُّ محاسنُ الكتاب بها إن شاء اللّه تعالى، وهي الأحاديث التي عليها مدارُ الإِسلام ، وقد اختلفَ العلماءُ فيها اختلافاً منتشراً، وقد اجتمعَ مِن تداخل أقوالهم مع ما ضممتُه إليها ثلاثون حديثاً. 1062 الحديث الأول: حديثُ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه:"إنَّمَا الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ" وقد سبق بيانَه في أول هذا الكتاب. 1063 الحديث الثاني: عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:قالَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" رويناه في صحيحي البخاري ومسلم. 1064 الثالث: عن النعمان بن بشير رضيَ اللّه عنهما قال:سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبرأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألاَ وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، ألاَ وَإنَّ حِمَى اللَّهِ تَعالى مَحَارِمُهُ، ألا وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ألاَ وَهِيَ القَلْبُ" رويناه في صحيحيهما. 1065 الرابع: عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال:حدّثنا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بأرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْب رِزْقِهِ وَأجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ، فَوَالَّذي لا إِلهَ غَيْرُهُ إنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حتَّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهل النَّارِ فيدْخُلُها، وَإنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَها إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُها" رويناه في صحيحيهما. 1066 الخامس: عن الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما، قال:حَفِظتُ من رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ" رويناه في الترمذي واننسائي، قال الترمذي: حديث صحيح. قوله يَريبك بفتح الياء وضمّها لغتان، والفتح أشهر. 1067 السادس: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال:قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ" رويناه في كتاب الترمذي وابن ماجه، وهو حسن. 1068 السابع: عن أنس رضي اللّه عنه،عن النبيِّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِهِ" رويناه في صحيحيهما. 1069 الثامن: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعالى طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً، وَإنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقالَ تَعالى: {يا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51] وَقالَ تعالى: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعث أغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ: يا رَبّ يا رَبّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِي بالحَرَامِ، فأنّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ؟" رويناه في صحيح مسلم. 1070 التاسع: حديث "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ" رويناه في الموطأ مرسلاً، وفي سنن الدارقطنيّ وغيره من طرق متصلاً، وهو حسن. 1071 العاشر: عن تميم الداري رضي اللّه عنه:أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "الدّين النَّصِيحَةُ، قلنا: لمن؟ قال: لِلَّهِ، وَلِكِتابِهِ، وَلِرسُولهِ، ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِم" رويناه في مسلم. 1072 الحادي عشر: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أنه سمعَ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم يقول: "ما نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فاجْتَنِبُوهُ، وَما أمَرْتُكُمْ بِهِ فافْعَلُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ فإنَّما أهْلَكَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسائِلِهِمْ وَاخْتِلافهُمْ على أنْبِيائِهِمْ" رويناه في صحيحيهما. 1073 الثاني عشر: عن سهل بن سعد رضي اللّه عنه قال:جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه! دُلّني على عمل إذا عملتُه أحبّني اللّه وأحبّني الناس؟ فقال: "ازْهَدْ في الدُّنْيا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيما عِنْدَ النَّاس يُحِبَّكَ النَّاسُ" حديث حسن رويناه في كتاب ابن ماجه. 1074 الثالث عشر: عن ابن مسعود رضي اللّه عنه، قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلمٍ يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وأنِّي رَسولُ اللّه إِلاَّ بإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ المُفَارِقِ للجَمَاعَةِ" رويناه في صحيحيهما. 1075 الرابع عشر: عن ابن عمر رضي اللّه عنهما؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاة، فإذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأمْوَالَهمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسابُهُمْ على اللّه تعالى" رويناه في صحيحيهما. 1076 الخامس عشر: عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال:قالَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلامُ على خَمْسٍ: شَهادَةِ أن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَإقامِ الصَّلاةِ، وَإيتاءِ الزَّكاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" رويناه في صحيحيهما. 1077 السادس عشر: عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعَى رجالٌ أمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنِ البَيِّنَةُ على المُدَّعِي وَاليَمِينُ على مَنْ أنْكَرَ" هو حسن بهذا اللفظ، وبعضه في الصحيحين. 1078 السابع عشر: عن وَابِصَةَ بن معبد رضي اللّه عنه؛أنه أتى رسولَ اللّه صلى اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: "جِئْتَ تَسألُ عَنِ البِرّ وَالإِثْمِ؟ قال: نعم، فقال: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ: البِرُّ ما اطْمأنَّت إِلَيْهِ النَّفْس وَاطْمأنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ، وَإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وَأفْتَوْكَ" حديث حسن رويناه في مسندَيْ أحمد والدارمي وغيرهما. وفي صحيح مسلم، عن النواس بن سمعانَ رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "البرّ: حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أنْ يَطّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ". 1079 الثامن عشر: عن شَدَّادِ بن أوسٍ رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كُلِّ شَيْءٍ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" رويناه في مسلم، والقِتلة بكسر أولها. 1080 التاسع عشر: عن أبي هريرةَ رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ" رويناه في صحيحيهما 1081 العشرون: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رجلاً قالَ للنبي صلى اللّه عليه وسلم: أوصني قال: "لا تَغْضَبْ" فردّد مِراراً، قال: "لا تَغْضَبْ" رويناه في البخاري. 1082 الحادي والعشرون: عن أبي ثعلبة الخُشنيِّ رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوها، وَحَدَّ حُدُوداً فَلا تَعْتَدُوها، وَحَرَّمَ أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وَسَكَتَ عَنْ أشْياءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْها" رويناه في سنن الدارقطني بإسناد حسن. 1083 الثاني والعشرون: عن معاذٍ رضي اللّه عنه قال:قلت: يا رسول اللّه! أخبرني بعمل يُدخلُني الجنةَ ويُباعدني من النار؟ قال: "لَقَدْ سألْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ؛ تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْركُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكّاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ، ثم قال: ألا أَدُلُّكَ على أبْوَابِ الخَيْرِ؟" الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كما يُطْفىءُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم تلا {تَتَجافَى جُنُوبُهُمْ عَن المَضَاجِع} حتى بلغ" {يَعْمَلُونَ} [السجدة:16ـ17] ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ بِرأْس الأمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سنَامِهِ؟ قلتُ: بَلَى يا رسولَ اللَّهِ! قالَ: رأسُ الأمر الإِسلامُ، وعمودهُ الصلاةُ، وذِرْوَةُ سَنامِهِ الجِهادُ، ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذلكَ كُلِّهِ؟ قلت: بلى يا رسول اللّه! فأخذ بلسانه، ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فقلتُ: يا نبيّ اللّه! وإنّا لمؤاخَذُونَ بما نتكلم به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ، أوْ على مَناخِرهِم إلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟" رويناه في الترمذي وقال: حسن صحيح. وذِروة السنام: أعلاه، وهي بكسر الذال وضمّها. وملاك الأمر بكسر الميم: أي مقصوده. 1084 الثالث والعشرون: عن أبي ذرّ ومعاذ رضي اللّه عنهماعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُما كُنْتَ، وأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَة تَمْحُها، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" رويناه في الترمذي وقال: حسن، وفي بعض نسخه المعتمدة: حسن صحيح. 1085 الرابع والعشرون: عن العِرباضِ بن ساريةَ رضي اللّه عنه، قال:وَعَظَنا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم موعظةً وَجِلت منها القلوب، وذرفتْ منها العيون، فقلنا: يا رسولَ اللّه! كأنها موعظةُ مُودّع فأوصنا، قال: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تأمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، وَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافاً كَثِيراً، فَعَليْكُم بسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْها بالنَّواجِذِ، وَإيَّاكُمْ وَمُحْدَثاتِ الأُمُورِ، فإنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ" رويناه في سنن أبي داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. 1086 الخامس والعشرون: عن أبي مسعود البدريّ رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إنَّ مِمَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فاصْنَعْ مَا شِئْتَ" رويناه في البخاري. 1087 السادس والعشرون: عن جابر رضي اللّه عنه:أن رجلاً سألَ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أرأيتَ إذا صَلَّيْتُ المكتوبات، وصمتُ رمضانَ، وأحللتُ الحلالَ، وحرّمتُ الحرامَ، ولم أزدْ على ذلك شيئاً؛ أدخلُ الجنة؟ قال: "نَعَمْ" رويناه في مسلم. 1088 السابع والعشرون: عن سفيانَ بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال:قلت: يا رسول اللّه! قل لي في الإِسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً غيرك، قال: "قُلْ آمَنْتُ باللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ" رويناه في مسلم. قال العلماءُ: هذا الحديث من جوامع كلمه صلى اللّه عليه وسلم، وهو مطابق لقول اللّه تعالى: {إنَّ الَّذينَ قالُوا: رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [فصّلت:30] قال جمهور العلماء: معنى الآية والحديث: آمنوا والتزموا طاعةَ اللّه. 1089 الثامن والعشرون: حديث عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في سؤال جبريل النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم عن الإِيمان والإِسلام والإِحسان والساعة، وهو مشهور في صحيح مسلم وغيره. 1090 التاسع والعشرون: عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:"كنتُ خَلْفَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يوماً فقال: "يا غُلامُ! إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ؛ وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" رويناه في الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح؛ وفي رواية غير الترمذي زيادة "احْفَظِ اللَّهَ تَجدْهُ أمامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللّه في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أنَّ ما أخْطأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ" وفي آخره "وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً" هذا حديث عظيم الموقع. 1091 الثلاثون: وبه اختتامها واختتام الكتاب، فنذكره بإسناد مستطرف، ونسأل اللّه الكريم خاتمة الخير، أخبرنا شيخنا الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسيّ ثم الدمشقي رحمه اللّه تعالى، قال: أخبرنا أبو طالب عبد اللّه وأبو منصور يُونس وأبو القاسم حسين بن هبة اللّه بن مصري وأبو يَعلى حمزة وأبو الطاهر إسماعيل، قالوا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسين ـ هو ابن عساكر ـ قال: أخبرنا الشريفُ أبو القاسم عليّ بن إبراهيم بن العباس الحسيني خطيب دمشق، قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن علي بن يحيى بن سلوان، قال: أخبرنا أبو القاسم الفضل بن جعفر، قال: أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج الهاشميّ قال: أخبرنا أبو مسهر قال: أخبرنا سعيدُ بن عبد العزيز عن ربيعةَ بن يزيدَ عن أبي إدريسَ الخولاني، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، عن جبريلَ صلى اللّه عليه وسلم، عن اللّه تبارك وتعالى أنه قال: "يا عِبادي! إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلا تَظَّالَمُوا؛ يا عِبادي! إِنَّكُمُ الَّذينَ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وأنا الَّذي أغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلا أُبالي، فاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ؛ يا عبادي! كُلُّكُمْ جائعٌ إلاَّ مَنْ أطْعَمْتُهُ فاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ؛ يا عبادي! كُلُّكُمْ عارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُونِي أكْسِكُمْ؛ يا عِبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا على أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ منْ مُلْكِي شَيْئاً؛ يا عِبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُـِمْ كانُوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذلكَ في مُلْكي شَيْئاً؛ يا عِبادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ فَسألُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً؛ يا عِبادي! إنَّما هِيَ أعْمالُكُمْ أحْفَظُها عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ". قال أبو مسهر: قال سعيدُ بن عبد العزيز: كان أبو إدريس إذا حدّثَ بهذا الحديث جثا على ركبتيه. هذا حديث صحيح، رويناه في صحيح مسلم وغيره، ورجال إسناده مني إلى أبي ذرّ رضي اللّه عنه كلُّهم دمشقيون، ودخل أبو ذرّ رضي اللّه عنه دمشق، فاجتمع في هذا الحديث جمل من الفوائد: منها صحة إسناده وَمَتنه، وعلوّه وتسلسله بالدمشقيين رضي اللّه عنهم وبارك فيهم، ومنها ما اشتمل عليه من البيان لقواعد عظيمة في أصول الدين وفروعه والآداب ولطائف القلوب وغيرها، وللّه الحمد. روينا عن الإِمام أبي عبد اللّه أحمد بن حنبل رحمه اللّه تعالى ورضي عنه قال: ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث. خاتمة هذا آخرُ ما قصدتُه من هذا الكتاب، وقد مَنّ اللّه الكريمُ فيه بما هو أهلٌ له من الفوائد النفيسة والدقائق اللطيفة من أنواع العلوم ومهماتها، ومُستجادَاتِ الحقائق ومَطلُوبَاتِها. ومن تفسير آياتٍ من القرآن العزيز وبيانِ المراد بها، والأحاديث الصحيحة وإيضاح مقاصدها، وبيان نُكَتٍ من علوم الأسانيد ودقائقِ الفقه ومعاملاتِ القلوب وغيرها، واللّه المحمودُ على ذلك وغيره من نعمه التي لا تُحصى، وله المِنّة أن هداني لذلك، ووفّقني لجمعه ويَسَّرَه عليّ، وأعانني عليه وَمَنّ علي بإتمامه؛ فله السحمدُ والامتنانُ والفضلُ والطَّوْلُ والشكرانُ. وأنا راجٍ من فضل اللّه تعالى دعوة أخٍ صالح أنتفعُ بها تقرّبني إلى اللّه الكريم، وانتفاع مسلمٍ راغب في الخير ببعض ما فيه أكون مساعداً له على العمل بمرضاة ربّنا. وأستودعُ اللّه الكريمَ اللطيفَ الرحيمَ منّي ومن والديّ، وجميعِ أحبابنا وإخواننا ومَنْ أحسنَ إلينا وسائرِ المسلمين: أديانَنا وأماناتِنا وخواتِيمَ أعمالنا، وجميعَ ما أنعمَ اللَّهُ تَعالى به علينا، وأسألُه سبحانه لنا أجمعين سلوكَ سبيل الرشاد والعِصْمة من أحوال أهل الزَّيْغ والعِناد، والدَّوامَ على ذلك وغيره من الخير في ازدياد، وأتضرّعُ إليه سبحانه أن يرزقنا التوفيقَ في الأقوال والأفعال للصواب، والجريَ على آثار ذوي البصائر والألباب، إنه الكريم الواسعُ الوهَّاب، وما توفيقي إلا باللّه عليه توكلتُ وإليه متاب،، حسبنا اللّه ونِعمَ الوكيل، ولا حولَ ولا قوّة إلا باللّه العزيز الحكيم. والحمدُ للّه ربّ العالمين أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلواتُه وسلامُه الأطيبان الأتمّان الأكملان على سيدنا محمد خير خلقه أجمعين، كلما ذكره الذاكرون، وغَفَل عن ذكره الغافلون، وعلى سائر النبيّينَ وآل كل وسائر الصالحين. قال جامعه أبو زكريا محي الدين _ عفا الله عنه: فرغت من جمعه في المحرم سنة سبع وستين وستمائة, سوى أحرف الحقتها بعد ذلك وأجزت روايته لجميع المسلمين. كتاب الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار
180708
https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3
مفتاح الحساب/المقالة الثالثة/الباب السادس
ولنقدم هذا لما استخرجنا نسبة المحيط إلى القطر في رسالتنا المسماة بالمحيطية وبلغنا الكسور إلى التاسعة أردنا أن نحولها إلى الرقوم الهندية لئلا يعجز المحاسب الذي لم يعرف حساب المنجمين أخذنا كسر المحيط من مخرج هو عشرة الأف مكررة خمس مرات فهذا عدد مجرد فكانا قسمنا الواحد الصحيح عشرة أقسام وقسمنا كل عشر عشرة أقسام ثم كل قسم منها عشرة أقسام هكذا بالغاً ما بلغ فسمينا الأقسام الأولى أعشاراً لكونها كذلك والثانية ثاني الأعشار والثالثة ثالث الأعشار وهكذا بالغاً ما بلغ ليكون مراتب الكسور والصحاح على نسبة واحدة على قياس حساب المنجمين وسميناها بالكسور الاعشاري وينبغي أن يكتب الأعشار في يمين الآحاد وثاني الأعشار في يمين الأعشار وثالث الأعشار في يمين ثانيهما وهكذا إلى حيث بلغ فيكون الصحاح والكسور في سطر واحد والعمل في الضرب والقسمة واستخراج ضلع الأول من المضلعات وغيرهما على قياس حساب المنجمين كما أوردنا بعضها فيما سبق وكذا يكون معرفة جنسية المراتب على قياس معرفة جنسة مراتب حسابهم أعني يكون مرتبة عدد الآحاد صفراً واللعشرات والأعشار واحد أو للميات وثاني الأعشار اثنين وللآلوف وثالث الأعشار ثلاثة ولعشرات اللألوف ورابع الأعشار أربعة وهلم جر المجموع عددي مرتبتي المضروبين المفردين إن كانا في طرف واحد من الآحاد والتفاضل بينهما إن اختلفا فهو عدد مرتبة الحاصل من طرف المجموع أم من طرف الفضل ويكون التفاضل عددي مرتبتي المقسومين إن كانا في طرف واحد من الآحاد ومجموعهما إن اختلفا فهو عدد مرتبة الخارج من القسمة من سلسلة الصعود إن كانت مرتبة المقسوم فوق مرتبة المقسوم عليه وإلا من سلسلة النزول وأما تحويل الأرقام الصحاح الستينية إلى الهندية فبأن نضرب ما في أعلى المراتب في ستين بالرقوم الهندية ونزيد على الحاصل ما في المرتبة التي تليها ونضرب المجموع في ستين ونزيد عليه ما في المرتبة التي يليها وهكذا إلى ينتهي إلى مرتبة الدرج ليحصل المطلوب طريق اخر نأخذا آحاد ما في مرتبة الدرج فهو آحاد المطلوب وإن لم يكن في تلك المرتبة آحاد فنضع صفراً مكان الآحاد ثم نقسم الباقي على العشرة في جدول الستين فما خرج نأخذ آحادها ونضع مكان العشرات ثم نقسم الباقي على عشرة في جدول السّتين فما خرج نأخذ من آحاد الدرج ونضع مكان المئات وقس عليه وأما تحويل الأرقام الهندية إلى الستينية فبأن نقسمها على ستين فما بقي فهو المرفوع مرة ونقسم ما خرج من القسمة على ستين فما بقي فهو المرفوع الثاني طريق اخر نضرب ما في أعلى المراتب في عشرة بجدول ستين ليحصل بالرقوم الستينية ونزيد على الحاصل ما في المرتبة التي يليها ونضرب المجموع في عشرة بجدول الستين ونزيد على الحاصل ما في المرتبة اللتي يليها وهكذا إلى أن ينتهي الآحاد يحصل المطلوب وقد وضعنا جدول لا يحصل منه تحويل الأرقام الصحاح ظاهر وأما تحويل الكسور المذكورة بعضها إلى بعض فاثنا عشر لإن الكسور المذكورة أعني المستعملة أربعة أنواع المفرد والستينى و الأعشاری والدوانیق مع كسورها وتحويل كل واحد منها إلى الثالثة الباقية يكون اثنى عشر وقد ذكرنا في الباب الحادي عشر من المقالة الثانية اثنين منها وهما تحويل الكسر المفرد إلى الدوانيق وبالعكس فتذكر العاشرة الباقية منها الأول إذا أردنا تحويل الكسور والأرقام الستينية إلى الهندية أي الكسور الأعشارية نضربه الكسور بالأرقام الستينية في عشرة فإن كان أول مراتب الحاصل اجزاء أي درجاً فهي الأعشار وإن لم يكن أجزاء فنضع مكان الأعشار صفراً ثم نضرب كسور الحاصل أي غير الأجزاء في عشرة فإن كان أول مراتب الحاصل أجزاء نضعها في المرتبة التي سمنياها ثاني الأعشار وإن لم يكن أجزاء فنضع مكان ثاني الأعشار صفراً ثم نضرب هذا الحاصل غير الأجزاء في عشرة ونضع أجزاء الحاصل مكان ثالث الأعشار أن رفع بالأجزاء وعلى هذا القياس مثاله أردنا أن نحول ثالثه إلى الكسور الأعشارية وضعنا شرح العمل في جدول ليكون دستوراً والجدول هذا ولما كانت دقائق حاصل الضرب اعنى أكثر من النصف رفعناها بواحد فصارت الأجزاء ثلاثة وهي سادس الأعشار ثم كتبنا الأرقام التي في جدول الأجزاء بالهندية على الولاء صار هكذا وهو المطلوب وايمن مراتبه سادس الأعشار الثاني إذا أردنا تحويل الكسور الأعشارية إلى الستينية فنضربها في ستين فما رفع من الحاصل إلى الصحاح فهو الدقائق وإن لم يرفع شيء إلى الصحاح فنضع مكان الدقائق صفراً ثم نضرب كسور الحاصل في ستين فما رفع من هذا الحاصل إلى الصحاح فهو الثواني وإن لم يرفع شيء إلى الصحاح فنضع مكان الثواني صفراً وقس عليه البواقي وقد وضعنا دستوراً لهذا العمل بمثل ما سبق وهو أن نضربنا الكسور في ستين ووضعنا الحاصل تحته وهكذا إلى حيث شئنا وخططنا بين الصحاح الحاصلة عن الضروب والكسور خطا مثلاً أردنا نحول ثالث الأعشار إلى الرقوم الستينية عملنا هكذا فكتبنا الأعداد التي في جدول الصحاح بالرقوم الستينية على التوالي وهو ثالثه وهو المطلوب وقد أوردنا جدولا يحصل منه تحويل الكسور الستينية إلى الأعشارية وبالعكس والجدول هذا والعمل بهذا الجدول لا يخفى على الفطن الثالث إذا أردنا أفراد الكسور الستينية أعني أخذها عن مخرج واحد نضرب الدقائق في ستين ونزيد على الحاصل الثواني ونضرب المجموع في ستين ونزيد على الحاصل الثوالث وهكذا إلى المرتبة التي نريد فيكون الحاصل الآخير كسراً ومخرج تلك المرتبة مخرجاً له ثم نردهما إلى أقل عددين على نسبتهما إن لم يكونا منه ومخرج المراتب هي ستون ومضلّعاته على التوالي أوردناها في هذا الجدول الرابع إن أردنا بالعكس أعني إذا أردنا تحويل كسر مفرد إلى الكسور الستينية فنحول كل واحد من الكسر ومخرجه إلى الرقوم الستينية على تقدير أنه صحاح كما ذكرنا ثن نقسم رقوم الكسر على رقوم المخرج بالجدول الستين فما خرج فهو المطلوب مثاله أردنا أن نحول هذا الكسر إلى الكسور الستينية حولنا كل واحد منهما إلى الرقوم الستينية حصل رقوم الكسر ورقوم المخرج قسمنا الأول على الثاني خرج من القسمة خامسة وتركنا ما بقي الخامس إن أردنا أفراد الكسور الأعشارية نضعها موضع الكسر بعينه ونضع تحتها أصفاراً بعدة مراتب الكسور وواحداً على يمين الأصفار فهو مخرج لذلك الكسر وهو عدد مجرد السادس إن أردنا بالعكس أي تحويل الكسر المفرد إلى الأعشاري فنقسم الكسر على المخرج فما خرج فهو المطلوب مثاله أردنا أن نحول هذا الكسر إلى الأعشاري قسمنا الكسر وهو على المخرج فهو كما ذكرنا في الباب الرابع من المقالة الأولى خرج من القسمة رابع الأعشار وتركنا ما بعده وعرفنا المراتب كما ذكرنا في أول هذا الباب السابع والثامن إن أردنا تحويل الكسور الستينية أو الأعشارية إلى الدوانيق والطساسيج والشعيرات فنضربها في الستة التي هي مخرج الدوانيق فما رفع من الصحاح فهو عدد الدوانيق ثم نضرب الباقي في أربعة فما رفع إلى الصحاح فهو عدد الطساسيج ثم نضرب الباقي في الأربعة فما رفع فهو عدد الشعرات وقس عليه أن احتيج إلى كسور الشعيرات مثاله أردنا أن نحول ثالثة إلى الدوانيق والطساسيج والشعيرات عملنا هكذا فما وقع في جدول الصحاح هو أعداد الدوانيق والطاسيج وكسورها وذلك دانقان شعير واحد وخمسة دوانيق من شعير وأربعة أخماس شعير تقريباً مثال التحويل الكسور الأعشارية إلى الدوانيق والطساسيج أردنا نحول رابع الأعشار إلى الدوانيق وكسورها عملنا هكذا التاسع والعاشر إذا أردنا تحويل الدوانيق والطساسيج والشعيرات إلى أحد منهما فنقردها كما ذكرنا في الباب الحادي عشر من المقالة الثانية ثم يحول ذلك المفرد إلى أيهما أردنا كما سبق في الرابع والسابع
180723
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%AA%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D8%AF%D9%8A/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A9
تفسير السعدي/سورة الفاتحة
‌‌{1 - 7} {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}. {بِسْمِ اللَّهِ} أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى، لأن لفظ {اسم} مفرد مضاف، فيعم جميع الأسماء [الحسنى] . {اللَّهِ} هو المألوه المعبود، المستحق لإفراده بالعبادة، لما اتصف به من صفات الألوهية وهي صفات الكمال. {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها. واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها، الإيمان بأسماء الله وصفاته، وأحكام الصفات. فيؤمنون مثلا بأنه رحمن رحيم، ذو الرحمة التي اتصف بها، المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها، أثر من آثار رحمته، وهكذا في سائر الأسماء. يقال في العليم: إنه عليم ذو علم، يعلم [به] كل شيء، قدير، ذو قدرة يقدر على كل شيء. {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [هو] الثناء على الله بصفات الكمال، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل، فله الحمد الكامل، بجميع الوجوه. {رَبِّ الْعَالَمِينَ} الرب، هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله- بخلقه إياهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة، التي لو فقدوها، لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة، فمنه تعالى. وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة. فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم، التي فيها بقاؤهم في الدنيا. والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم له، ويكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف، والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر. ولعل هذا [المعنى] هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة. فدّل قوله {رَبِّ الْعَالَمِينَ} على انفراده بالخلق والتدبير، والنعم، وكمال غناه، وتمام فقر العالمين إليه، بكل وجه واعتبار. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} المالك: هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات، وأضاف الملك ليوم الدين، وهو يوم القيامة، يوم يدان الناس فيه بأعمالهم، خيرها وشرها، لأن في ذلك اليوم، يظهر للخلق تمام الظهور، كمال ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق. حتى [إنه] يستوي في ذلك اليوم، الملوك والرعايا والعبيد والأحرار. كلهم مذعنون لعظمته، خاضعون لعزته، منتظرون لمجازاته، راجون ثوابه، خائفون من عقابه، فلذلك خصه بالذكر، وإلا فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام. وقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، لأن تقديم المعمول يفيد الحصر، وهو إثبات الحكم للمذكور، ونفيه عما عداه. فكأنه يقول: نعبدك، ولا نعبد غيرك، ونستعين بك، ولا نستعين بغيرك. وقدم العبادة على الاستعانة، من باب تقديم العام على الخاص، واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده. و {العبادة} اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة. و {الاستعانة} هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك. والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما. وإنما تكون العبادة عبادة، إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله. فبهذين الأمرين تكون عبادة، وذكر {الاستعانة} بعد {العبادة} مع دخولها فيها، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى. فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي. ثم قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: دلنا وأرشدنا، ووفقنا للصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط. فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا. فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك. وهذا الصراط المستقيم هو: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. {غَيْرِ} صراط {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم. وغير صراط {الضَّالِّينَ} الذين تركوا الحق على جهل وضلال، كالنصارى ونحوهم. فهذه السورة على إيجازها، قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن، فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة، يؤخذ من لفظ: {اللَّهِ} ومن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وتوحيد الأسماء والصفات، وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى، التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه، وقد دل على ذلك لفظ {الْحَمْدُ} كما تقدم. وتضمنت إثبات النبوة في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة. وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وأن الجزاء يكون بالعدل، لأن الدين معناه الجزاء بالعدل. وتضمنت إثبات القدر، وأن العبد فاعل حقيقة، خلافا للقدرية والجبرية. بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع [والضلال] في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} لأنه معرفة الحق والعمل به. وكل مبتدع [وضال] فهو مخالف لذلك. وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى، عبادة واستعانة في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالحمد لله رب العالمين. فاتحة تفاسير سورة الفاتحة
209352
https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9
مفتاح الحساب/المقالة الرابعة
المقالة الرابعة في المساحة وهي مشتملة على مقدمة وتسعة أبواب المقدمة في تعريف المساحة الباب الأوّل في مساحة المثلث وما يتعلق بها وهو مشتمل على ثلاثة فصول الفصل الأول في تعريف المثلث وأقسامه الفصل الثاني في مساحة المثلث تعميماً واستخراج أبعاده الفصل الثالث في مساحة المثلث المتساوي الأضلاع تخصيصاً واستخراج أبعاده الباب الثاني في مساحة ذوات الأربعة الأضلاع وما يتعلق بها وهو مشتمل على خمسة فصول الفصل الأول في تعريفات الفصل الثاني في مساحة المربع والمستطيل واستخراج أبعادهما الفصل الثالث في مساحة المعين وذوات اليمنين الفصل الرابع في مساحة الشبيه بالمعين وذوات الزنقة الفصل الخامس في مساحة ذي الرجلين والمنحرف الباب الثالث في مساحة ذي الأضلاع الكثيرة وما يتعلق بها وهو مشتمل على خمسة فصول الفصل الأول في التعريف الفصل الثاني في مساحتها عموماً واستخراج الأبعاد الفصل الثالث فيما يخص بمتساوي الأضلاع والزوايا واستخراج أبعاده الفصل الرابع فيما يخص بالمسدس المتساوي الأضلاع والزوايا الفصل الخامس فيما يختص بالمثمن المتساوي الأضلاع والزوايا غير ما مر واستخراج أبعاده الباب الرابع في مساحة الدائرة وابعادها اعني القطاع والقطعة والحلقة وغير ذلك وما يتعلق بها وهو مشتمل على خمسة فصول الفصل الأوّل في التعريفات الفصل الثاني في مساحة الدائرة واستخراج المحيط عن القطر وبالعكس الفصل الثالث في مساحة قطع الدائرة وقطعتها واستخراج الأبعاد بعضها عن بعض الفصل الرابع في مساحة سائر السطوح التي يحيط بها الخطوط المستديرة الفصل الخامس في جدول الجيب وكيفية العمل به الباب الخامس في مساحة سائر السطوح المستوية التي غير ما ذكرناه كالشبية بالدائرة والمطبل والمدرج وذوات المستديره الشرفات وذوات الأضلاع المستديره وغيرها الباب السادس في مساحة السطوح المستديرة كالاسطوانات والمخروطات والأكر وما يتعلق بها وهو مشتمل على ستة فصول الفصل الأول في التعريفات الفصل الثاني في مساحة سطح الاسطوانة الفصل الثالث في مساحة سطح المخروط الفصل الرابع في مساحة سطح الكرة واستخراج قطرها الفصل الخامس في مساحة السطح المستدير لقطعة الكرة واستخراج أبعادها الفصل السادس في مساحة السطح المستدير لضلع الكرة الباب السابع في مساحة الأجسام ويشتمل على ثمانية فصول الفصل الأول في مساحة الاسطوانة الفصل الثاني في مساحة المخروط واستخراج عموده الفصل الثالث في مساحة المخروط الناقص الفصل الرابع في مساحة فضل المخروط وفضل المعين المجسم الفصل الخامس في مساحة الكرة الفصل السادس في مساحة قطاع الكرة وقطعتها الفصل السابع في مساحة الأجسام المتساويات أضلاع القواعد الفصل الثامن في مساحة سائر الأجسام الباب الثامن في معرفة مساحة بعض الأجسام عن وزنه وبالعكس الباب التاسع في مساحة الأبنية والعمارات وهو مشتمل على ثلاثة فصول الفصل الأول في مساحة الطاق والأزج الفصل الثاني في مساحة القبة المجوفة الفصل الثالث في مساحة سطح المقرنس
209353
https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D9%85%D8%A9
مفتاح الحساب/المقالة الرابعة/المقدمة
أما المقدمة فهي تعريف المساحة والاصطلاحات المستعملة المساحة تحصيل كمية ما في الممسوح من أمثال الممسوح أو اجزائه أو كليهما. المقياس هو في الخط خط مفروض كذراع او قصبة أو أشل أو قدم أو أصبع أو غير ذلك، وفي السطح مربع ذلك الخط المفروض، وفي الجسم بمكعبه وبعض يمسحون السطوح لا بمربع المقياس والأجسام لا بمكعبه كمساحة الكرباس والأثواب بمستطيل يكون أحد بعديه ذراعاً والأبنية والأساطين والسقوف في العمارات باللبنة والأجر وهما مجسمان يحيط بكل واحد منهما ستة سطوح اثنان مربعان متساويان وأربعة مسطيلات متساويات متشبهات أضلاعها الأطول يساوي ضلع المربع وزوايا تقاطع السطوح بعضها مع بعض قوائم وكذا الأجرام الفلكية بكرة الأرض النقطة ما لا جزء له والخط ما له طول فقط والسطح ما له طول وعرض لا غير والجسم ما له طول وعرض وعمق والمستقيم وهو أقصر خط وصل بين النقطتين والمستدير منها ما يكون بركاريا وما سواهما فهو منحني وشبه المستدير ما يكون قريباً من المستدير يتصور في بدء النظر أنه مستدير والمستوى من السطوح ما يمكن أن يخرج في جميع جهاته خطوطاً مستقيمة، والمستدير منها ما يمكن آن يقطعه سطح مستو، بحيث يحدث فيه دائرة، والخطوط المستقيمة المتوازية هي التي لا تتلاقي قط، ولو خرجت في الجهتين إلى غير النهاية وكل السطوح المتسوية المتوازية ولو خرجت في جميع الجهات وقد يقال في غير المستقيمة والمستوية منها متوازية إذا لم يختلف الأبعاد بينها والزاوية المسطحة هي فرجة بين خطين مستقيمين متلاقيان على نقطة واحدة من غير أن يتحدا، فإذا أخرج أحد الخطين حدثت زاوية آخرى وإن كانت متساوية للأولى فهي قائمة وإن اختلفا فالأضيق من القائمة حادة والأوسع منفرجة فإذا فرض يلتقي الخطين مركزا وادير عليه دائرة فالقوس الموترة بين الخطين من تلك المرتبة هي مقدار تلك الزاوية ويقال لما يحدث عن خطين غير مستقيمين زاوية أيضاً والزاوية المجسمة هي ما يحدث عن تلاقي ثلاثة سطوح مستوية أو أكثر عند نقطة واحدة وكذا ما يحدث عن سطح مستدير
209359
https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84
مفتاح الحساب/المقالة الرابعة/الباب الأول
الفصل الأول في تعريف المثلث وأقسامه الفصل الثاني في مساحة المثلث تعميماً واستخراج أبعاده الفصل الثالث في مساحة المثلث المتساوي الأضلاع تخصيصاً واستخراج أبعاده
209364
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D9%82%D8%A7%D9%86%D8%B5%D9%88%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%88%D8%B1%D9%8A%20%D8%A8%D8%AE%D8%B5%D9%88%D8%B5%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%B1%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D9%88%D9%8A%D9%8A%D9%86
رسالة سليم الأول إلى قانصوه الغوري بخصوص النصر على الصفويين
الحمدُ لله الذي أذلَّ أعداءنا، وأجلَّ أولياءنا، وأظفر بِنيل المأرب رجاءنا، وجعل أيَّامنا بِالأيامن مُسفرة، ولياليها بِغُرر الميامن مُقمرة، ومساعينا بالمحامد مُثمرة، ومعاهد مُعادينا بِقهر النُقم مُقفرة. نحمدهُ حمدًا كثيرًا على أن منَّ عليَّ بِالفتح الأكبر والنجع الأزهر، والنصر الأشهر، واليُمن الأنصر، والعزّ الأشهق الأسنى، والفوز الأتم الأنمى، والسعد الأحمد الأجدى، وهو الفتحُ الذي يفرح بِرُؤياه مهاب الفُتُوح، وتلوح تباشير بُشراه في لوح الدهر لكان مُؤمن، فيتلقَّاها، بِالوجه السافر والصدر المشروح. ونُصلِّي تصليةً دائمةً على ناسخ كُلِّ ملَّة، وفاسخ كُلِّ نحلة، المبعوث بعد امتدادٍ من الفترة، واشتدادٍ من الهترة، وانقطاعٍ من الهداية والدلالة، واتساعٍ من الغواية والضلالة، مُحمِّدٍ المُجتبى من أفخر القبائل، والمُصطفى من أطهر الفضائل، وعلى آله وأصحابه الذين هُم وُلاةُ الخلق، ورتقةُ الفتق، وغُررُ السَّبق، وفتحةُ الغرب والشرق، منهم من ردَّ ردَّة المُرتدين من إسلامها، ومنهم من أزلَّ أرجل الأكاسرة عن أسرَّتها، وتيجانها عن هامها، ومنهم الأشدَّاءُ على الكُفَّار، الأسداء إذا زاغت الأبصار، ومنهم الساجدون، والراكعون، ومنهم السابقون والتابعون؛ وسلِّم تسليمًا دائمًا ما هبَّت الصبا؛ واختلف الصُّبحُ والمسا. وبعد، فإنَّا أرصدنا هذه المُفاوضة الشريفة إلى الحضرة العليَّة الأعلميَّة والأهمليَّة، والأورعيَّة الأروعيَّة، الأكمليَّة الأفضليَّة، الأعدليَّة الأكرميَّة، والأفخميَّة الأعظميَّة، العونيَّة الغوثيَّة الغيَّاثيَّة، وهو الذي جمع المحاسن كُلِّها، واستولى على المفاخر قلِّها وجُلِّها، وألقت إليه المعالي مقاليدها، وأرجعت إليه أخبار المكارم أسانيدها، حامي الحرمين المُكرَّمين، المُبجلين المُعظَّمين، كهف المظلومين، ملاذ الملهوفين، نصير الإسلام والمُسلمين ظهير أمير المُؤمنين. أعزَّ الله أنصاره؛ وضاعف اقتداره، وأيَّد دولته، وأجزل من الخيرات همَّته، ولا أخلى من نعمةٍ رياضها ممرعة؛ وحياضها مُترعة، وحدَّها…؛…ها مُتمهِّد، وظلُّها ظليل، وحظُّها جزيل، ولا زالت الآمال به منوطة، ويده بِالمكارم مبسوطة، وما برح لِقوام المجد قوَّامًا، ولِلزمان ابتسامًا، ما قرَّت الأرض قرارها، وأبقت الأفلاك مدارها، تهدي إليه سلامًا، تشحن كتائب لُطفه حواشي الحشا، ونواحي الصُّدور، وتسكر جُمُوع الأسى وتكثر طلائع السُّرور، وتُبدي لعلمه الكريم أنَّ الرجل الجافي المدعو بِإسماعيل الصوفي قد خرج من جيلان، واجتمع على الملاحدة وأحزاب الشيطان، فسار معهم إلى شروان، ودخله غصبًا، وأوسعهُ نهبًا ثُمَّ هجم أذربيجان عنوةً، فنال منها حُظوةً. ثُمَّ استولى على ممالك الشرق يومًا فيومًا، قد ناب من استلامهم خطَّة خُراسان، التي هي سُرَّة بلاد إيران ما تاب، وأصاب ديار البوارات ما أصاب، نزع الله الرأفة من قُلُوبهم، فنقلها إلى عدُوٍّ لهم، وعذَّب بهم ما يُريده من تعذيبهم، واشتعلت نار جُملتهم في فحم ذُنُوبهم، وزيَّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون، وأمدَّهم في طُغيانهم يعمهون، رفعوا التكليفات، وحفظوا الشرعيَّات، وقد تعيَّن الجهاد على كُلِّ مُسلم، ولم يكن أحد يكون لهُ هذا الحُلم غير مُتألِّم، فيتصدَّى لِدفعهم مُلُوك الإسلام، فأنقموا منهم وما بلغوا المرام. من حارب هذا العدُوَّ الكافر ما غُلب بل غَلب، ومن صادف ذلك الغويّ الفاجر ما سُلب بل سَلب، فعجز الناس وتبرَّأوا من اعتداد العدَّة والغدر جرى على كُلِّ لسانٍ لِكُلِّ قومٍ مُدَّة، فأظلمت الآفاق من غياباتهم، وأشفق الإسلام من نكاياتهم، فنادى بِلسان الحال كُلَّ قومٍ: أين المُؤدُّون فرض الجهاد المُتعيِّن؟ وأين المُهتدون في تهييج الرشاد المُتبيِّن؟ فلمَّا اقتربت الساعة التي قدَّر فيها رُغم أنفه، وحان ظُهُور الآية التي جُعلت سببًا لِهلاكه وحتفه، ألهمنا الله أن نهتمَّ لِهذا الأمر الخطير، فإنَّهُ من أفرُض الهام وأهم الفُرُوض، واختال في صُدُورنا أن ننفرد في عبء هذا القادم الباهظ بِالنُهُوض، فقُلنا إنَّ هذه فضيلة خصَّنا الله بها، وأسعدنا بِسببها، بل هي بليَّة، جلا علينا وجميع الجهات جُمُوع الجهاد، واجتمع جمٌّ غفير. فعبئت العساكر الإسلاميَّة لِلتوجُّه إلى بلاد الشرق في زمن الربيع النضير، فعبرنا بعد الاستخارة لله تعالىٰ في شهر صفر، خُتم بِالخير والظَّفر، من خليج قُسطنطينيَّة، حماها الله عن البليَّة، وكتبنا إليه كتابًا مُستطابًا، مُتضمنًا لِلنصيحة والموعظة، فأمرنا فيه أن يتوب من جرائمه وجرائره، ويستغفر لِصغائره وكبائره، ويُغيِّر ما تعوَّد في الأيَّام الماضية، والأعوام الخالية، من سوء الاعتقاد، وتعذيب العباد، والفعل اللئيم، والخلق الذميم، فقُلنا: ، أوضحنا المعالي المُنيفة بِاللفظ الوجيز، فما وُفِّق لِذلك، والتوفيقُ عزيز. فسرتُ مُستعينًا بالله إلى دياره وبلاده، مُصمِّم العزيمة على قتاله وجلاده، فمادت الأرض بحركتنا، وغامت السماء من غبرتنا، واضطربت السُهُول والوُعُوث والدُّغوث، وانبعثت الهمم وهجم البُعُوث، والعسكر في كُلِّ يومٍ يعدُّون ويغتدون، وفيما يجدون الطريق إليه من النكاية في العدوِّ يمدُّون ويجيدون. فلمَّا بلغ السير إلى بلدة سيواس، صانها الله من الأندراس، عرضنا عساكرنا المنصورة، وكان عرضها مُذكرًا لِيوم العرض، ومن شاهدها تلا: ، فرأينا أنَّ الأرض شاكية من إجحاف الجحافل، فانتخبنا منها الأنجاد، وجدَّدنا الجدُود، واستجدنا الجياد، وأعدنا ما وراء البحر بقيَّة الأجناد. ثُمَّ ارتحلنا منها في جُنُودٍ محسورة وبُنُودٍ منشورة، لِلعدُوِّ طالبًا، وبِالعزم غالبًا، ولِلنصر صاحبًا، ولِذيل العزِّ ساحبًا، فنزلنا على بلدة أرزنجان فطار الخبر إليه، فطار قُلُوبُ من معهُ رُعبًا وطاشت، وخضعت أفئدتهم خوفًا من جيش الإسلام وجاشت. وأرسلنا إليه منها كتابًا آخر، داعيًا لِلطعن والضَّرب، مُستدعيًا منه المُقارعة والحرب، ومن موضعٍ آخر كتابًا رصيف المباني، مُؤكدًا لِلأوَّل والثاني، وأردفنا رسولًا بِرسول، وألزمناه القتال بِمعقولٍ ومنقول . فسرنا منها نحو سرير مُلكه شهرًا، وبدَّلنا ثياب العُهُود سرَّها جهرًا، وخطبنا من الله الكريم بكر فتح، وجعلنا بذل المهج لها مهرًا، وصار العدوِّ المخذول في هذه الأيَّام يطوف حول القُرى من قريةٍ إلى أُخرى، بحيث لا يُعرف شأنه ولا يُعلم مكانه. فإذا بلغنا المنازل القريبة من بلدة تبريز، دعته الضلالة إلى المُكابرة بِحسِّه، وخطاره بِنفسه، عيَّن لِجُنُوده، وثبَّت وُفُوده، وبلَّ ندى جُمُوعه، وصبَّ عليهم ماء دُرُوعه، فسار بِكثره وقِلِّه، وجُزئه وكُلِّه، وجاء والإدبار قائده، والخُذلان رائده، موضعًا يُسمَّى بِخالدران، فاختاره لأن يكون معارك القتال، ومصارع الرجال، ومجامع الأبطال، ومطالع اللقاء، ومواضع الهيجاء، ومصالت الإقدام، ومثابت الأقدام، ومواقف الصُّفُوف، ومصاف الوُقُوف، وأماكن البُعُوث، ومكامن اللُّيوث، وقادها هُنا تُطرح الرؤوس، وتُمسك النُفُوس، وتُسفك الدماء، وتُهلك الدُهماء، ويُسمح بِالرُّوح، ويُصبر على اقتراح القُرُوح، واجتراع الجُرُوح. وإذ قرع مسامعنا هذا الخبر، بذلنا الجُهد… على مُقابلتهم ومُعاينتهم، فطوينا المراحل، وقطعنا المنازل ذلك اليوم، فمرقنا وقت العصر على جبلٍ منيعٍ نرى منه خيامهم، وخلفهم وقُدَّامهم، فضُربت سرادقاتنا، ورُكِّزت أعلامنا، فحجز الليل بين الفريقين، وحجزت الخيل على الطريقين. وكان الجمعان في تلك الليلة الظلماء على تعبئتهما، وإجابة داعي الموت بِتلبيتهما، وبات الإسلامُ لِلكُفر مُقابلًا، والرُّشد لِلرفض مُقاتلًا والهُدى لِلضلالة مُراقبًا، والحقُّ لِلباطل مُجاريًا، وهُيِّأت دركات النيران، وهُنِّأت درجات الجنان، وانتظر مالك، واستبشر رضوان. فلمَّا تجلَّى الصبح وعموده، وانهزم الليل وجُنُوده، وانتكست أعلامه وبُنودُه، نفر النفير غُراب الغُبار، وانتبهت في الجُفُون الصوارم وسقط النار، وكان اليوم يوم الأربعاء، وهو اليوم الثاني من شهر رجب المُرجَّب. وماجت خضارمنا، وهاجت ضراغمنا، وثارت غمائمها، سدَّت الأُفق غمائمها، وترتَّبت أطلابنا على قلبٍ وجناح، داعين لِلفوز والنجاح، وعُيِّن لِكُلِّ أميرٍ موقفٍ لا يبرح عنه، ولا يغيب جمعه ولا أحدٌ عنه، فاتحدنا عليهم بِهيئةٍ مهيبة، وأُبَّهةٍ عجيبة، والتوفيق مسامرنا، والتأييد مُؤازرنا، والتمكين مُقارننا، والجدُّ مُكاثرنا، واليمين مُحاضرنا، والقدر مُسامرنا، والظَّفر مُجاورنا، والإسلام شاكرنا، والله ناصرنا. وقابلنا العدُوَّ والخُدور في عدَّتهم وعديدهم، وقُوَّتهم وحديدهم، بِالسلاهب المُجنَّبة، والقواضب المُقرَّبة، والصوائب المُجعَّبة، عارضًا لِهامةٍ ناير الغنامة، باشر الأعلامة، فسار عسكره، وثار عنتره، ونعرت كوساته، وصاحت بوقاته، وكانوا في زهاء ألف [ألف] أو يزيدون، ويكيدون وما يكيدون. فلمَّا أحسَّ في نفسه عدم الاستطاعة من ضرب حُسامنا، وسطوة عبيدنا وخُدَّامنا، جعل جُمُوعه فرقتين، وصُفُوفه شرذمتين، فعيَّن لأحدهما قسمٌ رأسه، وشكيمته بأسه، أميرًا هو الحاكم للديار البكريَّة، المعروف بِمُحمَّد استراحالي، فأرسلهُ على ميمنتنا البادة، وهجم بِنفسه وجيشه ومطاعينه وشياطينه على ميسرتنا السَّادة، فتصادم الصُّفُوف، وتزاحم الرُّجُوف، وأُطلقت الأعنَّة، وأُشرعت الأسنَّة، وقامت الحُرُوب بين أهل الحق، وبين الطائفة الجافية الفاجرة، وقد كانت لهم آيةٌ في: . واشتدَّ الهياج، وامتدَّ العجاج، وتصافح الصفاح، وتشاجر الرماح، وتكاثر الجراح، واشتغل الضرام، وتطايرت السهام، تضايق المجال، وتسابقت الآجال، والتفَّت الساق بالسَّاق، وتلاعبت الأسياف بالأكتاف، وخضَّبت الدماء الخناجر، وبلغت القُلُوب الحناجر. وأمَّا الطائفة التي أتت على الميمنة فقام أمير الميمنة في صُدُورهم، وأشرع الأسنَّة في نُحُورهم، وروى اللهازم من تامورهم، ودفع صولتهم، ومنع سطوتهم، وكسر حدَّتهم، فهزمهم بإذن الله، ولم يبقَ أحدٌ من شريفهم وخسيسهم، حتَّى حزَّ رأس رئيسهم. وأمَّا حال الميسرة فجاء عليه العدوّ المُدبِّر بِرُمَّته وكُليَّته، وبذل جُهده، واستفرغ ما في وسعه وقُدرته، فحمل عليهم حمل الليث الحاذر، وسطا عليهم سطوة الأسد الزائر، لكنَّ السيل إذا بلغ الجُب الراسي وقف، والليل إذا انتهى إلى الصُّبح انكشف. وتناوبت الحملات، وتناوبت الأسلات، والصُفُوف ما خرجت عن مقارِّها، ولا انزعجت عن محل قرارها، وواصل النبال النصال، والنصال النبال، فثبت في وُجوههم منَّا صفٌ مرصوص البُنيان، وأسرعوا إلى نحو تلك الذئاب ثعالب الحرصان، وقُتل جمٌّ غفيرٌ من الغاوي، فمُلأت منهم دركات النيران، واستُشهد منَّا جماعة استحلوا طعام الطعان، وساقهم خبا الجِنان. وكان أمير الميسرة مقروحًا بِقُرُوحٍ عديدة، ومجروحًا بِجُرُومٍ مُبيدة، فخرج عن مواضع الهيجا، واندرج بعد ساعةٍ في زُمرة الشُهدا، والصالحين والسُّعدا، فما أثَّر في أحزابنا هذا النصب، ولا صدَّهم عن الطلب ذلك التعب. فبرز الأمر العالي أن يمدُّهم جماعة من العلوجيِّين، وحزبٌ من الغُرباء وثُلَّةٌ من الآجلين، فلمَّا نالهم المدد تسنَّت لِلإسلام مناهج، ووُضِّحت لِلسعادة مباهج، وتألَّفت في الإقدام مُقدِّمات ونتائج المناهج، والتأمت في مدِّ الرحال مدارج، واتفقت حسنات، وحسُنت اتفاقات، وكانت لنا كسرات، ولِأعدائنا مساءات. وساعدت الأقدار وتباعدت الأكدار، كُلَّما حلُّوا رُدُّوا وأرادوا، وكُلَّما ساروا وشدُّوا أُسروا وشُدُّوا وناسبهم النشَّاب، فعادت أُسُودهم قنافذ، وسابقتهم السهام، فوسَّعت فيهم الخرق النافذ، واستُعملت الكفيات، الصريزايات، فمطرت عليهم البنادق والحجارات، ، فصار حسب حالهم ، وحلَّ بهم الصغار، والذُّلَّة والدمار، فأووا إلى جبلٍ لِيعصمهم من طوفان الدمار. فمنَّ الله علينا بِالفتح الجميل، وأيَّدنا من عنده بِالنصر الجليل، فزُلَّت أقدامهم، ولم تخفق لوقفة أعلامهم، بل رأوا النجاة من أيدي الرزايا، والخلاص من حبائل المنايا، والخُرُوج عن الولايا، فخرجوا عنها هاربين، ولِلنجاة طالبين، وقطعوا المنازل، وطووا المراحل، وتركوا الدواب والرحال، وطرحوا الأحمال والأثقال، وعدُّوا فراسخ الفرار، وإن امتدَّت خُطوة، وأيَّام الهرب، وإن طالت لمحة، وهذه حالهم، وشرٌّ منَّا ما لهم، لا يحميه جارٌ، ولا تأويه دارٌ، وكُلُّ ذلك عاقبة الظالمين، والحمدُ لله ربِّ العالمين. فأمَّا من أُسر فلم يكفِ أطناب الخيام لِقيده وشدِّه، وأمَّا من قُتل فلقد حصرت الألسن عن حصره وعدِّه، فلم تقع عينٌ إلَّا على أشلاءٍ طريحة، وأعضاءٍ جريحة، وأصابع مقصومة، وأشاجع مفصومة، وصُدُورٍ مدصوصة، ونُحُورٍ مبصوصة، وأجسادٍ مُنصفة، وأعضادٍ مُنصفة، وصارت تلك المعركة بالدِّماء دارًا، وعادت الغبراء حمراء، وجرت أنهار الدم النهر، وسُقي بِتلك الخبائث وجه الدين المُطهَّر. فقعدنا في ذلك المنزل يومًا واحادًا ثُمَّ أصبحنا على عقبه سائرين، مسرورين محبورين، والوُجُوه سافرة، والألسُن بِأنعُم الله شاكرة، والأنفُس لِلألسنة مُسامرة، والأقدام بِالأقدار مُتظافرة مُتظاهرة، فحللنا بِالطائر الأسعد، والمجد الأمجد، ببلدة تبريز. وانحسمت الظُلمة المُستولية بِمُقدَّمنا العزيز، فطابت قُلُوب الرعايا، وبُشِّرت من الله بما ظهر من ألطافه الخفايا، لمَّا بدَّلوا من الظُلُمات نورًا، وأعقبوا من الموت نُشُورًا، فوجدناها بلدةٌ أُخربت فيها بقاع الخيرات ومساكن العباد، وعُطِّلت المساجد، فجعل هذا الظالم بعضها إصطبلًا لِلدواب، وبعضها مسكنًا لِلشرَّاد والحدَّاد، فأمرنا أن تعود كُلَّها إلى وضعها القديم، ويُذكرُ فيها اسم الله الرحمٰن الرحيم. فلمَّا دخل يوم الجُمُعة أصبح الناس يقولون هذا يومٌ كريم… موسمٌ عظيم، يومٌ تُجاب فيه الدعوات، وتُصبُّ البركات، فطوبى لمن عاش حتَّى حضر هذا اليوم، الذي انتعش فيه الإسلام وارتأس، ما أفضل هذه… فأشرف من هذه الجماعة التي شرَّفها الله تعالىٰ لِتوفيق هذه الطاعة، امتلأ الجامع، واختلفت المجامع، وتوحَّشت الأبصار والمسامع، وغصَّت بالسابقين إليه المواضع، واجتمع الزَّاهد [و]العابد، وتوافد الرَّاكع والساجد، والخاشع والواجد، والقائم والقاعد، وعبد الأحد والواحد، وأُبكي الحُفَّاظ، فتُلي التنزيل، وأُسلي الوُعَّاظ بِحق الحق، وبطُلت الأباطيل. وصعد الخطيبُ المنبر فخطب وأنصتوا، ونطق فسكتوا، ووعظ في خطبته، وخطب بِموعظته، وتلاها على مذهب أهل السُنَّة وجماعتهم، وذكر الخُلفاء الراشدين، والأئمة المجيدين، رضوان الله عليهم أجمعين، بالتعظيم والتبجيل على ترتيب خلافتهم، بعد أن لم يُذكروا بِالخير أمدًا مديدًا، وعهدًا بعيدًا، ورقَّت القُلُوب، وجفَّت الكُرُوب، وتصاعدت الزفرات، وتجدَّدت العبرات، وصاح التوَّابون، وماج الأوَّابون. فلمَّا دعا بِخُلُود أيَّام دولتنا، وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ختم بِقوله: ، ونزل وصلَّى بِالمحراب، وافتتح بِسم الله من أوَّل الكتاب، فصلَّينا معهُ والصُّفوف على سعة المسجد بها مُتَّصلة، والأُمَّة إلى الله تعالىٰ بِدوام نُصرتنا مُبتهلة؛ وامَّا قُضيت الصلاة انتشر الناس، واستمدَّ الإيناس، وطابت النُفُوس والأنفاس. فنشكُر الله شُكرًا كبيرًا على أن جعل أيَّامنا لِلفُتُوح مواسم، وأوقاتنا لِلزمان مباسم، ومآثرها في ضحو المعالي خالدة، ومناقبنا على ممر الليالي آيدة، ونرجو من لُطفه الخفيّ أن يجعل سعينا مشكورًا، ويُجزينا في الآخرة جزاءً موفورًا. ولا خفاء في أنَّ هذا الفتح الجليل العظيم، والصنيع الجليل الكريم، وفقنا الله به، أمر بِتبييض الأيَّام السود، وأعاد الحُسن المعقود، وأقرَّ الخير في قراره، وأسقط لواء الشرَّ بعد انتصابه، وأضحك وجه الإسلام، وبرَّد صُدُور الأنام. فأصبح ولو كان الفُتُوح جسمًا لحلَّ منهُ محلَّ الفُؤاد، ولو كانت أرضًا لكان سماؤها ذات العماد، وهو جديرٌ بأن تواردت نسبة البُشرى واليُسرى، وتدامت الكُتُب والأخبار على الأكارم والأقانيم، وسلاطين الأقاليم، سيَّما على حضرة من كان مقامنا الشريف، وثغره المُنيف، وشرف الجوار، وتفاوت الدار، وكمال المودَّة التي تصفوا مشاربها عن الأقذار ومناهلها عن الأكدار، وتُكتب آثارها بِسواد الليل على بياض النهار. فلهذا أُسطرت في اليوم الثالث والعشرين من شهر رجبٍ المُرجَّب، لِسنة عشرين وتسعُمائة، من بلدة تبريز، هذه المُكاتبة الشريفة، مُبشَّرة بما أجدَّهُ الله من الجد، وأُنجز من الوعد، وأُجزل من الوفد، وحلَّى وجه المُؤمنين بِبُشراه بُشرى، وملأ صُدُور المُوحدين مَنًّا، وقُلُوب المُلحدين ذُعرًا. واختير لِتبليغ هذه البشارة العُظمى، على سبيل السُرعة والاستعجال، إلى مقامكم العالي المفضال، الأميري الكبيري الأوحدي الأمجدي، الأخصّ المُقرَّبي، المُؤتمني خير الدين، حضر رُزقت سلامته، وحمَّلناه من السلام ما هو ألطف من الغمام، والله تعالىٰ يُديم لكم من عاداته أجملها، ونعمه أجزلها، ومنحه أكملها، ما بثَّ الليلُ دُجاه، ونشر الصُّبحُ سناه، وحسبُنا الله ونعم الوكيل. هوامش وثائق عثمانية عائدة لعهد سليم الأول
209371
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D9%86%D8%A7%D8%A6%D8%A8%20%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82%20%D9%88%D9%82%D8%A7%D8%B6%D9%8A%20%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7%20%D8%A8%D8%AE%D8%B5%D9%88%D8%B5%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%B1%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%83
رسالة سليم الأول إلى نائب دمشق وقاضي قضاتها بخصوص النصر على المماليك
قُدوة الأُمراء الكرام، وعُمدة الكُبراء الفخام، ذو القدر والاحترام، كافل مدينة الشَّام، دام عزُّه، وأقضى قُضاة المُسلمين، أولى وُلاة المُوحدين، معدن الفضل واليقين، حُجَّة الحق على الخلق أجمعين، مولانا قاضي القُضاة بِالشَّام المحروس، أبدت فضائله مرسومنا هذا، يُوضَّح لِعلمهما الكريم، أننا توكَّلنا على الله سُبحانه، وتوسَّلنا بِسيِّد الكائنات، مُحمَّد ، وتوجَّهنا بِعساكرنا وصناجقنا وأعلامنا وجُيُوشنا وخُيُولنا السابقات الصافنات، وقسيِّنا الصائبات، ورجالنا المُرصدين لِصيد أعدائنا، مع هداية الله تعالىٰ، من الشَّام مع السَّعد والظَّفر إلى جهة مصر، فوجدنا طومان باي، الذي تولَّى سلطنة مصر، وأقام جان بردي الغزالي كافلًا لِلشَّام، وجهَّزه إلى غزَّة، وصحبته فرقة من العساكر المصريَّة. وكان قد تقدَّمنا قُدوة الوُزراء العظام، وعُمدة الكُبراء الفخام، الغازي في سبيل الله، المُجاهد لِوجه الله، الوزير الأعظم سنان باشا، إلى جهة غزَّة، فوقع بهم، والتحم بينه وبينهم القتال العظيم، فبِعون الله تعالىٰ وسعادتنا الشريفة، حصل لهُ النَّصر والظَّفر، وقُتل منهم من قُتل، وأُسر منهم من أُسر، ومن سَلِمَ من سيفه فرَّ مُنهزمًا صُحبة الغزالي المذكور إلى مدينة مصر. ثُمَّ إنَّ ركابنا الشريف جدَّ في السير، في السعد والإقبال، بِعساكرنا وجُنُودنا، واجتمع بنا سنان باشا المُشار إليه، وصرنا نرحل من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ مثل السِّهام. فلمَّا وصل إليهم خبر توجُّه ركابنا الشريف على هذا الوجه، أرادوا أن يتداركوا بقاء أنفُسهم وأرواحهم، فجمعوا عساكرهم السيفيَّة، والجلبان، ومماليك الأُمراء، والعربان نحو الثلاثين ألفًا. وجمعوا ما في القلعة المصريَّة، وبُيُوت الأُمراء، وثغر إسكندريَّة، وسائر البلاد والقلاع، من المكاحل، والكفيَّات، والسبقيَّات، والبُندُقيَّات، واللُّبوس، والسِّلاح. وحفروا خندقًا في الريدانيَّة، من بحر النيل إلى الجبل، وجمعوا أخشابًا جعلوها تساتير على الخندق، وأحضروا رُماة من الفرنج وغيرهم، وسائر آلات الحرب، وهيَّئوها لِلقتال. فوصل ركابنا الشريف، بِعساكرنا المنصورة، إلى الريدانيَّة، في يوم الخميس التاسع والعشرين من ذي الحجَّة الحرام سنة اثنين وعشرين وتسعُمائة، وقت الغداة، فوجدناهم قد لبسوا السلاح، وتكمَّلوا العدد، وتقلَّدوا العُدد، وهم غارقون في الدُّروع والزُّرد، وأرادوا مُقابلة عساكرنا المنصورة، التي هي أعداد الرمال، وأمثال الجبال، ولها قُلُوب الأُسُود، وشُخُوص الرجال. فلمَّا وقف الصفَّان ماج عسكرنا كموج بحر عُمان، فبقي يغلي ويضطرب، فرتَّبنا وزيرنا الأعظم سنان باشا في ميمنة العسكر، ودُستُورنا المُكرَّم ومُشيرنا المُفخَّم نمر وهزبر الهيجاء، وزيرُنا يُونُس باشا في الميسرة. واصطفَّ الجيشان، وزحف العسكر المصري على سنان باشا في الميمنة، ورموا عليه بِالمكاحل والسبقيَّات والكفيَّات والبُندُقيَّات، وجاء أعداؤه لِلقتال، فما روَّعه ذلك ولا أزعجه، بل جال فيهم وصال وقطَّع منهم الأوصال، ورمى منهم الرُؤوس عن الجُثث، وغنَّى فيهم السيف، إلى أن خاضت خُيُولهم في الدماء والقتلى. ثُمَّ ولُّوا منهم مُنهزمين إلى الميسرة، فتلقَّاهم يُونُس باشا المُشار إليه، وجال فيهم بِطعنٍ وضربٍ، فأرادوا الفرار، فناداهم لن ينفعكم الفرار، إن فررتم من الموت أو القتل، فكم من فارسٍ تجندل صريعًا وكم من أميرٍ أحضروه إلينا أسيرًا. وأمَّا غالب العسكر المخذول، فداسهم عسكرنا تحت حوافر الخُيُول؛ واستمرَّ الحرب من أوَّل النهار إلى بين الصلاتين، وصار حربٌ عظيم، وجُرح سنان باشا. وآخر الأمر بِإرادة الله تعالىٰ، ألا أنَّ حزب الله هُم الغالبون، وصارت عساكرنا غالبة ومنصورة، والعساكر المصريَّة مغلوبة مقهورة، وقالوا: أين المفرّ؟ والذي سَلِم من سُيُوفنا منهم من رمى بِنفسه عن فرسه فقبضوا عليه، ومنهم من قطعوا رأسه وأحضروه إلينا، والمأسورون منهم عملناهم إشارات لنبلنا وغذاء لِسُيُوفنا، وصارت أبدانهم ورُؤوسهم وخُيُولهم كيمانًا. وأقمنا بعد هذه المعركة في الريدانيَّة أربعة أيَّام، بِالسعد والإقبال، ثُمَّ انتقل ركابنا الشريف من الريدانيَّة إلى جزيرة بولاق. وكان قد فصل بقيَّة سُيُوفنا من العساكر المصريَّة، فهربوا واجتمعوا، هُم والسُلطان طومان باي، وجمعوا العربان، والتمُّوا نحو العشرة آلاف، ليلًا من نهار الثُلاثاء خامس شهر المُحرَّم الحرام سنة ثلاث وعشرين وتسعُمائة خفية، ودخلوا البُيُوت الحصينة، وحفروا حولها الخنادق، وستَّروا التساتير، واجتمعوا في الحارات، وأظهروا الفساد، وأبرزوا العناد، فعلمت عساكرنا المنصورة بهم، فربطوا الخيَّالة لهم الطُرُقات، لئلَّا ينهزم منهم أحد، وصاحت عليهم مماليكنا الينكشاريَّة والتفكجيَّة، وحملت عليهم حملة رجُلٍ واحد، ودخلوا عليهم إلى البُيُوت التي تحصَّنوا فيها، ونقبوا عليهم البُيُوت يمينًا وشمالًا، وطلعوا على أسطحة تلك البُيُوت التي تحصَّنوا فيها، ورموا عليهم بِالبنادق، والكفيَّات، واستمرَّ الحرب بين عساكرنا المنصورة وبينهم ثلاثة أيَّام. وفي يوم الجُمُعة ركب مقامنا الشريف، واشتدَّ الحرب، وصار مثل ، ومثل يوم ، فخرَّبنا ما عملوه من التساتير والخنادق، فالتجئوا إلى بعض البُيُوت الحصينة، فحرقنا عليهم تلك البُيُوت التي التجئوا إليها، وبقوا في العذاب الأليم، وأرادوا الهُرُوب، فما لقوا لهم طريقًا إلَّا بحر النيل، فأرموا أنفُسهم فيه، وغرقوا كيوم فرعون. وفي هذه الثلاثة أيَّام يستمر القتال من الصُّبح إلى العشاء، وبِعون الله تعالىٰ قتلنا جميع الجراكسة، ومن انضمَّ إليهم من العربان، وجعلنا دماءهم مسفوحة وأبدانهم مطروحة، ونهب عساكرنا قماشهم وأثاثهم وديارهم وأموالهم وبركهم ويرقهم، ثُمَّ صارت أبدانهم لِلهوام. وأمَّا طومان باي سُلطانهم، فما عرفنا هل هو مات أم بِالحياة؛ وأطاعتنا بِعون الله تعالىٰ جميع العربان، والمشائخ والأكابر بِمصر وأعمالها، والحمد لله الذي هدانا لِهذا، والمسؤول من الله سُبحانه أن يكون عدوِّنا دائمًا مقهورًا، وعسكرنا منصورًا، والدَّاعي بِدوام دولتنا مسرورًا، إلى يوم النُشُور، آمين يا مُعين. وبعد هذه الفُتُوحات العُظمى، أردنا أن نُعلم جميع رعايانا، سُكَّان ممالكنا الشريفة بِذلك، لِيأخُذُوا حُظُوظهم من هذه البُشرى، ويبتهلوا إلى الله تعالىٰ بالأدعية الصالحة بِدوام دولتنا الشريفة، ويدُقُّوا البشائر ويُعلنوا التهاني، ويرموا بالبارود في القلعة المنصورة، ويُعلموا بِذلك أطراف البلاد ومُقدِّميها، لِيكونوا مسرورين بِهذه البُشرى، وكُتب في أوائل المُحرَّم بِمنزلة جزيرة بولاق. وثائق عثمانية عائدة لعهد سليم الأول
209374
https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84
مفتاح الحساب/المقالة الرابعة/الباب الأول/الفصل الأول
المثلث سطح يحيط به ثلاثة خطوط مستقيمة يقال لها أضلاع المثلث عمود المثلث خط مستقيم خارج من زواياه على الضلع الموتر لها داخلا في المثلث وخارجاً ويسمى ذلك الضلع بالقاعدة مركز المثلث نقطة في سطحه يكون بعدها عن جميع الأضلاع متساوية اعنى إذا أريد عليها دائرة يماس جميع أضلاعه ولهذا سمى بنصف قطر الدائرة الداخلة ولو أن ومركز المثلث بالحقيقة هو مركز دائرة أحـاطت به وتماس زواياه لكنا نحتاج في المساحة بمركز الدائرة الداخلة فيه فنسميه بمركز المثلث مجازاً وأما أقسام المثلث فمتساوي الأضلاع ومتساوي الساقين وقائم الزاوية ومنفرج الزاوية وحاد الزوايا هكذا
209375
https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A
مفتاح الحساب/المقالة الرابعة/الباب الأول/الفصل الثاني
وأما كيفية مساحة فهي أن نضرب العمود في نصف القاعدة أي نمسح العمود والقاعدة معا بذراع أو غيره من القياسات ونضرب أحد الحاصلين في نصف الآخر نوع آخر نضرب العمود الخارج عن مركز المثلث إلى الضلع في نصف جميع الأضلاع ليحصل المساحة نوع آخر لا يحتاج فيه إلى العمود نأخذ لا يحتاج فيه إلى العمود نأخذ فضل نصف مجموع الأضلاع الثلاثة على كل ضلع ونضرب أحد الفضول الثلاثة في آحد الآخرين والحاصل في الأخر والحاصل في نصف مجموع الأضلاع ونحصل جذر الحاصل الآخير فهو مساحة المثلث مثاله فرضنا أحد أضلاع مثلث عشرة والآخر سبعة، وضلع الباقي إحدى وعشرين، فيكون نصف مجموع الأضلاع فضله على العشرة ، وعلى سبعة عشر ، وعلى واحد وعشرين ، فضربنا في حصل ، ضربناه في حصل ، ضربناه في نصف مجموع الأضلاع حصل أخذنا جذره فكان وهو المطلوب. وأما استخراج أبعاده بعضها عن بعض فمنها استعلام موقع العمود وهو إما بعمل اليد بأن نجعل الضلع الأطول قاعدة للأولوية لا للضرورة وندير على الزاوية التي يوترها الضلع الأطول ببعد الضلع الأقصر دائرة فمنتصف ما وقع في الدائرة من القاعدة هو موقع العمود ولو أردنا موقع عمود خارج عن زاوية آخرى نجعلها مركزاً وندير عليه ببعد أحد الضلعين المحيطين بها دائرة فمنتصف وقع في الدائرة من الضلع الموتر لتلك الزاوية داخل المثلث أو خارجاً عنه إذا أخرج على استقامته فهو موقع العمود مثاله أردنا أن نحصل موقع عمود خارج عن زاوية من مثلث على ضلع جعلنا نقطة مركزاً وادرنا عليها ببعد دائرة ونصفنا الذي وقع في الـدائرة على نقطة فهو مـوقع العمود فوصـلنا فهو العمود وقع داخلا في المثلث في الصورة الأولى خارجاً عنه في الثانية وأما بالحساب إذا أردنا أن نخرج عن أحدى زوايا المثلث عموداً على ضلعه نضرب مجموع الضلعين المحيطين بتلك الزاوية في التفاضل بينهما ونقسم الحاصل على الضلع الباقي وهو الذي وقع عليه العمود فما خرج إن كان مساويا للضلع الباقي يكون أقصر ذانيك الضلعين قائماً على القاعدة وإن كان أقل ووقع العمود داخل المثلث وإن كان أكثر منه وقع خارجاً عنه ويكون بعد موقعه عن ملتقي الضلع الباقي أعنى القاعدة مع أقصر الآخرين بقدر نصف التفاضل بين القاعدة وخارج القسمة مثاله فرضنا في مثلث ضلع عشرة و سبعة عشر و إحدا وعشرين وأردنا معرفة بعد موقع العمود الخارج من نقطة على ضلع من أحد طرفيه كان مجموع ضربناه في تفاضلهما وهو حصل قسمناه على ضلع القاعدة وهو خرج من القسمة ولما كانت أقل من القاعدة علم أن العمود وقع داخل المثلث وكون ضلع أطول الأضلاع دل عليه أيضاً فنقصنا خارج القسمة وهو عن القاعدة وهي بقي نصفه وهو بعد موقع العمودين عن نقطة ، وأعلم أن ضرب مجموع كل عددين في تفاضلها تساوي تفاضل مربعيهما مثال آخر وأن أردنا معرفة موقع عمود خارج عن نقطه جمعنا ضلعي كان ضربناه في تفاضلهما وهو حصل ، قسمناه على ضلع وهو خرج ولما كان أكثر من قاعدة علم أن العمود وقع خارج المثلث نقصناه عنه ضلع بقي نصفناه صار وهو بعد موقع العمود عن نقطة وهو المطلوب مثال آخر يصح منه خارج القسمة نفرض مثلثاً يكون أحد أضلاعه وهو عشرة و تسعة و سبعة عشر، وإذا أردنا موقع العمود الخارج عن نقطة فمجموع ضلعي كان ضربناه في تفاضلهما وهو قسمناه على قاعدة وهي خرج من القسمة ولما كان أكثر من ضلع علم أن العمود وقع خارجاً عن المثلث ونصف التفاضل يكون وهو بعد موقع العمود عن نقطة خارجاً عنه طريق آخر نأخذ التفاضل بين مربع أحد الأضلاع وبين مجموع مربعي الضلعين الباقيين ونفرض أحد هذين الضلعين الباقيين قاعدة ونقسم نصف التفاضل عليه فما خرج فهو بعد موقع العمود عن الزاوية اللتي موترها الضلع الأول يكون موقع العمود خارجاً عن المثلث من جانب هذه الزاوية وإن لم يكن التفاضل فتلك الزاوية قائمة وإن كان الفضل لمجموع المربعين يكون نصف التفاضل أقل من مربع القاعدة فوقع العمود داخل المثلث وإن كان مساوياً له فالزاوية التي تحيط به الضلع الأول مع القاعدة قائمة وإن كان أكثر فالعمود وقع خارجاً عن هذه الزاوية لكن الخارج من القسمة يكون بعد موقع العمود عن الزاوية التي يوترها الضلع الأول ولهذا يكون حينئذ أكثر من القاعدة مثاله من المثلث المتقدم كان مربع ضلع نقصنا عنه مجموع مربعي الآخرين وهو بقي ولما كان الفضل المربع الضلع الأول علم أن العمود وقع خارجاً عن جانب زاوية فقسمنا نضعه وهو على ضلع وهو خرج من القسمة وهو بعد موقع العمود عن نقطة مثال آخر نقصنا مربع وهو عن مجموع مربع الأخري وهو بقي ، قسمنا نصفه وهو على القاعدة وهي خرج من القسمة وهو بعد العمود عن نقطة إلى جانب مجاوزاً عنه إلى الخارج وذلك لإن نصف فضل مجموع المربعين كان أكثر من مربع القاعدة فإذا نقصنا القاعدة عنه بقي البعد عن نقطة وهو المراد والأوجز أن ننقص مربع أحد الأقصرين من مجموع مربعي الآخرين ونقسم نصف الباقي على الأطول فما خرج فهو موقع العمود على الأطول من طرف الأقصر الآخر داخل المثلث أو يضرب المجموع الأقصرين في تفاضلهما ونقسم الحاصل على الأطول فما خرج نقصه عن الأطول فنصف الباقي هو بعد موقع العمود عن طرف أقصر الأضلاع الواقع على الأطول داخل المثلث، ومنها معرفة مقدار العمود نضرب بعد موقع العمود عن أحد طرفي القاعدة في نفسه وننقص الحاصل عن مربع الضلع المتصل بذلك الطرف ونأخذ جذر الباقي وهو العمود مثال لإستخراج العمود والمساحة لما كان خط بعد موقع العمود الحاصل عن العمل الأول يكون مربعه ، نقصناه عن مربع وهو بقي جذره وهو مقدار العمود ضربناه في نصف القاعدة وهو مساحة المثلث موافقه لما سبق طريق آخر إن كانت آحدى زوايا المثلث معلومة فنضرب جیبها في أحد الضلعين المحيطين بتلك الزاوية ونقسم الحاصل على ستين ليخرج العمود الواقع على الضلع الآخر ولو نعمل بجيب تمامة هكذا يحصل بعد موقع العمود عن هذه الزاوية وسنورد معنى الجيب وجدوله. مثاله كان زاوية من المثلث المذكور على ما سيجيء جيبه ضربناه في ضلع وهو عشرة وقسمنا الحاصل على ستين خرجت من القسمة ثمانية وهي العمود على ضلع ومنها معرفة زوايا المثلث إذا كان الأضلاع معلومة يحصل العمود كما ذكرنا ثم نضرب العمود في ستين ونقسم الحاصل على كل واحد من الضلعين المتصلين برأس العمود ليخرج جيب الزاوية التي يحيط بها القاعدة وذلك الضلع المقسوم عليه بقوسه في الجدول ليحصل مقدار كل واحدة من الزاويتن فإن وقع العمود داخل المثلث نقص مجموعهما عن مائة وثمانين وبقيت الزاوية الباقية وإن وقع خارجاً عنه نأخذ التفاضل بينهما وهو الزواية الباقية. مثاله ضربنا العمود الحاصل وهو في ستين حصل قسمناه على كل واحد من ضلعي من المثلثين المسبوقين خرج من الأول ومن الثاني قوسناهما في الجدول خرج من الأول وذلك مقدار زاوية من المثلث الأول وتمامهما من المثلث الثاني إلى قائمتين وخرج من تقويس الثاني وهو مقدار زاوية من المثلثين منها ما كان ضلع زوايتان معلومة والباقي مجهولا ينقض مجموع الزاويتين عن مائة وثمانين يبقى الزاوية الباقية ثم نضرب الضلع المعلوم في جيب كل واحد من الزاويتين اللتين على طرفه ونقسم الحاصل على جيب الزاوية التي نوترها الضلع المعلوم فما خرج فهو الضلع الموتر للزاوية التي ضربنا الضلع المعلوم في جيبها، ومنها ما كان ضلعان وزاوية بينهما معلومة والباقي مجهولا نضرب أحد الضلعين في جيب الزاوية تارة وفي جيب تمامها آخرى منحطا وننقص الحاصل الثاني عن الضلع الآخر إن كانت منفرجة فما بلغ تربعه ونزيد عليه مربع الحاصل الأول ونأخذ جذر المجموع فهو الضلع الباقي، وإن كانت الزاوية قائمة فمجموع مربعي الضلعين يكون مربع الضلع الباقي والمراد بقولنا منحطاً أن نحسب الأجزاء دقائق والدقائق ثواني وقس عليه وقد نطلق ذلك عند الإحتياج بقسمة الحاصل على ستين مثاله نفرض أن من المثلث الأول مع زاوية معلومة والباقي مجهولا ضربنا وهو ضلع وهو عشرة تارة في جيب زاوية الذي كان منحطاً حصل وضربناها آخرى في جيب تمام تلك الزاوية الذي كان منحطاً حصل ولما كانت الزاوية المعلومة حادة نقصناه عن ضلع وهو بقي مربعة مربع الحاصل الأول مجموع المربعين جذره وهو الضلع الباقي ومنها ما كان ضلعان وزاوية غير ما كان بينهما معلومة والباقي مجهولا نضرب جيبا الزاوية المعلومة من الضلع الذي يوترها مع الضلع المجهول بها وتقسم الحاصل على الضلع الذي يوترها فما خرج فهو جيب زاوية يوترها الضلع الأخر اعني الضلع المطلوب فيه نقوسه ونزيده على الزاوية المعلومة وننقص المجموع عن مائة وثمانين يبقى الزاوية التي يحيط بها الضلعان المعلومان نضرب جيبه في أحد الضلعين ونقسم الحاصل على جيب زاوية نوترها ذلك الضلع فما خرج فهو الضلع الباقي مثاله ضربنا جيب زاوية وهو في ضلع وهو حصل قسمناها على ضلع وهو خرج من القسمة جيب زاوية قوسه زدناه على زاوية الذي كان من المثلث الأول بلغ نقصناه عن يقي وهو زاوية جيبه ضربناه في ضلع وهو حصل قسمناه على جيب زاوية خرج من القسمة وهو ضلع وهو المطلوب منها ما كانت الزاوية معلومة والأضلاع غير معلومة فلا مخلص فيه سوى فرض أحد الأضلاع مقداراً معلومة وليكن واحد ثم نقسم على جيب زاوية يوترها الضلع المفروض واحداً جيب كل واحد من الزاويتين الباقيتين مخرج من القسمة مقدار الضلع الذي يوتر الزاوية المقسومة جيبها ومنها العمود الخارج عن مركز المثلث أما بعمل اليد فينصف زاويتين منه بخطين فملتقاهما هو مركزه مخرج منه عموداً على أحد الأضلاع فهو المراد وإما بالحساب فنضرب أحد الضلعين في الآخر ونقسم الحاصل على ستين فما خرج فهو العمود الخارج عن مركز المثلث على كل واحد من أضلاعه مثاله في المثلث المسبوق ضربنا العشرة في حصل قسمنا على الستين خرج ثلاثة وهو العمود الخارج عن مركز المثلث على الأضلاع الذي هو حصل وهو المساحة كما سبق واستخراج هذا العمود بهذا الطريق مما استبطناه
209377
https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB
مفتاح الحساب/المقالة الرابعة/الباب الأول/الفصل الثالث
أما المساحة فلمتساوي الأضلاع من المثلث طرق آخر غير ما مر، الأول نأخذ مال مال نصف أحد أضلاعه ونضربه في الثلاثة دائماً خذ جذر الحاصل فهو المساحة، الثاني نأخذ جذر ثلث ومال مال العمود يحصل يحصل المساحة، الثالث نضرب مربع أحد أضلاعه في ، خامسة يحصل المساحة، الرابع نضرب نصف ثمن جميع الأضلاع في مكعب ضلع واحد ونقسم ضلعا واحداً على خمسة وثلث ونضرب الخارج في مكعب ضلع واحد ونأخذ جذر الحاصل فهو المساحة. وأما استخراج الأبعاد بعضها عن بعض إذا أخذنا جذر ثلاثة أرباع مربع ضلع واحد فهو العمود وثلث العمود هو العمود الخارج من مركز المثلث اعني نصف قطر دائرة وقعت فيه بجيب تماس جميع أنصاف أضلاعه فإذا ازدنا على مربع العمود ثلث المربع ونأخذ جذر المبلغ يحصل مقدار ضلع منه وإذا ضربنا ضلعه في خامسة يحصل العمود وإذا أخذنا ثلث مربع ضلع واحد ونأخذ جذره يحصل نصف قطر دائرة أحـاطت به وتماس زواياه وإذا أخذنا نصف سدس مربع ضلع واحد ونحصل جذره فهو العمود الخارج من مركزه إلى منتصف ضلعه ويكون في هذا المثلث مركز الدائرة الداخلة المماسة لأضلاعه والخارجة المماسة لزواياه واحداً بخلاف مختلف الأضلاع.
209379
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D9%82%D8%A7%D9%86%D8%B5%D9%88%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%88%D8%B1%D9%8A%20%D9%8A%D9%87%D9%86%D8%A6%D9%87%20%D8%A8%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D8%A9%20%D8%AA%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%87%20%D8%B9%D8%B1%D8%B4%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D9%86%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%88%D9%83%D9%8A%D8%A9
رسالة بايزيد الثاني إلى قانصوه الغوري يهنئه بمناسبة توليه عرش السلطنة المملوكية
الحمدُ لله الذي استخلف على عمارة العالم من اصطفاهم من خلقه، وأحسن إليهم تمام القُدرة، وأعظم شأنهم، ورفع مكانهم، وجعلهم أمنًا على رعاة حقِّه، وخصَّهم بِمزيد الرفعة والرُّتبة، والصلوٰة والسَّلام على أفضل الرُّسل مُحمَّد [الذي عُرف بِصفته ونعته واسمه ونسبه قبل] ظُهُوره بِالنُبُوَّة، واستعلى على كافَّة الأنام بِهذه القُوَّة بعد امتداد الفترة واشتداد البجرة، وعلى آله وأصحابه الذين هم أئمَّةُ البررة وقتلة الفجرة. فإنَّا أصدرنا هذه المُكاتبة اللطيفة والمُفاوضة الشريفة إلى الحضرة العليَّة السُنيَّة الأكرميَّة الأكمليَّة الأكفليَّة الأفخميَّة الأعظميَّة الأعلميَّة الأعمليَّة الأعدليَّة الغوثيَّة والغيَّاثيَّة، عون الأُمَّة وكهف الملَّة الذي خفَّف السياسة بِحزمه، وشرَّف الرياسة بِفهمه وأقامة الآء(؟) بِرحابته، وأدام النصفة بِسماحته، وطوَّق الرقاب بِنعمه، واسترقَّ الأحرار بِمحاسن شيمه، وأقبلت الأماني عليه وفدًا، وحُشدت له السعاداتُ حشدًا، واطَّلع الكرمُ في أُفق أبوابه المُنيرة صباحه، وبسط الشرف في ظلاله الظليلة جناحه، وهو حامي بيت الحرام والروضة المُطهَّرة والمقام، وناصر المُسلمين والإسلام، المُختص بِالعزَّة والتمكين من حضرة الملك العلَّام، الله يُبقيه للأيادي بِقُلدها، ولِلمساعي بِخُلدها، ولِلمكارم بِوُتُدها، في دولةٍ واسعة الأرجاء، مُمتدَّة الأقباء، مأمونةٍ من الزوال، محروسةٍ عن الأنفال، ما ذرَّ شارق، وكرَّ طارق، وبرق بارق، وطلُع فجره، ولمع بدره، نهدي إليه سلامًا سلامًا، وهو كالعُقد انتظامًا، والورد ابتسامًا، وأوفر أقسامًا، وأوسع مقامًا، ويُؤلِّف بين القُلُوب ويُعطيهم نظامًا، وتُبدي لِعلمه الشريف: إنَّ الرياسة الإنسيَّة والسياسة المدنيَّة وحماية بيضة الممالك، وحراسة الرعيَّة عن المهالك من صعاب الأُمُور وعظامها بين الجُمهُور لا يُوفَّق بها، ولا يستعد بِتوفيقها إلَّا من لهُ الرُتبة العالية والدرجة السامية عند الملك القديم الذي بِيده ملكوتُ كُلِّ شيء وهو السميعُ العليم، فإنَّ الفائزين بِتلك النعمة العُظمى والعطيَّة الكُبرى موسومين بِسُنن المُرسلين والأنبياء، وُجُودهم كهف البرايا، وُجُودهم كفيلُ الرعايا، تنكشفُ ظُلم ظُلم البعض عن البعض بعد الهم، وتنقسم الأرزاق المُخرجة من رحم السماء وصدع الأرض بِسماحتهم، وتنحسم المخاوف والمحن، وترتفعُ الحوادث والفتن بِمهابتهم وإيالتهم، لولاهم لاختلَّ النظام، وتساوى الخاص والعام، وانجذبت النُفُوس إلى ما في طبايعها من البأساء والبُؤس، لِتعذُّر خلاصهنَّ وتعسُّر مناصهنَّ عن الملكات الرديَّة، ما دامت في المنازل الجسمانيَّة والمعالم الظلمانيَّة، فلا يُخفى أنَّ من اختاره الله تعالىٰ لِتنفيذ أوامره ونواهيه، وحتَّم على الرعيَّة مُطاوعته بِحُسن القبول، وإطاعته بعد إطاعة الله والرسول، عملًا بِقوله تعالىٰ: وواجب ذكره بِالدَّعوات الصالحة عقب الصلوٰة في الأوقات الخمس التي تُظنُّ فيها إجابة الدعوات، وحقٌّ عليه أن يُوقِّر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بِالمعروف وينهى عن المُنكر، ويعتقد أنَّ الدين والمُلك توأمان لا يتم أحدهما إلَّا بِالآخر، وتُصرف نيَّته إلى تقوية الحق وإعزازه، ويعطف همَّته على نُصرة الإسلام وإحرازه، ويُخفض أجنحة الرأفة والمرحمة على المُسلمين، مُسترشدًا بِكلمة التعظيم لِأمر الله، والشفقة على خلق الله أُسُّ الدين، ويُراعي العدالة والنصفة في حُكمه وحُكُومته، رهبةً من قوله: كُلُّكم راعٍ [وكُلُّكم] مسؤولٌ عن رعيَّته ورغبته بِسعة حاله، ويُفرغ شعث ماله، فإنَّ من عدل في الحُكم، وكفَّ النفس عن الظُّلم، صفت لهُ الدُنيا، ودامت عليه النُعمى، ومَلَكَ القُلُوب، وأمَّن الحُرُوب، وصارت طاعته فريضة، وصحَّته غنيمة، قال النبيّ : ، صدق رسول الله. وينبغي بِجيرانه الكرام من السلاطين العُظماء أن يُهنِّئ بِتلك الدولة البهيَّة والسيادة السُنيَّة، لأنَّ التهنئة سُنَّة حسنة، وعادة مُستحسنة بين السادات، إذا تجددت لِواحدٍ منهم نعمة جزيلة، وتمهَّدت رُتبةٌ جليلة. هذا والغرض من ترتيب تلك المُقدِّمات وتسبُّبها قد سمعنا وعلمنا أنَّ الله تعالىٰ أعظم أمركم، ورفع قدركم، وأخذ يدكم، وتهيَّأ أدوات السعادة عندكم، واصطفيكم لِضبط الجُمهُور، واجتباكم لِرد المحذور، وجعلكم خلف المُجاهدين، وأورثكم أرضهم، وصيَّركم شرف الباقين، وجمع بِصريمتكم شمل السُداد بعد تبدُّده، وقطع بِعزيمتكم حبل الفساد بعد تأكُّده، وسدَّ بِكفايتكم أبواب الخلل بعد اتساعه، وشدَّ بِعنايتكم أسباب الأمل بعد انقطاعه، وزيَّن بِوُجُودكم الشريف سرير السلطنة القاهرة، وبوَّأكم بِالطالع الأسعد الغُرَّة الباهرة، فاطَّلع كوكب العدل وكان خافيًا، وأوضح مذهب الفضل وكان عافيًا، وحشد القُلُوب على ولائكم، وشرَّف المنابر بِصالح دُعائكم، وأصلح الجُمهُور بِسياستكم، ونظَّم المنشور بِحُسن درايتكم، حتَّى استقامت الأُمُور، وأُفسدت الثُغُور، ورُتِّبت العُمَّال، وهُذِّبت الإعمال، وسكنت الرعيَّة، وانحسمت الأذيَّة، وانكشفت الطائمة المُستولية، واهتدت العُقُول الحايرة، ونامت العُيُون الساهرة، وقرَّ الأمر قراره، ووجد فلك الأمن مداره، وهذه الأُحدُوثة الجميلة أزالت قُلُوب الأعداء عن مقارها، وعمَّرت نُفُوس الأولياء بِمسارها، وأعادت الأيَّام أعيادًا، وأحرقت لِلحُسَّاد أفئدةً وأكبادًا، وجعلت صُدُورنا مُنشرحة، وقُلُوبنا مُتسعة ومُنفسحة، بِسبب المحبَّة الأزليَّة التي ثابتة في جبلتنا لا يُمكن زوالها، والمودَّة الجُبليَّة(؟) التي نابتة عن قريحتنا لا يُصوَّر انفصالها، وسألنا الله تعالىٰ أن يُديمكن ذلك القدر والجد والفخر والمجد وتلك العزَّة الشامخة والرُقعة الباذخة، ويزيد لِهذه الدولة انتشار جناح وأسفار صباح وسناء مصباح. واخترنا لِتأدية التهنئة منَّا إلى جنابكم الكريم، وذهابًا إلى المذهب المعروف، وتبعًا لِلرسم القديم كما مرَّة آنفًا، وتقرَّر سالفًا، الأمير المُكرَّم والكبير المُفخَّم، ذا القدر الأتم، والنجابة والكرم، والمُؤيِّد بِتأييد الله الأكبر، رئيس السلَّاحين حيدر، رُزقت سلامته، وحسُنت بِالخير إعادته، وحمَّلناه السلام، وأودعنا عنده نبذًا من الكلام، فالمأمول من كرمكم العميم، وفضلكم الجسيم، إنَّ القاصد المرقوم إذ استعد بِحُصُول الوُصُول إلى خدمتكم الشريفة، وأباح راحلته في سُدَّتكم المُنيفة، وأقبل على تبيلغ ما يحمله من الرسالات، وتصدَّى بِتأدية ما تضمَّنته من الأمانات، أن يُنظر بِنواظر الإكرام، وعُيُون العزّ واللُّطف والاحترام، ويُسمع بِحُسن الاستماع إلى ما يحكيه، ويُمنح بِمزيد الاطلاع على ما يُؤدِّيه، ويُصرف إلى حضرتنا العليَّة بِأخبار المسرَّات، لِيُثمر المُوافاة والمُصافاة، وقاكم الله عن المكايد والعاهات بِمنِّه ولُطفه. كُتب في أواسط صفر المُظفَّر، خُتم بِالخير والظَّفر، سنة ثمانٍ وتسعُمائة حسب المرسوم الشريف حامدًا لله الكبير، ومُصليًّا على رسوله البشير النذير. هوامش وثائق عثمانية عائدة لعهد بايزيد الثاني
209381
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D9%82%D8%A7%D9%86%D8%B5%D9%88%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%88%D8%B1%D9%8A%20%D8%A8%D8%AE%D8%B5%D9%88%D8%B5%20%D9%86%D9%8A%D8%AA%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%AD%D9%81%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D9%88%D9%8A%D9%8A%D9%86%20%D9%85%D8%B1%D8%A9%20%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89
رسالة سليم الأول إلى قانصوه الغوري بخصوص نيته الزحف على الصفويين مرة أخرى
وبه نستعين الحمدُ لله الذي أعزَّ عبده، ونصر جُنده، لِيكون لِلعالمين نذيرًا، وأيَّده بِالتوفيق لِيجعل لهُ من لدُنَّهُ سُلطانًا نصيرًا، وصيَّر لمعان حُسامه في إزالة الكُفر، وظلامه شمسًا وقمرًا مُنيرًا، وجعل نقمته لِلأشرار مشبوبة، ونعمته لِلأخيار مصبوبة، فمن اعتصم بِحبل مُتابعته نال مناه، ومن انتظم في سلك مُشايعته حاز مُبتغاه، وصار من القوم الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، والصلوٰة والسَّلام على من اقتدينا بآثاره واهتدينا بأنواره، مُحمَّد الذي منَّ الله على المُؤمنين به، إذ بعث فيهم رسولًا، أرسله بِالهدي ودين الحق لِيُظهره على الدين كُلِّه ولو كره المُشركون، وعلى آله وأصحابه الذين هُم قاموا لِحماية الدين، ونُصرة الإسلام والمُسلمين، ، وبعد؛ فإنَّا أصدرنا هذه المُفاوضة الشريفة، مُخبرة عن خُلُوص نيَّتنا، والمُكاتبة اللطيفة مُعربة عن صفاء طويتنا، إلى الحضرة العليَّة الأكرميَّة الأفخميَّة الأعظميَّة الأعلميَّة الأعدليَّة الأكمليَّة الأكفليَّة الأفضليَّة العونيَّة الغوثيَّة، وهو الذي شمل المحاسن كُلُّها، وجرت عليه المفاخر ذيلها، وألقت لديه المعالي مقاليدها، وأُرجعت إليه المكارم أسانيدها، حامي الحرمين المُكرَّمين المُحترمين المُبجلين المُعظمين، ناصر الإسلام والمُسلمين، ظهير أمير المُؤمنين، لا زالت خواطره الشريفة مسرورة، ومواد ابتهاجه موقورة، وأياديه مشكورة، ومحاسنه مذكورة، ولا خلا من عزَّةٍ يتمهَّد أساسها، ونعمةٍ يتجدَّد لباسها، وحشمةً يرتفع شراعها، ودولةً يلتمع شعاعها، ما سبح سمك وسبَّح مَلَك، نهدي إليه سلامًا يجمع القُلُوب على حُبِّه وولائه، ويرفع الكُرُوب عن عراض الصُدُور بِطلائع صدقه وصفائه، وثناءٌ يرفع غياهب التناكر عن مجالس الأُنس بِنوره وسنائه، ويتضح المناهج القويمة والمعارج المُستقيمة إلى منازل القُدس بِتلألُؤ نُجُوم سمائه، ونُبدئ لِخواطره الكريمة: إنَّ علمه الشريف مُحيطٌ بِأنَّا لمَّا عُدنا من فتح الكماخ مصحوبين بِالسلامة، محفوفين بِالعزَّة والكرامة، بلغ الشتاء وبرد الهواء وجادت السماء، وتواصلت الأنواء، وتواترت الأنداء، واختلَّت مثابة القتال، وانحلَّت معاقد النزال، فقُلنا نستريح هذه الشتوة، ونستكمل الخُطوة، ونُواصل الغزوة، وبِيُمن صدق هذه العزيمة، والاستمرار في الجهاد على الشيمة، نزلنا بِدار سلطنتنا، فأقمنا فيها بِدولةٍ وارية الزناد، عالية العماد، مُطمئنَّة المهاد، راسية الأوتاد، إلى أن جاء الربيع، وعرض نسايم الأسحار صُفُوف الأزهار على مراكب الأشجار، وشارب النبت قد طرّ، وهارب البرد قد فرّ، فتفاضى عزيم عزمنا بإعلاء كلمة المُوحدين على المُلحدين، وتثبيت قُلُوب المُتقين على اليقين، وهذه العزيمة التي أصبحت بها كلمة الإيمان مُنتشرة، ووُجُود المُسلمين بها ضاحكة مُستبشرة، ووُجُوه المُشركين ، جهَّزنا الفيالق، ونشرنا البيارق، وحشرنا الرواعد والبوارق، وترنَّحت الصواهل، وتربَّحت الذوايل، فضُربت الكُؤوس، وسمت النُفُوس، فعبرنا البحر والنصر مُقبل والظَّفر مُتهلل، والميمنة والميسرة بِاليُمن مُمتدتان، والقلب لهُ من التأييد والتمكين جناحان، فتوجَّهنا إلى الديار الشرقيَّة، فحين مجيئنا بلدة آق شهر، وُقيت عن الآفة والقهر، ظهر شيءٌ من الاتفاقات النادرة، وإمارات السعادة الباهرة، وورد البشير من قبل ليثٍ خادر، وأسدٍ زاير، وهو أمير الأُمراء بِالديار البكريَّة مُحمَّد صانه عن المكاره الملك الأحد، فأخبر أنَّ إسماعيل المخذول بعد انفتاح الآمُد المحروسة والخربوت وسائر قلاعها وجبالها، جمع جمعًا كثيرًا كان مقداره عشرين ألفًا أو يزيدون، وجعل لهم قسيم رأسه المشهور بِقراخان أمير، وهو مُقدِّم جيشه فائق على أقرانه، وأرسل معهُ أمير بغداد وأمير همدان وأمير الحلَّة وأمير السُلطانيَّة وأمير الكلهور وأمير السعيد وأمير كشان وغزوين، والأمير المزبور مع بعض الأُمراء من العساكر المنصورة انقضَّ عليهم انقضاض البُزاة على البُغاث، وصدَّهم عن الانبثاث والانبعاث، فلمَّا رأتهم الطائفة المذكورة، رتَّبوا الرجال وطلبوا الفُرسان، وأقام الصُفُوف على المُوازاة قلبًا كمُجتمع الليل، وميمنة كمُندفع السيل، وميسرة مشحونة بِأشاهب الخيل، وهاج الفريقان بعضهم في بعض كالجراد المُنتشر ضربًا، يُزيلُ الرؤوس عن العوانق، ويُبيِّن الزُنُود على المرافق، وطعنًا يهتك ودايع الصُدُور وبُره مشارق الغُمُوم والسُرور، ورشقًا يُصيب شواكل الأبصار، ويُطلب وراء القفار مضجع القرار، واشتدَّت الحرب حتَّى تقلَّصت الشفاه، وتغضَّنت الجباه، وتقطَّعت لهُ الأنفاس، وتخسَّرت الفُرسان والفراس، واغبرَّت الآفاق، واحمرَّت الحماليق والأخداق، وجلت دياجير النقع من لمعان الحديد السوافر الوافرة، واتصلت لِلمُوحدين من الملائكة المُسوَّمين إمداد النُصرة المُتواترة، فهبَّت نسمات الفتح المُبين من مهبّ ، خرقوا حجاب الصف، وفرَّقوا شمل الجمع المُلتف، حتَّى زُلَّت أقدامهم عن مقارها، وتهاوت الرقاب عن مزارها، وقضت الرماح من قلب العدُوِّ أوطارها، وبرَّدت المشرقيات أوارها، خُذل الضلال ونُصر الهُدى، فانقلبوا خاسئًا حسيرًا، وتنكَّص على عقبه ملومًا مدحورًا، فصمَّم الأُمراء المذكورة العزيمة على الهزيمة، فطاروا بين الأقطار كُلَّ مطار، وسقتهم ساقية الدمار والإدبار، فتطرَّق الفرق فيالقهم، وتلقَّاهم الفُرسان بِالسيف فحلُّوا عاتقهم، وفُرشت القتلى في الوهاد والجبال، وقُيِّدت الأسارى في الأصفاد والحبال، فلم يبقَ بعدها اثنان عند تنازل الأقران، وتناوُب الضرَّاب والطعَّان، وكذلك يفعل الله بِالظالمين. لم ينجح منهم إلَّا أقلُّ قليل أُسروا بِأسرهم، فذاقوا وبال أمرهم ، فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمدُ لله رب العالمين. فلمَّا وصل إلينا أخبار هذه الفُتُوح المُترادفة والسعادات المُتضاعفة بِرُؤوس الأُمراء المذكورة، التي هي بِفضل الله تعالىٰ ومنِّه لِلفُتُوح سائقة، ولِأمثالها قائدةً وسائقة، وُجب أن نرُدَّ بها البُشرى والبَشرى إلى المجلس السامي أسماء الله عزَّ وعلا، لِيُسرَّ خواطرهم الشريفة وقُلُوبهم المُنيفة، ويُجدِّد المودَّة الأزليَّة والمحبَّة (الأبديَّة؟)، فلِذلك جهَّزنا الأمير الكبيري المُقرَّبي من خواص حضرتنا حسن رُزقت سلامته مع رأس قراخان، وحمَّلناه من السلام ما هو أزكى من عُرف الورد ونشر الخُزام، فالمُترقَّب من الألطاف العميمة أن يُنظر بِعُيُون الإكرام والعزَّة والاحترام ويُكثر في تبجيله وتعظيمه وتكريمه، والله تعالىٰ متَّعكم بِنيل السعادات، وبلَّغكم أقصى الأماني والمُرادات. تحريرًا في أواخر شهر رمضان المُبارك سنة إحدى وعشرين وتسعُمائة. هوامش وثائق عثمانية عائدة لعهد سليم الأول
209661
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D9%82%D8%A7%D9%86%D8%B5%D9%88%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%88%D8%B1%D9%8A%20%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1%D9%8B%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%B7%D9%84%D8%A8%D9%87%20%D8%A8%D8%AA%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%AF%D9%87%20%D8%A8%D9%83%D9%85%D9%8A%D8%A9%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B4%D8%A8%20%D9%88%D8%A8%D8%B9%D8%AF%D8%AF%20%D9%85%D9%86%20%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%20%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%81%D9%86
رسالة سليم الأول إلى قانصوه الغوري بناءً على طلبه بتزويده بكمية من الخشب وبعدد من معلمي صناعة السفن
الحمدُ لله الذي سدَّ ثغر الإسلام بِسطوتنا السديدة، وشدَّ أزر الأنام بِقُوَّتنا الشديدة، فتوجَّه وُفُود الاقتراح نحو مقامنا الكريم لِفوز النجاح من كُلِّ فجٍّ عميق، وجعلنا خلف الماضين وشرف الباقين، ومنحنا قُدرةً وافية بِإنجاح مناجح المُؤمنين وإصلاح مصالح المُسلمين، ووفَّقنا بِهذه الكرامة الكافية، إنَّهُ وليُّ التوفيق، والصلوٰة على رسُوله الأُميّ والنبيّ الهاشمي مُحمَّد، مثل شرعه القويم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلَّف عنها غرق، وهو الأمين الصدِّيق الشفيع المُشفِّع الشفيق، وعلى آله وأصحابه الذين أجرين سفاين نُفُوسهم الطاهرة بِرخاء هدايته الباهرة من سواحل التقليد إلى لُجَّة التحقيق، وبعد؛ فإنَّا أصدرنا هذه المُفاوضة اللطيفة إلى الحضرة العليَّة الأعلميَّة الأعمليَّة الأكليَّة الأعدليَّة الأورعيَّة الأكرميَّة الأفخميَّة الأعظميَّة العونيَّة الغوثيَّة، وهو الذي جمع المحاسن كُلُّها، وجرت عليها المفاخر ذيلها، وألقت لديه المعالي مقاليدها، وأرجعت إليه إخبار المكارم أسانيدها، حامي الحرمين المُكرَّمين المُبجلين المُعظمين نصير الإسلام والمُسلمين ظهير أمير المُؤمنين أبوي السُلطان الغوري، أعزَّ الله تعالىٰ أنصاره، وضاعف اقتداره، ولا زالت الأيَّام مُطابقة لهواه، والأقدار مُوافقة لِرضاه، وساعاته مقرونة بِالسُرُور، وأوقاته مضمونة بِالحُبُور، وأحواله تُرابط بِالحُسنى، وأفعاله تُقارن بِاليُمنى، وما برح وليُّه في ظُهُورٍ وغلب، وعدُّوِّه في ثُبُورٍ وعطب، ما كرَّ الأجدان، واتَّفق الفرقدان، وضاء القمران، ولاح الدبران، وقرَّت الأرض قرارها، وألفت الأفلاك مدارها، نهدي إليه سلامًا يتموَّج قُمقام الأُلفة الأزليَّة بِنسماته، وتُقرا غُربة الأفئدة في مرسى الخُلُوص بِمُرساته، وثنائ لو ورد البحر الأُجاج لِأصبح عذبًا فُراتًا، وصادف العظام البالية لأحياها بعد أن كانت رُفاتًا، ونُبدي لِعلمه الوريف أنَّ كتابه الشريف كان صفحته سفينة الدُّرر، وسُطُوره حبائل الطُّرر على الغُرر، على يد الصدر الأجلّ المُحترم المُقرَّب المُؤتمن المُكرَّم جمال الدين يُوسُف القُبطان، رُزقت سلامته، وصل إلينا وفتح لدينا وتلا ما تضمَّنه بين يدينا، فاطلعنا على ما فيه من سُؤال المطالب، وطلب المباغي والمآرب، فبادرنا قُبُولها وسارعنا حُصُولها على قدرٍ ما تابع لِلتقدير، ومفاتح إغلاقها رهينةً بِيد التيسير، وكيف لا نهتم بها فإنَّ المُضاعفة في إتمام المهام من محاسن الشيم، والمُسارعة إلى قضاء الوطر من مواجب الكرم، ومن شيمنا المشهورة وخصايصنا المأثورة إفاضة ما يؤمل، وإجازة ما يُسأل، فصدرت أوامرنا العالية لِلخشب الباقية من السنة الماضية التي لم يسع جملها جفانكم أن يقبض كُلُّها قُبطانكم. وأمَّا خُصُوص صنعة الخشب، فاحتُجب هذا المطلب، لِسبب شيءٍ مُبهم المباني والأُصُول وعُذرٌ قويّ، والعُذرُ عند كرام الناس مقبول، وهو أنَّ آراءنا الصائبة اقتضت قبل هذا أن نُعمِّر مائة مركب كبيرة لا صغيرة، تذب سواريها وتُناطح مناكب الجوزاء منَّا كُبها، فأمرنا أن نُكمل عددًا وعُددًا لِتخريب بُيُوت من قال ، وإبراز التوحيد على التثليث، وإنهاض الطيِّب بِإدحاض الخبيث، ونرجوا من الله تعالىٰ أن يُتمَّ بِالخير تجهيزها بِرجالٍ أكُفُهم في قوابض القرضاب، وتجعلها مضابًا مُمتثلةً بِذبابِ شغاب، وأُسُودٍ غضاب، وترفض بِحجارةٍ مُسوَّمةٍ سُبحها، وتنقض على شياطين الكُفر شُهبُها، وكان أهل المواضع التي يُقطع منها الأخشاب، وخلق الأراضي التي تُؤخذ منها الجُذُوع لِتهيئة الأسباب، موسومين بإحضار حوايج الفُلك المأمور، فلا يستطيعون مُباشرة غير تلك الأُمُور، فالمقام العالي ينبغي أن لا يحمل ذلك على التقصير والفُتُور، وغور ماء الحُب الموفور، وخُمُود جمر الود المبرور، إذ ليس بِغائبٍ عن عُلُومه الكريمة والأغارب أنَّ المرحوم المغفور حامد كما جاء العتبة العليَّة العُثمانيَّة في أيَّام دولة السُلطان الأعظم السعيد الماجد، أنار الله بُرهانه، راغبًا في بُغيته، وطالبًا نيل حاجته، عاد يُلجج طلبه، وبُلُوغ همَّته، ولقاء أُمنيته، وحُصُول مُنيته، بناءً على المحبَّة المُتشعبة من تعارف الأرواح والمودَّة المُنبعثة من الأُلفة الثابتة قبل تشاهد الأشباح، ونحنُ نُريد أن يزيد لِهذه المحبَّة الموروثة والمودَّة المبثوثة، انتشار جناح وامتداد غُرر وأوضاح، وليس في خواطرنا الشريفة إلَّا الاستمرار على جادتها، والاستكثار من مادتها، فلا يُهمل فيما تيسَّر، ولا يُمهل إلَّا فيما تعذَّر، والطلبات الباقيات اقترنت بِالنجاح، والإسعاف في كُلِّها ترتب على الاقتراح، وأحكامنا النافذة وردت على الحُكَّام ومُباشري الأعمال لِفرط الاهتمام بِحولها على أتمِّ وجه وأحسن حال، وأمَّا ما أشرتم إليه إنَّ صاحب البلاد الهنديَّة أرسل إلى جنابكم العالي على طريقة الهديَّة أربعة أفيالٍ ذوي جُثثٍ ضخم، فما وصل منها إلَّا الاثنان إلى أبوابكم العليَّة، فقسَّمتم كما يُقسِّم الإخوان المُتحابان وجهَّزتم واحدًا منهما نحو سُدَّتنا السُنيَّة، فصادف محل الارتضاء والقُبُول، تُرهب النواظر في خلفتها العجيبة عند الوُصُول، فكبَّرنا الخلَّاق ذا القُوَّة المتين كيف ذرأه وبرَّأه وفطره وقدَّره وخلقه وعدله وسوَّاه وأنشأه وصوَّره وأحياه، . والآن أعدنا القُبطان المومى إليه مصحوبًا بالسلامة، محفوفًا بِالكرامة، وآتينا هذا الكتاب بِيمينه مسرورًا، وأفضنا عليه خُلع الإحسان والإنعام، فكان سعيُه مشكورًا وحمَّلناه لِمكانكم العالي من السلامة ما هو أزكى من عُرف الورد ونشر الخُزام، والله تعالىٰ يخُصُّكم من نُعمائه الجليلة وآلائه الجزيلة بِالقسم الأجزل الأوفى، والسهم الأكمل الأكفى، بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلى، ويمُد ظلالكم ويُؤيِّد إقبالكم، ويُمهِّد جلالكم، ويُؤتي سُؤالكم، ويزيد فضلكم بِمنِّه وكرمه إن شاء الله تعالىٰ. تحريرًا في أوائل جُمادى الآخرة [921هـ] بِيورت قونية. هوامش وثائق عثمانية عائدة لعهد سليم الأول
209725
https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A
مفتاح الحساب/المقالة الرابعة/الباب الثاني
الفصل الأول في تعريفات الفصل الثاني في مساحة المربع والمستطيل واستخراج ابعادهما الفصل الثالث في مساحة المعين وذوات اليمنين الفصل الرابع في مساحة الشبيه بالمعين وذوات الزنقة الفصل الخامس في مساحة ذي الرجلين والمنحرف
209751
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D9%86%D8%B2%D9%88%D9%84%20%D8%B9%D9%8A%D8%B3%D9%89%20%D8%A7%D8%A8%D9%86%20%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%85%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D8%A7%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A2%D8%AE%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر نزول عيسى ابن مريم من السماء الدنيا إلى الأرض في آخر الزمان
قال تعالى: [النساء: 157 - 159]. قال ابن جرير في تفسيره: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته. قال: قبل موت عيسى ابن مريم. وهذا إسناد صحيح، وكذا روى العوفي، عن ابن عباس. وقال أبو مالك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته. ذلك عند نزول عيسى ابن مريم، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به. وقال الحسن البصري: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته. قال: قبل موت عيسى، والله إنه الآن حي عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون. رواه ابن جرير. [ص:218] وروى ابن أبي حاتم عنه: أن رجلا سأل الحسن عن قوله تعالى: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته. فقال: قبل موت عيسى، إن الله رفع عيسى إليه، وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاما يؤمن به البر والفاجر. وهكذا قال قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد، وهو ثابت في الصحيحين، عن أبي هريرة، كما سيأتي موقوفا، وفي رواية مرفوعا. والله أعلم. وهذا هو المقصود من السياق الإخبار بحياته الآن في السماء، وليس الأمر كما يزعمه أهل الكتاب الجهلة أنهم صلبوه بل رفعه الله إليه، ثم ينزل من السماء قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة كما سبق في أحاديث الدجال، وكما سيأتي أيضا، وبالله المستعان. وقد روي عن ابن عباس وغيره أن الضمير في قوله: قبل موته عائد على أهل الكتاب، أي يؤمن بعيسى قبل الموت، وذلك لو صح لما كان مخالفا للأول، ولكن الصحيح في المعنى والإسناد ما ذكرناه، وقد قررناه في كتابنا التفسير بما فيه كفاية، ولله الحمد والمنة. قد تقدم في حديث النواس بن سمعان عند مسلم أن عيسى ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق. وفي غير رواية مسلم: أنه ينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق. وهذا أشبه، فإن في سياق الحديث ففيه من الدلالة الظاهرة أنه ينزل على منارة المعبد الأعظم الذي يكون فيه إمام المسلمين إذ ذاك، وإمام المسلمين يومئذ هو المهدي فيما قيل، وهو جامع دمشق الأكبر. والله أعلم. وقد تقدم في حديث أبي أمامة أنه ينزل في غير دمشق، وليس ذلك بمحفوظ. وكذا الحديث الذي ساقه ابن عساكر في تاريخه من طريق محمد بن عائذ، ثنا الوليد، ثنا من سمع عبد الرحمن بن ربيعة، يحدث عن عبد الرحمن بن أيوب بن نافع بن كيسان، عن جده نافع بن كيسان صاحب رسول الله قال: قال رسول الله : . ففيه مبهم لم يسم، وهو منكر; إذ هو مخالف لما ثبت في الصحاح من أن نزوله وقت السحر عند إضاءة الفجر وقد [ص:220] أقيمت الصلاة، والله أعلم. قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن النعمان بن سالم، سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو وجاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا. فقال: سبحان الله - أو لا إله إلا الله، أو كلمة نحوهما - لقد هممت أن لا أحدث أحدا شيئا أبدا، إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما; يحرق البيت، ويكون ويكون. ثم قال: قال رسول الله : . قال: سمعتها من رسول الله . قال: . قال: . قال: . قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا سريج، حدثنا فليج، عن الحارث بن فضيل، عن زياد بن سعد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : . تفرد به أحمد، وإسناده جيد قوي صالح. وقال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، [ص:222] حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : . ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: [النساء: 159]. وكذا رواه مسلم، عن حسن الحلواني، وعبد بن حميد، كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم به، وأخرجاه أيضا من حديث سفيان بن عيينة، والليث بن سعد، عن الزهري به. وروى أبو بكر بن مردويه، من طريق محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : . قال أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته. موت عيسى ابن مريم، ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا سفيان، وهو ابن حسين، عن [ص:223] الزهري، عن حنظلة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : . قال: وتلا أبو هريرة: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا. فزعم حنظلة أن أبا هريرة قال: يؤمن به قبل موت عيسى. فلا أدري، هذا كله حديث النبي ، أو شيء قاله أبو هريرة؟. وروى الإمام أحمد ومسلم، من حديث الزهري، عن حنظلة، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: . وقال البخاري: حدثنا ابن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري، أن أبا هريرة قال: قال رسول الله : ثم قال البخاري: تابعه عقيل والأوزاعي. وقد رواه الإمام أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، وعن عثمان بن عمر، [ص:224] عن ابن أبي ذئب، كلاهما عن الزهري به. وأخرجه مسلم من حديث يونس والأوزاعي وابن أبي ذئب، عن الزهري، به. وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، أخبرنا قتادة، عن عبد الرحمن، وهو ابن آدم مولى أم برثن صاحب السقاية، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . وهكذا رواه أبو داود، عن هدبة بن خالد، عن هشام بن يحيى، عن قتادة به. ورواه ابن جرير، ولم يورد عند تفسيرها غيره، عن بشر بن معاذ، عن يزيد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة بنحوه، وهذا إسناد جيد قوي. [ص:225] وروى البخاري، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: . ثم روى عن محمد بن سنان، عن فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : . ثم قال: وقال إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله . فهذه طرق متعددة كالمتواترة عن أبي هريرة، رضي الله عنه. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209752
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B5%D9%81%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%AC%D8%A7%D9%84
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/صفة الدجال
[ص:208] قد تقدم في الأحاديث أنه أعور، وأنه أزهر هجان فيلماني، وهو كثير الشعر، وفي بعض الأحاديث أنه قصير أفحج. وفي حديث أنه طويل، وجاء أن ما بين أذني حماره أربعون ذراعا، كما تقدم في حديث جابر، ويروى في حديث آخر: سبعون باعا. ولا يصح، وفي الأول نظر. وقال عبدان في كتاب : روى سفيان الثوري، عن عبد الملك بن ميسرة، عن حوط العبدي، عن ابن مسعود، قال: أذن حمار الدجال تظل سبعين ألفا. قال شيخنا الحافظ الذهبي: حوط مجهول، والخبر منكر. وإن بين عينيه مكتوب كافر، يقرؤه كل مؤمن، وإن رأسه من ورائه كأنه أصلة - أي حية - لعله طويل الرأس. وقال حنبل بن إسحاق: حدثنا حجاج، حدثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: دخلت المسجد، فإذا الناس قد تكابوا على رجل، فسمعته يقول: سمعت رسول الله يقول: . وقد تقدم له شاهد من وجه آخر، ومعنى حبك أي: جعد خشن، كقوله: [الذاريات: 7]. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا المسعودي وأبو النضر، حدثنا المسعودي، المعنى، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : . قال: يا رسول الله، هل يضرني شبهه؟ قال: . تفرد به أحمد; وإسناده حسن. وقال الطبراني: حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا إسحاق بن موسى (ح)، وحدثنا محمد بن شعيب الأصبهاني، حدثنا سعيد بن عنبسة قالا: حدثنا [ص:210] سعيد بن محمد الثقفي، حدثنا حلام بن صالح، أخبرني سليمان بن شهاب العبسي قال: نزل علي عبد الله بن مغنم، وكان من أصحاب النبي فحدثني عن النبي أنه قال: . قال شيخنا الذهبي: ورواه يحيى بن موسى خت، عن سعيد بن محمد الثقفي، وهو واه، وعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال في الدجال: هو صافي بن صائد، يخرج من يهودية أصبهان على حمار أبتر، ما بين [ص:211] أذنيه أربعون ذراعا، وما بين حافره إلى الحافر الآخر أربع ليال، يتناول السماء بيده، أمامه جبل من دخان، وخلفه جبل آخر، مكتوب بين عينيه كافر، يقول: أنا ربكم الأعلى، أتباعه أصحاب الربا وأولاد الزنا. رواه أبو عمرو الداني في كتاب ، ولا يصح إسناده. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209791
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A5%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%87%20%D8%B5%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%20%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%8A%D9%88%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84%D8%A9%20%D8%A8%D8%B9%D8%AF%20%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%86%D8%A7%20%D9%87%D8%B0%D8%A7
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب المستقبلة بعد زماننا هذا
ذكر إخباره بالغيوب المستقبلة بعد زماننا هذا قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عزرة بن ثابت، حدثنا علباء بن أحمر اليشكري، حدثنا أبو زيد الأنصاري، قال: صلى بنا رسول الله صلاة الصبح، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل [ص:29] فصلى الظهر، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى العصر، ثم صعد المنبر فخطبنا، حتى غابت الشمس، فحدثنا بما كان، وما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا. وقد رواه مسلم منفردا به في كتاب الفتن من " صحيحه "، عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وحجاج بن الشاعر، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، عن عزرة، عن علباء، عن أبي زيد - وهو عمرو بن أخطب. بن رفاعة - الأنصاري به. وقال البخاري في كتاب بدء الخلق من " صحيحه ": روي عن عيسى بن موسى غنجار، عن رقبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قام فينا رسول الله مقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه. هكذا ذكره البخاري معلقا بصيغة التمريض عن عيسى غنجار، عن رقبة وهو ابن مصقلة، قال أبو مسعود الدمشقي في " الأطراف ": وإنما رواه عيسى غنجار عن أبي حمزة عن رقبة. فالله أعلم. [ص:30] وقال أبو داود في أول كتاب الفتن من " سننه ": حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله قائما، فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه. وهكذا رواه البخاري من حديث سفيان الثوري، ومسلم من حديث جرير، كلاهما عن الأعمش به. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: صلى بنا رسول الله صلاة العصر ذات يوم بنهار، ثم قام فخطبنا إلى أن غابت الشمس، فلم يدع شيئا مما يكون إلى يوم القيامة إلا حدثناه، حفظ ذلك من حفظ، ونسي ذلك من نسي، فكان مما قال: . وذكر تمامها إلى أن قال: . علي بن زيد بن جدعان التيمي له غرائب ومنكرات، ولكن لهذا الحديث [ص:31] شواهد من وجوه آخر. وفي صحيح مسلم، من طريق أبي نضرة، عن أبي سعيد بعضه، وفيه الدلالة على ما هو المقطوع به; أن ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى منها شيء يسير جدا، ومع هذا لا يعلم مقدار ما بقي على التعيين والتحديد إلا الله تعالى، كما لا يعلم مقدار ما مضى منها إلا الله عز وجل. والذي في كتب الإسرائيليين وأهل الكتاب من تحديد ما سلف بألوف ومئين من السنين قد نص غير واحد من العلماء على تخطئتهم فيه، وتغليطهم، وهم جديرون بذلك حقيقون به. وقد ورد في حديث: . ولا يصح إسناده. وكذا كل حديث ورد فيه تحديد بوقت يوم القيامة على التعيين، لا يثبت إسناده، وقد قال الله تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إلى قوله: أو ضحاها [النازعات: 42 - 44] وقال تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو إلى قوله: ولكن أكثر الناس لا يعلمون [الأعراف: 187]، والآيات في هذا والأحاديث كثيرة، وقال الله تعالى: اقتربت الساعة وانشق القمر [القمر: 1]. وثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره عن سهل بن سعد، [ص:32] قال: سمعت النبي يقول: . وفي رواية: . وهذا يدل على اقترابها بالنسبة إلى ما مضى من الدنيا، وقال تعالى: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون [الأنبياء: 1]، وقال تعالى: أتى أمر الله فلا تستعجلوه [النحل: 1] وقال تعالى: يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق [الشورى: 18]. وفي " الصحيح " أن رجلا من الأعراب سأل رسول الله عن الساعة، فقال: ؟ فقال الرجل: والله يا رسول الله، لم أعد لها كثير صلاة ولا عمل، ولكني أحب الله ورسوله. فقال: . فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث. وفي بعض الأحاديث، أنه سئل عن الساعة، فنظر إلى غلام فقال: . والمراد: انخرام قرنهم، ودخولهم في عالم الآخرة، فإن كل من مات فقد دخل في حكم الآخرة، وبعض الناس يقول: من مات فقد قامت قيامته. وهذا الكلام بهذا المعنى صحيح، وقد يقول هذا بعض الملاحدة، ويشيرون به إلى شيء من الزندقة والباطل. فأما الساعة العظمى وهو اجتماع الأولين والآخرين في صعيد واحد، فهذا مما استأثر الله تعالى بعلم وقته، كما ثبت في الصحيح: . ثم قرأ: إن الله عنده علم الساعة [لقمان: 34]. وقد سأل جبريل النبي عن الإسلام فأخبره به، ثم سأله عن الإيمان فأخبره به، ثم سأله عن الإحسان فأخبره به، فلما سأله عن الساعة، قال له: . قال: فأخبرني عن أشراطها. فأخبره عن ذلك. كما سيأتي إيراده بسنده ومتنه، مع أمثاله وأشكاله من الأحاديث. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209792
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D9%82%D8%A7%D9%86%D8%B5%D9%88%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%88%D8%B1%D9%8A%20%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D8%AA%D8%A8%D9%87%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D9%85%D9%86%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%83%20%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B1%20%D9%88%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D9%8A%D9%84%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%B1%20%D9%88%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%B1%20%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%AA%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D9%88%D9%8A%D9%8A%D9%86
رسالة سليم الأول إلى قانصوه الغوري يعاتبه على منع المماليك للتجار وأبناء السبيل من المرور ويبرر حملته الأخرى على الصفويين
الأصل العُثماني وبه ثقتي الحمدُ لله أورثنا الأرض وجعلنا من الأخيار وعُدَّاده، وبشَّرنا بأن نكون من الأبرار وصالحي عباده، فيما قال: ، والصلوٰة والسَّلام على من اقتدينا بآثاره، واهتدينا بأنواره، مُحمَّد الذي منَّ من الله على المُؤمنين به وعلى آله وأصحابه العظام، وبعد؛ مكتوب شريف عاليمقام وارد اولوب، مضمون شريفى مُتضمَّن اولديغى احوال مُطالعه قلنوب معلوم اولديكه، بعض زماندنبرو، آينده ورونده وتُجَّار منع اولنمقدن خاطر شريفه جناب عاليمزده ملحوظ اولمدق بعض قضايا خُطُور ايدوب مقام شريفمزده سوء ظن اولنمش، ايمدى رأى عالم آرايه مخفى دكلدر كه، سابقًا قزلباش لعينك اوستنه وارمقدن غرض مُجرَّد انوار نواميس الهيَّه وشرايع نبويَّه يى حجاب ظلام ظلم مُخالفان دين ودولتدن اظهار ايدوب، عالمى شرايع نبويَّه ايله پرنور ايلمك ايدى. قطعًا طمع مملكت وضبط ديار خاطر شريفمزه خُطُور ايتممشدى. مُجرَّد جمعيتلرى تفريق وبورنلرى كسر اولنمغليه اكتفا اولنوب، شايد مُنتصح اولەلر ديو باقى احواله تعرض اولنمامشيدى. بعده اصلًا مُنتصح اولميوب. حالت اصليَّەسى اوزره استقرارى استماع اولنيجق ينه غيرت پادشاهى ظهوره كلوب، روى عالمدن اوساخ وجودلرينى بالكُليَّه تيغ آبدارله محو ايتمكه تصميم ايديجك برى طرفدن علاقەسى واستمدادى بالكُليَّه مُنقطع اولمغيچون طريق شرق سد اولنوب، آينده ورونده وتُجَّار منع اولندقدنصكره هر باركه اولطرفدن بر كمسنه كلمش بولنسه تفتيش وتفحُّص ايديجك. يا حلب يولندن يا دريادن اسكندريَّه يولندن كلمش بولنديغى جهتدن جانب شرقه واصل اوله جق، طرقك جمعيسى سد اولنمق قصد اولنوب، اوَّل طرفك دخى آينده وروندەسى منع اولنوب، شونلركه، اللرنده متاع شرقى بولندى اكر عرب اكر عجم اكر روميدر حاللرنده شبهه اولنديغيچون مُعتمد ويرار كفيللره ويريلوب، اثوابلرى ضبط اولندى. امَّا شونلركه اللرنده متاع شرقى بولنمامشدر هيج دخل وتعرُّض اولنميوب حاللرى اوزره تجارتلرنده ابقا اولنمشدر. يعلم الله وكفى به شهيدًا كه، سلاطين اسلاميَّة دن هيج برينك كندويه ويا مملكتنه طمع ويا كزند ايرشدرمك قطعًا خاطره خُطُور ايتمامشدر. دخى ايتمز، مادامكه امر شرع شريف ايجاب ايتميه، خصوصًا، سزلركله مودَّت سابقۀ موروثى كه، درجۀ اُبُوَّت وبُنُوَّته يتشوب، حرمين مُكرَّمين حُرمتى دخى مرعى ايكن، مقام عاليمزدن شمديه دكين بين الجانبين تكدره باعث بر قضيَّه وعداوت وطمع مملكتدن مبنى بر وضع صادر اولممشدر. وبو معنى يه شاهد عدلدركه، هنوز مكتوب شريفكز واصل اولمدين حاليًّا اوَّل مُفسد بيدينك آثار كُفر وضلالتى بِالكُليَّه عالمدن محو ايلمك نيتنه ديار شرقه مُتوجِّه اوليجق، عادت سالفه مُقتضاسنجه بابام سُلطان حضرتلرى خُلِّدت سلطنتەنك وحرمين كريمينده مقبول الدعوه ظن اولنان كمسنەلرك ادعيۀ صالحه لرين رجا ايدوب، اعلم العُلماء المُتبحرين افضل الفُضلاء المُتورِّعين، يُنبُوع الفضل واليقين مولانا رُكن الدين زادت فضائله، وفخر الأُمراء الكرام وذخر الكُبراء الفخام ذو القدر والاحترام المُختص بِمزيد عواطف الملك الصَّمد احمد دام مجده يى ايلچى تعيين ايليوب كوندرمشوزدر. مُجرَّد تحريك سلسلۀ وداد وتشييد مبانئ اتحاد ايچون، حقٌ عليم وعلامدركه، بو جانبدن محبتدن غيرى هيج نسنه يوقدر، ومن بعد اولمق احتمالى دخى يوقدر. مكر بُزم اعدادى دينى قلع وقمع اتممزه كه بحسب الشرع واجب اولمشدر رضا كوسترميوب، مُخالفته اقدام ايده سز اولوقت هرنه كه وراى تقدير ربانيده در، ظُهُوره كُلُّه وكميلر احوالى ذكر اولنمش معلومكزدر، كه جانب بحرده جناب عاليمزك كُفَّار خاكساره دائمًا غزا وجهادى اكسك اولميوب، حفظ دريا ايچون مراكبمز جميع زمانده مهيادركه، بو حالتده محبته مُنافى بر وضع اولممشدر، اميددركه من بعد دخى جانبيندن برودته باعث اولور بر وضع صادر اولميوب، توارد رسايل مودَّت پيام وتردُّد رُسل ذوى الاحترامدن خالى اولنيمه، تاكه، ساعة فساعة قواعد وفاق ومُصادقت مُستحكم اولوب، يومًا فيومًا بنياد وداد مرصوص اوله، تحريرًا في اوائل مُحرَّم الحرام سنة 922هـ بِمقام ادرنه. التعريب وبه ثقتي الحمدُ لله أورثنا الأرض وجعلنا من الأخيار وعُدَّاده، وبشَّرنا بأن نكون من الأبرار وصالحي عباده، فيما قال: ، والصلوٰة والسَّلام على من اقتدينا بآثاره، واهتدينا بأنواره، مُحمَّد الذي منَّ من الله على المُؤمنين به وعلى آله وأصحابه العظام، وبعد؛ فقد ورد كتابكم الشريف وخطابكم المُنيف وتمَّ الاطلاع على الأحوال التي يتضمَّن مضمونه الشريف، وقد حدثت بعض الأُمُور التي لم تُشاهد من قِبَل جنابنا العالي: إذ يتم ومُنذُ مُدَّة منع أبناء السبيل والتُجَّار في الطُرُقات، وقد ولَّد هذا سوء الظن في مقامنا الشريف، ولا يُخفى لِلرأي العام أنَّ الغاية من شن الحملة على القزلباش في السابق كانت لِتخليص الأحكام الإلٰهيَّة والشرائع النبويَّة من حجاب ظلام المُخالفين لِلدين والدولة، وتنوير العالم بِالشرائع النبويَّة. ولم يخطر ببالنا الشريف بأيٍّ شكلٍ من الأشكال أن نطمع في بلادهم والاستيلاء على ديارهم، بل الاكتفاء بِتشتيت شملهم وإذلالهم. ولو كانوا قد انتصحوا فلم يتم التعرُّض لِلأُمُور الأُخرى. ولكنَّهم لم ينتصحوا أبدًا. وتناهى إلى الأسماع عن مُواصلتهم موقفهم ذاته، فتغلَّبت روح الحماسة والاندفاع على السُلطان، فقرَّر إزالة وُجُودهم النجس بِالكامل من على سطح الأرض بِالسيف اللَّامع، وذلك لِكي تنقطع علاقته بِهذه الجهة، فتمَّ غلق طريق الشرق، ومنع أبناء السبيل والتُجَّار من المُرُور عليه ثُمَّ تمَّ تفتيش كُلُّ من يأتي من تلك الجهة والتقصِّي عن أحواله. كما تمَّ غلق جميع الطُرُق القادمة من حلب أو من الإسكندريَّة عبر البحر نحو جهة الشرق ومنع أبناء السبيل من تلك الجهة أيضًا ممن يحملون بضائع من الشرق [ويتم اعتقال] من تحوم حولهم الشُّبُهات عربًا كانوا أو عجمًا أو رومًا، وتسليمهم إلى كُفلاء أكفَّاء ومُصادرة بضائعهم. أمَّا الذين لم يحملوا معهم بضائع شرقيَّة فلم يتم التعرُّض لهم، بل تُركوا على حال سبيلهم لِيُمارسوا تجارتهم. ويعلم الله، وكفى به شهيدًا، أنَّهُ لم يخطر ببالنا بِأيٍّ شكلٍ من الأشكال أن نطمع [بِبلاد] أيٍّ من السلاطين المُسلمين أو إلحاق الأذى بها، ولن يخطر ببالنا ذلك طالما أنَّ الشرع الشريف لا يُجيزُ ذلك، ولا سيَّما أنَّ المودَّة المُتوارثة بيننا بلغت حدَّ الأُبُوَّة والبُنُوَّة. وفي الوقت الذي تتم رعاية حُرمة الحرمين المُكرَّمين فلم يصدر ولِحدّ الآن من مقامنا العالي مسألة تُفضي إلى التأزُّم بين طرفينا أو وضعٌ يُؤدي إلى العداوة والطَّمع في البلاد. ويُؤكِّد ذلك أنَّهُ في الوقت الذي لم يصل خطابكم الشريف بعدُ فقط تمَّ التوجُّه نحو ديار الشرق بِهدف إزالة آثار الكُفر والضلالة لِذلك المُفسد والمُلحد بِالكامل من العالم، وبِمُقتضى العادات السابقة أرجو الابتهال إلى الله بِالدعوات الصالحات من جانب أبي السُلطان خُلِّدت سلطنته وممن يُعتقد أنَّ دعواتهم مُستجابة في الحرمين الكريمين، ولِهذا فقد عيَّنا أعلم العُلماء المُتبحرين أفضل الفُضلاء المُتورِّعين، يُنبُوع الفضل واليقين مولانا رُكن الدين زادت فضائله، وفخر الأُمراء الكرام وذخر الكُبراء الفخام ذو القدر والاحترام المُختص بِمزيد عواطف الملك الصَّمد أحمد دام مجده رسولًا، وأوفدناه إليكم بُغية تعزيز أواصر المحبَّة وبناء أُسس الاتحاد بيننا، والله الحق عليمٌ بِأنَّهُ لن يبدر من هذا الجانب تجاهكم غير المحبَّة، ولن يكون هُناك احتمالٌ لِغير ذلك بعد اليوم أيضًا. اللهُمَّ إلَّا إذا أقدمتم على إبداء عدم الرضا من قيامنا بِقطع دابر أعداء الدين وقمعهم، وهو ما غدا واجبًا بحسب الشرع. وحينها سيُترك الأمر لِلتقدير الربَّاني . وقد [ورد في كتابكم] ما يتعلَّق بِمسألة السُفُن، وكما تعرفون أنَّ الغزو والجهاد من قبل جنابنا العالي في جانب البحر ضدَّ الكُفَّار المهزومين لم ينقطعا، فمراكبنا جاهزة دائمًا لِحماية البحار. وفي هذا الوضع لم يحدث ما يتنافى مع المحبَّة، ونطمح ألَّا يحدث وضع يُؤدِّي إلى التخاصم، ولا تنقطع بيننا رسائل المودَّة والرُسُل ذوي الاحترام، وتُعزَّز أُسس الوفاق والصداقة بيننا ساعة بعد ساعة، وتُرصُّ قواعد المحبَّة يومًا بعد يوم. تحريرًا في أوائل مُحرَّم الحرام سنة 922هـ بِمقر أدرنة. هوامش وثائق عثمانية عائدة لعهد سليم الأول
209793
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D8%AC%D9%85%D9%84%D8%A9%20%D8%AB%D9%85%20%D9%86%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%87%D8%A7%20%D8%A8%D8%B9%D8%AF%20%D8%B0%D9%84%D9%83%20%D8%A5%D9%86%20%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%89
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/باب ذكر الفتن جملة ثم نفصل ذكرها بعد ذلك إن شاء الله تعالى
قال البخاري: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا الوليد، حدثني ابن جابر، حدثني بشر بن عبيد الله الحضرمي، حدثني أبو إدريس الخولاني، أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر; مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: . قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: . قلت: وما دخنه؟ قال: . قلت: فهل [ص:34] بعد ذلك الخير من شر؟ قال: . قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: . قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: . قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: . ثم رواه البخاري أيضا ومسلم، عن محمد بن المثنى، عن الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، به نحوه. وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة، عن حذيفة; فرواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، من طريق نصر بن عاصم، عن خالد بن خالد اليشكري الكوفي، عنه مبسوطا، وفيه تفسير لما فيه من مشكل، وقد رواهالنسائي وابن ماجه من رواية عبد الرحمن بن قرط، عنه. وفي [[صحيح البخاري]]، من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن حذيفة، قال: تعلم أصحابي الخير، وتعلمت الشر. وثبت في الصحيح من حديث الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله : . قيل: ومن الغرباء؟ قال . ورواه ابن ماجه عن أنس، وأبي هريرة. وقال أحمد: ثنا هارون بن معروف، أنبأنا عبد الله بن وهب، أخبرني أبو صخر، أن أبا حازم حدثه عن ابن لسعد بن أبي وقاص، قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله يقول: . وقال أحمد، ثنا حسن بن محمد بن موسى، ثنا ابن لهيعة، ثنا جميل الأسلمي، عن سهل بن سعد الساعدي، عن رسول الله قال: . تفرد به أحمد. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209794
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%82%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/باب افتراق الأمم
[ص:36] وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . ورواه أبو داود عن وهب بن بقية، عن خالد، عن محمد بن عمرو، به. وقال ابن ماجه: حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، حدثنا عباد بن يوسف، حدثنا صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عوف بن مالك، قال: قال رسول الله: . قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: . تفرد به، وإسناده لا بأس به. [ص:37] وقال ابن ماجه أيضا: حدثنا هشام، هو ابن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا أبو عمرو، حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : . وهذا إسناد قوي على شرط الصحيح، تفرد به ابن ماجه أيضا. وقد روى أبو داود، من حديث الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس. وأبي سعيد، قالا: قال رسول الله : . الحديث. وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، ومحمد بن يحيى بن فارس، قالا: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، هو ابن عمرو، حدثنا أزهر، هو ابن عبد الله الحرازي - قال أحمد - عن أبي عامر الهوزني، عن معاوية بن أبي سفيان، أنه قام فقال: ألا إن رسول الله قام فينا، فقال: . تفرد به أبو داود، وإسناده حسن. وفي مستدرك الحاكم أن الصحابة لما سألوه عن الفرقة الناجية: من هم؟ قال: " ما أنا عليه اليوم وأصحابي. وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن إسحاق، ثنا ابن لهيعة، عن بكر بن سوداة، عن سهل بن سعد الأنصاري، عن رسول الله ، قال: . تفرد به أحمد من هذا الوجه". وقد تقدم في حديث حذيفة أن المخلص من الفتن عند وقوعها اتباع الجماعة ولزوم الإمام بالطاعة إذا كانوا على حق واتباع الشرع، وإذا فسدوا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإنما الطاعة في المعروف. قال أبو بكر الصديق: أطيعوني ما أطعت الله عز وجل، فإذا خالفت فلا طاعة لي عليكم. وقد قال ابن ماجه: حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا معان بن رفاعة السلامي، حدثنا أبو خلف الأعمى، أنه سمع أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله يقول: . ولكن هذا حديث ضعيف; لأن معان بن رفاعة السلامي قد ضعفه غير واحد من الأئمة. وفي بعض الروايات: . وقد كان الإمام أحمد يقول: السواد الأعظم محمد بن أسلم الطوسي. وقد كان أهل الحق في الصدر الأول هم أكثر الأمة; فكان لا يوجد فيهم مبتدع لا في الأقوال ولا الأفعال، وفي الأعصار المتأخرة فقد يجتمع الجم الغفير على بدعة، وقد يخلو الحق في بعض الأزمان المتأخرة عن عصابة يقومون به، كما قال في حديث حذيفة: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة؟ قال له: . وتقدم الحديث الصحيح:. وسيأتي في الحديث: . والمقصود أنه إذا ظهرت الفتن، فإنه يسوغ اعتزال الناس حينئذ، كما ثبت عن النبي :}} إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك، ودع أمر العوام". وفي رواية: ، وقد اعتزل جماعة من السلف الناس والجمعة والجماعة وهم أئمة كبار; كأبي ذر وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وسلمة بن الأكوع في جماعة من الصحابة، حتى اعتزلوا مسجد النبي الذي الصلاة فيه بألف صلاة. واعتزل مالك الجمعة والجماعة في مسجد النبي مع معرفته الحديث في فضل الصلاة فيه، فكان لا يشهد جمعة ولا جماعة، وكان إذا ليم في ذلك يقول: ما كل ما يعلم يقال. وقصته معروفة، وكذلك اعتزل سفيان الثوري وخلق من التابعين وتابعيهم; لما شاهدوه من الظلم والشرور والفتن خوفا على إيمانهم أن يسلب منهم، وقد ذكر الخطابي في كتاب وكذلك ابن أبي الدنيا قبله من هذا جانبا كبيرا. وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : . لم يخرجه مسلم، وقد رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من طريق ابن أبي صعصعة به، ويجوز حينئذ سؤال الموت وطلبه من الله عند ظهور الفتن والظلم وإن كان قد نهي عنه لغير ذلك، كما صح به الحديث". [ص:41] وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو يونس، عن أبي هريرة، عن رسول الله ، أنه قال: . والدليل على جواز سؤال الموت عند الفتن، الحديث الذي رواه أحمد في عن معاذ بن جبل، وهو حديث المنام الطويل. وفيه: . وهذه الأحاديث المتقدمة دالة على أنه يأتي على الناس زمان شديد لا يكون فيه للمسلمين جماعة قائمة بالحق، إما في جميع الأرضية أو في بعضها. وقد ثبت في عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله قال: . وفي الحديث الآخر: . وفي صحيح البخاري: . قال عبد الله بن المبارك وغير واحد من الأئمة: وهم أهل الحديث. وقال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري، حدثنا ابن وهب، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: . تفرد به أبو داود. ثم قال ": عبد الرحمن بن شريح لم يجز به شراحيل. يعني أنه موقوف عليه، وقد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر، والله أعلم، أنه يعم حملة العلم العاملين به من كل طائفة، ممن عمله مأخوذ عن الشارع، أو ممن هو موافق من كل طائفة وكل صنف من أصناف العلماء، من مفسرين، ومحدثين، وقراء، وفقهاء، ونحاة، ولغويين، إلى غير ذلك من أصناف العلوم النافعة، والله أعلم. قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى. [ص: 43] وقوله في حديث عبد الله بن عمرو: . ظاهر في أن العلم لا ينتزع من صدور العلماء بعد أن وهبهم الله إياه. وقد ورد في الحديث الآخر الذي رواه ابن ماجه عن بندار، ومحمد بن المثنى، عن غندر، عن شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله لا يحدثكم به أحد بعدي، سمعته منه: . وأخرجاه في ، من حديث غندر، به. وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي ووكيع، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، قال: قال رسول الله : . وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش، به". وقال ابن ماجه: حدثني علي بن محمد، حدثنا أبو معاوية، عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله . فقال له صلة: ما تغني عنهم: وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام، ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلة، تنجيهم من النار. ثلاثا. وهذا دال على أن العلم قد يرفع من صدور الرجال في آخر الزمان، حتى إن القرآن يسرى عليه فيرفع من المصاحف والصدور، ويبقى الناس بلا علم ولا قرآن، وإنما الشيخ الكبير والعجوز المسنة يخبران أنهم أدركوا الناس وهم يقولون: لا إله إلا الله فهم يقولونها أيضا على وجه التقرب بها إلى الله عز وجل، فهي نافعة لهم، وإن لم يكن عندهم من العمل الصالح والعلم النافع غيرها، وقوله: تنجيهم من النار. يحتمل أن يكون المراد أنها تدفع عنهم دخول النار بالكلية، ويكون فرضهم في ذلك الزمان القول المجرد عن العمل، لعدم تكليفهم بالأعمال، التي لم يخاطبوا بها، والله أعلم. ويحتمل أن يكون أراد نجاتهم من النار بعد دخولهم إليها، وأن لا إله إلا الله تكون سبب نجاتهم من العذاب الدائم المستمر. وعلى هذا يحتمل أن يكونوا من المرادين بقوله تعالى في الحديث: . كما سيأتي بيانه في أحاديث الشفاعة، ويحتمل أن يكون أولئك قوما آخرين. والله أعلم. [ص:45] والمقصود: أن العلم يرفع في آخر الزمان، ويكثر الجهل، في رواية، وفي رواية: وينزل الجهل. أي يلهم أهل ذلك الزمان الجهل، وذلك من قهر الله عليهم، وخذلانه إياهم، نعوذ بالله من ذلك، ثم لا يزالون كذلك في تزايد من الجهالة والضلالة، إلى منتهى الآجال، كما في الحديث الأخير: ، و. وفي الطبراني من حديث مطرح بن يزيد، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : . كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209795
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B1%20%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB%20%D9%81%D9%8A%20%D9%87%D8%B0%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A9%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A2%D8%AE%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر شرور تحدث في هذه الأمة في آخر الزمان
[ص:46] قال ابن ماجه في كتاب الفتن من : حدثنا محمود بن خالد الدمشقي، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب، عن ابن أبي مالك، عن أبيه، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عمر، قال: أقبل علينا رسول الله فقال: . تفرد به ابن ماجه، وفيه غرابة. وقال الترمذي: حدثنا صالح بن عبد الله، حدثنا الفرج بن فضالة أبو فضالة الشامي، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن [ص:47] علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله : . قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: . ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة،، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وقد روى عنه وكيع وغير واحد من الأئمة. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن الحسين القيسي، حدثنا يونس بن أرقم، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن، عن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلاة الصبح، فلما صلى صلاته ناداه رجل: متى الساعة؟ فزبره رسول الله وانتهره، وقال: . حتى إذا أسفر [ص:48] رفع طرفه إلى السماء، فقال: . ثم رمى ببصره إلى الأرض، فقال: . ثم قال: فجثا الرجل على ركبتيه، فقال: أنا بأبي وأمي سألتك. فقال: . ثم قال البزار: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ويونس بن أرقم كان صادقا، روى عنه الناس، وفيه شيعية شديدة. ثم قال الترمذي: حدثنا علي بن حجر، حدثنا محمد بن يزيد، عن المستلم بن سعيد، عن رميح الجذامي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : . وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. [ص:49] حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين، أن رسول الله قال: . فقال رجل من المسلمين: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: . ثم قال: هذا حديث غريب، وروي هذا الحديث عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن سابط، عن النبي مرسلا. وقال الترمذي: حدثنا موسى بن عبد الرحمن الكندي، حدثنا زيد بن حباب، أخبرني موسى بن عبيدة، أخبرني عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله . وهذا حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، فذكره، ولا نعرف له أصلا، وقد رواه مالك، عن يحيى بن سعيد، مرسلا. ثم روى من حديث صالح المري، عن سعيد الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . ثم قال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث صالح المري، وله غرائب لا يتابع عليها، وهو رجل صالح. وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من طريق مبارك بن حسان، عن عمر بن عاصم بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله : قالوا: يا رسول الله، وإن ذلك لكائن؟! قال: . قالوا: وإن ذلك لكائن؟! قال: . قالوا: وإن ذلك لكائن؟! قال: . قالوا: وإن ذلك لكائن؟ قال: . ثم قال رسول الله : . وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا عباد بن عباد، عن مجالد بن سعيد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : . تفرد به أحمد من هذا الوجه. [ص:51] وقال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، يعني ابن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي قال: . ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، زاد أبو داود: وعن قتادة، كلاهما عن أنس، عن النبي ، به، وسيأتي في ذكر أشراط الساعة حديث ابن مسعود، وفيه: . وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا شريك بن عبد الله، عن عثمان بن عمير، عن زاذان أبي عمر، عن عليم، قال: كنا جلوسا على سطح، معنا رجل من أصحاب رسول الله - قال يزيد: لا أعلمه إلا عبسا الغفاري - والناس يخرجون في الطاعون، فقال عبس: يا طاعون، خذني. ثلاثا يقولها، فقال له عليم: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله : . فقال: إني سمعت رسول الله يقول: . تفرد به أحمد. وفي رواية أبي معلى عن الحكم بن عمرو مثله أو نحوه، كما ذكرنا في الزيادات على ، والله سبحانه أحمد، وقد قال الطبراني: حدثنا ابن إسحاق التستري، حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، حدثنا جميل بن عبيد الطائع، حدثنا أبو معلى، قال: قال الحكم الغفاري: يا طاعون، خذني إليك. فقال له رجل من القوم: لم تقول هذا، وقد سمعت رسول الله يقول: ؟ فقال: قد سمعت ما سمعتم، ولكني أبادر ستا: بيع الحكم، وكثرة الشرط، وإمارة الصبيان، وسفك الدماء، وقطيعة الرحم، ونشوا يكونون في آخر الزمان يتخذون القرآن مزامير. وروى الطبراني من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول الله قال: . قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: . له شاهد في من حديث أبي مالك أو أبي عامر، كما جزم به البخاري. وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط، [ص:53] سمعت أبي يذكر عن حذيفة، قال سئل رسول الله عن الساعة، فقال: . قالوا: يا رسول الله، الفتنة عرفناها، فالهرج ما هو؟ قال: . قال: . تفرد به أحمد. وقال أحمد أيضا: ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، حدثني السفر بن نسير الأزدي وغيره، عن حذيفة بن اليمان، أنه قال: يا رسول الله، إنا كنا في شر، فذهب الله بذلك الشر، وجاء بخير على يديك، فهل بعد الخير من شر؟ قال: . قلت: ما هو؟ قال: . وقال أحمد: ثنا سليمان، ثنا إسماعيل، حدثني عمرو، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي، عن حذيفة، أن النبي قال: . وبه: . وقال الطبراني: ثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا عمرو بن هشام [ص:54] أبو أمية الحراني، ثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن صدقة، عن زيد بن واقد، عن العلاء بن الحارث، عن حزام بن حكيم بن حزام، عن أبيه، عن النبي قال: . وقال أحمد: ثنا حماد بن أسامة، أخبرني مسعر، عن عبد الملك، عن هلال بن يساف، عن عبد الله بن ظالم، عن سعيد بن زيد قال: ذكر رسول الله فتنا كقطع الليل المظلم، أراه قال: . قال: فقيل: يا رسول الله، كلهم هالك أو بعضهم؟ قال: . تفرد به. وقال أحمد أيضا: ثنا عبد الرحمن، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان، عن خالد بن عرفطة قال: قال رسول الله : . وروى الطبراني من حديث ثابت بن عجلان، حدثني أبو كثير المحاربي، [ص:55] سمعت خرشة المحاربي، قال: قال رسول الله : . وذكر الحديث. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209798
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D9%81%D9%8A%20%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%AF%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A2%D8%AE%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان
وهو أحد الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وليس هو بالمنتظر الذي تزعم الرافضة، وترتجي ظهوره من سرداب سامرا، فإن ذلك ما لا حقيقة له، ولا عين، ولا أثر، ويزعمون أنه محمد بن الحسن العسكري، وأنه دخل السرداب وعمره خمس سنين، وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله ، وأنه يكون في آخر الزمان، وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم؟ فإن هذا يملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا وظلما، وهكذا عيسى ابن مريم، كما دلت على ذلك الأحاديث. قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج وأبو نعيم، قالا: حدثنا فطر، عن [ص:56] القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل، قال حجاج: سمعت عليا يقول: قال رسول الله : . قال أبو نعيم: . وقال: سمعته مرة يذكره عن حبيب، عن أبي الطفيل، عن علي، عن النبي . ورواه أبو داود، عن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي نعيم الفضل بن دكين. وقال الإمام أحمد: حدثنا فضل بن دكين، حدثنا ياسين العجلي، عن إبراهيم بن محمد ابن الحنفية، عن أبيه، عن علي، قال: قال رسول الله : . ورواه ابن ماجه، عن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي داود الحفري، عن ياسين العجلي، وليس هذا ياسين بن معاذ الزيات، الزيات ضعيف، والعجلي أوثق منه. وقال أبو داود: حدثت عن هارون بن المغيرة، حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي إسحاق، قال: قال علي، ونظر إلى ابنه الحسن، فقال: إن ابني هذا سيد كما سماه النبي ، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخلق، ولا يشبهه في الخلق - ثم ذكر قصة - يملأ الأرض عدلا. وقد عقد أبو داود السجستاني، رحمه الله، كتاب المهدي مفردا في [ص:57] " سننه "، فأورد في صدره حديث جابر بن سمرة، عن رسول الله : . وفي رواية: . قال: فكبر الناس وضجوا، ثم قال كلمة خفية، قلت لأبي: ما قال؟ قال: . وفي رواية قال: فلما رجع إلى بيته أتته قريش، فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: . ثم روى أبو داود من حديث سفيان الثوري، وأبي بكر بن عياش، وزائدة، وفطر، ومحمد بن عبيد، كلهم عن عاصم بن أبي النجود، وهو ابن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي قال: . قال زائدة: . ثم اتفقوا: . زاد في حديث فطر: . وقال في حديث سفيان: . وهكذا رواه أحمد عن عمر بن عبيد، وعن سفيان بن عيينة، ومن حديث سفيان الثوري، [ص:58] كلهم عن عاصم، به. ورواه الترمذي من حديث السفيانين، به، وقال: حسن صحيح. قال الترمذي: وفي الباب عن علي، وأبي سعيد، وأم سلمة، وأبي هريرة. ثم قال الترمذي: حدثنا عبد الجبار بن العلاء العطار، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، عن النبي قال: . قال عاصم: وأخبرنا أبو صالح، عن أبي هريرة، قال: ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. وقال أبو داود: حدثنا سهل بن تمام بن بزيع، حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله : . وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، [ص:59] حدثنا أبو المليح الحسن بن عمر، عن زياد بن بيان، عن علي بن نفيل، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، قالت: سمعت رسول الله يقول: . قال عبد الله بن جعفر: سمعت أبا المليح يثني على علي بن نفيل، ويذكر عنه صلاحا. ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أحمد بن عبد الملك، عن أبي المليح الرقي، عن زياد بن بيان، به. فأما الحديث الذي رواه ابن عساكر في ترجمة محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وهو المهدي ابن المنصور، من طريق الدارقطني، ثنا إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي، ثنا محمد بن الوليد القرشي، ثنا أسباط بن محمد الضبي، وصلة بن سليمان الواسطي، عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عثمان بن عفان، سمعت النبي يقول: . فإنه حديث غريب، كما قال الدارقطني، تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم، قال: ولم يكتب إلا عن شيخنا أبي إسحاق. وقال أبو داود: حدثنا محمد بن المثني، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن صاحب له، عن أم سلمة زوج النبي ، عن النبي قال: . وقال أبو داود: قال هارون، يعني ابن المغيرة، حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن مطرف بن طريف، عن أبي الحسن، عن هلال بن عمرو، سمعت عليا يقول: قال النبي : . أو قال: . وقال ابن ماجه: حدثنا حرملة بن يحيى المصري، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، قالا: حدثنا أبو صالح عبد الغفار بن داود الحراني، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي زرعة عمرو بن جابر الحضرمي، عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، قال: قال رسول الله : . يعني سلطانه. [ص:61] وقال ابن ماجه: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا علي بن صالح، عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: بينما نحن عند رسول الله إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم رسول الله اغرورقت عيناه، وتغير لونه، قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئا تكرهه. فقال: . ففي هذا الحديث إشارة إلى ملك بني العباس، كما تقدم التنبيه على ذلك عند ذكر ابتداء دولتهم في سنة ثنتين وثلاثين ومائة، وفيه دلالة على أن المهدي يكون بعد دولة بني العباس، وأنه يكون من أهل البيت من ذرية فاطمة بنت رسول الله ، ثم من ولد الحسن، لا الحسين، كما تقدم في حديث علي بن أبي طالب، والله سبحانه أعلم. وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن يحيى، و الإمام أحمد بن يوسف، قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، قال: قال رسول الله : . ثم ذكر شيئا لا أحفظه، فقال: . تفرد به ابن ماجه، وإسناده قوي صحيح، والظاهر أن المراد بهذا الكنز المذكور كنز الكعبة، يقتتلون عنده; ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى إذا كان في آخر الزمان خرج المهدي من بلاد المشرق، وقيل: من مكة. لا من سرداب سامرا، كما تزعمه الرافضة من أنه محبوس فيه الآن، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، وهذا من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان، وهوس شديد من الشيطان; إذ - لا دليل على ذلك ولا برهان، من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا بيان. وقال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا رشدين بن سعد، عن يونس، عن ابن شهاب الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . هذا - حديث غريب. وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني، فاستلب بها دولة بني أمية، في سنة ثنتين وثلاثين ومائة، بل هي رايات سود أخرى تأتي صحبة المهدي، وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني، والله أعلم، يصلحه الله في ليلة واحدة، أي: يتوب عليه، ويوفقه، يلهمه رشده، بعد أن لم يكن كذلك، ويؤيده بناس من أهل المشرق، ينصرونه، ويقيمون سلطانه، ويشيدون أركانه، وتكون راياتهم سودا أيضا، [ص:63] وهو زي عليه الوقار; لأن راية رسول الله كانت سوداء، يقال لها: العقاب. وقد ركزها خالد بن الوليد على الثنية التي هي شرقي دمشق، حين أقبل من العراق، فعرفت بها الثنية، فهي إلى الآن يقال لها: ثنية العقاب. وقد كانت عقابا على الكفار، من نصارى الشام والروم والعرب والفرس. وأطدت حسن العاقبة لعباد الله الذين وعدهم الله أن يرثوا الأرض، من المهاجرين والأنصار، ولمن كان معهم وبعدهم إلى يوم الدين. وكذلك دخل رسول الله يوم الفتح إلى مكة وعلى رأسه المغفر وكان أسود، وجاء في رواية أنه كان معتما بعمامة سوداء، فوق البيضة. والمقصود أن المهدي الموعود به يكون في آخر الزمان، ويكون أصل خروجه من ناحية المشرق، ثم يأتي مكة، فيبايع له عند البيت الحرام، كما ذكر ذلك في الحديث، وقد أفردت في ذكر المهدي جزءا على حدة. وقال ابن ماجه: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا محمد بن مروان العقيلي، حدثنا عمارة بن أبي حفصة، عن زيد العمي، عن أبي صديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، أن النبي قال: . وقال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت زيدا العمي، سمعت أبا الصديق الناجي يحدث عن أبي سعيد الخدري، قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث، فسألنا نبي الله ، فقال: . زيد الشاك، قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: سنين. قال: . قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله ". هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه، عن أبي سعيد، عن النبي ، وأبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو، ويقال: بكر بن قيس !. وهذا يدل على أن أكثر مدته تسع سنين، وأقلها خمس أو سبع، ولعله هو الخليفة الذى يحثو المال حثيا ولا يعده عدا، والله أعلم، وفى زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافرا، والسلطان قاهرا، والدين قائما ظاهرا، والعدو ملوما مخذولا داخرا، والبلاد آمنة، والأمر والنهي قائما، والرزق دارا دائما. . وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا عباد بن عباد، حدثنا مجالد بن سعيد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد، قال: قلت: والله ما يأتي علينا أمير إلا وهو شر من الماضي، ولا عام إلا وهو شر من الماضي. قال: لولا شيء سمعته من رسول الله لقلت مثل ما يقول، ولكن سمعت رسول الله يقول: . وبسط رسول الله ملحفة غليظة كانت عليه، يحكي صنع الرجل، ثم جمع إليه أكنافها، قال: . تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقال ابن ماجه: حدثنا هدية بن عبد الوهاب، حدثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر، عن علي بن زياد اليمامي، عن عكرمة بن عمار، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله يقول: . قال شيخنا أبو الحجاج المزي: كذا وقع في " سنن ابن ماجه "، وفي إسناده علي بن زياد اليمامي، والصواب: عبد الله بن زياد السحيمي. قلت: وكذا أورده البخاري في " التاريخ "، وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "، وهو رجل مجهول، وهذا الحديث منكر. وفي " الطبراني " من حديث حسين بن علي، عن الأوزاعي، عن [ص: 66] قيس بن جابر الصدفي، عن أبيه، عن جده مرفوعا: . فأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في " سننه ": حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، حدثني محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: . فإنه حديث مشهور بمحمد بن خالد الجندي الصنعاني المؤذن، شيخ الشافعي، وروى عنه غير واحد أيضا، وليس هو بمجهول كما زعمه الحاكم، بل قد روي عن ابن معين أنه وثقه، ولكن من الرواة من حدث به عنه، عن أبان بن أبي عياش، عن الحسن البصري، مرسلا، وذكر شيخنا في " التهذيب "، عن بعضهم، أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول: كذب علي يونس بن عبد الأعلى الصدفي، ليس هذا من حديثي. قلت: يونس بن عبد الأعلى من الثقات، لا يطعن فيه بمجرد منام، وهذا الحديث فيما يظهر في بادي الرأي مخالف للأحاديث التي أوردناها في إثبات مهدي غير عيسى ابن مريم، إما قبل نزوله وهو الأظهر، والله أعلم، وإما بعد [ص:67] نزوله، وعند التأمل يكون هذا الحديث لا ينافيها، ويكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي هو عيسى ابن مريم، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209799
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B9%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D9%82%D8%B9%D8%AA%20%D9%88%D8%B3%D8%AA%D9%83%D8%AB%D8%B1%20%D9%88%D8%AA%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%85%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A2%D8%AE%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر أنواع من الفتن وقعت وستكثر وتتفاقم في آخر الزمان
قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري، عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش، أنها قالت: استيقظ النبي من النوم محمرا وجهه، يقول: . وعقد سفيان تسعين أو مائة، قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: . وهكذا رواه مسلم عن عمرو الناقد، عن سفيان بن عيينة، به. قال: وعقد سفيان بيده عشرة. وكذلك رواه عن حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، وقال: وحلق بإصبعه الإبهام، والتي تليها. ثم رواه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وسعيد بن عمرو، وزهير بن حرب، وابن أبي عمر، عن سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن زينب، عن حبيبة، عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش، فاجتمع فيه تابعيان، وربيبتان، [ص:68] وزوجتان، أربع صحابيات، رضي الله عنهن. وقال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال: . وعقد وهيب تسعين. وهكذا رواه مسلم من حديث وهيب مثله. وروى البخاري من حديث الزهري، عن هند بنت الحارث الفراسية، أن أم سلمة زوج النبي قالت: استيقظ النبي ليلة فزعا، يقول: . ثم روى البخاري ومسلم من حديث الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، قال: أشرف النبي على أطم من آطام المدينة، فقال: قالوا: لا. قال: . وروى البخاري من حديث الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن [ص:69] النبي قال: . قالوا: يا رسول الله، أيما هو؟ قال: . ورواه أيضا، عن الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة، ثم رواه من حديث الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود، وأبي موسى. وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن الزبير بن عدي، قال: أتينا أنس بن مالك، فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج، فقال: سمعته من نبيكم . ورواه الترمذي من حديث الثوري، وقال: حسن صحيح. وهذا الحديث يعبر عنه العوام، فيما يوردونه، بلفظ آخر: كل عام ترذلون. وروى البخاري ومسلم من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، وعن [ص:70] أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . ولمسلم عن أبي بكرة نحوه بأبسط منه. وقال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، حدثنا حذيفة، قال: حدثنا رسول الله حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة. وحدثنا عن رفعها قال: "ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض، فيبقى أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، [ص:71] فتراه منتبرا وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلا أمينا. ويقال للرجل: ما أعقله، وما أظرفه، وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما رده علي الإسلام، وإن كان نصرانيا رده علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا ". ورواه مسلم من حديث الأعمش، به. وروى البخاري من حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه، ومن حديث الليث، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله قام إلى جنب المنبر وهو مستقبل المشرق، فقال: . أو قال: . ورواه مسلم من حديث الزهري وغيره، عن سالم به. ورواه أحمد من طريق عبد الله بن دينار، والطبراني من رواية عطية، كلاهما عن عبد الله بن عمر، به. [ص:72] وقال البخاري: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله يقول: . وقال الإمام أحمد: ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، أنا يونس، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي ، قال: "توشكون أن يملأ الله أيديكم من العجم - وقال عفان مرة: من الأعاجم - يكونون أسدا لا يفرون، يقتلون مقاتلتكم، ويأكلون فيئكم. وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: . وذو الخلصة طاغية دوس، التي كانوا يعبدون في الجاهلية. وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، عن عقبة بن خالد، حدثنا عبيد الله، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن جده حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . قال عقبة: وحدثنا عبيد الله، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي مثله، إلا أنه قال: . وكذلك رواه مسلم، من حديث عقبة بن خالد، من الوجهين. ثم رواه عن قتيبة، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . ثم روى من حديث عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: كنت واقفا مع أبي بن كعب في ظل أجم حسان، فقال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا، قلت: أجل. قال: إني سمعت رسول الله يقول: . قال: . وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن [ص:74] عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . وقال الإمام أحمد: ثنا سريج بن النعمان، ثنا عبد العزيز، يعني الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله : . تفرد به أحمد. وقال مسلم: حدثني حرملة بن يحيى التجيبي، أنا ابن وهب، أنا يونس، عن ابن شهاب، أن أبا إدريس الخولاني، قال: قال حذيفة بن اليمان: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي إلا أن يكون رسول الله أسر إلي في ذلك شيئا لم يحدثه غيري، ولكن رسول الله قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن، فقال رسول الله وهو يعد الفتن: . قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري. وروى مسلم من حديث زهير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه. [ص:76] قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا الجريري، عن أبي نضرة، قال: كنا عند جابر فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم. قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم، يمنعون ذاك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدي. قلنا: من أين ذاك. قال: من قبل الروم، يمنعون ذاك. قال: ثم سكت هنيهة، ثم قال: قال رسول الله : . قال الجريري: فقلت لأبي نضرة وأبي العلاء: أتريانه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا ورواه مسلم من حديث الجريري، بنحوه. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، حدثنا أفلح بن سعيد الأنصاري، شيخ من أهل قباء من الأنصار، حدثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله يقول: . وأخرجه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن زيد بن [ص:77] الحباب، عن أفلح بن سعيد، به. ثم روى عن زهير بن حرب، عن جرير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : . وقال أحمد: حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي، حدثنا أبو معيد، حدثنا مكحول، عن أنس بن مالك، قال: قيل: يا رسول الله، متى ندع الائتمار بالمعروف، والنهي عن المنكر؟ قال: . ورواه ابن ماجه، عن العباس بن الوليد الدمشقي، عن زيد بن يحيى بن عبيد، عن الهيثم بن حميد، عن أبى معيد حفص بن غيلان، عن مكحول، عن أنس، فذكر نحوه. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن عطاء [ص:78] بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، أنه حدثهم عن النبي قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق، عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني جار لجابر بن عبد الله، قال: قدمت من سفر، فجاءني جابر يسلم علي، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا، فجعل جابر يبكي، ثم قال: سمعت رسول الله يقول: . وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو يونس، عن أبي هريرة. وقال حسن: حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو يونس، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . أو قال: . وقال حسن في حديثه: . [ص:79] وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو جعفر المدائني، حدثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي، عن أبيه حبيب بن عبد الله، عن شبيل بن عوف، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله يقول لثوبان: قال ثوبان: بأبي وأمي يا رسول الله، أمن قلة بنا؟ قال: . قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن رجل، عن عمرو بن وابصة الأسدي، عن أبيه، قال: إني بالكوفة في داري، إذ سمعت على باب الدار: السلام عليكم، أألج؟ فقلت: عليكم السلام، فلج. فلما دخل، فإذا هو عبد الله بن مسعود، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أية ساعة زيارة هذه؟! وذلك في نحر الظهيرة، فقال: طال علي النهار، فذكرت من أتحدث إليه. قال: فجعل يحدثني عن رسول الله وأحدثه، ثم أنشأ يحدثني، قال: سمعت رسول الله يقول: . قال: قلت: يا رسول الله، ومتى ذلك؟ قال: . قلت: ومتى أيام الهرج؟ قال: . قال: قلت: فما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: . قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن دخل رجل علي داري؟ قال: . قال: قلت: أرأيت إن دخل علي بيتي؟ قال: . وقال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبي، حدثنا شهاب بن خراش، عن القاسم بن غزوان، عن إسحاق بن راشد الجزري، عن سالم، حدثني عمرو بن وابصة، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله يقول، فذكر بعض حديث أبي بكرة، قال: . قال فيه: قلت: متى ذلك يا ابن مسعود؟ قال: . قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: . قال - يعني وابصة -: فلما قتل عثمان طار قلبي مطاره، فركبت حتى أتيت دمشق، فلقيت خريم بن فاتك الأسدي، فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله ، كما حدثنيه ابن مسعود. [ص:81] وقال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن عثمان الشحام، حدثني مسلم بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله : . قال: يا رسول الله، ما تأمرني؟ قال: . قال: فمن لم يكن له شيء من ذلك. قال: . وقد رواه مسلم من حديث عثمان الشحام بنحوه. وقال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد الرملي، حدثنا المفضل، عن عياش، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي، أنه سمع سعد بن أبي وقاص، عن النبي ، في هذا الحديث قال: فقلت: يا رسول الله، أرأيت إن دخل علي بيتي، وبسط يده ليقتلني؟ فقال رسول الله : . وتلا يزيد: لئن بسطت إلي يدك لتقنلني [ص:82] الآية [المائدة: 28] انفرد به أبو داود من هذا الوجه. وقال أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث بن سعد، عن عياش بن عباس، عن بكير بن عبد الله، عن بشر بن سعيد، أن سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان بن عفان: أشهد أن رسول الله قال: . قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط يده إلي ليقتلني؟ قال: . وهكذا رواه الترمذي، عن قتيبة، عن الليث، عن عياش بن عباس القتباني، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد الحضرمي، عن سعد بن أبي وقاص، فذكره، وقال: هذا حديث حسن، ورواه بعضهم عن الليث، وزاد في الإسناد رجلا. يعني: الحسين - وقيل: الحسيل - ابن عبد الرحمن، ويقال: عبد الرحمن بن الحسين عن سعد، كما رواه أبو داود آنفا. ثم قال أبو داود: حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن محمد بن جحادة، عن عبد الرحمن بن ثروان، عن هزيل، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله : . وقال الإمام أحمد: حدثنا مرحوم، حدثني أبو عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: ركب رسول الله حمارا، وأردفني خلفه، فقال: قال: الله ورسوله أعلم. قال: . قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: . قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: . قال: فإن لم أترك؟ قال: . قلت: فآخذ سلاحي؟ قال: . هكذا رواه الإمام أحمد، وقد رواه أبو داود عن مسدد وابن ماجه عن أحمد بن عبدة، كلاهما عن حماد بن زيد، عن أبي عمران الجوني، عن المشعث بن طريف، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، بنحوه ". ثم قال أبو داود: لم يذكر المشعث في هذا [ص:84] الحديث غير حماد بن زيد. وقال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا عفان بن مسلم، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عاصم الأحول، عن أبي كبشة، قال: سمعت أبا موسى يقول: قال رسول الله : . قالوا. فما تأمرنا؟ قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله : . ورواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه من طرق، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، عن أبي أسماء عمرو بن مرثد، عن ثوبان بن بجدد، بنحوه، وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا أبو داود الحفري، عن بدر بن عثمان، عن عامر، عن رجل، عن عبد الله، عن النبي قال: . ثم قال أبو داود: حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي، حدثنا أبو المغيرة، حدثني عبد الله بن سالم، حدثني العلاء بن عتبة، عن عمير بن هانئ العنسي، سمعت عبد الله بن عمر يقول: كنا قعودا عند رسول الله ، فذكر الفتن، فأكثر في ذكرها، حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله، وما فتنة الأحلاس؟ قال: . تفرد به أبو داود، وقد رواه أحمد في مسنده، عن أبي المغيرة، بمثله. وقال أبو داود: حدثنا القعنبي، حدثنا عبد العزيز، يعني ابن أبي حازم، عن أبيه، عن عمارة بن عمرو، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله قال: . وشبك بين أصابعه، فقالوا: كيف بنا يا رسول الله؟ قال: . قال أبو داود: هكذا روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي من غير وجه. وهكذا رواه ابن ماجه، عن هشام بن عمار، ومحمد بن الصباح، عن عبد العزيز بن أبي حازم، به. ورواه أحمد في مسنده، عن سعيد بن منصور، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، به. وقد رواه الإمام أحمد، عن حسين بن محمد، عن محمد بن مطرف، عن أبي حازم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، فذكر نحوه، أو مثله. ثم قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا يونس، يعني ابن أبي إسحاق، عن هلال بن خباب أبي العلاء، حدثنا عكرمة، حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: بينما نحن حول رسول الله إذ ذكر الفتنة، أو ذكرت عنده، فقال: . وشبك بين أصابعه، قال: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: . وهكذا رواه أحمد، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، به، وأخرجهالنسائي في اليوم والليلة، عن أحمد بن بكار، عن مخلد بن يزيد، عن يونس بن أبي إسحاق، فذكر بإسناده نحوه. قال أحمد: ثنا عبد القدوس بن الحجاج، ثنا حريز، يعني ابن عثمان الرحبي، ثنا راشد بن سعد المقرائي، عن أبي حي، عن ذي مخمر، أن رسول الله قال: . قال عبد الله بن أحمد: هكذا في كتاب أبي مقطع، وحيث حدثنا به تكلم به على الاستواء. وقال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا الليث، عن طاوس، عن رجل يقال له: زياد. عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله : . وقد رواه أحمد، عن أسود بن عامر، عن حماد بن سلمة، والترمذي، وابن ماجه، من حديثه عن الليث، عن طاوس، عن زياد، [ص:89] وهو الأعجم، ويقال له: زياد سيمين كوش. وقد حكى الترمذي عن البخاري أنه ليس لزياد هذا حديث سواه، وأن حماد بن زيد رواه عن الليث فوقفه، وقد استدرك ابن عساكر على البخاري هذا الحديث، فإن أبا داود رواه من طريق حماد بن زيد مرفوعا، فالله أعلم. وقال أبو داود: حدثنا عبد الملك بن شعيب، حدثني ابن وهب، حدثني الليث، عن يحيى بن سعيد، قال: قال خالد بن أبي عمران، عن عبد الرحمن بن البيلماني، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع - وقال: حدثنا أبو معاوية - حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، عن عبد الله بن عمرو - وكنت جالسا معه في ظل الكعبة وهو يحدث الناس - قال: كنا مع [ص:90] رسول الله في سفر، فنزلنا منزلا، فمنا من يضرب خباءه، ومنا من هو في جشره، ومنا من ينتضل، إذ نادى منادي رسول الله : الصلاة جامعة. قال: فانتهيت إليه وهو يخطب الناس، ويقول: . وقال مرة: . قال عبد الرحمن: فلما سمعتها أدخلت رأسي بين رجلين، قلت: فإن ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، وأن نقتل أنفسنا، وقد قال الله تعالى: ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النس}}اء: 29]. ولا تقتلوا أنفسكم [النساء: 29]. قال: فجمع يديه، فوضعهما على جبهته، ثم نكس هنيهة، ثم رفع رأسه، فقال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله. [ص:91] قلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله ؟ قال: نعم، سمعته أذناي، ووعاه قلبي. ورواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، من حديث الأعمش، به، وأخرجه مسلم أيضا، من حديث الشعبي، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، عن عبد الله بن عمرو، بنحوه. وقال أحمد: حدثنا ابن نمير، حدثنا الحسن بن عمرو، عن أبي الزبير، عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله يقول: . وقال رسول الله : . وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني أبو قبيل، قال: كنا عند عبد الله بن عمرو، وسئل: أي المدينتين تفتح أولا؟ القسطنطينية أو رومية؟ قال: فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتابا. قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله نكتب إذ سئل رسول الله : أي المدينتين تفتح أولا؟ قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله : . يعني القسطنطينية. وقال القرطبي في " التذكرة ": وروي من حديث حذيفة بن اليمان، عن [ص:92] النبي ، أنه قال: . ثم قال: ذكره أبو الفرج ابن الجوزي، قال: وسمعت أن خراب الأندلس بالريح العقيم. والله أعلم. وهذا الحديث لا يعرف في شيء من الكتب المعتمدة، وأخلق به أن لا يكون صحيحا، بل أخلق به أن يكون موضوعا، أو أن يكون موقوفا على حذيفة، ولا يصح عنه أيضا، والله سبحانه أعلم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209842
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D9%81%D9%8A%20%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%8A%D8%A7%D8%AA%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%B7%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/فصل في تعداد الآيات والأشراط الواقعة
قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا خلف، يعني ابن خليفة، عن أبي جناب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: دخلت على رسول الله وهو [ص:93] يتوضأ وضوءا مكيثا، فرفع رأسه، فنظر إلي، فقال: ست فيكم أيتها الأمة: موت نبيكم . فكأنما انتزع قلبي من مكانه. قال رسول الله : واحدة ". قال: ويفيض المال فيكم، حتى إن الرجل ليعطى عشرة آلاف، فيظل يسخطها. قال رسول الله : . قال: وموت كقعاص الغنم. قال رسول الله : أربع. وهدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، يجمعون لكم تسعة أشهر كقدر حمل المرأة، ثم يكونون أولى بالغدر منكم. قال رسول الله : خمس ". قال: وفتح مدينة. قال رسول الله : ست. قلت: يا رسول الله، أي مدينة ؟ قال: قسطنطينية ". وهذا الإسناد فيه نظر من جهة رجاله، ولكن له شاهد من وجه آخر صحيح، فقال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، قال: سمعت بسر بن عبيد الله، أنه سمع أبا إدريس قال: سمعت عوف بن مالك، قال: أتيت النبي في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: . ورواه أبو داود وابن ماجه والطبراني، من حديث الوليد بن مسلم، ووقع في رواية الطبراني: عن الوليد، عن ابن زبر، عن زيد بن واقد، عن بسر بن عبيد الله، وقد صرح البخاري في روايته بسماع ابن زبر من بسر بن عبيد الله. فالله أعلم. وعند أبي داود: فقلت: أدخل يا رسول الله؟ قال: . قلت: كلي؟ قال: . وإنما قلت ذلك; من صغر القبة. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: أتيت النبي ، فسلمت عليه، فقال: فقلت: نعم. فقال: . قال: قلت: كلي أو بعضي؟ قال: . قال: . قال: فاستبكيت حتى جعل رسول الله يسكتني. قال: . قلت: إحدى. " والثانية فتح بيت المقدس، قل: اثنتين ". فقلت. " والثالثة موتان يكون في أمتي يأخذهم مثل قعاص الغنم، قل: ثلاثا ". فقلت. " والرابعة فتنة تكون في أمتي - وعظمها - قل: أربعا. والخامسة يفيض المال فيكم حتى إن الرجل ليعطى المائة دينار، فيسخطها، قل: خمسا. والسادسة: هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيسيرون إليكم على ثمانين غاية ". قلت: وما الغاية؟ قال: . تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقال أبو داود: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا ابن جابر، حدثني زيد بن أرطاة، سمعت جبير بن نفير، يحدث عن أبي الدرداء، أن رسول الله قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن النهاس بن قهم، حدثني شداد أبو عمار، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله : . وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد وعفان، قالا: حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن زياد بن رباح، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . وكان قتادة يقول: إذا قال: . قال: أي أمر الساعة. وهكذا رواه مسلم، من حديث شعبة وعبد الصمد، كلاهما عن همام، به. ثم رواه أحمد منفردا به، عن أبي داود، عن عمران القطان، عن قتادة، عن عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة، مرفوعا مثله. وقال أحمد: حدثنا سليمان، حدثنا إسماعيل، أخبرني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . ورواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر المدني، به. وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن فرات، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد، قال: اطلع النبي علينا ونحن نتذاكر الساعة، فقال: قالوا: نذكر الساعة. فقال: . قال أبو عبد الرحمن عبد الله ابن الإمام أحمد: سقط كلمة. ثم رواه أحمد من حديث سفيان الثوري وشعبة، كلاهما عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد، أبي سريحة الغفاري، فذكره، وقال فيه: . قال شعبة: وحدثني بهذا الحديث رجل، عن أبي الطفيل، عن أبي سريحة، ولم يرفعه إلى النبي ، فقال أحد هذين الرجلين: نزول عيسى ابن مريم. وقال الآخر: ريح تلقيهم في البحر. وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة وشعبة، عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد موقوفا. ورواه أهل السنن الأربعة من طرق، عن فرات القزاز، به، وقال الترمذي: حسن صحيح. وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن زياد بن سليمان بن [ص:98] سمعان، أبي عبد الرحمن القرشي المدني من طريقه، حدثني الزهري، حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد، قال: قال رسول الله : . وذكر الحديث. هذا لفظه. وقال أبو يعلى: ثنا عقبة بن مكرم، ثنا يونس، ثنا عبد الغفار بن القاسم، ثنا إياد بن لقيط، عن قرظة بن حسان، سمعت أبا موسى في يوم جمعة على منبر البصرة يقول: سئل رسول الله عن الساعة وأنا شاهد، فقال: . فقيل له: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: . كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209843
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D9%82%D8%AA%D8%A7%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%A9%20%D9%85%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86%20%D8%A2%D8%AE%D8%B1%D9%87%20%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B3%D8%B7%D9%86%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر قتال الملحمة مع الروم الذي يكون آخره فتح القسطنطينية
[ص:99] وعند ذلك يخرج الدجال، وينزل المسيح عيسى ابن مريم من السماء إلى الأرض، على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق، وقت صلاة الفجر، كما سيأتي بيان ذلك كله، بالأحاديث الصحيحة. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، هو القرقساني، حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن ذي مخمر، عن النبي قال: . ثم رواه أحمد، عن روح، عن الأوزاعي، به، وقال فيه: . وهكذا رواه أبو داود وابن ماجه، من حديث [ص:100] الأوزاعي، به. وقد تقدم في حديث عوف بن مالك، في " صحيح البخاري ": . وهكذا في حديث شداد أبي عمار، عن معاذ: . وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة، عن أسير بن جابر، قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيرى إلا: يا عبد الله بن مسعود، جاءت الساعة. قال: وكان متكئا فجلس، فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة. قال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام. ونحا بيده نحو الشام، قلت؟ الروم تعني؟ قال: نعم، وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة. قال: فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون، حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى [ص:101] الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام، فيجعل الله الدبرة عليهم، فيقتتلون مقتلة - إما قال: لا يرى مثلها، وإما قال: لم ير مثلها - حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم. فما يخلفهم حتى يخر ميتا. قال: فيتعاد بنو الأب، كانوا مائة، فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح؟ أو أي ميراث يقاسم؟ قال: فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك. قال: فجاءهم الصريخ: إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم، ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة. قال رسول الله : . [ص:102] تفرد بإخراجه مسلم، فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر، كلاهما عن إسماعيل ابن علية، ومن حديث حماد بن زيد، كلاهما عن أيوب، ومن حديث سليمان بن المغيرة، كلاهما عن حميد بن هلال العدوي، عن أبي قتادة العدوي. وقد اختلف في اسمه، والأشهر ما ذكره ابن معين أنه تميم بن نذير، ووثقه. وقال ابن منده وغيره: كانت له صحبة. فالله أعلم. وتقدم من رواية جبير بن نفير، عن عوف بن مالك في تعداد الأشراط: . رواه أحمد. وروى أبو داود " من حديث جبير بن نفير أيضا، عن أبى الدرداء أن رسول الله قال : . وتقدم حديث أبي حية، عن عبد الله بن عمرو، في فتح القسطنطينية، وكذا حديث أبي قبيل في فتح رومية بعدها أيضا. وقال مسلم بن الحجاج: حدثني زهير بن حرب، حدثنا معلى بن [ص:103] منصور، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال : . وقال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز، يعني ابن محمد، عن ثور، وهو ابن زيد الديلي، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن النبي قال : قالوا: نعم، يا رسول الله. قال: . قال ثور: لا أعلمه إلا قال : . وقال ابن ماجه: حدثنا علي بن ميمون الرقي، حدثنا أبو يعقوب الحنيني، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله : . ثم قال : . قال: بأبي وأمي. قال: . وقال مسلم: حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن عبد الملك بن عمير،. عن جابر بن سمرة، عن نافع بن عتبة، أن رسول الله قال : . وقد روى مسلم من حديث الليث بن سعد، حدثني موسى بن علي، عن أبيه، قال: قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله يقول : . فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله . قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك. [ص:106] ثم قال مسلم: حدثني حرملة بن يحيى التجيبي، حدثنا عبد الله بن وهب، حدثني أبو شريح أن عبد الكريم بن الحارث حدثه أن المستورد القرشي قال: سمعت رسول الله يقول : . قال: فبلغ ذلك عمرو بن العاص، فقال: ما هذه الأحاديث التي تذكر عنك أنك تقولها عن رسول الله ؟ فقال له المستورد: قلت الذي سمعت من رسول الله . قال: فقال عمرو: لئن قلت ذلك، إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأصبر الناس عند مصيبة، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم. وهذا يدل على أن الروم يسلمون في آخر الزمان، ولعل فتح القسطنطينية يكون على يدي طائفة منهم، كما نطق به الحديث المتقدم أنه يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق، والروم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، عليه الصلاة والسلام، فهم أولاد عم بني إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق، فالروم يكونون في آخر الزمان خيرا من بني إسرائيل، فإن الدجال يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان، فهم أنصار الدجال، وهؤلاء أعني الروم، قد مدحوا في هذا الحديث، فلعلهم يسلمون على يدي المسيح ابن مريم، والله أعلم. على أنه قد وقع في بعض الروايات: . وقوى ذلك عياض وغيره، والله أعلم. [ص:107] وقال إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله قال : . وقد روى الحافظ بهاء الدين ابن عساكر في كتابه " المستقصى في فضائل الأقصى " بسند له عن الأوزاعي، عن خالد بن معدان، عن كعب الأحبار، أنه قال: إن مدينة القسطنطينية شمتت بخراب بيت المقدس، يعني زمن بخت نصر، فتعززت وتجبرت وشمخت، فسماها الله، عز وجل، العاتية المستكبرة; وذلك أنها قالت مع شماتتها ببيت المقدس. إن يكن عرش ربي على الماء، فقد بنيت أنا على الماء، فغضب الله تعالى عليها، ووعدها العذاب والخراب وقال [ص:108] لها: حلفت يا مستكبرة لما قد عتيت عن أمري وتجبرت، لأبعثن عليك عبادا لي مؤمنين من مساكن سبأ، ثم لأشجعن قلوبهم حتى أدعها كقلوب الأسد الضارية، ولأجعلن صوت أحدهم عند البأس كصوت الأسد حين يخرج من الغابة، ثم لأرعبن قلوب أهلك كرعب العصفور، ثم لأنزعن عنك حليك وديباجك ورياشك، ثم لأتركنك جلحاء قرعاء صلعاء; فإنه طال ما أشرك بي فيك، وعبد غيري، وافتري علي، وأمهلتك إلى اليوم الذي فيه خزيك، فلا تستعجلي يا عاتية فإنه لن يفوتني شيء أريده. وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الجبار بن العباس الشامي، عن أبي قيس قال عبد الجبار: أراه عن هزيل، قال: قام حذيفة في دار عامر بن حنظلة فيها اليمني والمضري، فقال: . فقيل: يا أبا عبد الله تقول هذا لقومك - أو: لقوم أنت منهم - فقال: لا أقول إلا ما سمعت رسول الله يقول. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن مالك بن يخامر، عن [ص:109] معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله : . قال: ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه، ثم قال " إن هذا لحق كما أنك هاهنا ". أو: . يعني معاذا. وهكذا رواه أبو داود، عن عباس العنبري، عن أبي النضر هاشم بن القاسم، به. وهذا إسناد جيد وحديث حسن، وعليه نور الصدق وجلالة النبوة، وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال، وإنما ذلك في آخر الزمان، كما سيأتي بيانه في الأحاديث الصحيحة، بل قد يكون عمارة بيت المقدس سببا في خراب المدينة النبوية; لأن الناس يرحلون منها إلى الشام لأجل الريف والرخص، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال لا يدخلها يمنعه من ذلك ما على أنقابها من الملائكة، بأيديهم السيوف المصلتة. وفي [[صحيح البخاري]] من حديث مالك، عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال : . وفي " جامع الترمذي " أن المسيح ابن مريم إذا مات يدفن في الحجرة النبوية. [ص:110] وقد قال مسلم: حدثني عمرو الناقد، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا زهير، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . أو: . قال زهير: قلت لسهيل: فكم ذلك من المدينة؟ قال: كذا وكذا ميلا. فهذه العمارة إما أن تكون قبل عمارة بيت المقدس، وقد تكون بعد ذلك بدهر، ثم تخرب بالكلية، كما دلت على ذلك الأحاديث التي سنوردها. وقد روى القرطبي، من طريق الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، أنه سمع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على المنبر، يقول: سمعت رسول الله يقول : . وفي حديث عن أبي سعيد، مرفوعا مثله، وزاد: . قيل: فمن يأكلها؟ قال : . وفي " صحيح مسلم "، عن أبي هريرة، عن النبي قال: . وفي حديث حذيفة: سألت رسول الله عن أشياء، إلا أني لم أسأله: ما يخرج أهل المدينة منها؟ وفي حديث آخر، عن أبي هريرة: . قيل: ما يخرجهم منها يا أبا هريرة؟ قال: أمراء السوء. وقال أبو داود: حدثنا ابن نفيل، حدثنا عيسى بن يونس، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن الوليد بن سفيان الغساني، عن يزيد بن قطب السكوني، عن أبي بحرية، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله : . ورواه الترمذي، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن الحكم بن المبارك، عن الوليد بن مسلم به، وقال: حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن الصعب بن جثامة، [ص:112] وعبد الله بن بسر، وعبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري. ورواه ابن ماجه، عن هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم وإسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن أبي مريم، به. وقد قال الإمام أحمد وأبو داود، واللفظ له: حدثنا حيوة بن شريح الحمصي، حدثنا بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد، هو ابن معدان، عن ابن أبي بلال، عن عبد الله بن بسر، أن رسول الله قال: . وهكذا رواه ابن ماجه، عن سويد بن سعيد، عن بقية، به. وهذا مشكل مع الذي قبله، اللهم إلا أن يكون بين أول الملحمة وآخرها ست سنين، ويكون بين آخرها وفتح المدينة، وهي القسطنطينية، مدة قريبة، بحيث يكون ذلك مع خروج الدجال في سبعة أشهر، والله أعلم. وقال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك، قال: فتح القسطنطينية مع قيام الساعة. قال محمود: هذا حديث غريب، والقسطنطينية هي مدينة الروم تفتح عند خروج الدجال، والقسطنطينية قد فتحت في زمان بعض أصحاب النبي [ص:113] . هكذا قال إنها فتحت في زمن الصحابة، وفي هذا نظر; فإن معاوية بعث إليها ابنه يزيد في جيش فيهم أبو أيوب الأنصاري، ولكن لم يتفق له فتحها، وحاصرها مسلمة بن عبد الملك بن مروان، في زمان دولتهم، ولم يفتحها أيضا، ولكن صالحهم على بناء مسجد بها، كما قدمنا ذلك مبسوطا. والله سبحانه أعلم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209844
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%AE%D8%B1%D9%88%D8%AC%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%AC%D8%A7%D9%84%20%D8%A8%D8%B9%D8%AF%20%D9%88%D9%82%D9%88%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D9%81%D8%AA%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B3%D8%B7%D9%86%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر خروج الدجال بعد وقوع الملحمة الرومية وفتح القسطنطينية
ولنذكر قبل ذلك مقدمة فيما ورد في ذكر الكذابين الدجالين الذين هم كالمقدمة بين يدي الدجال الكبير خاتمهم، قبحه الله وإياهم، وجعل نار الجحيم منقلبهم ومثواهم. روى مسلم في " صحيحه " من حديث شعبة وغيره، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله يقول: . قال جابر: فاحذروهم. وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر أنه قال: سمعت رسول الله ، يقول: . قال جابر: وبعض أصحابي يقول: قريب من ثلاثين كذابا. تفرد به أحمد. وثبت في [[صحيح البخاري]]، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . وذكر تمام الحديث بطوله. وفي صحيح مسلم من حديث مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي قال: . حدثنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي بمثله، غير أنه قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت العلاء بن عبد الرحمن يحدث عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي أنه قال: . قال: قيل: أيما الهرج؟ قال: ثلاثا. تفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو على شرط مسلم. وقد رواه أبو داود عن القعنبي، عن الدراوردي، عن العلاء به. ومن حديث محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: . وقال أحمد: حدثنا يحيى، عن عوف، حدثنا خلاس، عن أبي هريرة، عن النبي قال: . وهذا إسناد جيد حسن، تفرد به أحمد أيضا. وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا سلامان بن عامر، عن أبي عثمان الأصبحي، سمعت أبا هريرة يقول: إن رسول الله قال: . وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو كريب، حدثنا محمد بن [ص:116]الحسن الأسدي، حدثنا هارون بن صالح الهمداني، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي الجلاس، قال: سمعت عليا يقول لعبد الله السبائي: ويلك، والله ما أفضى إلي بشيء كتمته أحدا من الناس، ولقد سمعته يقول: . وإنك لأحدهم. ورواه أيضا عن أبي بكير بن أبي شيبة عن محمد بن الحسن، به. وفي صحيح مسلم من حديث أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول الله : . الحديث بتمامه. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو الوليد، حدثنا عبد الله بن إياد بن لقيط، حدثنا إياد، عن عبد الرحمن بن نعم، أو نعيم الأعرجي، شك أبو الوليد، قال: سأل رجل ابن عمر عن المتعة - وأنا عنده - متعة النساء، فقال: والله ما كنا على عهد رسول الله زانين ولا مسافحين، ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله يقول: . ورواه الطبراني من حديث مورق العجلي، عن ابن عمر، بنحوه، تفرد به أحمد. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، وهو ابن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن عبد الله بن عمر، أنه كان عنده رجل من أهل الكوفة، فجعل يحدثه عن المختار، فقال ابن عمر: إن كان كما تقول، فإني سمعت رسول الله يقول: . تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقد رواه سعيد بن عامر، عن ابن عمر، ولكن قال: . قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن سعيد بن عامر، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله يقول: . وهذا إسناد لا بأس به. وقد روى ابن ماجه به حديثا في الكرع والشرب باليد. [ص:118] وقال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا جرير، عن ليث، عن بشر، عن أنس، قال: قال رسول الله : . فيه غرابة، والذي في الصحاح أثبت. والله أعلم. وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن أبي بكرة، قال: أكثر الناس في مسيلمة قبل أن يقول رسول الله فيه شيئا، فقام رسول الله خطيبا، فقال: . وقد رواه أحمد أيضا عن حجاج، عن الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، أن عياض بن مسافع أخبره عن أبي بكرة، فذكره، وقال فيه: . تفرد به أحمد من الوجهين. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو جعفر المدائني، وهو محمد بن جعفر، حدثنا عباد بن العوام، حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : . قيل: وما الرويبضة؟ قال: . وهذا إسناد جيد قوي، تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقال الإمام أحمد: ثنا علي بن عبد الله قال: ثنا معاذ. يعني ابن هشام قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده، ولم أسمعه منه، عن قتادة، عن أبي معشر، عن إبراهيم النخعي، عن همام، عن حذيفة، أن رسول الله قال: . كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209846
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A3%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%AC%D8%A7%D9%84
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/الكلام على أحاديث الدجال
[ص:120] قال مسلم: حدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي، أخبرني ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله في رهط قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده، ثم قال رسول الله لابن صياد: فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، فقال ابن صياد لرسول الله : أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه رسول الله وقال: . ثم قال له رسول الله : قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب. فقال له رسول الله : . ثم قال له رسول الله : . فقال ابن صياد: هو [ص:121]الدخ. فقال له رسول الله : . فقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه. فقال له رسول الله : . وقال سالم بن عبد الله: سمعت عبد الله بن عمر يقول: انطلق بعد ذلك رسول الله وأبي بن كعب الأنصاري إلى النخل التي فيها ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله النخل طفق يتقي بجذوع النخل، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله ، وهو مضطجع على فراش في قطيفة، له فيها زمزمة، فرأت أم ابن صياد رسول الله وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: يا صاف - وهو اسم ابن صياد - هذا محمد. فثار ابن صياد، فقال رسول الله : . قال سالم: قال عبد الله بن عمر: فقام رسول الله في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: . قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري، أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله أن رسول الله قال يوم حذر الناس الدجال: . وقال: . وأصل الحديث عند البخاري من حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه، بنحوه. وروى مسلم أيضا، من حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال: . ولمسلم من حديث شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله : . رواه البخاري من حديث شعبة، بنحوه. قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب، حدثنا عفان، حدثنا عبد الوارث، عن شعيب بن الحبحاب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : [ص:123] . ثم تهجاها ك ف ر، . وقال أحمد: ثنا يزيد بن هارون، ثنا محمد بن إسحاق، عن داود بن عامر بن سعد بن مالك، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله : لم يخرجوه، وإسناده جيد. ولمسلم من حديث الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: قال رسول الله : . حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: قال رسول الله : " لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان; أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارا وليغمض، ثم ليطأطئ رأسه، فيشرب منه، فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح [ص:124]العين، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن، كاتب وغير كاتب". ثم رواه من حديث شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبي ، بنحوه. قال أبو مسعود: وأنا سمعته من رسول الله . ورواه البخاري من حديث شعبة، بنحوه. وقال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التياح، سمعت صخرا يحدث عن سبيع قال: أرسلوني من ماء إلى الكوفة أشتري الدواب فأتينا الكناسة، فإذا رجل عليه جمع، فأما صاحبي فانطلق إلى الدواب، وأما أنا فأتيته، فإذا حذيفة، فسمعته يقول: كان أصحاب رسول الله يسألونه عن الخير، وأسأله عن الشر، فقلت: يا رسول الله، هل بعد هذا الخير من شر؟ قال: . قلت: فما العصمة منه؟ قال: . [ص:125]قلت: ثم ماذا؟ قال: . قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: . قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: . قال: قلت: فبم يجيء به معه؟ قال: . قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: . وروى البخاري، ومسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : . وروى مسلم من حديث محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد " الدجال، فقلت: أتحلف بالله؟ قال؟ إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي فلم ينكره النبي . وروي من حديث نافع، أن ابن عمر لقي ابن صياد في بعض طرق [ص:126]المدينة، فقال له ابن عمر قولا أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السكة - وفي رواية أن ابن صياد نخر كأشد نخير حمار يكون، وأن ابن عمر ضربه حتى تكسرت عصاه - ثم دخل على أخته حفصة، فقالت له: ما أردت من ابن صياد؟ أما علمت أن رسول الله قال: . قال بعض العلماء: ابن صياد كان بعض الصحابة يظنه الدجال الأكبر، وليس به، إنما كان دجالا من الدجاجلة صغيرا. وقد ثبت في أنه صحب أبا سعيد فيما بين مكة والمدينة، وأن ابن صياد تبرم إليه مما تقول الناس فيه إنه الدجال، ثم قال لأبي سعيد: ألم يقل رسول الله : . وقد ولدت بها، . وقد ولد لي، . وأنا قد أسلمت؟ ثم قال ابن صياد: ومع هذا إني لأعلم الناس به، وأين مكانه، ولو عرض علي أن أكون إياه لما كرهت ذلك. وقال أحمد: حدثنا عبد المتعال بن عبد الوهاب، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد قال: ذكر ابن صياد عند النبي فقال عمر: إنه يزعم أنه لا يمر بشيء إلا كلمه. وقال أحمد: ثنا سعيد مولى بني هاشم، حدثني مهدي بن [ص:127]عمران المازني، سمعت أبا الطفيل، وسئل هل رأيت رسول الله ؟ قال: نعم. قيل: هل كلمته؟ قال: لا، ولكني رأيته انطلق مكان كذا وكذا، ومعه عبد الله بن مسعود وأناس من أصحابه حتى أتى دارا قوراء، فقال: . ففتحوا، ودخل رسول الله ودخلت معه، فإذا قطيفة في وسط البيت، فقال: . فرفعوها، فإذا غلام أعور تحت القطيفة، فقال: . فقام الغلام. فقال: . فقال الغلام: أشهد أني رسول الله. قال: . فقال الغلام: أشهد أني رسول الله. فقال رسول الله : مرتين. والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعا; لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية، فإنه فيصل في هذا المقام. والله أعلم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209847
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D9%81%D8%A7%D8%B7%D9%85%D8%A9%20%D8%A8%D9%86%D8%AA%20%D9%82%D9%8A%D8%B3%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%AC%D8%A7%D9%84
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/حديث فاطمة بنت قيس في الدجال
قال مسلم: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، وحجاج [ص:128]ابن الشاعر، كلاهما عن عبد الصمد، واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد، حدثني أبي، عن جدي، عن الحسين بن ذكوان، حدثنا ابن بريدة، حدثني عامر بن شراحيل الشعبي، شعب همدان، أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، فقال: حدثيني حديثا سمعتيه من رسول الله لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال لها: أجل، حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة، وهو من خيار شباب قريش يومئذ، فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب رسول الله وخطبني رسول الله على مولاه أسامة بن زيد، وكنت قد حدثت أن رسول الله قال . فلما كلمني رسول الله قلت؟ أمري بيدك، فأنكحني من شئت. فقال: . وأم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان. فقلت: سأفعل. فقال: . وهو رجل من بني فهر، فهر قريش، وهو من البطن الذي هي منه. فانتقلت إليه، فلما [ص:129]انقضت عدتي سمعت نداء المنادي، منادي رسول الله ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله فكنت في النساء اللاتي يلين ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: . ثم قال: قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: . قالت: قال رسول الله ، وطعن بمخصرته في المنبر: . يعني المدينة. فقال الناس: نعم. . وأومأ بيده إلى المشرق، قالت: فحفظت هذا من رسول الله . ثم رواه مسلم من حديث سيار، عن الشعبي، عن فاطمة، قالت. فسمعت النبي ، وهو على المنبر يخطب، فقال: . وساق الحديث. ومن حديث غيلان بن جرير، عن الشعبي، عنها، فذكرته: أن تميما الداري ركب في البحر، فتاهت به السفينة، فسقط إلى جزيرة، فخرج إليها يلتمس الماء، فلقي إنسانا يجر شعره، واقتص الحديث، وفيه: فأخرجه رسول الله إلى الناس، فحدثهم، قال: . [ص:132]حدثني أبو بكر بن إسحاق، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا المغيرة، يعني الحزامي، عن أبي الزناد، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، أن رسول الله قعد على المنبر، فقال: . وساق الحديث، وقد رواه أبو داود وابن ماجه، من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن مجالد، عن الشعبي، عنها، بنحوه. ورواه الترمذي من حديث قتادة، عن الشعبي، عنها، وقال: حسن صحيح غريب، من حديث قتادة، عن الشعبي. ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عنها بنحوه، وكذلك رواه الإمام أحمد، عن عفان، وعن يونس بن محمد المؤدب، كل منهما عن حماد بن سلمة به. وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد، ثنا مجالد، عن عامر، قال: قدمت المدينة، فأتيت فاطمة بنت قيس، فحدثتني أن زوجها طلقها على عهد [ص:133]رسول الله فبعثه رسول الله في سرية، فقال لي أخوه: اخرجي من الدار. فقلت: إن لي نفقة وسكنى حتى يحل الأجل. قال: لا. قالت: فأتيت رسول الله ، فقلت: إن فلانا طلقني، وإن أخاه أخرجني، ومنعني السكنى والنفقة. فأرسل إليه، فقال: قال: يا رسول الله، إن أخي طلقها ثلاثا جميعا. قالت: فقال رسول الله : . ثم قال: . ثم قال: . قالت: فخطبني رجل من قريش، فأتيت رسول الله أستأمره، فقال: فقلت: بلى، يا رسول الله، فأنكحني من أحببت. قالت: فأنكحني من أسامة بن زيد. قال: فلما أردت أن أخرج، قالت: اجلس حتى أحدثك حديثا عن رسول الله . قالت: خرج رسول الله، ، يوما من الأيام، فصلى صلاة الهاجرة، ثم قعد ففزع الناس، فقال: . قال: فقال رسول الله : . ثلاث مرات. . ثم حلف رسول الله : . قال عامر: فلقيت المحرر بن أبي هريرة، فحدثته بحديث فاطمة بنت قيس، فقال: أشهد على أبي أنه حدثني كما حدثتك فاطمة، غير أنه قال: قال رسول الله : . قال: ثم لقيت القاسم بن محمد، فذكرت له حديث فاطمة، فقال: أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك فاطمة غير أنها قالت: . وقد رواه أبو داود وابن ماجه، من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن مجالد، عن عامر الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، بسطه ابن ماجه، وأحاله أبو داود على الحديث الذي رواه قبله، ولم يذكر متابعة أبي هريرة، وعائشة، كما ذكر ذلك الإمام أحمد. وقال أبو داود: حدثنا النفيلي، ثنا عثمان بن عبد الرحمن، ثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس، أن رسول الله أخر العشاء الآخرة ذات ليلة، ثم خرج فقال: . قال: ذاك خير لهم. فهذه متابعة للشعبي، عن فاطمة بنت قيس ببعضه، ثم أورد أبو داود حديث عبد الله بن بريدة، عن عامر الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، بطوله كنحو مما تقدم. ثم قال أبو داود: حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا ابن فضيل، عن الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر قال: قال رسول الله ذات يوم على المنبر: . قلت لأبي سلمة: وما الجساسة؟ قال: امرأة تجر شعر جلدها ورأسها. فقالت: في هذا القصر. وذكر الحديث، وسأل عن نخل بيسان، وعين زغر. قال: هو المسيح. فقال لي ابن أبي سلمة: إن في هذا الحديث شيئا ما حفظته. قال: شهد جابر أنه ابن صياد. قلت: فإنه قد مات. قال: وإن مات. قلت: فإنه أسلم. قال: وإن أسلم. قلت: فإنه قد دخل المدينة. قال: وإن دخل المدينة. تفرد به أبو داود، وهو غريب جدا. [ص:137]وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا أبو عاصم سعد بن زياد، حدثني نافع مولاي، عن أبي هريرة، أن رسول الله استوى على المنبر، فقال: . فرأى تميما في ناحية المسجد، فقال: . فقال: كنا في جزيرة، فإذا نحن بدابة لا يدرى قبلها من دبرها. فقالت: تعجبون من خلقي، وفي الدير من يشتهي كلامكم! فدخلنا الدير، فإذا نحن برجل موثق في الحديد، من كعبه إلى أذنه، وإذا أحد منخريه مسدود، وإحدى عينيه مطموسة، والأخرى كأنها كوكب دري. قال: من أنتم؟ فأخبرناه، فقال: ما فعلت بحيرة طبرية؟ قلنا: كعهدها. قال: فما فعل نخل بيسان؟ قلنا: بعهده. قال: لأطأن الأرض بقدمي هاتين، إلا بلدة إبراهيم وطابا. فقال رسول الله : . وهذا حديث غريب جدا. وقد قال أبو حاتم: أبو عاصم هذا ليس بالمتين. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاما ممسوحة عينه، طالعة ناتئة، فأشفق رسول الله أن يكون الدجال، فوجده تحت قطيفة يهمهم، فآذنته أمه فقالت: يا عبد الله، هذا أبو القاسم قد [ص:138]جاء فاخرج إليه. فخرج من القطيفة، فقال رسول الله : . ثم قال: قال: أرى حقا، وأرى باطلا، وأرى عرشا على الماء. قال: فلبس عليه. فقال: . فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله : . ثم خرج وتركه، ثم أتاه مرة أخرى، فوجده في نخل له يهمهم، فآذنته أمه، فقال: يا عبد الله، هذا أبو القاسم قد جاء. فقال رسول الله : . قال: فكان رسول الله يطمع أن يسمع من كلامه شيئا؟ ليعلم أهو هو أم لا؟ قال: . قال: أرى حقا، وأرى باطلا، وأرى عرشا على الماء. قال: . قال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله : . فلبس عليه، ثم خرج وتركه. ثم جاء في الثالثة أو الرابعة ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب في نفر من المهاجرين والأنصار وأنا معه. قال: فبادر رسول الله بين أيدينا، ورجا أن يسمع من كلامه شيئا، فسبقته أمه إليه، فقالت: يا عبد الله، هذا أبو القاسم قد جاء. فقال رسول الله : . فقال: . قال: أرى حقا، وأرى باطلا، وأرى عرشا على الماء. قال: . قال: أتشهد [ص:139]أنت أني رسول الله؟ فقال رسول الله : . فلبس عليه. فقال له رسول الله : . قال: الدخ، الدخ. فقال له رسول الله : . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ائذن لي فأقتله يا رسول الله. فقال رسول الله : . قال - يعني جابرا -: فلم يزل رسول الله مشفقا أنه الدجال. وهذا سياق غريب جدا. وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن سليمان الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن مع رسول الله نمشي إذ مر بصبيان يلعبون، فيهم ابن صياد، فقال رسول الله : فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ قال: فقال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه: دعني فلأضرب عنقه. قال: فقال رسول الله : . والأحاديث الواردة في ابن صياد كثيرة، وفي بعضها التوقف في أمره، هل هو الدجال أم لا؟ فالله أعلم. ويحتمل أن يكون هذا قبل أن يوحى إلى رسول الله في شأن الدجال وتعيينه، وقد تقدم حديث تميم الداري في ذلك، وهو فاصل في هذا المقام، وسنورد من الأحاديث ما يدل على أن الدجال ليس بابن صياد. والله سبحانه أعلم؟ فقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا [ص:140]الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، أنه قال: قال رسول الله : . قال: قال: قال: . تفرد به أحمد أيضا، وقد رواه غير واحد، عن إبراهيم بن طهمان، وهو ثقة. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209848
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B3%20%D8%A8%D9%86%20%D8%B3%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%A7%D8%A8%D9%8A%20%D9%81%D9%8A%20%D9%85%D8%B9%D9%86%D8%A7%D9%87%D8%8C%20%D9%88%D8%A3%D8%A8%D8%B3%D8%B7%20%D9%85%D9%86%D9%87
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/حديث النواس بن سمعان الكلابي في معناه، وأبسط منه
قال مسلم: حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا الوليد بن مسلم، [ص:142]حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني يحيى بن جابر الطائي، قاضي حمص، حدثني عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي، أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي ( ح )، وحدثني محمد بن مهران الرازي، واللفظ له، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن يحيى بن جابر الطائي، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه جبير بن نفير، عن النواس بن سمعان، قال: ذكر رسول الله الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال غداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل. فقال: . قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: . قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: . قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال:. حدثني علي بن حجر السعدي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، والوليد بن مسلم - قال ابن حجر: دخل حديث أحدهما في حديث الآخر - عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، بهذا الإسناد نحو ما ذكرنا، وزاد بعد قوله: : . وفي رواية ابن حجر: . انتهى ما رواه مسلم إسنادا ومتنا. وقد تفرد به عن البخاري. ورواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، عن الوليد بن مسلم، بإسناده نحوه، وزاد في سياقه بعد قوله: قال ابن جابر: فحدثني يزيد بن عطاء السكسكي، عن كعب أو غيره، قال: . قال ابن جابر: وأين المهبل؟ قال: مطلع الشمس. [ص:146]ورواه أبو داود، عن صفوان بن صالح المؤذن، عن الوليد بن مسلم، ببعضه. ورواه الترمذي، عن علي بن حجر، وساقه بطوله، وقال: غريب حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث ابن جابر. ورواه النسائي في فضائل القرآن، عن علي بن حجر، مختصرا. ورواه ابن ماجه، عن هشام بن عمار، عن يحيى بن حمزة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بإسناده، قال: . وذكره قبل ذلك بتمامه، عن هشام بن عمار، ولم يذكر فيه هذه القصة، ولا ذكر في إسناده يحيى بن جابر الطائي. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209850
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D8%B9%D9%86%20%D8%A3%D8%A8%D9%8A%20%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%87%D9%84%D9%8A%20%D8%B5%D8%AF%D9%8A%20%D8%A8%D9%86%20%D8%B9%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%86%20%D9%81%D9%8A%20%D9%85%D8%B9%D9%86%D9%89%20%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B3%20%D8%A8%D9%86%20%D8%B3%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%86
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/حديث عن أبي أمامة الباهلي صدي بن عجلان في معنى حديث النواس بن سمعان
قال ابن ماجه: حدثنا علي بن محمد. حدثنا عبد الرحمن المحاربي. عن إسماعيل بن رافع أبي رافع. عن أبى زرعة السيباني يحيى بن أبي عمرو. عن أبي أمامة الباهلي. قال: خطبنا رسول الله فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال. وحذرناه. فكان من قوله أن قال: . قال أبو الحسن – يعني علي بن محمد: فحدثنا المحاربي. حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي. عن عطية. عن أبي سعيد. قال: قال رسول الله : . قال: قال أبو سعيد: والله. ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب. حتى مضى لسبيله. قال المحاربي: ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع. قال: . فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله. فأين العرب يومئذ؟ قال: . قال رسول الله : . قيل له: يا رسول الله. كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال: . قال رسول الله : . قيل: يا رسول الله. وما يرخص الفرس؟ قال: . قيل له: فما يغلي الثور؟ قال؟ . قيل: ما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: . قال ابن ماجه: سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول: سمعت عبد الرحمن [ص:152] المحاربي يقول: ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتاب. انتهى سياق ابن ماجه. وقد وقع تخبيط في إسناده لهذا الحديث. فكما وجدته في نسخة كتبت إسناده. وقد سقط التابعي منه. وهو عمرو بن عبد الله الحضرمي. أبو عبد الجبار الشامي الراوي له عن أبي أمامة. قال شيخنا الحافظ المزي في ” الأطراف ”: ورواه ابن ماجه في الفتن. عن علي بن محمد. عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي. عن أبي رافع إسماعيل بن رافع. عن أبي زرعة السيباني يحيى بن أبي عمرو. عن أبي أمامة به بتمامه. كذا قال. وكذا رواه سهل بن عثمان عن المحاربي. وهو وهم فاحش. قلت: وقد جود إسناده أبو داود. فرواه عن عيسى بن محمد. عن ضمرة. عن يحيى بن أبي عمرو السيباني. عن عمرو بن عبد الله. عن أبي أمامة. نحو حديث النواس بن سمعان. وقد روى الإمام أحمد بهذا الإسناد حديثا واحدا في ” مسنده ”. فقال أبو عبد الرحمن عبد الله ابن الإمام أحمد: وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثني مهدي بن جعفر الرملي. حدثنا ضمرة. عن السيباني. واسمه يحيى [ص:153] بن أبي عمرو. عن عمرو بن عبد الله الحضرمي. عن أبي أمامة. قال: قال رسول الله : قالوا: يا رسول الله: وأين هم؟ قال: . وقال مسلم: حدثنا عمرو الناقد. والحسن الحلواني. وعبد بن حميد – وألفاظهم متقاربة والسياق لعبد – قال: حدثني – وقال الآخران: حدثنا – يعقوب. هو ابن إبراهيم بن سعد. حدثنا أبي. عن صالح. عن ابن شهاب. أخبرني عبد الله بن عبد الله بن عتبة. أن أبا سعيد الخدري. قال: حدثنا رسول الله يوما حديثا طويلا عن الدجال. فكان فيما حدثنا قال: . قال أبو إسحاق: يقال: إن هذا الرجل [ص:154] هو الخضر. قال مسلم: وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. أنا أبو اليمان. أنا شعيب. عن الزهري في هذا الإسناد. بمثله. وقال مسلم: حدثني محمد بن عبد الله بن قهزاد. من أهل مرو. حدثنا عبد الله بن عثمان. عن أبي حمزة. عن قيس بن وهب. عن أبي الوداك. عن أبي سعيد الخدري. قال: قال رسول الله : . قال: قال: . قال: . قال: قال: . قال: . قال: . قال: . قال: . قال: . قال: . قال رسول الله : كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209851
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D9%85%D9%86%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%AC%D8%A7%D9%84
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر أحاديث منثورة في الدجال
قال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن أبي التياح، عن المغيرة بن سبيع، عن عمرو بن حريث، أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، أفاق من مرضة له، فخرج إلى الناس، فاعتذر بشيء وقال: ما أردنا إلا الخير. ثم قال: حدثنا رسول الله أن الدجال يخرج في أرض بالمشرق يقال لها: خراسان. يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة. ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث روح بن عبادة به. وقال الترمذي: حسن غريب. [ص:156] قلت: وقد رواه عبيد الله بن موسى العبسي، عن الحسن بن دينار، عن أبي التياح، فلم يتفرد به روح، كما زعمه بعضهم، ولا سعيد بن أبي عروبة; فإن يعقوب بن شيبة قال: لم يسمعه ابن أبي عروبة من أبي التياح، وإنما سمعه من ابن شوذب عنه. حديث عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن جابر، عن عبد الله بن نجي، عن علي، عن النبي . قال: ذكرنا الدجال عند النبي وهو نائم، فاستيقظ محمرا لونه، فقال: . ذكر كلمة. تفرد به أحمد. حديث عن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا محمد بن إسحاق، عن داود بن عامر بن سعد بن مالك، عن أبيه، عن جده، قال: قال. رسول الله : . تفرد به أحمد. [ص:157] حديث عن الصعب بن جثامة: قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبو حميد الحمصي، ثنا حيوة، ثنا بقية، عن صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد قال: لما فتحت إصطخر إذا مناد ينادي: ألا إن الدجال قد خرج. قال: فلقيهم الصعب بن جثامة فقال: لولا ما تقولون لأخبرتكم أني سمعت رسول الله يقول: . إسناده حسن، ولم يخرجه. حديث عن أبي عبيدة بن الجراح، رضي الله عنه: قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، حدثنا حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن سراقة، عن أبي عبيدة بن الجراح، قال: سمعت رسول الله يقول: . فوصفه لنا رسول الله فقال: . قالوا: يا رسول الله، كيف قلوبنا يومئذ؟ قال: . [ص:158] ثم قال الترمذي: وفي الباب عن عبد الله بن بسر، وعبد الله بن الحارث بن جزي، وعبد الله بن مغفل، وأبي هريرة، وهذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث خالد الحذاء. وقد رواه أحمد عن عفان وعبد الصمد، وأخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، كلهم عن حماد بن سلمة به. وروى أحمد، عن غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء ببعضه. حديث عن أبي بن كعب، رضي الله عنه: روى أحمد عن غندر، وروح، وسليمان بن داود، ووهب بن جرير، كلهم عن شعبة، عن حبيب بن الزبير، سمعت عبد الله بن أبي الهذيل، سمع عبد الرحمن بن أبزى، سمع عبد الله بن خباب، سمع أبي بن كعب يحدث أن رسول الله ذكر عنده الدجال، فقال: . تفرد به أحمد. حديث عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه: قال عبد الله ابن الإمام أحمد: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده، حدثني عبد المتعال بن [ص:159] عبد الوهاب، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا مجالد، عن أبي الوداك، قال: قال لي أبو سعيد: هل تقر الخوارج بالدجال؟ قلت: لا. فقال: قال رسول الله : . تفرد به أحمد. وقد روى عبد بن حميد في مسنده، عن حماد بن سلمة، عن الحجاج، عن عطية، عن أبي سعيد مرفوعا، نحوه. حديث عن أنس بن مالك، رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا بهز وعفان، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : . [ص:160] ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يونس بن محمد المؤدب، عن حماد بن سلمة، به نحوه. طريق أخرى عن أنس: قال أحمد: حدثنا يحيى، عن حميد، عن أنس، عن النبي ، قال: . هذا حديث ثلاثي الإسناد، وهو على شرط ” الصحيحين ”. طريق أخرى عن أنس: قال أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : . تفرد به أحمد. [ص:161] طريق أخرى عن أنس: قال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثني أبي، حدثنا شعيب; هو ابن الحبحاب، عن أنس، أن رسول الله قال: . حدثنا يونس، حدثنا حماد – يعني ابن سلمة – عن حميد وشعيب بن الحبحاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: . ورواه مسلمعن زهير، عن عفان، عن عبد الوارث، عن شعيب به، بنحوه. طريق أخرى عن أنس: قال أحمد: حدثنا عمرو بن الهيثم، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله : ” ما بعث نبي إلا أنذر [ص:162] أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: كافر ”. ورواه البخاريومسلم، من حديث شعبة به. حديث عن سفينة: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا حشرج، حدثني سعيد بن جمهان، عن سفينة مولى رسول الله قال: خطبنا رسول الله فقال: ” ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد حذر الدجال أمته، هو أعور عينه اليسرى، بعينه اليمنى ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: كافر، يخرج معه واديان; أحدهما جنة والآخر نار، فناره جنة، وجنته نار، معه ملكان من الملائكة يشبهان نبيين من الأنبياء، ولو شئت سميتهما بأسمائهما وأسماء آبائهما، أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، وذلك فتنة، فيقول الدجال: ألست بربكم؟ ألست أحيي وأميت؟ فيقول له أحد الملكين: كذبت. ما يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه، فيقول له: صدقت. فيسمعه الناس فيظنون أنما يصدق الدجال، وذلك فتنة، ثم يسير حتى يأتي المدينة، فلا يؤذن له فيها؟ فيقول: هذه قرية ذاك الرجل. ثم يسير حتى يأتي الشام، فيهلكه الله عند عقبة [ص:163] أفيق ”. تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به، ولكن في متنه غرابة ونكارة، فالله أعلم. حديث عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه: قال يعقوب بن سفيان الفسوي في ” مسنده ”: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا خنيس بن عامر بن يحيى المعافري، عن أبي قبيل، عن جنادة بن أبي أمية، أن قوما دخلوا على معاذ بن جبل وهو مريض، فقالوا له: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله لم تنسه. فقال: أجلسوني. فأخذ بعض القوم بيده، وجلس بعضهم خلفه، فقال: سمعت رسول الله يقول: . قال العلماء: تفرد به خنيس، وما علمت فيه جرحا، وإسناده صالح. [ص:164] حديث عن سمرة بن جندب، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا زهير، عن الأسود بن قيس، حدثني ثعلبة بن عباد العبدي، من أهل البصرة، قال: شهدت يوما خطبة لسمرة بن جندب، فذكر في خطبته حديثا في صلاة الكسوف، وأن رسول الله خطب بعد صلاة الكسوف، فقال: “وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، آخرهم الأعور الدجال، ممسوح العين اليسرى، كأنها عين أبي تحيى، وإنه متى يخرج – أو قال: متى ما يخرج – فإنه سوف يزعم أنه الله، فمن آمن به وصدقه واتبعه; لم ينفعه صالح من عمله سلف، ومن كفر به وكذبه; لم يعاقب بشيء من عمله – وقال الحسن: بسيئ من عمله – سلف، وإنه سوف يظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس، وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس، ويزلزلون زلزالا شديدا، ثم يهلكه الله تعالى، حتى إن جذم الحائط، وأصل الشجرة لينادي: يا مؤمن، هذا يهودي – أو قال: هذا كافر – تعال فاقتله. ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم، [ص:165] وتسألون بينكم: هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا، وحتى تزول جبال عن مراتبها ثم شهد خطبة سمرة مرة أخرى، فما قدم كلمة ولا أخرها عن موضعها. وأصل هذا الحديث في صلاة الكسوف عند أصحاب السنن الأربعة، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم في مستدركه أيضا. وقيل: سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة مرفوعا: . قلت: وليس هذا الحديث من هذا الوجه في ” المسند ”، ولا في شيء من الكتب الستة، وكان الأولى بشيخنا أن يسنده، أو يعزوه إلى كتاب مشهور، والله الموفق. حديث آخر عن سمرة: قال أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد وعبد الوهاب، أنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله [ص:166] كان يقول: . وقال الطبراني: حدثنا موسى بن هارون، حدثنا مروان بن جعفر السمري، حدثنا محمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان، ثنا جعفر بن سعد بن سمرة، عن خبيب، عن أبيه، عن جده سمرة، أن رسول الله كان يقول: . [ص:167] حديث غريب. حديث عن جابر، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا زهير، عن زيد – يعني ابن أسلم – عن جابر بن عبد الله، قال: أشرف رسول الله على فلق من أفلاق الحرة، ونحن معه، فقال: . ثم قال رسول الله : . ثم وضع يده على عينيه، ثم قال: . تفرد به أحمد، وإسناده جيد، وصححه الحاكم. [ص:168] طريق أخرى عن جابر: قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: قال رسول الله : . تفرد به البزار، وإسناده حسن، ولفظه غريب جدا. وروى عبد الله بن أحمد في ” السنة ”، من طريق مجالد، عن الشعبي، عن جابر; أن رسول الله ذكر الدجال فقال: . ورواه ابن أبي شيبة، عن علي بن مسهر، عن مجالد به، أطول من هذا. طريق أخرى عن جابر: قال أحمد: حدثنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال النبي : . وروى مسلممن حديث ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي قال: ” لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين حتى ينزل [ص:169] عيسى ابن مريم.... ” وتقدمت الطريق الأخرى عن أبي الزبير عنه، وعن أبي سلمة عنه، في الدجال. حديث عن ابن عباس، رضي الله عنهما: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي أنه قال في الدجال: . قال شعبة: فحدثت به قتادة، فحدثني بنحو من هذا. تفرد به أحمد من هذا الوجه. وروى أحمد، والحارث بن أبي أسامة، وأبو يعلى، من طريق هلال، عن عكرمة، عن ابن عباس في حديث الإسراء، قال: ورأى الدجال في صورته رؤيا عين، ليس رؤيا منام، وعيسى وإبراهيم، فسئل النبي عن الدجال، فقال: ” رأيته فيلمانيا أقمر هجانا، إحدى عينيه قائمة، كأنها [ص:170] كوكب دري، كأن شعره أغصان شجرة ”. وذكر تمام الحديث. حديث عن هشام بن عامر: قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد – يعني ابن هلال – عن هشام بن عامر الأنصاري قال: سمعت رسول الله يقول: . وقال أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن حميد بن هلال، عن بعض أشياخهم، قال: قال هشام بن عامر لجيرانه: إنكم لتخطون إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله ولا أوعى لحديثه مني، وإني سمعت رسول الله يقول: . ورواه الإمام أحمد أيضا، عن أحمد بن عبد الملك، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي الدهماء، عن هشام بن عامر، أنه قال: إنكم لتجاوزنني إلى رهط من أصحاب رسول الله ما كانوا أحصى ولا أحفظ لحديثه مني، وإني سمعت رسول الله يقول: . [ص:171] وقد رواه مسلممن حديث أيوب، عن حميد بن هلال، عن رهط، منهم أبو الدهماء وأبو قتادة، عن هشام بن عامر، فذكر نحوه. وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن هشام بن عامر، قال: قال رسول الله : . أو قال: . حديث عن ابن عمر، رضي الله عنهما: قال أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : ” ينزل الدجال في هذه السبخة، بمر قناة، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه، وإلى أمه، وابنته، وأخته، وعمته، فيوثقها رباطا، مخافة أن تخرج إليه، ثم يسلط الله المسلمين عليه، فيقتلونه، ويقتلون شيعته، حتى إن اليهودي ليختبئ تحت الشجرة أو الحجر، فيقول الحجر أو الشجرة [ص:172] للمسلم: هذا يهودي تحتي فاقتله ”. تفرد به أحمد من هذا الوجه. طريق أخرى عن سالم: قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قام رسول الله في الناس، فأثنى على الله، تعالى بما هو أهله، فذكر الدجال فقال: . وقد تقدم هذا في الصحيح مع حديث ابن صياد. وبه عن ابن عمر: أن رسول الله قال: . وأصله في ” الصحيحين ” من حديث الزهري، بنحوه. طريق أخرى: قال أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا عاصم بن محمد، عن أخيه عمر بن محمد، عن محمد بن زيد، يعني أبا عمر بن محمد، قال: قال عبد الله بن عمر: كنا نحدث بحجة الوداع، ولا ندري أنه الوداع من رسول الله فلما كان في حجة الوداع، خطب رسول الله فذكر المسيح الدجال، فأطنب في ذكره، ثم قال: ” ما بعث الله من نبي إلا قد أنذره أمته; لقد أنذره نوح أمته، والنبيون، عليهم الصلاة والسلام، من بعده، ألا ما خفي عليكم [ص:173] من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور ”. تفرد به أحمد من هذا الوجه. طريق أخرى: قال أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي قال: . وهذا إسناد جيد حسن. وقال الترمذي: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي أنه سئل عن الدجال فقال: . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن سعد، وحذيفة، وأبي هريرة، وأسماء، وجابر بن عبد الله، وأبي بكرة، وعائشة، وأنس، وابن عباس، والفلتان بن عاصم. حديث عبد الله بن عمرو: قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، قال: لما جاءتنا بيعة يزيد بن [ص:174] معاوية قدمت الشام، فأخبرت بمقام يقومه نوف، فجئته، إذ جاء رجل – فاشتد الناس – عليه خميصة، وإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص، فلما رآه نوف أمسك عن الكلام، فقال عبد الله: سمعت رسول الله يقول: . قال: وسمعت رسول الله يقول: . ورواه أبو داود من حديث قتادة، عن شهر، عنه. طريق أخرى عنه: قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا جعفر بن أحمد الساماني، حدثنا أبو كريب، حدثنا فردوس الأشعري، عن مسعود بن سليمان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي أنه قال في الدجال: ” ما شبه عليكم منه، فإن الله، سبحانه، ليس بأعور، يخرج [ص:175] فيكون في الأرض أربعين صباحا، يرد كل منهل إلا الكعبة، وبيت المقدس والمدينة، الشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ومعه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار، معه جبل من خبز، ونهر من ماء، يدعو برجل، لا يسلطه الله إلا عليه، فيقول: ما تقول في؟ فيقول: أنت عدو الله، وأنت الدجال الكذاب. فيدعو بمنشار، فيضعه حذو رأسه فيشقه، ثم يحييه، فيقول له: ما تقول في؟ فيقول: والله ما كنت أشد بصيرة مني فيك الآن، أنت عدو الله؟ الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله . فيهوي إليه بسيفه فلا يستطيعه، فيقول: أخروه عني ”. قال العلماء: هذا حديث غريب، ومسعود لا يعرف. وسيأتي حديث يعقوب بن عاصم عنه، في مكث الدجال في الأرض، ونزول عيسى ابن مريم. حديث عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية، قالت: كان رسول الله في بيتي، فذكر الدجال، فقال: قال: . قال: . قالت: ثم خرج رسول الله لحاجة، ثم رجع والقوم في اهتمام وغم، مما حدثهم به، قالت: فأخذ بلجفتي الباب وقال: . قالت: قلت: يا رسول الله، لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال. قال: . قالت أسماء: يا رسول الله، إنا والله لنعجن عجينتنا فما نختبزها حتى نجوع، فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال: . وكذلك رواه أحمد أيضا، عن يزيد بن هارون، عن جرير بن حازم، عن قتادة، عن شهر، عنها، بنحوه، وهذا إسناد لا بأس به، وقد تفرد به أحمد، وتقدم له شاهد في حديث أبي أمامة الطويل، وفي حديث عائشة بعده شاهد له من وجه آخر أيضا، والله أعلم. [ص:177] وقال أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، حدثتني أسماء: أن رسول الله قال في حديث: . وسيأتي عن أسماء بنت عميس نحوه، والمحفوظ هذا، والله أعلم. حديث عائشة، رضي الله عنها: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، حدثنا علي بن زيد، عن الحسن، عن عائشة، أن رسول الله ذكر جهدا يكون بين يدي الدجال، فقالوا: أي المال خير يومئذ. قال: . قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ؟ قال: . قالت عائشة: فأين العرب يومئذ؟ قال: . تفرد به أحمد، وإسناده صحيح فيه غرابة، وتقدم في حديث أسماء، وأبي أمامة شاهد له، والله أعلم. طريق أخرى عنها: قال أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني الحضرمي بن لاحق، أن ذكوان أبا [ص:178] صالح أخبره، أن عائشة أخبرته، قالت: دخل علي رسول الله وأنا أبكي، فقال: قلت: يا رسول الله، ذكرت الدجال، فبكيت. فقال رسول الله : . تفرد به أحمد. وقال – أحمد أيضا: حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عامر، عن عائشة أن النبي قال: لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة ”. ورواهالنسائي عن قتيبة، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي، به. والمحفوظ رواية عامر الشعبي عن فاطمة بنت قيس، كما تقدم. وثبت في ” الصحيح ” من حديث هشام بن عروة، عن زوجته فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، أنها قالت في حديث صلاة الكسوف: إن رسول الله قال في خطبته يومئذ: . لا أدري أي ذلك قالت أسماء؟ الحديث بطوله. [ص:179] وثبت في صحيح مسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أم شريك، أن رسول الله قال: . قلت: يا رسول الله، أين العرب يومئذ؟ قال: . حديث عن أم سلمة، رضي الله عنها: قال ابن وهب: أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عروة، قال: قالت أم سلمة: ذكرت المسيح الدجال ليلة، فلم يأتني النوم، فلما أصبحت دخلت على رسول الله ، فأخبرته، فقال: . ثم قام، فقال: . قال العلماء: إسناده قوي. حديث رافع بن خديج: رواه الطبراني من رواية عطية بن عطية، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج، عن النبي في ذم القدرية، وأنهم زنادقة هذه الأمة، وفي زمانهم يكون ظلم السلطان، وحيف وأثرة، ثم يبعث الله طاعونا، فيفني عامتهم، ثم يكون الخسف، فما أقل من ينجو منهم، المؤمن يومئذ قليل فرحه، شديد غمه، ثم يكون المسخ، فيمسخ الله عامتهم قردة وخنازير، ثم يخرج الدجال على [ص:180] إثر ذلك قريبا. ثم بكى رسول الله حتى بكينا لبكائه، وقلنا: ما يبكيك؟ قال: . الحديث. حديث عن عثمان بن أبي العاص، رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، قال: أتينا عثمان بن أبي العاص في يوم جمعة; لنعرض عليه مصحفا لنا على مصحفه، فلما حضرت الجمعة أمرنا فاغتسلنا، ثم أتينا بطيب فتطيبنا، ثم جئنا المسجد، فجلسنا إلى رجل، فحدثنا عن الدجال، ثم جاء عثمان بن أبي العاص، فقمنا إليه فجلسنا، فقال: سمعت رسول الله يقول: ” يكون للمسلمين ثلاثة أمصار ; مصر بملتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشام، فيفزع الناس ثلاث فزعات، فيخرج الدجال في أعراض الناس، فيهزم من قبل المشرق، فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين، فيصير أهله ثلاث فرق; فرقة تقيم تقول: نشامه; ننظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، [ص:181] وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم، ومع الدجال سبعون ألفا عليهم السيجان، وأكثر تبعه اليهود والنساء، ثم يأتي المصر الذي يليه، فيصير أهله ثلاث فرق; فرقة تقول: نشامه ننظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم بغربي الشام، وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق، فيبعثون سرحا لهم، فيصاب سرحهم، فيشتد ذلك عليهم، وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد، حتى إن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من السحر: يا أيها الناس، أتاكم الغوث. ثلاثا، فيقول بعضهم لبعض: إن هذا الصوت لصوت رجل شبعان، وينزل عيسى ابن مريم، عليه السلام، عند صلاة الفجر، فيقول له أميرهم: يا روح الله، تقدم صل. فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض، فيتقدم أميرهم فيصلي، فإذا قضى صلاته أخذ عيسى عليه السلام حربته، فيذهب نحو الدجال، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص، فيضع حربته بين ثندوتيه فيقتله، وينهزم أصحابه، فليس يومئذ شيء يواري منهم أحدا، حتى إن الشجرة لتقول: يا مؤمن، هذا كافر. ويقول الحجر: يا مؤمن، هذا كافر ”. تفرد به أحمد. ولعل هذين المصرين هما البصرة والكوفة; بدليل ما رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، حدثنا الحشرج بن نباتة القيسي الكوفي، [ص:182] حدثني سعيد بن جمهان، حدثنا عبد الله بن أبي بكرة، قال: حدثنا أبي في هذا المسجد، يعني مسجد البصرة، قال: قال رسول الله : . ثم رواه أحمد، عن يزيد بن هارون وغيره، عن العوام بن حوشب، عن سعيد بن جمهان، عن ابن أبي بكرة، عن أبيه، فذكره. قال العوام: بنو قنطوراء هم الترك. ورواه أبو داود، عن محمد بن يحيى بن فارس، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن سعيد بن جمهان، عن مسلم بن أبي بكرة، عن أبيه، فذكر نحوه. وروى أبو داود من حديث بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي في حديث . يعني الترك، قال: ” تسوقونهم ثلاث مرار، حتى تلحقوهم بجزيرة العرب، فأما في السياقة [ص:183] الأولى فينجو من هرب منهم، وأما في الثانية فينجو بعض ويهلك بعض، وأما في الثالثة فيصطلمون ”. أو كما قال. لفظ أبي داود. وروى الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود، قال: يفترق الناس عند خروج الدجال ثلاث فرق، فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ بشط الفرات، يقاتلهم ويقاتلونه، حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام، ويبعثون طليعة، فيهم فارس فرسه أشقر أو أبلق، فيقتلون فلا يرجع منهم بشر. حديث عن عبد الله بن بسر: قال حنبل بن إسحاق: حدثنا دحيم، حدثنا عبد الله بن يحيى المعافري، هو البرلسي – أحد الثقات – عن معاوية بن صالح، حدثني أبو الوازع أنه سمع عبد الله بن بسر يقول: سمعت رسول الله يقول: . أو قال: . قال العلماء: أبو الوازع لا يعرف، والحديث منكر. قلت: وقد تقدم في حديث أبي عبيدة شاهد له. [ص:184] حديث عن سلمة بن الأكوع، رضي الله عنه: قال الطبراني: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، حدثنا زيد بن الحريش، حدثنا أبو همام محمد بن الزبرقان، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثني زيد بن عبد الرحمن، عن سلمة بن الأكوع، قال: أقبلت مع رسول الله من قبل العقيق، حتى إذا كنا مع الثنية، قال: . [ص:185] موسى بن عبيدة الربذي ضعيف، وهذا السياق فيه غرابة، والله أعلم. حديث محجن بن الأدرع، رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد، يعني ابن سلمة، عن سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن محجن بن الأدرع، أن رسول الله خطب الناس، فقال: ثلاثا. فقيل له: وما يوم الخلاص. قال: . تفرد به أحمد. ثم رواه أحمد عن غندر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن عبد الله بن شقيق، عن رجاء بن أبي رجاء، عن محجن بن الأدرع، قال: أخذ رسول الله بيدي، فصعد على أحد، فأشرف على المدينة، فقال: . قال: ثم نزل وهو آخذ بيدي، فدخل المسجد، فإذا رجل يصلي، فقال لي: فأثنيت عليه خيرا، فقال: . قال: ثم أتى حجرة امرأة من نسائه، فنفض يده من يدي، وقال: ” إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم [ص:186] أيسره ”. حديث آخر: قال معمر في ” جامعه ”، عن الزهري، أخبرني عمرو بن أبي سفيان الثقفي، أخبرني رجل من الأنصار، عن بعض أصحاب محمد ، قال: ذكر رسول الله الدجال، فقال: ” يأتي سباخ المدينة، وهو محرم عليه أن يدخلها، فتنتفض بأهلها نفضة أو نفضتين، وهي الزلزلة، فيخرج إليه منها كل منافق ومنافقة، ثم يولي الدجال قبل الشام، حتى يأتي بعض جبال الشام، وبقية المسلمين يومئذ معتصمون بذروة جبل، فيحاصرهم نازلا بأصله، حتى إذا طال عليهم البلاء، قال رجل: حتى متى أنتم هكذا، وعدو الله نازل بأصل جبلكم؟ هل أنتم إلا بين إحدى الحسنيين; بين أن يستشهدكم أو يظهركم الله عليه. فتتبايعون على الموت بيعة يعلم الله أنها الصدق من أنفسهم، ثم تأخذهم ظلمة لا يبصر امرؤ كفه، فينزل ابن مريم، فيحسر عن أبصارهم، وبين أظهرهم رجل عليه لأمة، فيقولون: من أنت؟ فيقول: أنا عبد الله ورسوله، وروحه، وكلمته، عيسى، اختاروا إحدى ثلاث، بين أن يبعث الله على الدجال وجنوده عذابا من السماء، أو يخسف بهم الأرض، أو يسلط عليهم سلاحكم، ويكف سلاحهم عنكم. فيقولون: هذه يا رسول الله، أشفى لصدورنا. فيومئذ يرى اليهودي العظيم الطويل، الأكول الشروب، لا تقل يده سيفه; من الرعدة، فينزلون إليهم، فيسلطون عليهم، ويذوب الدجال [ص:187] حتى يدركه عيسى ابن مريم، فيقتله ” قال العلماء: هذا حديث قوي الإسناد. حديث نهيك بن صريم: قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أبو موسى الزمن، حدثنا إبراهيم بن سليمان، حدثنا محمد بن أبان، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن بشر بن عبيد الله، عن أبي إدريس، عن نهيك بن صريم السكوني، قال: قال رسول الله : . قال: وما أدري أين الأردن يومئذ من الأرض؟ وكذا رواه سعيد بن سالم، وعبد الحميد بن صالح. حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله قال: . [ص:188] وقد روى مسلمعن قتيبة، بهذا الإسناد: . الحديث، وقد تقدم الحديث بطرقه وألفاظه، والظاهر، والله أعلم، أن المراد بهؤلاء الترك أنصار الدجال، كما تقدم في حديث أبي بكر الصديق الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. طريق أخرى عن أبى هريرة: قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله يقول: . إسناده جيد قوي حسن. طريق أخرى عن أبي هريرة: قال حنبل بن إسحاق: حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا فليح، عن الحارث بن فضيل، عن زياد بن سعد، عن أبي هريرة، أن رسول الله خطب الناس، وذكر الدجال، فقال: . هذا إسناد جيد لم يخرجوه. [ص:189] طريق أخرى عن أبي هريرة: قال أحمد: حدثنا سريج، حدثنا فليح، عن عمر بن العلاء الثقفي، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . هذا غريب جدا، وذكر مكة في هذا ليس بمحفوظ، أو ذكر الطاعون، والله أعلم، والعلاء الثقفي هذا إن كان ابن زيدل، فهو كذاب. طريق أخرى عنه: قال البخاريومسلم: حدثنا زهير، حدثنا جرير، عن عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: مازلت أحب بني تميم منذ ثلاث، سمعت رسول الله يقول: . قال: وجاءت صدقاتهم، فقال رسول الله : . قال: وكانت سبية منهم عند عائشة، فقال رسول الله : . حديث عمران بن حصين، رضي الله عنه: قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جرير، حدثنا حميد بن هلال، عن أبي الدهماء، قال: سمعت عمران بن حصين يحدث، قال: قال رسول الله : ” من سمع [ص:190] بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه، مما يبعث به من الشبهات . هكذا قال. تفرد به أبو داود. وقال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام بن حسان، حدثنا حميد بن هلال، عن أبي الدهماء، عن عمران بن حصين، عن النبي ، قال: . وكذلك رواه عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان. وهذا إسناد جيد، وأبو الدهماء – واسمه قرفة بن بهيس العدوي – ثقة. وقال سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن عمران بن الحصين، قال: قال رسول الله : . يعني الدجال. حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: قال أبو داود: حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا بقية، حدثنا بحير، عن خالد، عن عمرو بن الأسود، عن [ص:191] جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، أنه حدثهم أن رسول الله قال: . ورواه أحمد عن حيوة بن شريح ويزيد بن عبد ربه، والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم، كلهم عن بقية بن الوليد، به. حديث عن أسماء بنت عميس: رواه الطبراني من طريق أنس بن عياض، عن عبيد الله بن عمر، حدثني بعض أصحابنا عن أسماء بنت عميس، أنها شكت إلى رسول الله الحاجة، فقال: فقلت: يا رسول الله، إن الجارية لتخلفن على التنور ساعة تخبزها، فأكاد أفتتن بها في صلاتي، فكيف بنا إذا كان ذلك؟ فقال: ” إن الله [ص:192] ليعصم المؤمنين بما يعصم به الملائكة من التسبيح، مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ”. حديث المغيرة بن شعبة: قال مسلم: حدثنا شهاب بن عباد العبدي، حدثنا إبراهيم بن حميد الرؤاسي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة، قال: ما سأل أحد النبي عن الدجال أكثر مما سألت. قال: . قال: قلت: يا رسول الله، إنهم يقولون: إن معه الطعام والأنهار. قال: . حدثنا سريج بن يونس، حدثنا هشيم، عن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد النبي عن الدجال أكثر مما سألته. قال: . قال: قلت: إنهم يقولون: معه جبال من خبز ولحم، ونهر من ماء. قال . ورواه مسلمأيضا في الاستئذان، من طرق كثيرة، عن إسماعيل بن أبي خالد. وأخرجه البخاري، عن مسدد، عن يحيى القطان، عن إسماعيل، به. [ص:193] وقد تقدم في حديث حذيفة وغيره أن ماءه نار، وناره ماء بارد، وإنما ذلك في رأي العين. وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من العلماء، كابن حزم والطحاوي وغيرهما في أن الدجال ممخرق مموه، لا حقيقة لما يبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه، بل كلها خيالات عند هؤلاء. وقال الشيخ أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة: لا يجوز أن يكون لذلك حقيقة; لئلا يشتبه خارق الساحر بخارق النبي. وقد أجابه القاضي عياض وغيره بأن الدجال إنما يدعي الإلهية، وذلك مناف لبشريته، فلا يمتنع إجراء الخارق على يديه، والحالة هذه. وقد أنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة خروج الدجال بالكلية، وردوا الأحاديث الواردة فيه، فلم يصنعوا شيئا، وخرجوا بذلك عن حيز العلماء; لردهم ما تواترت به الأخبار الصحيحة من غير وجه عن رسول الله كما تقدم ذلك. وإنما أوردنا بعض ما ورد في هذا الباب، وفيه كفاية ومقنع، وبالله المستعان. والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهدة في زمانه، كما تقدم أن من استجاب له يأمر السماء [ص:194] فتمطرهم، والأرض فتنبت لهم زرعا تأكل منه أنعامهم، وأنفسهم وترجع إليهم مواشيهم سمانا لبنا، ومن لا يستجيب له ويرد عليه أمره تصيبهم السنة والجدب والقحط والغلة وموت الأنعام ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وأنه يتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه، وهذا كله ليس بمخرقة، بل له حقيقة امتحن الله بها عباده في ذلك الزمان، فيضل به كثيرا، ويهدي به كثيرا، يكفر المرتابون، ويزداد الذين آمنوا إيمانا. وقد حمل القاضي عياض وغيره على هذا المعنى معنى الحديث: . أي هو أقل من أن يكون معه ما يضل به عباده المؤمنين، وما ذاك إلا لأنه ناقص، ظاهر النقص والفجور والظلم، وإن كان معه ما معه من الخوارق; فبين عينيه مكتوب: كافر. كتابة ظاهرة، وقد حقق ذلك الشارع في خبره بقوله: . فدل ذلك على أنه كتابة حسية، لا معنوية، كما يقوله بعض الناس، وعينه الواحدة عوراء شنيعة المنظر ناتئة، وهو معنى قوله: . أي على وجه الماء، ومن روى ذلك: . فمعناه: لا ضوء فيها. وفي الحديث الآخر: . أي بشعة الشكل. وقد ورد في بعض الأحاديث أن عينه اليمنى عوراء، وجاء في بعضها: اليسرى. فإما أن تكون إحدى الروايتين غير محفوظة، أو أن العور [ص:195] حاصل في كل من العينين، ويكون معنى العور النقص والعيب، ويقوي هذا الجواب ما رواه الطبراني، حدثنا محمد بن محمد التمار وأبو خليفة، قالا: حدثنا أبو الوليد، حدثنا زائدة، حدثنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : . الحديث. وكذلك رواه سفيان الثوري، عن سماك بنحوه. لكن قد جاء في الحديث المتقدم: . وعلى هذا فتكون الرواية الواحدة غلطا، ويحتمل أن يكون المراد أن العين الواحدة عوراء في نفسها، والأخرى عوراء باعتبار انفرادها. والله، سبحانه وتعالى، أعلم بالصواب. وقد سأل سائل سؤالا، فقال: ما الحكمة في أن الدجال مع كثرة شره وفجوره، وانتشار أمره، ودعواه الربوبية، وهو في ذاك ظاهر الكذب والافتراء، وقد حذر منه جميع الأنبياء، كيف لم يذكر في القرآن، ويبصر منه، ويصرح باسمه، وينوه بكذبه وعناده؟. والجواب من وجوه; أحدها أنه قد أشير إلى ذكره في قوله تعالى: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [ص:196] الآية [الأنعام: 158]. فال أبو عيسى الترمذي عند تفسيرها: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا يعلى بن عبيد، عن فضيل بن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي قال: . ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. الثاني: أن عيسى ابن مريم ينزل من السماء الدنيا، فيقتل الدجال، كما تقدم، وكما سيأتي، وقد ذكر في القرآن نزوله في قوله تعالى: بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا [النساء: 158، 159]. وقد قررنا في التفسير أن الضمير في قوله تعالى: قبل موته. عائد على عيسى، أي سينزل إلى الأرض، ويؤمن به أهل الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافا متباينا، فمن مدعي الإلهية كالنصارى، ومن قائل فيه قولا عظيما، وهو أنه ولد زنية، وهم اليهود، ومن قائل أنه قتل وصلب ومات. إلى غير ذلك، فإذا نزل قبل يوم القيامة تحقق كل من الفريقين كذب نفسه فيما يدعيه فيه من الافتراء، وسنقرر هذا قريبا. وعلى هذا فيكون ذكر نزول المسيح عيسى ابن مريم إشارة إلى ذكر المسيح الدجال مسيح الضلالة، وهو ضد مسيح الهدى، ومن [ص:197] عادة العرب أنها تكتفي بذكر أحد الضدين عن ذكر الآخر، كما هو مقرر في موضعه. الثالث: أنه لم يذكر بصريح اسمه في القرآن احتقارا له، حيث أنه يدعي الإلهية وهو بشر، وهو مع بشريته ناقص الخلق ينافي حاله جلال الرب وعظمته وكبرياءه وتنزيهه عن النقص، فكان أمره عند الرب أحقر من أن يذكر، وأصغر، وأدحر من أن يجلى عن أمر دعواه ويحذر، ولكن انتصر الرسل لجناب الرب، عز وجل، فجلوا لأممهم عن أمره، وحذروهم ما معه من الفتن المضلة، والخوارق المنقضية المضمحلة، فاكتفى بإخبار الأنبياء، وتواتر ذلك عن سيد ولد آدم إمام الأتقياء عن أن يذكر أمره الحقير بالنسبة إلى جلال الله، في القرآن العظيم، ووكل بيان أمره إلى كل نبي كريم. فإن قلت: فقد ذكر فرعون في القرآن، وقد ادعى ما ادعاه من الإلهية والكذب والبهتان; حيث قال: أنا ربكم الأعلى [النازعات: 24]. وقال: يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري [القصص: 38]. فالجواب أن أمر فرعون قد انقضى، وتبين كذبه لكل مؤمن وعاقل، وأمر الدجال سيأتي، وهو كائن فيما يستقبل فتنة واختبارا للعباد، فترك ذكره في القرآن احتقارا له، وامتحانا به، إذ أمره وكذبه أظهر من أن ينبه عليه، ويحذر منه، وقد يترك ذكر الشيء لوضوحه، كما كان النبي في مرض موته قد عزم على أن يكتب كتابا بخلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، من بعده، ثم ترك ذلك، وقال: . فترك نصه عليه لوضوح جلالته، وعظيم [ص:198] قدره عند الصحابة، وعلم، عليه الصلاة والسلام، أنهم لا يعدلون به أحدا بعده، وكذلك وقع الأمر، ولهذا يذكر هذا الحديث في دلائل النبوة، كما تقدم ذكرنا له غير مرة في مواضع من هذا الكتاب. وهذا المقام الذي نحن فيه من هذا القبيل، وهو أن الشيء قد يكون ظهوره كافيا عن التنصيص عليه، وأن الأمر أظهر وأوضح وأجلى من أن يحتاج معه إلى زيادة إيضاح على ما في القلوب مستقر، فالدجال واضح الذم ظاهر النقص بالنسبة إلى المقام الذي يدعيه من الربوبية، فترك الله ذكره والنص عليه; لما يعلم تعالى من عباده المؤمنين أن مثل الدجال لا يخفى ضلاله عليهم ولا يهيضهم، ولا يزيدهم إلا إيمانا وتسليما لله ولرسوله، وتصديقا للحق، وردا للباطل. ولهذا يقول ذلك المؤمن الذي يسلط عليه الدجال فيقتله، ثم يحييه: والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، أنت الأعور الكذاب الذي حدثنا عنه رسول الله . ولا يلزم من هذا أنه سمع خبر الدجال من رسول الله شفاها. وقد أخذ بظاهره إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الراوي للصحيح عن مسلم، فحكى عن بعضهم أنه الخضر، عليه السلام، وحكاه القاضي عياض عن معمر في ” جامعه ”. [ص:199] وقد قال أحمد في ” مسنده ”، وأبو داود في سننه، والتزمذي في [[سنن الترمذي|جامعه]]، بإسنادهم إلى أبي عبيدة أن رسول الله قال: . وهذا مما قد يتقوى به بعض من يقول بهذا، ولكن في إسناده غرابة، ولعل هذا كان قبل أن يبين له من أمر الدجال ما بين في ثاني الحال. والله تعالى أعلم. وقد ذكرنا في قصة الخضر كلام الناس في حياته، ودللنا على وفاته بأدلة أسلفناها هنالك، فمن أراد الوقوف عليها فليتأملها في قصص الأنبياء من كتابنا هذا. والله أعلم بالصواب. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209853
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%20%D9%8A%D8%B9%D8%B5%D9%85%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%AC%D8%A7%D9%84
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر ما يعصم من الدجال
ذكر ما يعصم من الدجال فمن ذلك الاستعاذة من فتنته، فقد ثبت في الأحاديث الصحاح، من غير [ص:200]وجه أن رسول الله كان يتعوذ من فتنة الدجال في الصلاة، وأنه أمر أمته بذلك أيضا: . وذلك من حديث أنس، وأبي هريرة، وعائشة، وابن عباس، وسعد، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وغيرهم. قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: والاستعاذة من الدجال متواترة عن رسول الله . ومن ذلك حفظ آيات من سورة الكهف، كما قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا هشام، عن قتادة، حدثنا سالم بن أبي الجعد، عن معدان، عن أبي الدرداء، يرويه عن النبي قال: . قال أبو داود: وكذا قال هشام الدستوائي، عن قتادة، إلا أنه قال: . وقال شعبة، عن قتادة: . [ص:201]وقد رواه مسلم من حديث همام، وهشام، وشعبة، عن قتادة، به، بألفاظ مختلفة، وقال الترمذي: حسن صحيح. وفي بعض رواياته: . ورواه أحمد، عن يزيد بن هارون، وعفان وعبد الصمد، عن همام، عن قتادة به: . وكذلك رواه عن روح، عن سعيد، عن قتادة بمثله، ورواه عن حسين، عن شيبان، عن قتادة كذلك، وقد رواه عن غندر وحجاج، عن شعبة، عن قتادة وقال: . ومن ذلك الابتعاد عنه فلا يراه; فإن من رآه افتتن، كما تقدم في حديث عمران بن حصين: . [ص:202]ومما يعصم من فتنة الدجال سكنى المدينة النبوية ومكة، شرفهما الله تعالى، فقد روى البخاري ومسلم، من حديث الإمام مالك، رضي الله عنه، عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . وقال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، عن أبي بكرة، عن النبي قال: . وقد روى هذا جماعة من الصحابة منهم; أبو هريرة، وأنس بن مالك، وسلمة بن الأكوع، ومحجن بن الأدرع، كما تقدم. وقال الترمذي: حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله : . وأخرجه البخاري عن يحيى بن موسى، وإسحاق بن أبي عيسى، عن يزيد بن هارون به، ثم قال الترمذي: هذا حديث صحيح، وفي الباب عن أبي هريرة، وفاطمة بنت قيس، ومحجن، وأسامة، وسمرة بن جندب. وقد ثبت في الصحيح أنه لا يدخل مكة ولا المدينة تمنعه الملائكة; لشرف هاتين [ص:203]البقعتين، فهما حرمان آمنان، وإنما إذا نزل عند سبخة المدينة ترجف بأهلها ثلاث رجفات، إما حسا، وإما معنى، على القولين، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة، فيومئذ تنفي المدينة خبثها، وينصع طيبها، كما تقدم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209854
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%85%D9%84%D8%AE%D8%B5%20%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%AC%D8%A7%D9%84
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ملخص سيرة الدجال
هو رجل من بني آدم، خلقه الله تعالى، ليكون محنة واختبارا للناس في آخر الزمان، فيضل به كثيرا، ويهدي به كثيرا، وما يضل به إلا الفاسقين. وقد روى الحافظ أحمد بن علي الأبار، في " تاريخه "، من طريق مجالد، عن الشعبي، أنه قال: كنية الدجال أبو يوسف. وقد روي عن عمر بن الخطاب وأبي ذر وجابر بن عبد الله، وغيرهم من الصحابة، كما تقدم، أنه ابن صياد. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: قال رسول الله : . ثم نعت أبويه، فقال: . قال: فبلغنا أن مولودا من اليهود ولد بالمدينة، فانطلقت أنا والزبير بن العوام، حتى دخلنا على أبويه، فرأينا فيهما نعت رسول الله ، وإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة، له همهمة، فسألنا أبويه، فقالا: مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا، ثم ولد لنا غلام أعور، أضر شيء، وأقله نفعا. فلما خرجنا مررنا به، فقال: ما كنتما فيه؟ قلنا: وسمعت؟ قال: نعم، إنه تنام عيناي، ولا ينام قلبي. فإذا هو ابن صياد. وأخرجه الترمذي من حديث حماد بن سلمة، وقال: حسن غريب. قلت: بل هو منكر جدا. والله أعلم. وقد كان ابن صياد من يهود المدينة، وقيل: كان من الأنصار. واسمه عبد الله، ويقال: صاف. وقد جاء هذا وهذا، وقد يكون أصل اسمه صاف، ثم تسمى لما أسلم بعبد الله، وكان ابنه عمارة بن عبد الله من سادات التابعين، روى عنه مالك وغيره، وقد قدمنا أن الصحيح أن الدجال غير ابن صياد، وأن ابن صياد كان دجالا من الدجاجلة، ثم تيب عليه بعد ذلك، فأظهر الإسلام. [ص:205] والله أعلم بضميره وسريرته. وأما الدجال الأكبر فهو المذكور في حديث فاطمة بنت قيس، الذي روته عن رسول الله عن تميم الداري، وفيه قصة الجساسة، ثم يؤذن له في الخروج في آخر الزمان، بعد فتح المسلمين مدينة الروم المسماة بقسطنطينية، فيكون بدو ظهوره من أصبهان من حارة بها يقال لها: اليهودية. وينصره من أهلها سبعون ألف يهودي، عليهم الأسلحة والسيجان، وهي الطيالسة الخضر، وكذلك ينصره سبعون ألفا من التتار، وخلق من أهل خراسان، فيظهر أولا في صورة ملك من الملوك الجبابرة، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية، فيتبعه على ذلك الجهلة من بني آدم، والطغام من الرعاع والعوام، ويخالفه ويرد عليه من هداه الله من عباده الصالحين، وحزب الله المتقين، ويتدنى فيأخذ البلاد بلدا بلدا، وحصنا حصنا، وإقليما إقليما، وكورة كورة، ولا يبقى بلد من البلاد إلا وطئه بخيله ورجله، غير مكة والمدينة، ومدة مقامه في الأرض أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيام الناس هذه، ومعدل ذلك سنة وشهران ونصف، وقد خلق الله على يديه خوارق كثيرة، يضل بها من [ص:206] يشاء من خلقه، ويثبت معها المؤمنون، فيزدادون بها إيمانا مع إيمانهم، وهدى إلى هداهم، ويكون نزول عيسى ابن مريم، عليه الصلاة والسلام، مسيح الهدى في أيام المسيح الدجال مسيح الضلالة على المنارة الشرقية بدمشق، فيجتمع عليه المؤمنون، ويلتفت معه عباد الله المتقون، فيسير بهم قاصدا نحو الدجال، وقد توجه نحو بيت المقدس، فيدركه عند عقبة أفيق، فينهزم منه الدجال، فيلحقه عند باب مدينة لد فيقتله بحربته، وهو داخل إليها، ويقول له: إن لي فيك ضربة لن تفوتني. وإذا واجهه الدجال انماع كما ينماع الملح في الماء، فيدركه عند باب لد، فتكون وفاته هنالك، لعنه الله، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح من غير وجه، كما تقدم، وكما سيأتي. وقد قال الترمذي: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن ابن شهاب، أنه سمع عبيد الله بن عبد الله بن ثعلبة الأنصاري يحدث عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري من بني عمرو بن عوف يقول: سمعت عمي مجمع بن جارية الأنصاري يقول: سمعت رسول الله يقول: . [ص:207] وقد رواه أحمد، عن أبي النضر، عن الليث، عن الزهري، به. وعن سفيان بن عيينة، عن الزهري، به. وعن محمد بن مصعب، عن الأوزاعي، عن الزهري، به. وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، فهو محفوظ من حديثه، وإسناده من بعده ثقات، ولهذا قال الترمذي بعد روايته له: هذا حديث " صحيح. قال: وفي الباب عن عمران بن حصين، ونافع بن عتبة، وأبي برزة، وحذيفة بن أسيد، وأبي هريرة، وكيسان، وعثمان بن أبي العاص، وجابر، وأبي أمامة، وابن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وسمرة بن جندب، والنواس بن سمعان، وعمرو بن عوف، وحذيفة بن اليمان. وروى أبو بكر بن أبي شيبة، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن عمر سأل يهوديا عن الدجال، فقال: وإله يهود ليقتلنه ابن مريم بفناء لد. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209855
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D9%82%D8%A7%D9%86%D8%B5%D9%88%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%88%D8%B1%D9%8A%20%D9%8A%D8%AF%D8%B9%D9%88%D9%87%20%D9%81%D9%8A%D9%87%D8%A7%20%D9%84%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8
رسالة سليم الأول إلى قانصوه الغوري يدعوه فيها للحرب
الأصل العُثماني قانصو غورى اصلح الله شانه: توقيع رفيع جهانمُطاع وحُكم شريف واجب الانقياد والاتباع واصل اوليجق معلوم اوله كه، حاليًّا مكر وتلبيس وحيله وجهيله مُخنثانه طريقه سُلُوك ايليوب بعض كمسنەلر ايه مواضعه ايليوب كوندرمشسن، عون الهى ايله جميع قصد ايتديكك فتنه وفساد روشن وظاهر اولدى، پس بو اصل اوضاع نا معقول كه، عاجزلر ونامردلر وبى عقللر اوضاعيدر، ارلك هواسنده وسرورلك سوداسنده اولوب، دائرۀ عقلندن دم اورانلرك كارى دكلدر، ايمدى اوَّل اشخاص اله كيروب، جميع احواللرى معلوم اولدقدن صكره ينه سكا ارسال اولندى تاكه، واوروب بونده تجسُّس وتفحُّص ايدوب، اطلاع تحصيل ايتدكلرى اوضاع واحوال سكا مألى وحقيقتى ايله اعلام ايليەلر، زيرا بُزم عنايه الله مُقارنتيله كمسنەنك مكر وحيله سندن باكمز، وكيمسه دن مخفى ومستور احوالمز يوقدر، بنم خود عزيمت عالى همتم احياي شريعت غرَّا ايچون ديار شرقه مُنصرف قلنمشيكن، سنك اوَّل مُلحد بيدين ومُفسد بد آيينه تقويت قصدينه بعض اوضاع ناشايستەك ظاهر اولوب، سن انلردن اشد اولديغك حيثيتدن توجُّه همايونم سنك اوزرينه مُنعطف قلنوب، مُزاحمۀ نُفُوس مُتكاثره دن جهان ضيِّق النفس ومُصادمۀ سلاح وسناندن هوا ضيِّق النفس اولوب، سنك قصديكه عساكر بى كران ورايات فتح آيات نُصرت نشانله منازل ومراحل قطع ايدوب كلوب، حومۀ حُكومتكده اولان مملكته داخل اولوب، ملاطيه ولارنده وديوركى وشاركويى جميع توابع ولواحقي ونواحى واراضيسى تلال وجبالله ضبط اولنوب، جُملۀ مُضافات ممالك محميَّه مدن اولدقدنصكره بوكونكى كه، ماه رجبك اون برنجى كونيدر، سعادت ايله توجان دره بوغازى ديمكله معروف محله نزول ايلدم. پس سندع دخى درۀ حميت اولوب، رجليتدن حصَّه وفتوتدن بهره ودرونكده في الجُمله زهره وار ايسه، كركدركه، كنج زاويۀ رُعب وهراسده مُنزوى اولميوب، جمع اعوان وانصاركله مُتنبِّه اولوب، زخم تير وتبردن سر طوتنميوب، هر قنغى وضع كنديكه قولاى كوزيكور ايسه هيج سعيده قُصُور قوميوب، شمۀ غيرت وار ايسه، مُراد ايدنديكك اسلوبى ومقصود ايدنديكك بر موضعى تعيين ايليوب، كلوب، عساكر نصرت مأثريمه مُقابل اوله سن، پردۀ كمونده مُقدَّر اولان هر نه ايسه مُعرَّض پروزده جلوه كر اوله ان شاء الله تعالىٰ . حُرِّر فى اواسط رجب سنه 922هـ بيورت توجان دره بوغازى. التعريب إلى قانصوه الغوري أصلح الله شأنه: عند وُصُول توقيعي الرفيع المُطاع من قِبل الجميع وحُكمي الشريف واجب الانقياد والاتِّباع، لِيكن معلومًا أنَّك قُمت بِاتباع طريق الدناء بِالمكر والنَّصب والاحتيال، والتواطؤ مع بعض الأشخاص وإرسالهم [إلى بلادنا] ولكن كُلَّ ما استهدفته من فتنةٍ وفسادٍ قد بان وانكشف بِعون الله. وهذه التصرُّفات غير المعقولة ما هي إلَّا تصرُّفات العاجزين والأنذال والحمقى وليست عمل من يتَّسم بالرُّجُولة ويُفتن بِالرئاسة ويُفكِّر بِمنطق العقل. والحال فقد تمَّ اعتقال أولئك الأشخاص وبعد أن أُميط اللثام عن جميع أحوالهم أُعيدوا إليك مرَّةً أُخرى. وذلك لكي يقوموا بإعلامك ما قاموا به من تجسُّسٍ واستطلاعٍ وما اطَّلعوا عليه من الأحوال بِحقيقته، لِأنَّنا وبِعناية الله لا نكترث بِمكر وحيل أي شخص وليس لنا وضع خفيّ وغير مكشوف. وغايتي التي أسعى إليها هي إحياء الشريعة الغرَّاء ولِهذا فقد انصرفت إلى ديار الشرق، ولكن بدت منك بعض التصرُّفات غير الَّلائقة بِقصد تقوية ذلك المُلحد عديم الدين وذوي الطُقُوس المُفسدة، ولِكونك أشدُّ منهم فقد تغيَّر ذاتي السُلطاني عليك، وأصبحت الدُنيا تضيق من مُزاحمة النُفُوس المُتكاثرة، وأصبح الفضاء لا يتَّسع لِتصادم الأسلحة وآلات الحرب، وقُمت بالسير نحوك بِجُنُودٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى ورايات الفتح المقرون بِالنصر، وقطعت المنازل والمراحل ودخلت البلاد المُنضوية تحت حُكمك واستوليت على ملاطية ولارندة وديوركي وشاركويي بِكُلِّ توابعها ولواحقها ونواحيها وأراضيها وتلالها وجبالها، وأصبح كُلُّ ذلك من بلادي المحميَّة. ثُمَّ نزلت بِاليُمن والسعادة في هذا اليوم الحادي عشر من شهر رجب في المحل المعروف توجان دره بوغازي. وإذا كُنت تمتلك ذرَّة غيرة، وشيئًا من الرُجُولة، ونصيبًا من الفُتُوَّة… فينبغي ألَّا تنزوي في زاوية الرُّعب والخوف وتحتاط مع أعوانك وأنصارك وإلَّا تتعرَّض لِضربة السيف والآلات الجارحة، فأيُّ وضعٍ يبدو لك سهلًا، فلا تتهاون في السعي أبدًا، وإذا كانت لديك ذرَّة غيرة فتختار موضعًا حسب رغبتك، ووفق الأُسلُوب الذي ترتئه، وتأتي لِتُقابل جُنُودي المُنتصرين، ولِيتجلَّى كُل ما هو مُقدَّر إن شاء الله تعالىٰ . حُرِّر في أواسط رجب سنه 922هـ في بلاد توجان دره بوغازي. هوامش وثائق عثمانية عائدة لعهد سليم الأول
209856
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD%D9%86%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B3%D9%84%D8%A9%20%D9%85%D9%86%20%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D9%88%D9%84%D9%8A%20%D8%B9%D9%87%D8%AF%D9%87%20%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86%20%D8%A8%D8%B9%D8%AF%20%D8%B6%D9%85%20%D9%85%D8%B5%D8%B1
الفتحنامة المرسلة من سليم الأول إلى ولي عهده سليمان بعد ضم مصر
الأصل العُثماني فرزند ارجمند دولتيار وخلف سعادتمند كامكار حدقۀ باصرۀ دين ودولت وحديقۀ ذات بهجت مُلك وملَّت در اكليل شهريارى درّئ فلك تاجدارى المُختص بِأنواع مواهب المُلك الاله اوغلم سُليمان شاه، طال بقاه، ونال مناه: توقيع رفيع همايون واصل اوليجق معلوم اوله كه، اشبو كچن سنه طقوز يوز يكرمى ايكى رجبنك اواخرنده حلبه قريب مرج الدابق نام محلده غورئ مقهور مخذول ايله مُحاربه قلنوب، بِعناية الله تعالىٰ لشكر اسلام غالب وكروه چراكسه مغلوب دوشوب، وغورينك باشى كسيلوب، سم سمند همايونم اوكنه نكونسار براغلدقدن صكره طومان باي نام بدبخت بقيَّۀ السيوفيله مصره واروب، دعواى تخت وسلطنت ايتمكين، حلبدن شامه واريلوب، انده بر قاچ كون آرام قلنوب، تدارك تام ايله اوَّل بهارده اوزرينه توجُّه ونهضت همايونم واقع اولوب، بر روز بيروزده حق يه توكُّل وسيِّد كائنات عليه افضل الصلواتك مُعجزاتنه توسُّل وچاريار عظام واولياى كرام رضوان الله عليهم الى يوم القيام ارواح طيبه لرندن استدعاى همَّت قيلنوب، اعلام ظفر نكار والويۀ سعادت شعار وعساكر جنك جوى وصاعقه خوى ودليران آهنين قباى ممالك كشاى ومُبارزان تازى سوار خصم شكار ايله محميَّۀ دمشقدن قالقوب، قطع منازل وطىّ مراحل قلنوب، طومان باي مقهور جانبردى غزالى نام كمسنه يى شام ايالتنى سكا ويردم ديو غزَّه جانبه كوندرديكى استماع اولنمغله، بو جانبدن دخى مُقدِّمة الجُيُوش اولان عُمدة الوُزراء العظام قُدورة الكُبراء الفخام الغازى فى سبيل الله المُجاهد لوجه الله وزيرم سنان پاشا انده بولنوب، مُقاتله ايتدكلرنده بِعناية الله تعالىٰ وزير مُشار اليه غالب وطائفۀ مزبوره مغلوب دوشوب، وجانبردئ مزبور دخى بو جانبه نوعًا اظهار اخلاص ايدوب، وكيرو قاچوب مصره واروب، طومان بايه مُلاقات ايدوب، تداركه مشغول ايكن بندخى فروشكوه ولشكر انبوهله، سنۀ مزبوره ذي الحجَّه سنك يكرمى يدنجى كونى مصر مُقابله سنده خانكه نام محله قونيلوب، اندن يارنداسى بركة الحاج وجبل مُقطَّب سمتندن نفس شهره داخل اولمغه سعى واقدام اولنيجق طوتيلان دليللردن خبر الندى كه، مقهور مزبور كُفَّار خاكساردن يرار طوبجيلر كتوردوب، عادليه نام عمارتك اوكنده بر طويل وعريض خندق قازدروب، عمقى دخى كمال مرتبه مُبالغه اوزره اولوب، وچيقان طوبراغنى مترس ايدينوب، وايكيوز قطعه سنكين طوپلر جابجا حاضر ومُهيَّا ايليوب، والاينى اطرافنده ترتيب ايدوب، غدارلق اوزره ايمش، لا جرم يارنداسى كه ماه مزبورك يكرمى طقوزنجى يوم الخميس در صاغ قولده هزبر بيشۀ وغا وزير اقدمم سنان پاشا وسائر بكلربكيلر واُمرا وسپاهى ايله وُصُول قولده پلنك قلۀ هيجا وزير اكرمم يُونُس پاشا وسائر بكلربكيلر واُمرا ايله طوروب، ميمنۀ ميمنت شعارده ذوالقدريَّه حاكمى شهسوار اوغلى علي بك وحلب واليسى خير بك وميسرۀ مسرَّت آثارده رمضان اوغلى محمود بك وعينتاب حاكمى چركس يُونُس بك، وجانحين منصورينده روم‌ایلی اُمراسندن اورنوس وميخال اوغلرى، وقلب مُظفَّر قويده ذات همايونم قپوم خلقى اولان اجناد امجاد وبُلُوك اُغالرى مُرتَّب ومُكمَّل قلنوب، ويڭيچرى قوللرم پياده شاه اوكنده طورر كبى اوَّل عرصه ده قيام كوستروب، وطرفيندن قراغول وچرخه جيلر بر برينه ال صونوب، جداله مُباشرت ايتدكلرنده آتش قتال اشتعال بولوب، هر يكادن مُرادن ميدان جنك كرم اولوب يوروديلر، وهر جانبدن طوپلر وتفنكلر اتيلوب، روى هوا شرار فتنه وآشوبدن صواعق ورعد ايله مالا مال وكرد نعال مطايادن عرصۀ قتال ظلام لياله دونوب، روز روشن اعدا باشنه بختلرى مانندى تنك وتار ومهر فلك قزمش طاس كبى رؤس منحوسلرينه مُنعكس وشراره باردوشوب، هر طرفدن قووشمه ودوندورشمه اولوب، وصاغ قولدن مومى ايه سنان پاشا عدونك صول قولنى صيوب، طوپلرى اوزرينه بى باك هُجُوم ايليوب، لشكر ضلالت رهبرى مغلوب ومُنكسر قيلوب، طومانباى قولنه يورودكده بِتقدير الله تعالىٰ كندويه زخم سهمناك ايريشوب، صول قولدن وزيرم يُونُس پاشا كركى كبى جمله سنه حمله ايليوب، مُقابلنده اولان خصماى نافر جاى ضرب حُسام ايله بى وُجُود وكمنام ايدوب، آخر الامر دشمنك يوزى عكسنه دونوب، صداسى كاخ صماخ اهل ايمانه ايريشيجك جُنُود چراكسه قرارى فراره تبديل ايتدكلرنده وعيدى دامنكير اولوب اين المفر كويان چار وناچار قاهرەنك كوچه وبازارندن قاچوب، ولايت صعيده يولندكلرنده عساكر ظفر مأثرم بر كون بر كيجه عقبلرندن تاخت ايدوب الويۀ منكوسه لريله اكثر اُمرا ونامدارلرى مُقيَّد ومحبوس حُضُور لامع النوريمه كتوريلوب هدف تير وعلف شمشير قلنوب روى زمين خون اعدا ايله آغشته وآدم كشته لرندن پشته اولوب، سر بى سامانلرى ميدان سياستده غلطان وطاير روح بى فتوحلرينه تنكناى نيران، مكان واشيان اولدى. وذكر اولنان منزل مُباركده درت كون مقدارى اقامت اولنوب، بشنجى بامداد سعادت امداداندن قالقوب، مصره مُتصل نيل كنارنده جزيرۀ بولاق دينمكله معروف موضعده عز واجلال ايله نُزُول ايدوب، طايفۀ چراكسەنك سهان اولان وُجُود خبيثلرندن اوَّل اراضئ طيِّبه تطهير اولنمغه همَّت عليَّۀ شاهانه ودقَّت سُنيَّۀ مُلُوكانه م مبذول ومصروف ايكن ناكاه سنه ثلٰث وعشرين وتسعمائة مُحرَّم الحرامك يدنجى كيجەسى واقع اولان ليلة الاربعاده طومان باي مقهور بقيَّۀ السُيُوف اولان كروه مكروهيله خفيَّة بر كوشه دم كلوب، قاهرەنك ايچنه كيروب، اسواق ومحلاتده خندقلر قازديروب، ومُترسلر يصادوب، وشهرى تكرار كوچه بند وحصار ايدينوب، آهنك جنك ايديجك بو جانبدن دخى عساكر منصوره على الصباح يورييوش ايدوب، طلوعدن غروبەدك ضرب وحرب اولنوب، اكرچه كروه اعدا هر جهتدن مخذول ومنكوب ايديلر. لكن بالكُليَّة دفعلرينه بعض كوچه بند حائل اولوب، صبحەدك مُلاحظۀ تام ايله توقف اولندى. وچون غُراب البين شب ظلمانى بخت دشمن كبى روى هوادن فضاى عدمه طيران ايدوب، طاوس فلك بيضۀ صبح صادقدن آفاقه جلوه كراولدى ذات همايونمله دفع مُخالفينه سعى واقدام اولنوب، اعلام ظفر نكار والويۀ نُصرت شعار فرقدان سايەمه سايه كستر اولوب، بل هر برى اوزريمه اوج سعادتدن پر هماى فرخنده فر كبى مُستقر اولوب، *ع* جمله قپو خلقى ويڭيچرى قوللرمله پياده وسوار حمله قلنوب، ومُترسلر باصيلوب، وخندقلردن كچيلوب، تحصُّن ايتدكلرى اولرك اوزرلرينه نردبانلر قونيلوب، وراه كريزارى اناطولى عسكريله قوشاديلوب، حالاتن مُشاهده ايتدكلرنده اولاد واتباعلريله وقايعندن جميعيسى مُضطرب الحال اولوب، اكثرينك در وبيوتى اوزره باشلرينه ييقلوب، ظلمله بنا ايتدكلرى ديوارلرينك احجارى ايله سنكسار وابنيۀ وجودلرى آن واحدده كبيت العنكبوت تارومار قيلنوب، وطومانباى زى نسوانده بر كوشه دن چيقوب، غيبت ايليوب، كيفيت احوالى تفحُّص اولنوركن، ولايت صعيددن كيرو تضرُّع نامەسى كلوب، عفو اولنمشيكن طينت خبيثه سنده مركوز اولان نفاق جبليسى مُحرِّك وساوس شيطانى اولدوغيچون در دولت پناهمه كلمك بهانه سيله مصره قريب اولدقده نيلدن اسكندريَّة جانبنه عُبُور ايليوب، شام وشرقه قاچمق استدكده طوتيلان دلدن خبر النوب، مُحقق اوليجق مُقدما روم‌ایلی بكلربكيسى اولان مُصطفى پاشا وچراكسه دن بو اثنالرده كلوب اطاعت ايدن واخلاصله اظهار عُبوديَّت قيلان جانبردى غزالى، وشهسوار اوغلى على بك ايلغارله عقبنجه كوندريلوب، بندخى على التعاقب يورييوب، انلر جنكه مشغول ايكن ماهجۀ اعلام ظفر انجامم آينۀ اسكندرى مانندى رخشان اولديغنى كوردكلرنده شكوه وفرشهنشاهيدن هر اسان وكريزان سوادى شرقدن كچوب نجم عمرلرى تكرار جانب غربه يونلوب، مُتفرِّق وپريشان اولدقلرنده مُشار اليه مُصطفى پاشا وجانبردى غزالى قوارق وقيرارق بر ايكى كون قفاسندن ايرلميوب، پيغاميله مزبور طومان بايه ايريشوب، همعنانى اولان اوچيوز نفردن زياده بى دولت بكلرك باشلرى كسيلوب، وكندوسى دست بسته وكمر بند دولت كسسته ديل طوتيلوب، ركاب همايونمه خاسكار ايرشدكلرنده منطوقه سيله عمل قلنوب، انواع رعايت شاهانەيه مظر بيورلمشيكن مُقتضاسنجه مُفيد دوشميوب، استكبار واصرار ايتمكين عبره لاولى الابصار صلب وسياست قلنوب، دار البواره ارسال اولندى . والحالة هذه جميع ممالك مصر: ملاطية وحلب وشام شريف ونفس قاهره وديار صعيد وحبش ويمن تا حد قيروان مغربه دك طولًا، وحجاز ومكَّه ويثرب ومدينه وقُدُس شريف زادها الله شرفًا وتعظيمًا بِالتمام والكمال عرضًا ممالك عُثمانيَّه مُضافاتنه داخل اولوب، وشريف ابو البركات ابن شريف مُحمَّد صُلبى اوغلى سيدى ابو الحسنى رفعت درجاته پايۀ سرير عالم مصيرمه كلمك اوزره اولوب، وطوايف اعراب مشايخى بِالجُمله كلوب، مُطيع اولوب، انواع خُلعت وعنايتلر ايله هر بريسى مضموننجه شاد وخرم مُعاودت ايدوب، دوام دولت ابد پيوند ادعيه سنه قيام كوسترديلر، . اويله اولسه بو فتح نامۀ مُتبرِّكه سكا قُدوة الاماجد والاعيان چاشنيكيرم رضوان رُزقت سلامته يدندن وصول بولدقده كركدركه، تمهيد شُكر وسپاسدنصكره بو بشارت آميز خبرى هر جانبه اعلام واعلان ايتدروب، امر عاليسنه امتثال كوستروب خواص وعوامه عيش ونشاط وفرح وانبساط ايچون ايَّام مُعتادۀ قديم مقدارى بارعام ويروب وبروج وقلاعدن شنلك وشادمانلق اشعارينه طوب وتفنكلر اتيلوب واسواق بلادى تزيين قيلدروب صُلحا وعباده وعبيد وازاده فزونئ عزَّ وجاهم ايچون خير دُعالر ايتديروب بذل صدقاتده دقيقه فوت ايلميەسن واوَّل جانبك احوالنى ييلديروب قُدُوم همايونمه مُترصدًا اوله سن شويله بيلەسن. تحريرًا فى شهر مُحرَّم الحرام سنه 923 بِمدينة مصر القاهرة. التعريب إلى نجلي العزيز صاحب الدولة وخلف ذي السعادة والإقبال قُرَّة عين الدين والدولة وحديقة المُلك والأُمَّة المُبهجة ثغر الإكليل السُلطاني المُشعشع، صاحب التاج المُتلألئ، المُختص بِأنواع مواهب المُلك ولدي سُليمان شاه، طال بقاه، ونال مُناه: عند وُصُول توقيعي السُلطاني الرفيع لِتعلموا أنَّهُ في أواخر رجب من هذه السنة تسعُمائة واثنتين وعشرين وقع قتالٌ مع المُنهزم المخذول الغوري وذلك في الموقع المعروف بِمرج دابق القريب من حلب، وبِعناية الله تعالىٰ انتصر جُند الإسلام وانهزمت شراذم الجراكسة، وقُطع رأس الغوري، ورُمي جسده رأسًا على عقب أمام فرسي السُلطاني. وكان طومان باي التعيس قد وصل إلى القاهرة مع من تخلَّصوا من السيف، وطالب بِالعرش والسلطنة، فقُمنا بالتوجُّه من حلب إلى دمشق وأقمنا هُناك عدَّة أيَّام، وبعد أن أكملنا التحضيرات اللازمة توجَّهنا نحوه في الربيع نفسه. وتمَّ التوكُّل على الله والتوسُّل إلى مُعجزات سيِّد الكائنات عليه أفضل الصلوات واستمددنا العزم من الأرواح الطيِّبة لِلخُلفاء الراشدين الأربعة العظام والأولياء الكرام رضوان الله عليهم إلى يوم القيامة، وانطلقنا من المحميَّة دمشق حاملين رايات النصر المرسوم وألوية مقرونة بالسعادة مع جُنُودٍ بُسلاء مُتلهفين لِلحرب، فاتحي البُلدان الفُرسان قنَّاصي الخُصُوم… وقطعنا المنازل وطوينا المراحل، ووصل إلى مسامعنا أنَّ طومان باي المهزوم أرسل المدعو جانبردي الغزالي إلى أرجاء غزَّة بعد أن قلَّده إيالة الشَّام، فقابله من هذا الجانب مُقدَّم الجُيُوش عُمدة الوُزراء العظام وقُدورة الكُبراء الفخام الغازي في سبيل الله المُجاهد لِوجه الله وزيري سنان باشا وقاتله، وبِعناية الله تعالىٰ حالفه النصر وانهزمت الطائفة المذكورة. وأظهر جانبردي المذكور الإخلاص إلى حدٍ ما لِهذا الجانب، ولكنَّهُ مع هذا فرَّ ووصل إلى القاهرة، والتقى بِطومان باي، وفي الوقت الذي كانوا مُنشغلين في تحضيراتهم، قُمت أنا كذلك بِالتحرُّك بِعزَّةٍ وبهاءٍ وبِجيشٍ عرمرمٍ، ونزلنا في اليوم السابع والعشرين من ذي الحجَّة من السنة المذكورة في الموضع المعروف بِخانكه الواقع قبالة القاهرة، ساعين إلى الدُخُول في اليوم الثاني إلى داخل المدينة عبر بركة الحاج وجبل المُقطَّب، وتمَّ الاستعلام من الأدلَّاء أنَّ المدحور المذكور قد استقدم مدفعيين أكُفَّاء من الكُفَّار المُذلِّين، وحفر خندقًا عريضًا وطويلًا أمام الموضع المعروف بِالعادليَّة، وبالغ وبِشكلٍ كبيرٍ في تعميقه، وجعل من تُرابه متراسًا، ونصب مائتيّ قطعة من المدافع الثقيلة في أماكن مُختلفة. ورتَّب حُشُوده حوله ممَّا يدل على قيامه بِالغدر. وفي اليوم التالي المُصادف يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر المذكور أخذ وزيري الأقدم أسد الوغى سنان باشا موقعه في الجناح الأيمن إلى جانب البكلربكيين والأُمراء والسباهيَّة المُعينين إلى جانبه، أمَّا في الجناح الأيسر فقد حلَّ فيه نمر الوغى وزيري الأكرام يُونُس باشا وسائر البكلربكيين والأُمراء، وفي الميمنة المُتميزة بِاليُمن والسعادة حاكم ذي القدريَّة علي بك بن شهسوار ووالي حلب خاير بك وفي الميسرة محمود بك بن رمضان وحاكم عينتاب يُونُس بك الجركسي، وفي الجانبين المنصورين أبناء أورانوس وميخائيل وهُما من أُمراء الروملِّي، وفي القلب المُظفَّر القوي الجُند الأمجاد من حاشيتي السُلطانيَّة وأغوات الوحدات العسكريَّة وهُم مجُهَّزون تجهيزًا عسكريًّا كاملًا، أمَّا جُنُودي الإنكشاريَّة فإنَّهم كانوا يستعرضون أنفُسهم كأنَّهم واقفين في وضع الاستعداد أمام الشاه، وتبارز القراغول والجرخجيَّة من الطرفين بعضهم مع بعض، وعند مُباشرتهم بِالقتال اشتعلت نيران المعركة، وبرز الرجال يسيرون نحو ميدان الوغى، وأُطلقت نيران المدافع والبنادق من كلا الطرفين… وخيَّم على ميدان القتال ظلام الليل من هول القتال… وحدث الكرُّ والفرُّ من كلا الطرفين.. وأغار المومى إليه سنان باشا على الجناح الأيمن لِلعدوِّ وأباده، وهاجم على مدافعهم دون خوفٍ وانهزمت طليعة جيش الضلالة وانكسرت، وعندما توجَّه إلى جناح طومان باي كانت شدَّة الخوف قد بلغته بِتقدير الله تعالىٰ، ومن الجناح الأيسر حمل وزيري يُونُس باشا عليهم كُلِّهم بِالشكل اللازم، وتمكَّن من ضرب خُصُومه ممن كانوا يُوجهونه بِالسيف وتركهم بلا أرواح. وفي نهاية المطاف انقلب العدُوُّ رأسًا على عقب وبلغ صدى إلى مسامع أهل الإيمان، ولاذ الجُنُود الجراكسة بِالفرار، وحلَّ بهم الوعيد: أين المفر؟ ففرُّوا من أزقَّة القاهرة وأسواقها بِشكلٍ عشوائيّ، وقام جُنُودي المُنتصرين بِمُطاردتهم نهارًا وليلًا وهم في طريقهم إلى ولاية الصعيد، وأصبحوا عُرصةً لِلسِّهام وطُعمًا لِلسُيُوف، وأُلقي القبض على مُعظم أُمرائهم ومشاهيرهم وتمَّ جلبهم مُقيَّدين وبِألويتهم المنكوسة إلى حُضُوري النيِّر.. ورُويت الأرض بِدماء الأعداء من كثرة ما قُتل من رجالهم، وأصبحوا في وضعٍ مُزرٍ ومُضطرب. وتمَّت الإقامة في المنزل المُبارك حوالي أربعة أيَّام، وفي اليوم الخامس تمَّ التحرُّك بِعون من يمُدّ السعادة، وتمَّ النُزُول بِعزَّةٍ وإجلالٍ في الموضع المعروف بِجزيرة بولاق الواقعة على شاطئ النيل المُتصل بِالقاهرة، واتجهت المساعي السُلطانيَّة إلى تطهير تلك الأراضي الطيِّبة من الأجساد الخبيثة لِطائفة الجراكسة، وفي الليلة السابعة من مُحرَّم الحرام سنة تسعُمائة وثلاثٍ وعشرين قدم طومان باي المدحور إلى جانب مجموعةٍ من أتباعه المكروهين ممن سلموا من السيف ودخلوا القاهرة خفيةُ من إحدى الزوايا، وقام بِحفر الخنادق في الأسواق والمحلَّات. وأقام المتاريس وسيطر على المدينة مرَّة ثانية. وفي الصباح سارت من هذا الجانب العساكر المنصورة المُهيَّأة لِلقيام بِخوض الحرب. ووقع الضرب والقتال واستمرَّ من طُلُوع الفجر حتَّى غُرُوبه، وعلى الرُغم من أنَّ حُشُود العدُوِّ خُذلت، وتعرَّضت إلى النكسة من كُلِّ النواحي، إلَّا أنَّ بعض المسائل حالت دون القضاء عليهم بِالكامل، واستمرَّ القتال حتَّى الصباح إلى أن توقَّف. وطار غُرابُ البين لِسوء حظِّ العدوّ في ليلةٍ ليلاء من وجه الهواء إلى فضاء العدم، إلَّا أنَّ طاووس الفلك تجلَّى مع تباشير الصباح الصادق إلى الآفاق، وقُمتُ بِذاتي السُلطاني بِالسعي والإقدام لِإزالة المُخالفين، وبسطت أعلام الظفر وألوية النصر ظلالها، واستقرَّ كُلُّ واحدٍ منها من أوج السعادة كالنور المُبارك، *شعر* وقُمت بنفسي بِحملةٍ بجانب جُندي الخاص ومماليك الإنكشاريَّة من الفُرسان والمُشاة، وتمَّ اقتحتم متاريس العدوّ واجتياز خنادقه ووُضعت السلالم على الدُّور التي يتحصَّنون بها، وأحاط جُنُود الأناضول بِطُرق الفارِّين من العدُوِّ. وعندما شاهد العدُوُّ الحالة التي وقعوا فيها اضطربت أحوالهم وأحوال أولادهم وأتباعهم وذلك بِما وقع وهُدمت بُيُوت أكثرهم على رُؤوسهم ورُجموا بِأحجار الجُدران التي شيَّدوها ظُلمًا، وتبعثرت أبنية وُجُودهم في لحظةٍ واحدةٍ كبيت العنكبوت. وخرج طومان باي من إحدى الزوايا مُتنكرًا بِزيّ امرأةٍ وتوارى عن الأنظار، وفي الوقت الذي كان يتم تتبُّع أحواله، ورد كتابٌ منه من الصعيد وهو يتضرَّع لِلعفو عنه وقد سبق أن تمَّ عفوه ولكن طبيعته النفاقيَّة المفروسة في طينته الخبيثة تُحرِّكُها الوساوس الشيطانيَّة، وأُلقي القبض على أحد الأدلَّاء وأخبر أنَّ طومان باي ينوي الفرار إلى دمشق والشرق، ويتذرَّه بِاللُجوء إلى الدولة وعند اقترابه من مدينة القاهرة سيعبر نهر النيل، ويتوجَّه إلى مدينة الإسكندريَّة، فأُرسل لِمُلاحقته مُصطفى باشا الذي كان بكلربكي الروم وجانبردي الغزالي وهو من الجراكسة وقد قَدِم في هذه الأثناء، وأعلن طاعته وإخلاصه وأظهر عُبُوديَّته، وعلي بك بن شهسوار، كما سرت أنا أيضًا مُباشرةً، وفي الوقت الذي كانوا مُنشغلين في الحرب، برزت راياتي السُلطانيَّة المُكلَّلة بِالنصر، فدبَّ الخوف في نُفُوس الأعداء، وخافوا من عظمتي السُلطانيَّة المجيدة، وأصبحوا ، وعبروا إلى الشرق يبحثون عن ملاذٍ آمن، ومال نجم عُمرهم نحو الغرب مرَّةً أُخرى فتشبثوا بائسين، وقام مُصطفى باشا وجانبردي الغزالي بٍمُطاردتهم وتدميرهم لِبضعة أيَّام، ثُمَّ وصلا إلى طومان باي المذكور، وتمَّ قطع رؤوس أكثر من ثلاثُمائةٍ من رفاقه من الأُمراء، واعتُقل طومان باي وأُرسل مكتوف اليدين مخذولًا مذلولًا إلى حاشيتي السُلطانيَّة، وعندما وصل تمَّ شُمُوله بِكُلِّ أنواع الرعاية السُلطانيَّة عملًا بمنطوق ، وأصرَّ على استكباره ولِهذا تمَّ إعدامه وصلبه لِيكون عبرةً لِأولي الأبصار وأُرسل إلى دار البوار ، وعلى أثره انضوت ضمن البلاد العُثمانيَّة جميع مُمتلكات مصر من ملاطية وحلب ودمشق والقاهرة وديار الصعيد والحبشة واليمن حتَّى قيروان المغرب طولًا، ومن الحجاز ومكَّة والمدينة والقُدس الشريف زادها الله شرفًا وتعظيمًا بِالتمام والكمال عرضًا. ويزمع سيدي أبو الحسن ابن الشريف أبي البركات ابن الشريف مُحمَّد بِالقُدُوم إلى عتبتي السُلطانيَّة، وقدم مشايخ طوائف العرب كافَّةً مُعلنين طاعتهم وانقيادهم وتمَّ تكريمهم بِكُلِّ أنواع الخُلع والتكريم لِيعود كُلُّ واحدٍ منهم مثلما ورد في الآية ويدعو لِدوام الدولة الأبديَّة . ولِهذا فعند وُصُول هذه الفتحنامة المُباركة إليك على يد قُدوة الأماجد والأعيان جاشنكيري رضوان، رُزقت سلامته، أن تقوم بعد الحمد لله والثناء بِنشر هذا الخبر المُقترن بِالبشارة وإعلانه لِكُلِّ حدبٍ وصوبٍ امتثالًا لما ورد في الآية ، وأن تعمل على جعل الخواص والعوام يتمتعون بِالعيش والنشاط والفرح والانبساط حسب ما اُعتيد عليه، وإطلاق نيران المدافع والبنادق من البُرُوج والقلاع، وتزيين أسواق البلاد إيذانًا بِالاحتفال والطلب من الصُلحاء والعباد والعبيد والمُعتقين بِالدُعاء الخير لِرفعة عزّي وجاهي، وألَّا تُبدَّد دقيقة واحدة في بذل الصدقات، وتُطلعني على أحوال تلك الأرجاء، وتترقَّب مقدمي السُلطاني. تحريرًا فى شهر مُحرَّم الحرام سنه 923 بِمدينة مصر القاهرة. هوامش وثائق عثمانية عائدة لعهد سليم الأول
209858
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D8%B9%D9%86%20%D8%A7%D8%A8%D9%86%20%D9%85%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A3%D9%85%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/حديث عن ابن مسعود في أمر الساعة
قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن جبلة بن سحيم، عن مؤثر بن عفازة، عن ابن مسعود، عن رسول الله قال: . قال: . قال: . قال: . قال: . ورواه ابن ماجه، عن محمد بن بشار، عن يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب به، نحوه. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209862
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%AE%D8%B1%D9%88%D8%AC%20%D9%8A%D8%A3%D8%AC%D9%88%D8%AC%20%D9%88%D9%85%D8%A3%D8%AC%D9%88%D8%AC
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر خروج يأجوج ومأجوج
[ص:233] ذكر خروج يأجوج ومأجوج، وذلك في أيام عيسى ابن مريم بعد قتله الدجال، فيهلكهم الله أجمعين في ليلة واحدة ببركة دعائه عليهم قال الله تعالى: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين [الأنبياء: 96، 97] وقال تعالى في قصة ذي القرنين: حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا [الكهف 93، 94] الآيات إلى آخر القصة. وقد ذكرنا في التفسير، وفي قصة ذي القرنين خبر بنائه للسد من حديد ونحاس بين جبلين، فصار ردما واحدا، وقال: هذا رحمة من ربي. أي يحجز به بين هؤلاء القوم المفسدين في الأرض وبين الناس. فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا [الكهف: 98]. أي الوقت الذي قدر انهدامه فيه. جعله دكاء أي مساويا للأرض. وكان وعد ربي حقا. أي هذا شيء لا بد من كونه ووقوعه وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض [الكهف: 99] أي إذا انهدم يخرجون على الناس فيموجون فيهم، وينسلون أي [ص:234] يسرعون المشي من كل حدب، ثم يكون النفخ في الصور للفزع قريبا من ذلك الوقت، كما قال تعالى: وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق [الأنبياء: 96، 97] الآية. وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في خروج الدجال ونزول المسيح طرفا صالحا من ذكرهم، من رواية النواس بن سمعان وغيره. وثبت في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش، أن رسول الله نام عندها، ثم استيقظ محمرا وجهه، وهو يقول: . وحلق بين إصبعيه، وفي رواية: وعقد سبعين أو تسعين. قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: . وفي الصحيحين أيضا من حديث وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . وعقد تسعين. وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، حدثنا أبو رافع، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: . فقال رسول الله : . ثم رواه أحمد والترمذي وابن ماجه: من غير وجه، عن قتادة به. وقد روى ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن كعب الأحبار قريبا من هذا. فالله أعلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله يقول: " يفتح يأجوج ومأجوج، فيخرجون على الناس، [ص:236] كما قال الله تعالى: من كل حدب ينسلون [الأنبياء: 96]. فيغشون الناس، وينحاز الناس، عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم، فيشربون مياه الأرض، حتى إن بعضهم ليمر بالنهر، فيشربون ما فيه، حتى يتركوه يبسا، حتى إن من بعدهم ليمر بذلك النهر، فيقول: قد كان هاهنا ماء مرة. حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أحد في حصن أو مدينة قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، بقي أهل السماء ". قال: فيتجرد رجل منهم محتسبا نفسه، قد وطنها على أنه مقتول، فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض، فينادي: يا معشر المسلمين، ألا أبشروا، إن الله تعالى قد كفاكم [ص:237] عدوكم. فيخرجون من مدائنهم وحصونهم، ويسرحون مواشيهم، فما يكون لها رعي إلا لحومهم، فتشكر عنه كأحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته قط ". وهكذا أخرجه ابن ماجه، من حديث يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق به، وهو إسناد جيد. وفي حديث النواس بن سمعان، بعد ذكر قتل عيسى الدجال عند باب لد الشرقي، قال: . قال كعب الأحبار: . الحديث إلى آخره، وقد تقدم. كذلك حديث مؤثر بن عفازة، عن ابن مسعود، في اجتماع الأنبياء ليلة الإسراء، وتذاكرهم أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى عيسى، وذكر الحديث، كما [ص:238] تقدم، وفي آخره: ، قال: وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، عن ابن حرملة، عن خالته قالت: خطب رسول الله وهو عاصب إصبعه من لدغة عقرب، فقال : . قلت: يأجوج ومأجوج طائفتان من الترك كبيرتان لا يعلم عددهم إلا الله [ص:239] سبحانه، وهم من ذرية آدم، كما ثبت في الصحيح: . وفي رواية: . وسيأتي هذا الحديث بطرقه وألفاظه. ثم هم من حواء، وقد قال بعضهم: إنهم من آدم لا من حواء، وذلك أن آدم احتلم، فاختلط منيه بالتراب، فخلق الله من ذلك يأجوج ومأجوج. وهذا مما لا دليل عليه، ولم يرد عمن يجب قبول قوله في هذا، والله أعلم. وهم من ذرية نوح عليه السلام، من سلالة يافث بن نوح، وهو أبو الترك، وقد كانوا يفسدون في الأرض، ويؤذون أهلها، فأمر الله سبحانه ذا القرنين فحصرهم في مكانهم داخل السد إلى أن يأذن الله تعالى في خروجهم على الناس، فيكون من أمرهم ما ذكرنا في الأحاديث. وهم كالناس يشبهونهم كأبناء جنسهم من الترك الغتم، المغول المخرزمة عيونهم، الذلف أنوفهم، الصهب، شعورهم على أشكالهم وألوانهم، ومن زعم [ص:240] أن منهم الطويل كالنخلة السحوق وأطول، ومنهم القصير كالشيء الحقير، ومنهم من له أذنان يتغطى بإحداهما ويتوطأ بالأخرى، فقد تكلف ما لا علم له به، وقال ما لا دليل عليه، وقد ورد في حديث أن أحدهم لا يموت حتى يرى من نسله ألف إنسان. فالله أعلم بصحته. قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصبهاني، حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا المغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي قال: . وهذا حديث غريب، وقد يكون من كلام عبد الله بن عمرو من الزاملتين. والله أعلم. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي يزيد، قال: رأى ابن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض يلعبون، فقال ابن عباس: هكذا تخرج يأجوج ومأجوج. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209863
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%AA%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D9%87%20%D8%A5%D9%8A%D8%A7%D9%87%D8%A7
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر تخريبه إياها
[ص:243] قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، وهو الحراني، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،. عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله يقول : . انفرد به أحمد، وهذا إسناد جيد قوي. وقال أبو داود: باب النهي عن تهييج الحبشة، حدثنا القاسم بن أحمد، حدثنا أبو عامر، حدثنا زهير بن محمد، عن موسى بن جبير، عن أبي إمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي قال : . وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، عن عبيد الله بن الأخنس، قال: [ص:244] أخبرني ابن أبي مليكة - وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة - أن ابن عباس أخبره: أن النبي قال : . يعني الكعبة. انفرد به البخاري، فرواه عن عمرو بن علي الفلاس، عن يحيى، وهو ابن سعيد القطان، به. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو عامر، حدثنا عبد العزيز، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن النبي قال : . ورواه مسلم، عن قتيبة بن سعيد، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، به. وبهذا الإسناد أن رسول الله قال : . ورواه البخاري، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن سليمان بن بلال، ومسلم عن قتيبة، عن عبد العزيز الدراوردي، كلاهما " عن ثور بن زيد الديلي، عن أبي الغيث، سالم مولى ابن مطيع، عن أبي هريرة، عن النبي، فذكر مثله سواء بسواء. وقد يكون هذا الرجل هو ذا السويقتين، ويحتمل أن يكون غيره; فإن هذا من قحطان، وذاك من الحبشة. فالله أعلم. [ص:245] وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عمر بن الحكم الأنصاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : لا يذهب الليل والنهار حتى يملك رجل من الموالي يقال له: جهجاه ". ورواه مسلم عن محمد بن بشار، عن أبي بكر الحنفي به، فيحتمل أن يكون هذا اسم ذي السويقتين الحبشي. والله أعلم. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو الزبير، عن جابر، أن عمر بن الخطاب أخبره، أنه سمع رسول الله يقول : . ورواه البزار. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209864
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%8A%D8%A9%20%D9%84%D8%A7%20%D9%8A%D8%AF%D8%AE%D9%84%D9%87%D8%A7%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%AC%D8%A7%D9%84
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/المدينة النبوية لا يدخلها الدجال
وأما المدينة النبوية فقد ثبت في الصحيح كما تقدم أن الدجال لا يدخلها ولا مكة، وأنه يكون على أنقاب المدينة ملائكة يحرسونها منه. وفي صحيح البخاري، من حديث مالك، عن نعيم المجمر، عن أبي [ص:246] هريرة، أن رسول الله قال : . وقد تقدم أنه يخيم بظاهرها، وأنها ترجف بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة، وفاسق وفاسقة، ويثبت فيها كل مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلم ة، ويسمى يومئذ يوم الخلاص، وأكثر من يخرج إليه النساء وهي كما قال رسول الله : . وقال الله تعالى: الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون الآية [النور: 26]. والمقصود أن المدينة تكون عامرة أيام الدجال، ثم تكون كذلك في زمن المسيح عيسى ابن مريم رسول الله عليه الصلاة والسلام، حتى تكون وفاته بها، ودفنه بها، ثم تخرب بعد ذلك. كما قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أخبرني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: سمعت النبي يقول : . قال الإمام أحمد: ولم يجز به حسن الأشيب جابرا. انفرد بهما أحمد. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209865
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%AE%D8%B1%D9%88%D8%AC%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%A8%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/خروج الدابة
[ص:247] قال الله تعالى: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون [النمل: 82]. وقد تكلمنا على ما يتعلق بهذه الآية الكريمة، في كتابنا التفسير، وأوردنا هنالك من الأحاديث المتعلقة بذلك ما فيه كفاية، ولو كتبت مجموعها هاهنا كان حسنا كافيا. قال ابن عباس، والحسن، وقتادة: تكلمهم، أي تخاطبهم مخاطبة. ورجح ابن جرير: تخاطبهم فتقول لهم: أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون وحكاه عن علي، وعطاء، وفي هذا نظر. وعن ابن عباس: تكلمهم: تجرحهم. يعني تكتب على جبين الكافر: " كافر " وعلى جبين المؤمن: " مؤمن ". وعنه: تخاطبهم وتجرحهم. وهذا القول ينتظم المذهبين، وهو قوى حسن جامع لهما، والله أعلم. وقد تقدم الحديث الذي رواه أحمد، ومسلم، وأهل السنن، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد، أن رسول الله قال:. ولمسلم من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي قال: . وله أيضا عن أبي هريرة: . وروى ابن ماجه، عن حرملة، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد، عن أنس، أن رسول الله قال: . تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه. وقال أبو داود الطيالسي: عن طلحة بن عمرو، وجرير بن حازم; فأما [ص:249] طلحة فقال: أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير، أن أبا الطفيل حدثه عن حذيفة بن أسيد الغفاري أبي سريحة، وأما جرير فقال: عن عبد الله بن عبيد، عن رجل من آل عبد الله بن مسعود. وحديث طلحة أتم وأحسن، قال: ذكر رسول الله الدابة، فقال: . يعني مكة. قال رسول الله : . هكذا رواه مرفوعا من هذا الوجه بهذا السياق، وفيه [ص:250] غرابة. ورواه ابن جرير من طريقين، عن حذيفة بن أسيد موقوفا، ورواه أيضا عن حذيفة بن اليمان مرفوعا، وفيه أن ذلك في زمان عيسى ابن مريم وهو يطوف بالبيت، ولكن في إسناده نظر، فالله أعلم. وقد قال ابن ماجه: حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو، حدثنا أبو تميلة حدثنا خالد بن عبيد، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: ذهب بي رسول الله إلى موضع بالبادية قريب من مكة، فإذا أرض يابسة حولها رمل، فقال رسول الله : . فإذا فتر في شبر. قال ابن بريدة: فحججت بعد ذلك بسنين، فأرانا عصا له، فإذا هو بعصاي هذه، هكذا وهكذا. يعني أنه كلما له يتسع حتى يكون وقت خروجها، والله أعلم. وقال عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة، أن ابن عباس، قال: هي دابة ذات زغب، لها أربع قوائم، تخرج من بعض أودية تهامة. ورواه سعيد بن منصور، عن عثمان بن مطر، عن قتادة، عن ابن عباس، بنحوه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، قال: قال عبد الله: تخرج الدابة من صدع من الصفا، [ص:251] كجري الفرس ثلاثة أيام، لا يخرج ثلثها. وعن عبد الله بن عمرو، أنه قال . قيل له: ثم ماذا؟ قال: ثم لا أعلم. وعنه أنه قال: تخرج الدابة ليلة جمع. وعن وهب بن منبه، أنه حكى عن عزير النبي، أنه قال: تخرج الدابة من تحت سدوم. يعني مدينة قوم لوط، فهذه أقوال متعارضة، فالله أعلم. وعن أبي الطفيل، أنه قال: تخرج الدابة من الصفا أو المروة. رواه البيهقي، ثم ساق من حديث يحيى بن معين: حدثنا هشام بن يوسف، حدثنا رباح بن عبيد الله بن عمر، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول [ص:252] الله : . مرتين، أو ثلاثا، قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: . ثم روى من حديث فرقد بن الحجاج: سمعت عقبة بن أبي الحسناء: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله : . قال: . وقد روى الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، وبهز بن أسد، وعفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يونس بن محمد المؤدب، عن حماد بن سلمة، به، ورواه أبو داود الطيالسي، عن حماد بن سلمة، فذكره مثله، إلا أنه قال: . وهذا أنسب، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثني معاوية بن صالح، عن أبي مريم، أنه سمع أبا هريرة يقول: إن الدابة فيها من كل لون، ما بين قرنيها فرسخ للراكب. وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: إنها دابة لها ريش وزغب وحافر، وما لها ذنب، ولها لحية، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثا، وما خرج ثلثاها. رواه ابن أبي حاتم. وقال ابن جريج عن أبي الزبير، أنه وصف الدابة، فقال:. وقد ذكرنا فيما تقدم عن ابن مسعود أن الدابة تقتل إبليس الرجيم، وذلك فيما رواه نعيم بن حماد في كتاب الفتن والملاحم، تصنيفه، والله أعلم بصحته. وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، عن أبي حيان، عن أبي زرعة، عن عبد الله بن عمرو، قال: حفظت من رسول الله حديثا لم أنسه بعد: سمعت رسول الله يقول: . أي أول الآيات التي ليست مألوفة، وإن كان الدجال، ونزول عيسى، عليه السلام، من السماء قبل ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج، فكل ذلك أمور مألوفة، لأنهم بشر، مشاهدتهم وأمثالهم معروفة مألوفة، فأما خروج الدابة على شكل غير مألوف، ومخاطبتها الناس، ووسمها إياهم بالإيمان والكفر، فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها أول الآيات السماوية فإنها تطلع على خلاف عادتها المألوفة. والله سبحانه أعلم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209866
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D8%B9%D9%86%20%D8%A3%D8%A8%D9%8A%20%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/حديث عن أبي أمامة
[ص:255] قال الإمام أحمد: ثنا حجين بن المثنى، ثنا عبد العزيز - يعني ابن أبي سلمة - الماجشون، عن عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دلاف المزني، لا أعلم إلا أنه حدثه عن أبي أمامة يرفعه إلى النبي قال: وقال يونس - يعني ابن محمد - ولم يشك. قال: في رفعه. تفرد به أحمد. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209867
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%B7%D9%84%D9%88%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%B3%20%D9%85%D9%86%20%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%87%D8%A7
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر طلوع الشمس من مغربها
قال الله تعالى: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا. الآية [الأنعام: 158]. قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا ابن أبي ليلى، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي : يوم يأتي بعض آيت ربك لا ينفع نفسا إيمانها. [ص:256] قال: . ورواه الترمذي، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، به. وقال: غريب، وقد رواه بعضهم ولم يرفعه. وقال البخاري - عند تفسير هذه الآية: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله : . وقد أخرجه بقية الجماعة - إلا الترمذي - من طرق، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة مرفوعا مثله. ثم قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . ثم قرأ هذه الآية. وكذا رواه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني به، وانفرد مسلم بإخراجه من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة. وقال أحمد: حدثنا وكيع، عن فضيل بن غزوان، عن أبي حازم سلمان، [ص:257] عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، عن وكيع به، ورواه مسلم أيضا، والترمذي، وابن جرير من غير وجه، عن فضيل بن غزوان، به، نحوه. وقد ورد هذا الحديث من طرق عن أبي هريرة، وعن جماعة من الصحابة أيضا، فعن أبي سريحة حذيفة بن أسيد، عن رسول الله قال: . وذكر الحديث رواه أحمد، ومسلم، وأهل السنن، كما تقدم غير مرة. ولمسلم من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، ومن حديث قتادة، عن الحسن، عن زياد بن رباح، عن أبي هريرة، عن رسول الله : . فذكر منهن طلوع الشمس من مغربها، كما تقدم. وثبت في الصحيحين من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: قال لي رسول الله : ؟ قلت: لا أدري. قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أبو حيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، قال: جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة، فسمعوه يقول وهو يحدث في الآيات: إن أولها خروج الدجال. قال: فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بالذي سمع من مروان في الآيات، فقال عبد الله: لم يقل مروان شيئا، قد حفظت من رسول الله في مثل ذلك حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله يقول: . ثم قال عبد الله، وكان يقرأ الكتب: وأظن أولاهما خروجا طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فأذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل; أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فلم يرد عليها شيء، ثم تستأذن في الرجوع، فلا يرد عليها شيء، ثم تستأذن في الرجوع، فلا يرد عليها شيء، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أنه إن أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق، قالت: رب، ما أبعد المشرق، من لي بالناس؟ حتى إذا صار الأفق كأنه [ص:259] طوق، استأذنت في الرجوع، فيقال لها: ارجعي من مكانك فاطلعي. فطلعت على الناس من مغربها، ثم تلا عبد الله هذه الآية: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [الأنعام: 158]. وقد رواه مسلم في صحيحه، وأبو داود، وابن ماجه، من حديث أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان، عن أبي زرعة، عن عبد الله بن عمرو، قال: حفظت من رسول الله حديثا لم أنسه بعد... وذكره كما تقدم. وقد ذكرنا أن المراد بالآيات هاهنا التي ليست مألوفة، بل هي مخالفة للعادات، وقد ظن عبد الله بن عمرو أن طلوع الشمس من مغربها متقدم على خروج الدابة، وذلك محتمل ومناسب، فالله أعلم. وقد ورد في ذلك حديث غريب رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في " معجمه "، فقال: حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرقي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زبريق الحمصي، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، حدثنا ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله : . قال: . قال: . قال: . وهذا حديث غريب جدا، ورفعه فيه نكارة، لعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما أشياء غرائب. وقد تقدم في خبر ابن مسعود الذي رواه نعيم بن حماد في " الفتن "، أن الدابة تقتل إبليس. وهذا من أغرب الأخبار، والله أعلم. وفي حديث طالوت بن عباد، عن فضال بن جبير، عن أبي أمامة صدي بن عجلان، قال: قال رسول الله : . وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في " تفسيره ": حدثنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة، حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا ابن فضيل، عن سليمان بن يزيد، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: سمعت رسول [ص:261] الله يقول: . قال: . ثم ساق ابن مردويه من طريق سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة، قال: سألت النبي : ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ فقال: . [ص:262] وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في " البعث والنشور ": أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، أخبرنا أبو نصير محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، حدثنا عبد الله بن حماد الآملي، حدثنا محمد بن عمران، حدثني أبي، حدثني ابن أبي ليلى، عن إسماعيل بن رجاء، عن سعد بن إياس، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال ذات يوم لجلسائه: أرأيتم قول الله، عز وجل: تغرب في عين حمئة ؟ [الكهف: 86] ماذا يعني بها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إنها إذا غربت سجدت له وسبحته وعظمته، ثم كانت تحت العرش، فإذا حضر طلوعها، سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته، فيؤذن لها، فإذا كان اليوم الذي تحبس فيه، سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته، فيقال لها: اثبتي. فإذا حضر طلوعها سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته فيقال: اثبتي. فتحبس مقدار ليلتين. قال: ويفزع المتهجدون، وينادي الرجل تلك الليلة جاره: يا فلان، ما شأننا الليلة؟ لقد نمت حتى شبعت وصليت حتى أعييت. ثم يقال لها: اطلعي من حيث غربت. فذلك يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل الآية [الأنعام: 158]. وقال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، يرده إلى مالك بن يخامر، عن ابن [ص:263] السعدي، أن رسول الله قال: . فقال معاوية، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص: إن رسول الله قال: . وهذا إسناد جيد قوي، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب. وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، والترمذي - وصححه - والنسائي، وابن ماجه، من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال: سمعت رسول الله يقول: . فهذه الأحاديث المتواترة، مع الآية الكريمة دليل على أن من أحدث إيمانا، أو توبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل منه، وإنما كان كذلك، والله أعلم; لأن ذلك من أكبر أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ودنوها، فعومل ذلك الوقت معاملة يوم القيامة، كما قال تعالى: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل [الأنعام: 158]. [ص:264] وقال تعالى: فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون [غافر: 84، 85]. وقال تعالى: فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم [محمد: 18]. وقد حكى البيهقي، عن الحاكم أنه قال: أول الآيات ظهورا خروج الدجال، ثم نزول عيسى ابن مريم، ثم فتح يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها، قال: لأنها إذا طلعت من مغربها آمن من عليها، فلو كان نزول عيسى بعدها، لم يلق كافرا. وهذا الذي قاله فيه نظر; لأن إيمان أهل الأرض يومئذ لا ينفعهم، فإنه لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، فمن أحدث إيمانا أو توبة يومئذ لم تقبل منه، إلا أن يكون مؤمنا أو تائبا قبل ذلك، وكذلك قوله تعالى في قصة نزول عيسى في آخر الزمان: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته [النساء: 159]. أي قبل موت عيسى، وبعد نزوله يؤمن جميع أهل الكتاب به إيمانا ضروريا، بمعنى أنهم يتحققون أنه عبد الله ورسوله، فالنصراني يعلم كذب نفسه في دعواه فيه الربوبية والبنوة، واليهودي يعلم أنه نبي رسول من الله، لا ولد زانية، كما كان المجرمون منهم يزعمون ذلك، عليهم [ص:265] لعائن الله وغضبه المتدارك. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209868
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%AE%D8%A7%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86%20%D9%82%D8%A8%D9%84%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر الدخان الذي يكون قبل يوم القيامة
قال الله تعالى: فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم إلى قوله: إنا منتقمون [الدخان: 10 - 16]. وقد تكلمنا على تفسير هذه الآيات في سورة الدخان بما فيه كفاية ومقنع، وقد نقل البخاري عن ابن مسعود، أنه فسر ذلك بما كان يحصل لقريش من شدة الجوع، بسبب القحط الذي دعا عليهم به رسول الله ، فكان أحدهم يرى فيما بينه وبين السماء دخانا من شدة الجوع. وهذا التفسير غريب جدا، ولم ينقل مثله عن أحد من الصحابة غيره، وقد حاول بعض العلماء المتأخرين رد ذلك، ومعارضته بما ثبت في حديث أبي سريحة حذيفة بن أسيد: . فذكر فيهن الدخان، وكذلك في حديث أبي هريرة: . فذكر فيهن الدخان، والحديثان في صحيح مسلم مرفوعان، والمرفوع مقدم على كل موقوف، وفي ظاهر القرآن ما يدل على وجود دخان من السماء يغشى [ص:266] الناس، وهذا أمر محقق عام، وليس كما روي عن ابن مسعود أنه خيال في أعين قريش من شدة الجوع. قال تعالى: فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين. أي: ظاهر بين واضح جلي، ليس خيالا من شدة الجوع، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون. أي: ينادي أهل ذلك الزمان ربهم بهذا الدعاء; يسألون كشف هذه الشدة عنهم، فإنهم قد آمنوا، وأيقنوا بما وعدوا به من الأمور الغيبية الكائنة، بعد ذلك يوم القيامة، وهذا دليل على أن هذا أمر يكون قبل يوم القيامة، حيث يمكن رفعه، ويمكن استدراك التوبة والإنابة. والله أعلم. وقد روى البخاري، عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، عن الأعمش ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: بينما رجل يحدث في كندة قال: يجيء دخان يوم القيامة، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام. ففزعنا، فأتينا ابن مسعود. قال: وكان متكئا. فغضب فجلس، فقال: يا أيها الناس، من علم شيئا فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم. فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم. فإن الله تعالى قال لنبيه محمد : قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين. [ص:86] [ص:267] وإن قريشا أبطئوا عن الإسلام، فدعا عليهم رسول الله فقال: . فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان، فجاءه أبو سفيان، فقال: يا محمد، جئت تأمر بصلة الرحم، وقومك قد هلكوا، فادع الله. فقرأ هذه الآية: فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون إلى قوله: إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله: يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون [الدخان: 16]. فذاك يوم بدر، فسوف يكون لزاما [الفرقان: 77] فذاك يوم بدر، الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون [الروم: 1 - 3]، والروم قد مضى، فقد مضت الأربع. وقد أخرجه البخاري أيضا، ومسلم من حديث الأعمش، ومنصور به نحوه، وفي رواية: فقد مضى القمر، والدخان، والروم، واللزام. وقد ساقه البخاري من طرق كثيرة بألفاظ متعددة. وقول هذا القاص: إن هذا [ص:268] الدخان يكون يوم القيامة. ليس بجيد، ومن هنا تسلط عليه ابن مسعود بالرد، بل قبل يوم القيامة يكون وجود هذا الدخان، كما يكون وجود الآيات، من الدابة والدجال، ويأجوج ومأجوج، كما دلت عليه الأحاديث عن أبى سريحة وأبي هريرة، وغيرهما من الصحابة، وكما جاء مصرحا به فيها، وأما النار التي تكون قبل يوم القيامة فقد تقدم في الصحيح أنها تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتأكل من تخلف منهم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209869
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%A7%D8%B9%D9%82%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A%20%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86%20%D8%B9%D9%86%D8%AF%20%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر الصواعق التي تكون عند اقتراب الساعة
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا عمارة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله قال : . وقال الإمام أحمد: ثنا أبو المغيرة ثنا أرطأة - يعني ابن المنذر - سمعت ضمرة بن حبيب سمعت سلمة بن نفيل السكوني قال: كنا جلوسا عند رسول الله إذ قال قائل: يا رسول الله، هل أتيت بطعام من السماء؟ قال : . قال: وبماذا؟ قال : قال: فهل كان فيها فضل عنك [ص:269] قال : . قال: فما فعل به؟ قال : . وقال الإمام أحمد: حدثنا مؤمل، حدثنا حماد، حدثنا علي بن زيد، عن خالد بن الحويرث، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله : . انفرد به أحمد. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209870
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D9%88%D9%82%D9%88%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%AF%D9%8A%D8%AF%20%D9%82%D8%A8%D9%84%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر وقوع المطر الشديد قبل يوم القيامة
قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا إسحاق، حدثنا خالد، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : . كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209871
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D9%85%D9%88%D8%B1%20%D9%84%D8%A7%20%D8%AA%D9%82%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%A9%20%D8%AD%D8%AA%D9%89%20%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86%D8%8C%20%D9%85%D9%86%D9%87%D8%A7%20%D9%85%D8%A7%20%D9%82%D8%AF%20%D9%88%D9%82%D8%B9%D8%8C%20%D9%88%D9%85%D9%86%D9%87%D8%A7%20%D9%85%D8%A7%20%D9%84%D9%85%20%D9%8A%D9%82%D8%B9%20%D8%A8%D8%B9%D8%AF
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/باب ذكر أمور لا تقوم الساعة حتى تكون، منها ما قد وقع، ومنها ما لم يقع بعد
[ص:270] قد تقدم من ذلك شيء كثير، ولنذكر أشياء أخر من ذلك، وإيراد شيء من أشراط الساعة، وما يدل على اقترابها، وبالله المستعان. تقدم ما رواه البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي قال: " لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان. ولا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، يكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة. ولا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتكثر الفتن، ويكثر الهرج. ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله. ولا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: ليتني مكانك. ولا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [الأنعام: 158] ولا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال، حتى يهم رب المال من يقبله منه "، ورواه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة. وتقدم الحديث عن أبي هريرة، وبريدة، وأبي بكرة، رضي الله عنهم، [ص:271] وغيرهم الحديث. وهم بنو قنطوراء، وهي جارية الخليل، عليه الصلاة والسلام. وفي الصحيحين من حديث شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله : . وروى سفيان الثوري، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله أنه قال: . وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سهيل. وروى البخاري، عن أبي اليمان، عن شعيب، وأخرج مسلم من حديث معمر، كلاهما عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية. وفي صحيح مسلم، من حديث الأسود بن العلاء، عن أبي سلمة، عن [ص:272] عائشة، قالت: سمعت رسول الله يقول: فقلت: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون [التوبة: 33] أن ذلك تاما. فقال: . وفى جزء الأنصاري، عن حميد، عن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله : ما أول أشراط الساعة؟ قال: الحديث بتمامه. ورواه البخاري من حديث حميد، عن أنس. وفي حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة، أن رسول الله كان يوما بارزا للناس، إذ أتاه أعرابي، فسأله عن الإيمان، فذكر الحديث إلى أن قال: يا رسول الله، فمتى الساعة؟ فقال: . ثم قرأ: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير [لقمان: 34]. ثم انصرف الرجل، فقال: . فلم يروا شيئا، فقال: . أخرجاه في الصحيحين. [ص:273] وعند مسلم عن عمر بن الخطاب نحو هذا بأبسط منه. فقوله عليه السلام. يعني به أن الإماء يكن في آخر الزمان هن المشار إليهن بالحشمة، تكون الأمة تحت الرجل الكبير دون غيرها من الحرائر، ولذلك قرن ذلك بقوله. يعني بذلك أنهم يكونون رءوس الناس، قد كثرت أموالهم، وامتدت وجاهتهم، فليس لهم دأب ولا همة إلا التطاول في البناء، وهذا كما في الحديث المتقدم. وفى الحديث الآخر وفي الحديث الآخر{{حديث|إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة¨¨. ومن فسر هذا بكثرة السراري لكثرة الفتوحات، فقد كان هذا في صدر هذه الأمة كثيرا جدا، وليس هذا بهذه الصفة من أشراط الساعة المتاخمة لوقتها، والله أعلم. وقال البيهقي في كتاب " البعث والنشور ": أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق، قالا: حدثنا عبد الباقي بن قانع الحافظ، حدثنا [ص:274] عبد الوارث بن إبراهيم العسكري، حدثنا سيف بن مسكين، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قال عتي: خرجت في طلب العلم، فقدمت الكوفة فإذا أنا بعبد الله بن مسعود، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، هل للساعة من علم تعرف به؟ فقال: سألت رسول الله عن ذلك، فقال: . ثم قال البيهقي: هذا إسناد فيه ضعف، إلا أن أكثر ألفاظه قد رويت بأسانيد أخر متفرقة. قلت: قد تقدم في أول هذا الكتاب فصل فيه ما يقع من الشرور في آخر الزمان، وفيه شواهد كثيرة لهذا الحديث. وفي " صحيح البخاري " من حديث عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، أن أعرابيا سأل رسول الله ، فقال: متى الساعة؟ فقال: . قال: يا رسول الله، [ص:275] وكيف إضاعتها؟ فقال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله. قال: وأحسبه رفعه إلى النبي قال: . فقال أبو موسى: الهرج بلسان الحبش: القتل. وروى الإمام أحمد، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، عن شهر، عن أبي سعيد، أن رسول الله قال: . وروى أيضا عن يزيد بن هارون، عن القاسم بن الفضل الحداني، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، هو ابن سلمة، عن [ص:276] ثابت، عن أنس، قال: كنا نتحدث أنه لا تقوم الساعة حتى تمطر السماء، ولا تنبت الأرض، وحتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد، وحتى إن المرأة لتمر بالبعل، فينظر إليها فيقول: لقد كان لهذه مرة رجل. قال أحمد: ذكره حماد مرة هكذا، وقد ذكره عن ثابت، عن أنس، عن النبي لا يشك فيه، وقد قال أيضا: عن أنس، عن النبي فيما يحسب. إسناده جيد، ولم يخرجوه من هذا الوجه. وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك يرفع الحديث، قال: تقدم له شاهد في " الصحيح ". وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله خرج حين زاغت الشمس، فصلى الظهر، فلما سلم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أمورا عظاما. وذكر تمام الحديث. وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم وأبو كامل، قالا: حدثنا زهير، [ص:277] حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : والسعفة: الخوصة، زعم سهيل. وهذا الإسناد على شرط مسلم. وقال أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا كامل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . إسناد جيد قوي. وقال أحمد: حدثنا يونس وسريج، قالا: حدثنا فليح، عن سعيد بن عبيد بن السباق، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . قال سريج: وينظر فيها للرويبضة ". وهذا إسناد جيد، ولم يخرجوه من هذا الوجه. [ص:278] وقال أحمد: حدثنا هوذة، حدثنا عوف، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . وهذا إسناد حسن، ولم يخرجوه من هذا الوجه. وقال أحمد: حدثنا عمار بن محمد، عن الصلت بن قويد، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: تفرد به أحمد، ولا بأس بإسناده. وقال أحمد: حدثنا يحيى، عن ابن عجلان، قال: سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : قيل: وما الهرج؟ قال: . تفرد به أحمد، وهو على شرط مسلم. وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله :. قالوا: الهرج أيما هو يا رسول الله؟ قال: . وقال رسول الله : . وقال رسول الله : . وقال رسول الله : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [الأنعام: 158] ". وهذا ثابت في " الصحيح ". وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا القاسم بن الحكم، عن سليمان بن داود اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي قال: " والذي بعثني بالحق لا تنقضي [ص:280] هذه الدنيا حتى يقع بهم الخسف، والقذف، والمسخ ". قالوا: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: . وروى الطبراني من حديث كثير بن مرة، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو الإمام أحمد الزبيري، حدثنا بشير بن سلمان، وهو أبو إسماعيل، عن سيار أبي الحكم، عن طارق بن شهاب، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا، فجاء رجل، فقال: قد أقيمت الصلاة. فقام، وقمنا معه، فلما دخلنا المسجد رأينا الناس ركوعا في مقدم المسجد، فكبر وركع وركعنا، ثم مشينا، وصنعنا مثل الذي صنع، فمر رجل يسرع، فقال: عليك السلام يا أبا عبد الرحمن. فقال: صدق الله ورسوله. فلما صلينا ورجعنا دخل إلى أهله، وجلسنا، فقال بعضنا لبعض: أما سمعتم رده على الرجل، صدق الله ورسوله أو قال وبلغت [ص:281] رسله؟ أيكم يسأله؟ فقال طارق: أنا أسأله. فسأله حين خرج، فذكر عن النبي :. ثم روى أحمد، عن عبد الرزاق، عن سفيان، عن بشير، عن سيار أبي حمزة. قال أحمد: وهذا هو الصواب، وسيار أبو الحكم لم يرو عن طارق شيئا. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209872
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%B7%D8%B1%D9%82%20%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D8%A8%D8%B9%D8%AB%D8%AA%20%D8%A3%D9%86%D8%A7%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%A9%20%D9%83%D9%87%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D9%86
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر طرق حديث بعثت أنا والساعة كهاتين
رواية أنس بن مالك: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله - يعني ابن أبي المهاجر الدمشقي - قال: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك، فسأله: ماذا سمعت من رسول الله يذكر به الساعة؟ قال: سمعت رسول الله يقول: . تفرد به أحمد من هذا الوجه. طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا شعبة، عن أبي التياح، وقتادة، وحمزة، وهو ابن عمرو الضبي، أنهم سمعوا أنس بن مالك يقول عن النبي : . وأشار بالسبابة والوسطى. وكان قتادة يقول: كفضل إحداهما على الأخرى. وأخرجه مسلم من حديث شعبة، عن حمزة الضبي هذا، وأبي التياح، كلاهما عن أنس، به. [ص:287] طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي قال: . وأشار بالسبابة والوسطى. وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي من حديث شعبة به - وفي رواية لمسلم: عن شعبة، عن قتادة، وأبي التياح، كلاهما عن أنس، به - وقال الترمذي: حسن صحيح. طريق أخرى عنه: روى الإمام أحمد، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن زياد بن أبي زياد المدني، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله يقول: . ومد إصبعيه، السبابة والوسطى. تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به. طريق أخرى عنه: قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن معبد بن هلال العنزي، عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: . تفرد به مسلم. طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا [ص:288] شعبة، عن أبي التياح، سمعت أنس بن مالك يقول: إن رسول الله قال: . وبسط إصبعيه، السبابة والوسطى. وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة، عن أبي التياح يزيد بن حميد - وزاد مسلم: وحمزة الضبي - عن أنس، به. رواية جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما: قال الإمام أحمد: حدثنا مصعب بن سلام، حدثنا جعفر، هو ابن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: خطبنا رسول الله ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: . ثم يرفع صوته وتحمر وجنتاه، ويشتد غضبه إذا ذكر الساعة كأنه منذر جيش، ثم يقول: . الضياع: ولده المساكين. وقد رواه مسلم والنسائي وابن ماجه، من طرق عن جعفر بن محمد، به، وعند مسلم قال: . رواية سهل بن سعد: قال مسلم: حدثنا سعيد بن منصور، قال: وحدثنا [ص:289] قتيبة بن سعيد، واللفظ له، حدثنا يعقوب، هو ابن عبد الرحمن، عن أبي حازم، أنه سمع سهلا يقول: سمعت النبي يشير بإصبعيه التي تلي الإبهام والوسطى، وهو يقول: . تفرد به مسلم. رواية أبي هريرة: قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو هشام، حدثنا أبو بكر، حدثنا أبو حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . وضم إصبعيه. وقد رواه البخاري، عن يحيى بن يوسف، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي حصين عثمان بن عاصم، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبي قال: . ثم قال البخاري: وتابعه إسرائيل. ورواه ابن ماجه، عن هناد بن السري، وأبي هشام الرفاعي، عن أبي بكر بن عياش به، وقال: وجمع بين إصبعيه. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي جبيرة بن الضحاك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : . يقول: حين بدت في أول وقتها. وهذا إسناد جيد، وليس هو في شيء من الكتب، ولا رواه أحمد بن حنبل، وإنما روى لأبي جبيرة حديثا آخر في النهي عن التنابز بالألقاب. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209873
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D9%81%D9%8A%20%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A8%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A8%D8%A9%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D9%85%D8%A7%20%D8%B3%D9%84%D9%81%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D9%86%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/حديث في تقريب يوم القيامة بالنسبة إلى ما سلف من الأزمنة
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: سمعت النبي وهو قائم على المنبر، يقول: . وهكذا رواه البخاري، عن أبي اليمان. وللبخاري من حديث سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : . فذكر الحديث بتمامه وطوله. طريق أخرى عن ابن عمر، رضي الله عنهما: قال الإمام أحمد: حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا شريك، سمعت سلمة بن كهيل، يحدث عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: كنا جلوسا عند النبي ، والشمس على قعيقعان، بعد العصر، فقال: . تفرد به أحمد. وهذا إسناد حسن، لا بأس به. طريق أخرى عنه: قال أحمد: حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثني كثير بن [ص:292] زيد، عن المطلب بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أنه كان واقفا بعرفات، فنظر إلى الشمس حين تدلت مثل الترس للغروب، فبكى واشتد بكاؤه، فقال له رجل عنده: يا أبا عبد الرحمن، قد وقفت معي مرارا فلم تصنع هذا؟! فقال: ذكرت رسول الله وهو واقف بمكاني هذا، فقال: . تفرد به أحمد. طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد، يعني ابن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : . ورواه البخاري، عن سليمان بن حرب، من حماد بن زيد، به، نحوه، بأبسط منه. وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني، من حديث عطية العوفي، ووهب بن كيسان، عن ابن عمر، عن النبي ، بنحو ذلك. وهذا كله يدل على أن ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى منها شيء [ص:293] يسير، لكن لا يعلم مقدار ما مضى منها إلا الله تعالى، ولا ما بقي إلا الله تعالى، ولكن لها أشراط إذا وجدت كانت قريبة، والله أعلم، ولم يجئ في حديث تحديد يصح سنده عن المعصوم، حتى يصار إليه، ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه، ولكنه قليل جدا بالنسبة إلى الماضي، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح، بل الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله سبحانه وتعالى به، دون خلقه، كما سيأتي تقريره في أول الجزء الآتي بعد هذا، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة، وعليه التكلان. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد، رحمه الله، في " مسنده " قائلا: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله، وأبو بكر بن أبي حثمة، أن عبد الله بن عمر قال: صلى النبي صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام، فقال: . قال عبد الله: فوهل الناس في مقالة رسول الله تلك، إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال النبي : . يريد بذلك أنه ينخرم ذلك القرن. وهكذا رواه [ص:294] البخاري، عن أبي اليمان بسنده ولفظه سواء، ورواه مسلم، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن أبي اليمان الحكم بن نافع، عن شعيب، به. فقد فسر الصحابي المراد من هذا الحديث بما فهمه، وهو أولى بالفهم من كل أحد من أنه يريد بذلك أن ينخرم قرنه ذلك، فلا يبقى أحد ممن هو كائن على وجه الأرض من أهل ذلك الزمان من حين قال هذه المقالة إلى مائة سنة، وقد اختلف العلماء; هل ذلك خاص بذلك القرن؟ أو عام في كل قرن أنه لا يبقى أحد أكثر من مائة سنة؟ على قولين، والتخصيص بذلك القرن المعين الأول أولى; فإنه قد شوهد أن بعض الناس قد جاوز المائة سنة، وذلك طائفة كثيرة من الناس، كما قد ذكرنا هذا في كتابنا هذا في وفيات الأعيان، فالله أعلم. ولهذا الحديث طرق أخرى، عن النبي . رواية جابر بن عبد الله: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا المبارك، حدثنا الحسن، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله سئل عن الساعة قبل أن يموت بشهر، فقال: . تفرد به أحمد، وهو إسناد جيد حسن رجاله ثقات; أبو النضر هاشم بن القاسم من رجال [ص:295] الصحيحين، ومبارك بن فضالة حديثه عند أهل السنن، والحسن بن أبي الحسن البصري من الأئمة الثقات الكبار، وروايته مخرجة في الصحاح كلها وغيرها. طريق أخرى عن جابر: قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي يقول قبل أن يموت بشهر: . وكذا رواه مسلم، عن هارون بن عبد الله، وحجاج بن الشاعر، عن حجاج بن محمد الأعور، وعن محمد بن حاتم، عن محمد بن بكر، كلاهما عن ابن جريج، به. وقال مسلم في " الصحيح "، باب تقريب قيام الساعة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم، فقال: . تفرد به الإمام مسلم، رحمه الله. ثم قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا سأل رسول الله : متى تقوم [ص:296] الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له: محمد. فقال رسول الله : . تفرد به مسلم من هذا الوجه. ثم قال مسلم: وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، يعني ابن زيد، حدثنا معبد بن هلال العنزي، عن أنس بن مالك، أن رجلا سأل النبي قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت النبي هنيهة ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة، فقال: . قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ. تفرد به مسلم أيضا من هذا الوجه. ثم قال مسلم: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة، وكان من أقراني، فقال النبي : . ورواه البخاري، عن عمرو بن عاصم، عن همام، به. وهذه الروايات تدل على تعداد هذا السؤال وهذا الجواب، وليس المراد بذلك تحديد وقت الساعة العظمى إلى وقت هرم هذا الغلام المشار إليه، وإنما المراد ساعتهم، وهو انقراض قرنهم وعصرهم، وأن قصاراه تتناهى في مدة عمر ذلك الغلام، كما تقدم في الحديث: . ويؤيد ذلك رواية عائشة، رضي الله عنها: . وذلك أنه من مات فقد دخل في حكم القيامة، فإن عالم البرزخ قريب من عالم يوم القيامة، وفيه شبه من الدنيا أيضا، ولكن هو أشبه بالآخرة، ثم إذا تناهت المدة المضروبة للدنيا أمر الله بقيام الساعة، فجمع الأولون والآخرون لميقات يوم معلوم، كما سيأتي بيان ذلك من الكتاب والسنة، وبالله المستعان. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209874
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%AF%D9%86%D9%88%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%87%D8%A7
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر دنو الساعة واقترابها
قال الله تعالى: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون [الأنبياء: 1]. وقال تعالى: أتى أمر الله فلا تستعجلوه [النحل: 1]. وقال: يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا [الأحزاب: 63]. وقال تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج. إلى قوله: يبصرونهم [المعارج: 1 - 11]. وقال تعالى: اقتربت الساعة وانشق القمر [القمر: 1]. وقال تعالى: ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين [يونس: 45]. وقال تعالى: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها [النازعات: 46]. وقال تعالى: [ص:298] الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد [الشورى: 17، 18]. وقال تعالى: يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا [طه: 102] الآيات. وقال تعالى: قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون [المؤمنون: 112 - 114]. وقال تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون [الأعراف: 187]. وقال تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها [النازعات: 42 - 44]. وقال تعالى: إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى [طه: 15، 16]. وقال تعالى: بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون [النمل: 66]. وقال تعالى: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير [لقمان: 34]. ولهذا لما سأل جبريل رسول الله عن الساعة، قال له. يعني قد استوى فيها علم كل مسئول وسائل بطريق الأولى والأحرى " لأنه إن كانت الألف واللام في المسئول والسائل للعهد [ص:299] عائدة عليه وعلى جبريل، فكل أحد ممن سواهما لا يعلم ذلك بطريق الأولى والأحرى، وإن كانت للجنس عمت بطريق اللفظ. والله أعلم. ثم ذكر النبي له شيئا من أشراط الساعة، ثم قال: . ثم قرأ: الآية. وقال تعالى: ويستنبئونك أحق هو قل أي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين [يونس: 53]. وقال تعالى: وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم [سبأ: 3 - 5]. فهذه ثلاث آيات أمر الله سبحانه رسوله أن يقسم به فيهن على إتيان المعاد، وإعادة الخلق، وجمعهم ليوم لا ريب فيه، وليس لهن رابعة مثلهن، ولكن في معناهن كثير; قال تعالى: [ص:300] وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [النحل: 38 - 40]. وقال تعالى: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [لقمان: 28]. وقال تعالى: إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون [غافر: 59]. وقال تعالى: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها [النازعات: 27]. إلى آخر السورة. وقال تعالى: قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا [الإسراء: 50 - 52]. وقال تعالى: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا [الإسراء: 97 - 99]. وقال تعالى: أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين [يس: 77]. إلى آخر السورة. وقال تعالى: أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير [الأحقاف: 33] وقال تعالى: ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون. الآيات الثلاث إلى [ص:301] وهو العزيز الحكيم [الروم: 25 - 27]. وقال تعالى: ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور [الحج: 6 - 7]. وقال تعالى: ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير [فصلت: 39]. وقال تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله: ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين [المؤمنون: 12 - 17]. فيستدل تعالى بإحياء الأرض الميتة على إحياء الأجساد بعد موتها وفنائها وتمزقها، وصيرورتها ترابا وعظاما ورفاتا، وكذلك يستدل ببدأة الخلق على إعادة النشأة الآخرة، كما قال تعالى: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [الروم: 127] وقال تعالى: قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير [العنكبوت: 20]. وقال تعالى: والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون [الزخرف: 11]. وقال تعالى: والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور [فاطر: 9]. وفي " الأعراف ": كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون [الأعراف: 57]. وقال تعالى: [ص:302] فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر [الطارق: 5 - 9]. وكذلك سورة " ق " من أولها إلى آخرها فيها ذكر بعث ونشور، وكذلك سورة " الواقعة "، والقرآن كله طافح بهذا، ولا تبديل لكلمات الله. وقال تعالى: نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا [الإنسان: 28]. وقال تعالى: فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين [المعارج: 39 - 41]. وقال تعالى: يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [النازعات: 10 - 14]. وسورة " الصافات " فيها آيات كثيرة تدل على المعاد، وكذلك سورة " الكهف " وغيرها. وقد ذكر الله سبحانه إحياء الموتى، وأنه أحيا قوما بعد موتهم في هذه الحياة الدنيا في سورة " البقرة " ; في خمسة مواضع منها؟ في قصة بني إسرائيل حين قتل بعضهم بعضا لما عبدوا العجل، في أول السورة، فقال تعالى: ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون [البقرة: 56]. وفى قصة البقرة: فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون [البقرة: 73]. فإنه أحيا ذلك الميت لما ضربوه ببعضها. وفى قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم [ص:303] [البقرة: 243]. وفى قصة الذي: مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ثم أحيا حماره، والقصة معروفة، فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير [البقرة: 259]. والخامسة قصة إبراهيم، عليه السلام، والطير: وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم [البقرة: 260]. وذكر تعالى قصة أصحاب الكهف، وكيف أبقاهم في نومهم ثلاثمائة سنة شمسية، وهي ثلاثمائة وتسع سنين قمرية، وقال فيها: وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها الآية [الكهف: 21]. فجعل سبحانه ذلك دلالة على إحياء الموتى، وإتيان الساعة لا ريب فيها. والله سبحانه أعلم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209875
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1%20%D8%A8%D8%B7%D9%88%D9%84%D9%87
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/حديث الصور بطوله
[ص:310] قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في " مسنده ": حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، قال: حدثنا رسول الله ، وهو في طائفة من أصحابه، قال: . قال: قلت: يا رسول الله، ما الصور؟ قال:. قلت: كيف هو؟ قال: . قال رسول الله : . قال أبو هريرة: يا رسول الله، من استثنى الله حين يقول: ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [النمل: 87] قال:. فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله سبحانه، إلا أنه يطول، ثم يأمر الله إسرافيل، فينفخ نفخة الصعق، فيصعق أهل السماوات والأرض، إلا من شاء الله، فإذا هم خمدوا، جاء ملك الموت إلى الجبار تعالى، فيقول: يا رب، مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت. فيقول الله سبحانه له، وهو أعلم: من بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل وبقيت أنا. فيقول الله، عز وجل: ليمت جبريل وميكائيل. فينطق سبحانه العرش، فيقول: يا رب، يموت جبريل وميكائيل؟ فيقول الله سبحانه للعرش: اسكت، إني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي. فيموتان، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار، عز وجل، فيقول: يا رب، قد مات جبريل وميكائيل. فيقول، وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقي حملة عرشك، وبقيت أنا. فيقول الله تعالى: فليمت حملة عرشي. فيموتون، ثم يأمر الله سبحانه العرش فيقبض الصور من إسرافيل، وإسرافيل من جملة حملة العرش، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار، عز وجل، فيقول: يا رب، قد مات حملة عرشك. فيقول تبارك وتعالى، وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي [ص:313] لا يموت، وبقيت أنا. فيقول الله تعالى: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت. فيموت، فإذا لم يبق إلا الله - قال ابن أبي الدنيا: ثنا محمد بن الحسين، ثنا يونس بن يحيى الأموي أبو نباتة، ثنا إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب القرظي قال: بلغني أن آخر من يموت من الخلق ملك الموت، يقال له: يا ملك الموت، مت موتا لا تحيا بعده أبدا. قال: فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السماوات والأرض لماتوا فزعا، ثم يموت، ثم يقول تعالى: [غافر: 16]. وقد رواه ابن أبي الدنيا أيضا عن إسحاق بن إسماعيل، عن إبراهيم بن عيينة، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل، عن أبي هريرة، مرفوعا بهذا. ورواه الحافظ أبو موسى المديني من طريق محمد بن شعيب بن شابور، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، عن أبي هريرة، عن النبي نحو هذا الحديث، وفيه: . قال أبو موسى: لم يتابع إسماعيل على هذه اللفظة، [ص:314] ولم يقلها أكثر الرواة - قال: . قال رسول الله :. قال أبو هريرة: يا رسول الله، ما الفحص؟ قال: . قال رسول الله : . قال رسول الله : {{حديث|فيأتوني، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن، فأنطلق فآتي الجنة، فآخذ بحلقة الباب، ثم أستفتح فيفتح لي، فأحيا، ويرحب لي، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا، فيأذن الله لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول الله لي: ارفع رأسك يا محمد، واشفع تشفع، وسل تعطه. فإذا رفعت رأسي قال الله، وهو أعلم: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة. فيقول الله، عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة؛؛. فكان رسول الله يقول: . قال:. قال رسول الله :. فذكره إلى هنا كان في أصل أبي بكر بن المقرئ، عن أبي يعلى رحمه الله تعالى. هذا حديث مشهور، رواه جماعة من الأئمة في كتبهم، كابن جرير في تفسيره، و الطبراني في الطوالات وغيرها، والبيهقي في كتاب " البعث والنشور "، والحافظ أبي موسى المديني في الطوالات أيضا - من طرق متعددة، عن إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة، وقد تكلم فيه بسببه. وفي [ص:323] بعض سياقاته نكارة واختلاف، وقد بينت طرقه في جزء مفرد. قلت: وإسماعيل بن رافع المديني ليس من الوضاعين، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة، وساقه سياقة واحدة، فكان يقص به على أهل المدينة، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره، ورواه عنه جماعة من الكبار; كأبي عاصم النبيل، والوليد بن مسلم، ومكي بن إبراهيم، ومحمد بن شعيب بن شابور، وعبدة بن سليمان، وغيرهم، واختلف عليه فيه قتادة، يقول: عن محمد بن يزيد، عن محمد بن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي . وتارة يسقط الرجل. وقد رواه إسحاق بن راهويه، عن عبدة بن سليمان، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، عن النبي . ومنهم من أسقط الرجل الأول، قال شيخنا الحافظ المزي: وهذا أقرب، وقد رواه عن إسماعيل بن رافع الوليد بن مسلم، وله عليه مصنف بين شواهده من الأحاديث الصحيحة. وقال الحافظ أبو موسى المديني بعد إيراده له بتمامه: وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه، فعامة ما فيه يروى مفرقا بأسانيد ثابتة. ثم تكلم على غريبه. [ص:324] قلت: ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا، وبالله المستعان. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209876
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%AE%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/النفخ في الصور
فأما النفخات في الصور فثلاث; نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث، كما تقدم بيان ذلك في حديث الصور بطوله. وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوما؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت. قال: . قال: . ورواه البخاري من حديث الأعمش. وحديث عجب الذنب، وأنه لا يبلى، وأن الخلق يبدأ منه ومنه يركب يوم القيامة - ثابت من رواية أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن [ص:325] أبي هريرة. ورواه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق. ورواه أحمد أيضا، عن يحيى القطان، عن محمد بن عجلان، ثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: . انفرد به أحمد، وهو على شرط مسلم. ورواه أحمد أيضا، من حديث إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة، مرفوعا بنحوه. وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله قال: . قيل: ومثل ما هو يا رسول الله؟ قال: . والمقصود هنا إنما هو ذكر النفختين، وأن بينهما أربعين; إما أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة، وهاتان النفختان هما، والله أعلم، نفخة الصعق، ونفخة القيام للبعث والنشور، بدليل إنزال الماء بينهما، وذكر عجب الذنب الذي منه يخلق الإنسان، وفيه يركب عند بعثه يوم القيامة. ويحتمل أن يكون المراد منهما ما بين نفخة الفزع ونفخة الصعق، وهو الذي نريد ذكره في هذا المقام. وعلى كل تقدير فلا بد من مدة بين نفختي الفزع والصعق. [ص:326] وقد ذكر في حديث الصور أنه يكون فيها أمور عظام، من ذلك زلزلة الأرض وارتجاجها، وميدانها بأهلها، وتكفيها يمينا وشمالا، قال الله تعالى: إذا زلزلت الأرض زلزالها [الزلزلة: 1]. وقال تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم [الحج: 1]. وقال تعالى: إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا الآيات كلها إلى قوله: هذا نزلهم يوم الدين [الواقعة: 1 - 56]. ولما كانت هذه النفخة - أعني نفخة الفزع - أول مبادئ القيامة، كان اسم يوم القيامة صادقا على ذلك كله، كما ثبت في صحيح البخاري، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: . وهذا إنما يتجه على ما قبل نفخة الفزع، وعبر عن نفخة الفزع بأنها الساعة لما كانت أول مبادئها، وتقدم في الحديث في صفة أهل آخر الزمان أنهم شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة. وقد ذكر في حديث ابن رافع في حديث الصور المتقدم، أن السماء تنشق فيما بين نفختي الفزع والصعق، وأن نجومها تتناثر، ويخسف شمسها وقمرها. والظاهر، والله أعلم، أن هذا إنما يكون بعد نفخة الصعق حين: [ص:327] تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار [إبراهيم: 48 - 50]. وقال تعالى: إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت الآيات [الانشقاق: 1، 2]. وقال تعالى: فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر إلى قوله: ولو ألقى معاذيره [القيامة: 7 - 15]. وسيأتي تقرير هذا كله، وأنه إنما يكون بعد نفخة الصعق، وأما زلزال الأرض وانشقاقها بسبب تلك الزلزلة، وفرار الناس إلى أقطارها وأرجائها - فمناسب أنه بعد نفخة الفزع، وقبل الصعق، قال الله تعالى، إخبارا عن مؤمن آل فرعون أنه قال: ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم [غافر: 32، 33]. وقال تعالى: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان [الرحمن: 33 - 36]. وقد تقدم الحديث في مسند أحمد، وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد أن رسول الله قال: . فذكرهن، إلى أن قال: . وهذه النار تسوق الموجودين في آخر الزمان في سائر أقطار الأرض إلى أرض الشام منها، وهي بقعة المحشر والمنشر. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209877
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D9%85%D8%B1%20%D9%87%D8%B0%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1%20%D9%88%D8%AD%D8%B4%D8%B1%D9%87%D8%A7%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%A3%D8%B1%D8%B6%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر أمر هذه النار وحشرها الناس إلى أرض الشام
[ص:328] ثبت في الصحيحين من حديث وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . وروى أحمد، عن عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله عن أول أشراط الساعة ; فقال: . الحديث بطوله، وهو في " الصحيح ". وروى الإمام أحمد، عن حسن، وعفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: . قالوا: يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: . وقد رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده "، عن حماد بن سلمة، بنحو من هذا السياق. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله يقول: . وروى الطبراني من حديث المهلب بن أبي صفرة، عن عبد الله بن عمرو، بنحوه. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه " البعث والنشور ": أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا زيد بن [ص:330] الحباب، أخبرني الوليد بن جميع القرشي ( ح ). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا سعيد بن مسعود، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأ الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري: سمعت أبا ذر الغفاري رضي الله عنه، وتلا هذه الآية: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما [الإسراء: 97]. فقال أبو ذر: حدثني الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج، فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم. قلنا: قد عرفنا هذين، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال: . لفظ الحاكم. وهكذا رواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، ولم يذكر تلاوة أبي ذر للآية، وزاد في آخره: . وفي مسند الإمام أحمد من حديث بهز وغيره، عن أبيه حكيم بن معاوية، عن جده معاوية بن حيدة القشيري، عن رسول الله أنه قال: [ص:331] " تحشرون ههنا - وأومأ بيده إلى نحو الشام - مشاة، وركبانا، وتجرون على وجوهكم، وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام، فأول ما يعرب عن أحدكم فخذه وكفه ". وقد رواه الترمذي، عن أحمد بن منيع، عن يزيد بن هارون، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، بنحوه، وقال: حسن صحيح. وقال أحمد: ثنا عثمان بن عمر، ثنا عبد الحميد بن جعفر، قال.: ثنا أبو جعفر محمد بن علي، عن رافع بن بشر السلمي، عن أبيه؟ أن رسول الله قال: . تفرد به. ورواه أبو نعيم في ترجمة بشر أبي رافع السلمي، وفيه. " تضيء لها أعناق الإبل ببصرى ". [ص:332] فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا من أقطار الأرض إلى محلة المحشر، وهي أرض الشام، وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة; فقسم طاعمين كاسين راكبين، وقسم يمشون تارة ويركبون أخرى، وهم يعتقبون على البعير الواحد، كما تقدم في الصحيحين: . إلى أن قال: . يعتقبونه من قلة الظهر، كما تقدم. وكما جاء مفسرا في الحديث الآخر، " وتحشر بقيتهم النار ". وهي التي تخرج من قعر عدن، فتحيط بالناس من ورائهم، تسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر، ومن تخلف منهم أكلته. وهذا كله مما يدل على أن هذا إنما يكون في آخر الزمان آخر الدنيا، حيث يكون الأكل والشرب والركوب موجودا، والمشترى وغيره، وحيث تهلك المتخلفين منهم النار، ولو كان هذا بعد نفخة البعث لم يبق موت، ولا ظهر يشترى، ولا أكل ولا شرب ولا لبس في العرصات. والعجب كل العجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي بعد روايته لأكثر هذه الأحاديث حمل هذا الركوب على أنه يوم القيامة، وصحح ذلك، وضعف ما قلناه، واستدل على ما ذهب إليه بقوله تعالى: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا [مريم: 85، 86]. [ص:333] وكيف يصح ما ادعاه في تفسير الآية بالحديث، وفيه أن منهم: ، وقد جاء التصريح بأن ذلك من قلة الظهر؟! هذا لا يلتئم مع هذا، والله أعلم، فإن نجائب المتقين من الجنة، يركبونها من العرصات إلى الجنات على غير هذه الصفة، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه. فأما الحديث الآخر الوارد من طرق، عن جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم: . فذلك حشر غير هذا، ذاك في يوم القيامة بعد نفخة البعث، يوم يقوم الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا، أي غير مختتنين، وكذلك حشر الكافرين إلى جهنم وردا; أي عطاشا. وقوله تعالى: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا [الإسراء: 97]. فذلك إنما يحصل لهم حين يؤمر بهم إلى النار من مقام المحشر، كما سيأتي بيان ذلك كله في مواضعه، إن شاء الله تعالى. وقد ذكر في حديث الصور: أن الأموات لا يشعرون بشيء مما يقع من ذلك بسبب نفخة الفزع، وأن الذين استثنى الله تعالى إنما هم الشهداء، [ص:334] لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فهم يشعرون بها ولا يفزعون منها، وكذلك لا يصعقون بسبب نفخة الصعق. وقد اختلف المفسرون في المستثنين منها على أقوال: أحدها هذا، كما جاء مصرحا به فيه، وقيل: بل هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت. وقيل: وحملة العرش. وقيل غير ذلك، فالله أعلم. وقد ذكر في حديث الصور أنه يطول على أهل الدنيا مدة ما بين نفخة الفزع، ونفخة الصعق، وهم يشاهدون تلك الأهوال، والأمور العظام. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209878
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%86%D9%81%D8%AE%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B9%D9%82
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/نفخة الصعق
يموت بسببها جميع الموجودين من أهل السماوات والأرض، من الإنس والجن والملائكة; إلا من شاء الله، فقيل: هم حملة العرش، وجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت. وقيل: هم الشهداء. وقيل غير ذلك. قال تعالى: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون [الزمر: 68]. وقال تعالى: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة إلى قوله: يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية [الحاقة: 13 - 18]. [ص:335] وتقدم في حديث الصور: أن الله تعالى يأمر إسرافيل فيقول له: . فيأمره الله بقبض روح جبريل، وميكائيل، ثم يأمره بقبض أرواح حملة العرش، ثم يأمره أن يموت، وهو آخر من يموت من الخلائق. وقد تقدم ما رواه ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، من قوله فيما بلغه، وعنه، عن أبي هريرة، عن النبي، أن الله تعالى يقول لملك الموت: . وقال محمد بن كعب فيما بلغه، فيقول له: . قال الحافظ أبو موسى المديني: لم يتابع إسماعيل بن رافع على هذه اللفظة، ولم يقلها أكثر الرواة. قلت: وقد قال بعضهم في معنى هذا: . يعني: لا تكون بعد هذا ملك موت أبدا، لأنه لا موت بعد هذا اليوم، كما ثبت في " الصحيح ": . فملك الموت وإن حيي بعد ذلك لا يكون ملك موت بعدها أبدا، والله أعلم، بل ينشئه الله خلقا آخر غير ذلك كالملائكة. وبتقدير صحة هذا اللفظ عن النبي فظاهر ذلك أنه لا يحيا بعد موته أبدا، فيكون التأويل المتقدم بعيد الصحة، والله أعلم بالصواب. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209879
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D9%8A%D9%82%D8%A8%D8%B6%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6%D9%8A%D9%86%20%D9%88%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%88%D8%A7%D8%AA%20%D8%A8%D9%8A%D9%85%D9%8A%D9%86%D9%87
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/فصل الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السماوات بيمينه
قال في حديث الصور: . وقد قال تعالى: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [الزمر: 67]. وقال تعالى: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين. وقال تعالى: لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ص:337] [غافر: 15، 16]. وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة، أن رسول الله قال: . وفيهما عن ابن عمر: أن رسول الله قال: . وفي " مسند أحمد "، وصحيح مسلم، من حديث عبيد الله بن مقسم، عن ابن عمر: أن رسول الله قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [الزمر: 67]. ورسول الله يقول هكذا بيده، ويحركها، يقبل بها ويدبر " يمجد الرب نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم " فرجف برسول الله المنبر، حتى قلنا: ليخرن به. وهذا لفظ أحمد، وقد ذكرنا الأحاديث المتعلقة [ص:338] بهذا المقام عند تفسير هذه الآية من كتابنا " التفسير " بأسانيدها وألفاظها، بما فيه كفاية، ولله الحمد. قال في حديث الصور: الآية. وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: سئل رسول الله : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسماوات؟ فقال: . وقد يكون المراد بذلك تبديلا آخر غير هذا المذكور في هذا الحديث، وهو أن تبدل معالم الأرض فيما بين النفختين; نفخة الصعق، ونفخة البعث، فتسير الجبال وتمد الأرض، ويبقى الجميع صعيدا واحدا، لا اعوجاج فيه ولا روابي ولا أودية، كما قال تعالى: ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا [طه: 105 - 107]. أي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع. وقال تعالى: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون [النمل: 88] وقال تعالى: وسيرت الجبال فكانت سرابا [النبإ: 20]. وقال تعالى: وتكون الجبال كالعهن المنفوش [القارعة: 5]. وقال تعالى: [ص:339] وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [الحاقة: 14]. وقال تعالى: ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف: 47] الآيات. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209880
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B3%D8%AA%20%D8%A2%D9%8A%D8%A7%D8%AA%20%D9%82%D8%A8%D9%84%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ست آيات قبل يوم القيامة
قال في حديث الصور: "، ثم ينزل الله من تحت العرش ماء، فتمطر السماء أربعين يوما، حتى يكون الماء فوقكم اثني عشر ذراعا، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث، وهي صغار القثاء، أو كنبات البقل ". وتقدم في الحديث الذي رواه أحمد، ومسلم، ثم يرسل مطرا كأنه الطل، أو الظل، فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم ". إلى آخر الحديث، قد تقدم بطوله من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وروى مسلم ، عن أبي كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وذكر الحديث، ثم قال في الثالثة بعد قوله: . قال : ، قال : وقد تقدم هذا الحديث من رواية البخاري، ومسلم ، وليس عند البخاري ما ذكرنا من هذه الزيادة، وهي ذكر نزول الماء إلى آخره. وقال ابن أبي الدنيا في كتاب " أهوال يوم القيامة ": حدثنا أبو عمار [ص:340] الحسين بن حريث المروزي، أخبرنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، حدثني أبي بن كعب قال: ست آيات قبل يوم القيامة، بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت واختلطت، وفزعت الجن إلى الإنس، والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحش، فماجوا بعضهم في بعض، وإذا الوحوش حشرت [التكوير: 5]. قال: انطلقت، وإذا العشار عطلت [التكوير: 4] قال: أهملها أهلها، وإذا البحار سجرت [التكوير: 6] قال الجن للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحر، فإذا هو نار تأجج، فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة، إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم ريح فأماتتهم. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عمر القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن يزيد بن عطاء السكسكي، قال: يبعث الله ريحا طيبة بعد قبض عيسى ابن مريم، عليه السلام، وعند دنو من الساعة، فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر، عليهم تقوم الساعة، فبينما هم على ذلك إذ [ص:341] بعث الله على أهل الأرض الخوف، فترجف بهم أقدامهم ومساكنهم، فتخرج الجن، والإنس، والشياطين إلى سيف البحر، فيمكثون كذلك ما شاء الله، ثم تقول الجن والشياطين: هلم نلتمس المخرج، فيأتون خافق المغرب، فيجدونه قد سد وعليه الحفظة، ثم يرجعون إلى الناس، فبينما هم على ذلك إذ أشرفت عليهم الساعة، ويسمعون مناديا ينادي: يا أيها الناس أتى أمر الله فلا تستعجلوه [النحل: 1]، قال: فما المرأة بأشد استماعا من الوليد في حجرها، ثم ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات، ومن في الأرض، إلا من شاء الله. وقال أيضا: حدثنا هارون بن سفيان، أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن فضالة بن عبيد، عن النبي ، وحدثنا هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ابن حجيرة، عن عقبة بن عامر، عن النبي قال: . وقال محارب بن دثار: وإن الطير يوم القيامة لتضرب بأذنابها، وترمي بما في حواصلها من هول ما ترى، ليس عندها طلبة. رواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال ". وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن يحيى العبدي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله بن بحير، سمعت عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني، سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله : " من سره أن ينظر إلي يوم القيامة رأي عين، فليقرأ: إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت. ورواه أحمد، والترمذي، من حديث عبد الله بن بحير. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209881
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%86%D9%81%D8%AE%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B9%D8%AB
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/نفخة البعث
قال تعالى: ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون [الزمر: 68]. الآيات إلى آخر السورة، وقال: يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا [النبإ: 18]. [ص:343] الآيات، وقال تعالى: يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده [الإسراء: 52] الآية. وقال تعالى: فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [النازعات: 13، 14]. وقال تعالى: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون الآيات إلى قوله: وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون [يس: 51 - 65]. وذكر في حديث الصور بعد نفخة الصعق وفناء الخلق، وبقاء الحي القيوم الذي لا يموت، الذي كان قبل كل شيء، وهو الآخر بعد كل شيء، وأنه يبدل السماوات والأرض بين النفختين، ثم يأمر بإنزال الماء على الأرض، الذي تخلق منه الأجساد في قبورها، وتتركب في أجداثها، كما كانت في حياتها في هذه الدنيا، ثم يدعو الله بالأرواح، فيؤتى بها تتوهج أرواح المؤمنين نورا، والأخرى ظلمة، فتوضع في الصور، ويأمر الله تعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض، فتدخل كل روح على جسدها التي كانت فيه في هذه الدار، فتمشي الأرواح في الأجساد مشي السم في اللديغ، ثم تنشق الأرض عنهم، كما تنشق عن نباتها فيخرجون منها سراعا إلى ربهم ينسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [القمر: 8]. حفاة عراة غرلا. وقد قال الله تعالى: يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون [المعارج: 43]. إلى آخر السورة، وقال تعالى: واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب [ق: 41]. إلى آخر السورة، وقال تعالى: خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [القمر: 7 - 8]. وقال تعالى: فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير [ص:344] [المدثر: 8 - 10]. وقال تعالى: ومنها نخرجكم تارة أخرى [طه: 55]. وقال: والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا [نوح: 17، 18] إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على البعث والنشور. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله بن مسعود، قال: يرسل الله قبل يوم القيامة ريحا فيها صر باردة، وزمهريرا باردا; فلا تذر على الأرض مؤمنا إلا كفت بتلك الريح، ثم تقوم الساعة على الناس، فيقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فلا يبقى خلق في السماء والأرض إلا مات، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فيرسل الله ماء من تحت العرش، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ ابن مسعود: كذلك النشور [فاطر: 9]. ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فتنطلق كل نفس إلى جسدها، فتدخل فيه، ويقومون، فيجيئون قياما لرب العالمين. [ص:345] وعن وهب بن منبه، قال: يبلون في القبور، فإذا سمعوا الصرخة عادت الأرواح في الأبدان، والمفاصل بعضها إلى بعض، فإذا سمعوا النفخة الثانية وثب القوم قياما على أرجلهم، ينفضون التراب عن رءوسهم، يقول المؤمنون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209882
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B9%D8%AB
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر أحاديث في البعث
قال سفيان الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله، قال: يرسل الله ريحا فيها صر باردة، وزمهريرا باردة، فلا يبقى على الأرض مؤمن إلا كفت بتلك الريح، ثم تقوم الساعة. وذكر الحديث كما تقدم في المقال قبله. وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا أبو خيثمة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدس، عن عمه أبي رزين، قال: قلت: يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: . قلت: بلى. قال: . وقد رواه الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن مهدي، وغندر، كلاهما عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، به، نحوه أو مثله. وقد رواه الإمام أحمد من وجه آخر، فقال: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليمان بن موسى، عن أبي رزين العقيلي، قال: أتيت رسول الله ، فقلت: يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى؟ قال: قال: قلت: نعم. قال: . قال: قلت: يا رسول الله، ما الإيمان ؟ قال: . قلت: يا رسول الله، كيف لي بأن أعلم أني مؤمن؟ قال: . تفرد به أحمد. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209883
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D8%A3%D8%A8%D9%8A%20%D8%B1%D8%B2%D9%8A%D9%86%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B9%D8%AB%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B4%D9%88%D8%B1
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/حديث أبي رزين في البعث والنشور
[ص:347] أخبرنا شيخنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي - تغمده الله برحمته - وغير واحد من المشايخ، قراءة عليهم، وأنا أسمع، قالوا: أخبرنا فخر الدين علي بن عبد الواحد بن البخاري، وغير واحد، قالوا: أخبرنا حنبل بن عبد الله المكبر، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين الشيباني، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي؟ ابن المذهب التميمي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، أخبرنا عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله، في " مسند أبيه "، قال: كتب إلي إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير الزبيري: كتبت إليك بهذا الحديث، وقد عرضته، وسمعته على ما كتبت به إليك، فحدث بذلك عني. قال: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي، قال: حدثني عبد الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري القبائي - من بني عمرو بن عوف، عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي، عن أبيه، عن عمه لقيط بن عامر، قال دلهم: وحدثنيه أبي الأسود، عن عاصم بن لقيط - أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله ومعه صاحب له، يقال له: نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق، قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول [ص:348] الله لانسلاخ رجب، فأتينا رسول الله فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة، فقام في الناس خطيبا فقال: . قال: فجلس الناس، وقمت أنا وصاحبي، حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره، قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله، وهز رأسه، وعلم أني أبتغي لسقطه، فقال: . وأشار بيده، قلت: وما هن؟ قال: . قال لقيط: قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا. " وعلم يوم الساعة ". قلت: يا رسول الله، علمنا مما تعلم الناس، وما تعلم، فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تربو علينا، [ص:349] وخثعم التي توالينا، وعشيرتنا التي نحن منها. قال: . فقلت: يا رسول الله، كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلى والسباع ؟ قال: ، فقلت: لا تحيا أبدا. " ثم أرسل ربك، عز وجل، عليها السماء، فلم تلبث عليك إلا أياما حتى أشرفت عليها، وهي شربة واحدة، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء، على [ص:350] أن يجمع نبات الأرض، فتخرجون من الأصواء، ومن مصارعكم، فتنظرون إليه، وينظر إليكم ". قال: قلت: يا رسول الله، وكيف ونحن ملء الأرض، وهو شخص واحد ينظر إلينا، وننظر إليه؟ قال: . قال: قلت: يا رسول الله، فما يفعل بنا ربنا، عز وجل، إذا لقيناه ؟ قال: . قال: قلت: يا رسول الله، فبم نبصر ؟ قال: . قال: قلت: يا رسول الله، فبم نجزى من سيئاتنا وحسناتنا ؟ قال: . قال: قلت: يا رسول الله، ما الجنة وما النار ؟ قال: . قال: قلت: يا رسول الله، [ص:352] فعلام نطلع من الجنة؟ قال: . قلت: يا رسول الله، ولنا فيها أزواج؟ أو منهن مصلحات ؟ قال: . قال لقيط: فقلت: أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه; فلم يجبه النبي ، قلت: يا رسول الله، علام أبايعك ؟ قال: فبسط رسول الله يده، وقال: . قال: قلت: وإن لنا ما بين المشرق والمغرب ؟ فقبض النبي يده، وظن أني مشترط شيئا لا يعطينيه. قال: قلت: نحل منها حيث شئنا، ولا يجني على امرئ إلا نفسه، فبسط يده وقال: . قال: فانصرفنا، فقال: [ص:353] إن هذين - لعمر إلهك - من أتقى الناس في الأولى والآخرة ". فقال له كعب بن الخدارية، أحد بني بكر بن كلاب: من هم يا رسول الله ؟ قال: . قال: فانصرفنا، وأقبلت عليه، فقلت: يا رسول الله، هل لأحد ممن مضى خير في جاهليتهم ؟ قال: فقال رجل من عرض قريش: والله إن أباك المنتفق لفي النار. قال: فلكأنه وقع حر بين جلدي ووجهي ولحمي; مما قال لأبي، على رءوس الناس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله ؟ ثم إذا الأخرى أجمل، فقلت: يا رسول الله، وأهلك ؟ قال: . قال: قلت: يا رسول الله، ما فعل بهم ذلك، وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه، وقد كانوا يحسبون أنهم مصلحون ؟ قال: . وقد رواه أبو داود في رواية أبي سعيد بن الأعرابي " عن أبي داود، " عن [ص:354] الحسن بن علي، عن إبراهيم بن حمزة، به، قال شيخنا: لعله من زيادات ابن الأعرابي. وقال الوليد بن مسلم، وقد جمع أحاديث وآثارا في مجلد تشهد لحديث الصور في متفرقاته: أخبرنا سعيد بن بشير، عن قتادة، في قوله: واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب [ق: 141] قال: ملك قائم على صخرة بيت المقدس، ينادي: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. وبه عن قتادة قال: لا يفتر عن أهل القبور عذاب القبر إلا فيما بين نفخة الصعق ونفخة البعث، فلذلك يقول الكافر حين يبعث: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا [يس: 152] يعني تلك الفترة، فيقول له المؤمن: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون [يس: 52]. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني علي بن الحسين بن أبي مريم، عن محمد بن الحسين، حدثني صدقة بن بكر السعدي، حدثني معدي بن سليمان، قال: كان أبو محلم الجسري يجتمع إليه إخوانه، وكان [ص:355] حكيما، وكان إذا تلا هذه الآية: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون [51، 52]، بكى، ثم قال: إن القيامة لمعاريض، صفة ذهبت فظاعتها بأوهام العقول، أما والله، لئن كان القوم في رقدة مثل ظاهر قولهم لما دعوا بالويل عند أول وهلة من بعثهم، ولم يوقفوا بعد موقف عرض ولا مساءلة، إلا وقد عاينوا خطرا عظيما، وحققت عليهم القيامة بالجلائل من أمرها، ولئن كانوا في طول الإقامة في البرزخ; كانوا يألمون ويعذبون في قبورهم، فما دعوا بالويل عند انقطاع ذلك عنهم إلا وقد نقلوا إلى طامة هي أعظم منه، ولولا أن الأمر على ذلك لما استصغر القوم ما كانوا فيه فسموه رقادا بالنسبة إلى ما يستقبلون من أهوال يوم القيامة، كما يقال هذا الشيء عند هذا الشيء رقادا، وإن كان في الأول شدائد وأهوال، ولكنه بالنسبة إلى ما هو أشد منه وأدهى وأمر كأنه رقاد، وإن في القرآن لدليلا على ذلك، حين يقول: فإذا جاءت الطامة الكبرى [النازعات: 34]، قال: ثم يبكي حتى يبل لحيته. وقال الوليد بن مسلم: حدثني عبد الله بن العلاء، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي، سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: اجتمع الناس إلى سائح بين [ص:356] العراق والشام في الجاهلية، فقام فيهم فقال: أيها الناس، إنكم ميتون، ثم مبعوثون إلى الإدانة والحساب. فقام رجل فقال: والله لقد رأيت رجلا لا يبعثه الله أبدا، رأيته وقع عن راحلته في موسم من مواسم العرب، فوطئته الإبل بأخفافها، والدواب بحوافرها، والرجالة بأرجلها، حتى رم فلم يبق منه أنملة. فقال السائح: بيد أنك من قوم سخيفة أحلامهم، ضعيف يقينهم، قليل علمهم، لو أن الضبع بيتت تلك الرمة فأكلتها، ثم ثلطتها، ثم غدت عليه الناب فأكلته وبعرته، ثم غدت عليه الجلالة فالتقطته، ثم أوقدته تحت قدر أهلها، ثم نسفت الرياح رماده - لأمر الله يوم القيامة كل شيء أخذ منه شيئا أن يرده، فرده، ثم بعثه الله للإدانة والثواب. وقال الوليد بن مسلم: حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ; أن شيخا من شيوخ الجاهلية القساة قال: يا محمد، ثلاث بلغني أنك تقولهن، لا ينبغي لذي عقل أن يصدقك فيهن، بلغني أنك تقول: إن العرب تاركة ما كانت تعبد هي وآباؤها، وإنا سنظهر على كنوز كسرى وقيصر، وإنا سنبعث بعد أن نرم. [ص:357] فقال رسول الله : . قال: ولا تضلني في الموتى ولا تنساني؟ قال: . قال: فبقي ذلك الشيخ حتى قبض رسول الله ، ورأى ظهور المسلمين على كنوز كسرى، وقيصر، فأسلم، وحسن إسلامه، وكان كثيرا ما يسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه نحيبه وبكاءه، في مسجد رسول الله لإعظامه ما كان واجه به رسول الله ، وكان عمر يأتيه ويسكن منه، ويقول: قد أسلمت ووعدك رسول الله الود أن يأخذ بيدك، ولا يأخذ رسول الله بيد أحد إلا أفلح وسعد، إن شاء الله. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا فضيل بن عبد الوهاب، أخبرنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله بعظم حائل ففته، وقال: يا محمد، أيبعث الله هذا؟ قال: . فنزلت وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [يس: 78، 79]. وقال الضحاك في قوله تعالى: ولقد علمتم النشأة الأولى [ص:358] [الواقعة: 62]،. قال: خلق آدم وخلقكم، فلولا تصدقون [الواقعة: 57]، قال: فهلا تصدقون. وعن أبي جعفر الباقر قال: كان يقال: عجبا لمن يكذب بالنشأة الآخرة، وهو يرى النشأة الأولى، يا عجبا كل العجب لمن يكذب بالنشر بعد الموت، وهو ينشر في كل يوم وليلة. رواه ابن أبي الدنيا. وقال أبو العالية في قوله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [الروم: 27]، قال: إعادته أهون عليه من ابتدائه، وكل عليه يسير. رواه ابن أبي الدنيا. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : . وهو ثابت في الصحيحين [ص:359] وفيهما قصة الذي عهد إلى بنيه إذا مات أن يحرقوه، ثم يذروا - يوم ريح - نصف رماده في البر ونصفه في البحر، وقال: والله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين. وذلك أنه لم يدخر له عند الله حسنة واحدة. فلما مات فعل به بنوه ما أمرهم به. فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا هو رجل قائم بين يدي ربه، فقال له: ما حملك على هذا؟ قال: خشيتك، وأنت أعلم. قال رسول الله : فما تلافاه أن غفر له. وعن صالح المري قال: دخلت المقابر نصف النهار، فنظرت إلى القبور كأنهم قوم صموت، فقلت: سبحان من يحييكم وينشركم من بعد طول البلى. فهتف بي هاتف من بعض تلك الحفر: يا صالح، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون [الروم: 25]. قال: فخررت والله مغشيا علي. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209884
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر أسماء يوم القيامة
قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي في كتاب " العاقبة ": يوم القيامة، وما أدراك [ص:360] ما يوم القيامة ؟ يوم الحسرة والندامة، يوم يجد كل عامل عمله أمامه، يوم الدمدمة، يوم الزلزلة، يوم الصاعقة، يوم الواقعة، يوم الراجفة، يوم الواجفة، يوم الرادفة، يوم الغاشية، يوم الداهية، يوم الآزفة، يوم الحاقة، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم التلاق، يوم الفراق، يوم المشاق، يوم الإشفاق، يوم الإشتاق، يوم القصاص، يوم لات حين مناص، يوم التناد، يوم الأشهاد، يوم المعاد، يوم المرصاد، يوم المساءلة، يوم المناقشة، يوم الحساب، يوم المآب، يوم العذاب، يوم الثواب، يوم الفرار لو وجد الفرار، يوم القرار إما في الجنة، وإما في النار، يوم القضاء، يوم الجزاء، يوم البكاء، يوم البلاء، يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا، يوم الحشر، يوم النشر، يوم الجمع، يوم البعث، يوم العرض، يوم الوزن، يوم الحق، يوم الحكم، يوم الفصل، يوم عقيم، يوم عسير، يوم قمطرير، يوم عصيب، يوم النشور، يوم المصير، يوم الدين، يوم اليقين، يوم النفخة، يوم الصيحة، يوم الرجفة، يوم السكرة، يوم الرجة، يوم الفزع، يوم الجزع، يوم القلق، يوم الفرق، يوم العرق، يوم الميقات، يوم تخرج الأموات، يوم تظهر الخبيئات، يوم الانشقاق، يوم الانكدار، يوم الانفطار، يوم الانتشار، يوم الافتقار، يوم الوقوف، يوم الخروج، يوم الانصداع، يوم الانقطاع، يوم معلوم، يوم موعود، يوم مشهود، يوم تبلى السرائر، يوم يظهر ما في الضمائر، يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، يوم يدعى فيه إلى النار، يوم لا سجن إلا النار، يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم - ولهم اللعنة ولهم سوء الدار - يوم تقلب [ص:361] وجوههم في النار، يوم البروز، يوم الورود، يوم الصدور من القبور إلى الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم لا تنفع المعذرة، يوم لا يرتجى فيه إلا المغفرة. قال: وأهول أسمائه وأبشع ألقابه يوم الخلود، وما أدراك ما يوم الخلود، يوم لا انقطاع لعقابه، ولا يكشف فيه عن كافر ما به، فنعوذ بالله، ثم نعوذ بالله من غضبه، وعقابه، وبلائه، وسوء قضائه، برحمته وكرمه وجوده وإحسانه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209885
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D9%86%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D9%87%D9%88%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%AE%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1%20%D9%84%D8%A8%D8%B9%D8%AB%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D8%B3%D8%A7%D8%AF%20%D9%85%D9%86%20%D9%82%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%87%D8%A7%20%D9%88%D8%A3%D9%86%20%D8%B0%D9%84%D9%83%20%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86%20%D9%81%D9%8A%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر أن يوم القيامة هو يوم النفخ في الصور لبعث الأجساد من قبورها وأن ذلك يكون في يوم الجمعة
وقد ورد في ذلك أحاديث: قال الإمام مالك بن أنس، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة [ص:362] من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم، وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ". ورواه أبو داود - واللفظ له - والترمذي من حديث مالك. وأخرجهالنسائي، عن قتيبة، عن بكر بن مضر، عن ابن الهاد، به نحوه، وهو أتم. وقد روى الطبراني في " معجمه الكبير "، من طريق آدم بن علي، عن ابن عمر مرفوعا. قال الطبراني: يعني أذان الفجر يوم الجمعة. وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي في " مسنده ": أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني موسى بن عبيدة، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة، عن عبيد الله بن عمير، أنه سمع أنس بن مالك يقول: أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكتة إلى النبي ، قال النبي . قال: هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك، فالناس لكم فيها تبع اليهود، والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد. قال النبي " يا جبريل، وما يوم المزيد؟ " قال: إن ربك [ص:363] اتخذ في الفردوس واديا أفيح، فيه كثب مسك، فإذا كان يوم الجمعة، أنزل الله ما شاء من الملائكة، ونزل على كرسيه، وحف حوله منابر من نور، عليها مقاعد النبيين، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم، على تلك الكثب، فيقول الله: أنا ربكم، قد صدقتم وعدي، فسلوني أعطكم. فيقولون: ربنا، نسألك رضوانك. فيقول: قد رضيت عنكم، ولكم علي ما تمنيتم، ولدي مزيد. فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة. ثم رواه الشافعي، عن إبراهيم بن محمد، أيضا، حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد، عن أنس، شبيها به، قال: وزاد فيه أشياء. قلت: وسيأتي ذكر هذا الحديث، إن شاء الله تعالى، في كتاب صفة الجنة بشواهده وأسانيده، وبالله المستعان. وقال الإمام أحمد، حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس الثقفي، قال: قال رسول الله " من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم [ص:364] معروضة علي ". فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ يعني وقد بليت. قال: . ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث الحسين بن علي الجعفي مثله. وفي رواية لابن ماجه عن شداد بن أوس، بدل أوس بن أوس، قال شيخنا وذلك وهم. وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، حدثنا زهير، يعني ابن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، عن أبي لبابة بن عبد المنذر، أن رسول الله قال: . ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن أبي بكير، عن زهير، به. وقد روى الطبراني عن ابن عمر مرفوعا: " إن الساعة تقوم وقت الأذان [ص:365] للفجر من يوم الجمعة ". وقد حكى أبو عبد الله القرطبي في " التذكرة " أن قيام الساعة يوم جمعة للنصف من شهر رمضان. وهذا غريب يحتاج إلى دليل. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن كثير، حدثنا قرط بن حريث أبو سهل، عن رجل من أصحاب الحسن، قال: قال الحسن: يومان وليلتان لم يسمع الخلائق بمثلهن قط، ليلة تبيت مع أهل القبور، ولم تبت ليلة قبلها مثلها، وليلة صبيحتها تسفر عن يوم القيامة، ويوم يأتيك البشير من الله إما بالجنة وإما بالنار، ويوم تعطى كتابك إما بيمينك وإما بشمالك. وكذا روي عن عامر بن قيس، وهرم بن حيان وغيرهما؟ أنهم كانوا يستعظمون الليلة التي يسفر صبيحتها عن يوم القيامة. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير العبدي "، حدثني محمد بن سابق، حدثنا مالك بن مغول، عن جنيد قال: بينما الحسن في يوم من رجب في المسجد، وفي يده قليلة، وهو يمص ماءها، ثم يمجه في الحصى، إذ تنفس تنفسا شديدا، ثم بكى حتى أرعد منكباه، ثم قال: لو أن بالقلوب حياة، لو أن بالقلوب صلاحا، لأبكيتكم من ليلة صبيحتها يوم [ص:366] القيامة. أي: ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة، ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر فيه عورة بادية، ولا عينا باكية من يوم القيامة كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209886
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D9%86%20%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D9%85%D9%86%20%D8%AA%D9%86%D8%B4%D9%82%20%D8%B9%D9%86%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D8%B5%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%20%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال مسلم بن الحجاج: حدثني الحكم بن موسى أبو صالح، حدثنا هقل، يعني ابن زياد، عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني عبد الله بن فروخ، حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله : . وقال هشيم، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله . وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، أخبرنا حجين بن المثنى، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن [ص:367] عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : ( ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أو بعث قبلي ؟ ). وهو في الصحيح بقريب من هذا السياق. والحديث في صحيح مسلم: . فذكر موسى في هذا السياق فيه نظر، ولعله من بعض الرواة; دخل عليه حديث في حديث ; فإن الترديد هاهنا فيه لا يظهر، لا سيما قوله. وقال ابن أبي الدنيا أيضا: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا سفيان، هو ابن عيينة، عن عمرو، هو ابن دينار، عن عطاء، وابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، قال: كان بين أبي بكر وبين يهودي منازعة، فقال اليهودي: والذي اصطفي موسى على البشر. فلطمه أبو بكر، فأتى اليهودي رسول الله ، فقال: . وهذا مرسل من هذا الوجه، والحديث في الصحيحين من غير وجه [ص:368] بألفاظ مختلفة; وفي بعضها أن اللاطم لهذا اليهودي إنما هو رجل من الأنصار، لا الصديق. فالله أعلم. ومن أحسنها سياقا: " إذا كان يوم القيامة، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أصعق فأفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور ). وهذا كما سيأتي بيانه يقتضي أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة، وهو صعق آخر غير المذكور في القرآن، وكأن سبب هذا الصعق في هذا الحديث التجلي، يعني تجلي الرب سبحانه إذا جاء لفصل القضاء، فيصعق الناس كما خر موسى صعقا يوم الطور. والله أعلم. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن الحسن، قال: قال رسول الله . وهذا مرسل أيضا، وهو أضعف. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق [ص:369] الصغاني، حدثنا عمرو بن محمد الناقد، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا موسى بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام، قال: قال رسول الله . لم يخرجوه، وإسناده لا بأس به. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو سلمة المخزومي، أنبأنا عبد الله بن نافع، عن عاصم بن عمر، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله، وقال غير أبي سلمة: عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم ( أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم أذهب إلى أهل البقيع، فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة فيحشرون معي، فأحشر بين الحرمين ). وقال أيضا: أخبرنا الحكم بن موسى، أخبرنا سعيد بن مسلمة، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله المسجد، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وهو متكئ عليهما، قال: ( هكذا نبعث يوم القيامة ). وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا قتيبة بن سعيد، [ص:370] أخبرنا الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نبيه بن وهب، أن كعب الأحبار قال: ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة، حتى يحفوا بالقبر، يضربون بأجنحتهم، ويصلون على النبي، حتى إذا أمسوا عرجوا، وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك، حتى إذا انشقت الأرض خرج في سبعين ألفا من الملائكة يوقرونه. وأخبرنا هارون بن عمر القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا مروان بن سالم، عن يونس بن سيف، قال: قال رسول الله : . وهذا مرسل من هذا الوجه. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209889
https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%81%D8%B1%D9%85%D8%A7%D9%86%20%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AB%D9%88%D8%B0%D9%83%D8%B3%20%D9%85%D9%86%20%D8%A3%D9%87%D9%84%20%D8%A8%D9%8A%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%B3
فرمان سليم الأول إلى الروم الأرثوذكس من أهل بيت المقدس
الأصل العُثماني أمر شريفم موجبنجه عمل هير كيم بر غير شكل ايدرسه وبوزرسه الله تعالىٰ نك قلنجه اوغراسون. بِعون الله تعالىٰ ورسوله حبيب قُدُس شريف بيت اللهه كلوب، صفر الخيرك يكرمى بشنجى كوننده فتح باب اولنوب، روم كفره سنه پطريق اولان عطّاليه نام راهب جُمله راهبان ايله معًا رعايا وبرايا كلوب، اطاعت ورجا وتمنا قلمشلردر. قديمدن واقع اولان كليسا ومناسترلرى وزيارتلرى وايچرو وطشرەده قديمدن نه منوال اوزره ضبط وتصرُّف ايده كلمشلر ايسه، اوَّل منوال اوزره مزبور پطريق دخى ضبط وتصرُّف ايليه. وحضرت عُمر حضرتلرندن اولان عهدنامۀ همايون وسلاطين ماضيه دن اولان اوامر شريفلرى موجبنجه ضبط وتصرُّف ايلمك ايجون ديو بيوردومكى حُكم شريفم موجبنجه ضبط وتصرُّف ايليه. قُمامه قپوسى قارشوسنده وقبله طرفنده مُغتسل قديمى ايكى شمعدان وقناديللر، وينه محل مزبورده واقع پطريقلغه تابع كولكوله اوزرنده يدى قطعه كمرلر زير وبالاسى وكليساى كبير اورتەسى وتُربەسى معًا جُمله زيارتلرى، وطشره قُمامه حواليسى اوج كليسالرى وقارشوسنده كليساى مر يوحنَّه وپطريق مُتمكن اولان اولرده كليسا اولان ألنه ديمكله معروف، ومر تقلا وست ناى ومر اقتيميوس ومر كاترينا ومر ميكائيل ومر يوركي ومر يُوحنَّا وباغجه ومر واصل ومر نقوله ومر ديمترى وست مريم وديكر مر يوحنَّه وديكر مر كليساسى ومر يعقوب كورجى مناسترى ومر يوركى نام كليسالر، وقُدُس شريف طشره سنده مريم آنا مقبرەسى ومارسه يوم وحضرت عيسى نك زاندانى حانانك اوى وسحراده اولان مقبرەلرى وكورجى مناسترى مصالبى ومار سيمون ومار الياس مناسترى وباغ وزيتون ومار صوه مناسترى وقريۀ بيت ژالا مار يوركى وحضرت عيسى طوغدوغى بيت اللحم نام مغاره وكنيسەده واقع موضع شمال وقبله طرفلرنده اولان ايكى قبونك مفتاحلرى واطرافنده اولان ايكى قطعه باغجه وزيتونلغ ومقبرەلقلرى وسائر قريەلرده اولان كليسا ومناسترلرى وپطريقه تابع اولان كورجى وحبش وسرب وسائر وقف اولنلرى ومتره پليدلرى وراهبلرى ومُرد اولان متره پليد وپسقپوس وراهبلرك متروكاتنى اخذ وقبض اى دوب، وقُدُس شريفك قبوسنده وزمزم صوده وعرب قفارنده واسكلەلرده وكشف ايتدكلرنده وكمرك وباج وسائر تكاليف عُرفيَّەدن بِالكُليَّه مُعاف ومُسلَّم اولالر. مزبور وجه مشروح اوزره اولان امره شريفم موجبنجه آخر مللده مُداخله ورنجيده ايلمامك سائر ملَّتدن روم پطريقى اولان مُقدَّم اوله حضرت عُمر حضرتلرينك عهدنامۀ همايون وسلاطين ماضيه دن اولان اوامر شريفەلرى موجبنجه بندخى ويردم وبيوردمكه: حُكُم شريفم موجبنجه بعد اليوم وجه مشروح اوزره اولان أمرمه سُلطان اولنلر ياخود وزارى عظام وعُلما وصلحادن وقاضيلردن وميرميران وميرلوا وويودەلرى وبيت المال قسام آدملرى وسوباشيلرى وزُعما وارباب تيمار ومُتفرِّقه وچاوش وسپاه ويڭيچرى وسائر قپوم قوللرندن هركيم فسخ مُرادلرى اولور اپسه الله تعالىٰ نك خشمنه وعذابنه اوغراسون ديو بو حُكم همايونى مزبورك يدلرينه ابقا ايدوب علامت شريفه اعتماد قيلەلر. تحريرًا فى سنه ثلٰث وعُشرون وتسعُمائه بِمقام قُدُس شريف. التعريب يُعمل به بِموجب أمري الشريف وكُل من يقوم بِتغييره والإخلال به أنزل الله تعالىٰ عقابه عليه. بِعون الله تعالىٰ ورسوله الحبيب جئنا إلى القُدُس الشريف بيت الله، وتمَّ فتح بابها في اليوم الخامس والعشرين من شهر صفر الخير وجاء بطريرك الروم الراهب عطا الله مع جُملة الرُّهبان إلى جانب الرعايا والبرايا مُعلنين الطاعة وهُم يُناشدون أن يقوم البطريرك بِإدارة كنائسهم وأديرتهم ومزاراتهم في الداخل والخارج والتصرُّف بها على نفس الطريقة التي كان يتمُّ بها إدارتها والتصرُّف بها مُنذُ القِدم. ولِهذا أمرت بِموجب حُكمي الشريف أن يقوم البطريرك المذكور بإدارة كُل ما يلي والتصرُّف به وفق العُهدة التي منحها سيِّدُنا عُمر والأوامر الشريفة لِلسلاطين السابقين: المُغتسل القديم الكائن قبالة باب القُمامة والطرف القبلي الشمعدانان والقناديل والجُزء السُفلي والعُلُوي من الأقواس الأربعة الكائنة في نفس المكان والجُزء السُفلي والعُلُوي من الأقواس السبعة الواقعة على [قبر] الست مريم ووسط الكنيسة الكبيرة وقبرها معًا وجميع مزاراتها وكنائسهم الثلاثة الكائنة حول القُمامة وكنيسة مار يُوحنَّا الكائنة أمامها والكنيسة المعروفة بـ«آلينه» والكائنة في الدور التي يسكن فيها البطريرك والكنائس المعروفة بِمار تقلا والست ناي ومار أقتيميوس ومار كاترينا ومار ميكائيل ومار يوركي ومار يُوحنَّا والحديقة ومار واصل ومار نقولا ومار ديمتري والست مريم ومار يُوحنَّا الأُخرى وكنيستها الأُخرى ودير مار يعقوب الكُرجي والكنائس المعروفة بِمار يوركي وقبر الست مريم الكائن خارج القدس الشريف ومارسه يوم(؟) وسجن سيِّدنا عيسى منزل حانا ومقابرهم الكائنة في الصحراء ومصلبة دير الكرجيين، ودير مار سيمون ومار إلياس والكرم والزيتون ودير مار صوه ومار يوركي في بيت جالا ومغارة بيت لحم التي وُلد فيها سيِّدنا عيسى والموضع الواقع في الكنيسة ومفاتيح البابين الكائنين في الجهتين الشماليتين والقبليَّة والحديقتان وبُستان الزيتون الكائنة في أرجاء الكنيسة ومقابرها وكنائسهم وأديرتهم الواقعة في القُرى الأُخرى والأوقاف الكرجيَّة والحبشيَّة والصربيَّة التابعة لِلبطريرك ومُخلَّفات من مات من الأساقفة والرُهبان. وإعفاؤهم بِالكامل من الضرائب والرُّسوم الكمركيَّة والتكاليف الأُخرى في باب القُدُس و(ماء زمزم) وبادية العرب والمرافئ وما يكشفون عنه، وعدم التدخُّل في شؤونهم من قبل الطوائف الأُخرى أو الاعتداء عليهم، ويكون بطريرك الروم مُقدَّمًا عليهم، وأمرت أنا أيضًا وبِموجب عهدة سيِّدُنا عُمر والأوامر الشريفة الصادرة من السلاطين السابقين: أن يتم التقييد بِأمري بِالوجه المشروح من قِبل السلاطين والوُزراء العظام والعُلماء والصُلحاء والقُضاة وأُمراء الأُمراء وأُمراء الألوية والويوەدات وقسامي بيت المال والصوباشيَّة والزُعماء وأرباب التيمار والمُتفرِّقة والجاويشيَّة والسباهيَّة والإنكشاريَّة وسائر جُنُودي، وكُل من يقوم بِالإخلال به يتعرَّض إلى غضب الله وعذاب الله تعالىٰ وأن يبقى حُكمي السُلطاني هذا عند المذكور وتُعتمد العلامة الشريفة. تحريرًا فى سنه ثلاث وعشرين وتسعُمائة بِمقام القُدُس الشريف. هوامش وثائق عثمانية عائدة لعهد سليم الأول
209896
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A8%D8%B9%D8%AB%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3%20%D8%AD%D9%81%D8%A7%D8%A9%20%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%A9%20%D8%BA%D8%B1%D9%84%D8%A7%D8%8C%20%D9%88%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D9%85%D9%86%20%D9%8A%D9%83%D8%B3%D9%89%20%D9%8A%D9%88%D9%85%D8%A6%D8%B0%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر بعث الناس حفاة عراة غرلا، وذكر أول من يكسى يومئذ من الناس
كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله قال: . قال: فقالت عائشة: يا رسول الله، فكيف [ص:371] بالعورات؟ فقال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس: 37] وأخرجاه في الصحيحين من حديث حاتم بن أبي صغيرة، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة، بنحوه. وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، حدثنا المغيرة بن النعمان، شيخ من النخع، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث، قال: سمعت ابن عباس، قال: قام فينا رسول الله بموعظة، فقال: " يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين [الأنبياء: 104]. ألا وإن أول الخلق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه سيجاء بأناس من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فلأقولن: أصحابي. فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فلأقولن كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [المائدة: 117، 118] فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ". أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة. ورواه الإمام أحمد، عن سفيان بن عيينة. وفي الصحيحين من حديثه، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مرفوعا: ( إنكم محشورون [ص:372] إلى الله عز وجل، حفاة عراة غرلا ". ورواه البيهقي من حديث هلال بن خباب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي قال: ، فقالت زوجته: أينظر بعضنا إلى عورة بعض ؟ فقال: " يا فلانة، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس 37]. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو سعيد محمد بن موسى، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة، قال: يحشر الناس حفاة عراة غرلا قياما أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، قال: فيلجمهم العرق من شدة الكرب، ثم يقال: اكسوا إبراهيم. فيكسى قبطيتين من قباطي الجنة. قال: ثم ينادى لمحمد ، فيفجر له الحوض، وهو ما بين أيلة إلى مكة. قال: فيشرب ويغتسل، وقد تقطعت أعناق الخلائق يومئذ من العطش. قال: ثم قال رسول الله : . [ص:373] فقام رجل، فقال: أترجو لوالديك شيئا؟ فقال: ( إني شافع لهما، أعطيت أو منعت، ولا أرجو لهما شيئا ". قال البيهقي: قد يكون هذا قبل نزول النهي عن الاستغفار للمشركين، والصلاة على المنافقين. وقال القرطبي: وروى ابن المبارك، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن علي، قال: أول من يكسى الخليل قبطيتين، ثم محمد حلة حبرة عن يمين العرش. وقال أبو عبد الله القرطبي في كتاب " التذكرة ": وروى أبو نعيم الأصبهاني، من حديث الأسود، وعلقمة، وأبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله قال: . قال القرطبي: وقال الحليمي في " منهاج الدين " له: وروى عباد بن كثير، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة [ص:374] من قبورهم، يؤذن المؤذن، ويلبي الملبي، وأول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم، ثم محمد ، ثم النبيون، ثم المؤذنون. وذكر تمامه. ثم شرع القرطبي يذكر المناسبة في تقديم إبراهيم الخليل ، في الكسوة يومئذ، من ذلك أنه أول من لبس السراويل مبالغة في التستر، وأنه جرد يوم ألقي في النار، والله أعلم. وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي، عن محمد بن أبي عياش، عن عطاء بن يسار، عن سودة زوج النبي قالت: قال النبي : ( يبعث الناس حفاة عراة غرلا، قد ألجمهم العرق، فبلغ شحوم الآذان ". قلت: يا رسول الله، واسوأتاه، ينظر بعضنا إلى بعض؟! قال: " يشغل الناس عن ذلك، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس: 37]. إسناده جيد، وليس هو في المسند ولا في الكتب. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا سعيد بن سليمان، عن عبد الحميد بن سليمان، حدثني محمد بن أبي موسى، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة، قالت: سمعت النبي يقول: . قالت [ص:375] أم سلمة: يا رسول الله، هل ينظر بعضنا إلى بعض؟! قال: . قلت: وما شغلهم؟ قال: . وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمر بن شبة، حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان، يعني الثوري، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله : . قال البزار: أحسب أن عمر بن شبة غلط فيه، فدخل عليه متن حديث في إسناد حديث، وإنما هذا الحديث عن سفيان الثوري، عن مغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. قال: وليس لسفيان الثوري عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود حديث مسند. وهكذا رواه ابن أبي الدنيا، عن عمر بن شبة، به مثله، وزاد: . وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، عن عائذ بن شريح، عن أنس، قال: سألت عائشة رسول الله ، فقالت: يا رسول الله، كيف يحشر الرجال؟ فقال: . ثم انتظرت ساعة، ثم قالت: يا رسول الله، كيف يحشر النساء؟ قال: [ص:376] " كذلك، حفاة عراة ". قالت: واسوأتاه من يوم القيامة. قال: . قالت: أي آية يا رسول الله؟ قال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس: 37]. وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا روح بن حاتم، حدثنا هشيم، عن الكوثر، وهو ابن حكيم، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : . فقالت عائشة: والنساء بأبي أنت وأمي؟! فقال: . فقالت: واسوأتاه! فقال رسول الله : فقالت: عجبت من حديثك، يحشر الرجال والنساء حفاة عراة غرلا، ينظر بعضهم إلى بعض. قال: فضرب على منكبها، فقال: . هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد في " الصحيح "، كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى. وقال الطبراني: ثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا محمد بن أبان الواسطي، ثنا محمد بن الحسن المزني، عن سعيد بن المرزبان أبي سعد، عن [ص:378] عطاء بن أبي رباح، عن الحسن بن علي، قال: قال رسول الله : . فقالت امرأة: يا رسول الله، فكيف يرى بعضنا بعضا قال: عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، أنه لما حضره الموت بثياب جدد، فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله يقول: . فهذا حديث رواه أبو داود في كتاب " السنن "، عن الحسن بن علي، عن ابن أبي مريم. ثم شرع البيهقي يجيب عن هذا لمعارضته الأحاديث المتقدمة في بعث الناس حفاة عراة غرلا، بثلاثة أجوبة: أحدها: أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم، فإذا وافوا الموقف يكونون عراة، ثم يكسون من ثياب الجنة. [ص:379] الثاني: أنه إذا كسي الأنبياء ثم الصديقون، ثم من بعدهم على مراتبهم، فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه، ثم إذا دخلوا الجنة ألبسوا من ثياب الجنة. الثالث: أن المراد بالثياب ههنا الأعمال، أي يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر، قال الله تعالى: لباسا يواري سوءاتكم وريشا [الأعراف: 26]. وقال: وثيابك فطهر [المدثر: 4]. قال قتادة: عملك فأخلصه. ثم استشهد البيهقي على هذا الجواب الأخير بما رواه مسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال رسول الله : . قال: وروينا عن فضالة بن عبيد، عن رسول الله ، أنه قال: . ، وقد قال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن كثير، حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، أخبرني سعيد بن هانئ، عن عمرو بن الأسود، قال: أوصاني معاذ بامرأته، وخرج، فماتت، فدفناها فجاءنا وقد رفعنا أيدينا من دفنها، فقال: في أي شيء كفنتموها؟ قلنا: في ثيابها. فأمر بها فنبشت، وكفنها في ثياب جدد، وقال: أحسنوا أكفان موتاكم؟ فإنهم يحشرون فيها. [ص:380] وقال أيضا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا إسحاق بن سيار بن نصر، عن الوليد بن أبي مروان، عن ابن عباس، قال: يحشر الموتى في أكفانهم. وكذا روي عن أبي العالية. وعن صالح المري، قال: بلغني أنهم يخرجون من قبورهم في أكفان دسمة، وأبدان بالية، متغيرة وجوههم، شعثة رءوسهم، نهكة أجسامهم، طائرة قلوبهم من صدورهم وحناجرهم، لا يدري القوم ما موئلهم إلا عند انصرافهم من الموقف، فمنصرف به إلى الجنة، ومنصرف به إلى النار، ثم صاح بأعلى صوته: يا سوء منصرفاه، إن أنت لم تغمدنا منك برحمة واسعة، لما قد ضاقت صدورنا من الذنوب العظام، والجرائم التي لا غافر لها غيرك.
209897
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AB%D8%A7%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A3%D9%87%D9%88%D8%A7%D9%84%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر الأحاديث والأثار الدالة على أهوال يوم القيامة
قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي، حدثني أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : . تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به. وفي معنى قوله : . احتمالان؟ أحدهما: أن يكون ذلك من المطر; أي تمطر عليهم، كما يقال: أصابهم طش من مطر. وهو الخفيف منه. والثاني: أن يكون ذلك من شدة الحر، وهو الأقرب، والله أعلم. وقد قال الله تعالى: [المطففين: 4 - 6]. وقد ثبت في [ص:386] " الصحيح ": أنهم " يقومون في الرشح - أي في العرق - إلى أنصاف آذانهم ". وفي الحديث الآخر: أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم كما تقدم، وفي حديث الشفاعة، كما سيأتي، أن الشمس تدنى من العباد يوم القيامة، فتكون منهم على مسافة ميل، فعند ذلك يعرقون بحسب أعمالهم. وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . شك ثور أيهما قال. وكذا رواه مسلم، عن قتيبة. وأخرجه البخاري، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن رسول الله مثله. [ص:387] وقال الإمام أحمد: حدثنا الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر، حدثني أبي، عن سعيد بن عمير الأنصاري، قال: جلست إلى عبد الله بن عمر، وأبي سعيد، فقال أحدهما لصاحبه: أي شيء سمعت رسول الله يذكر أنه يبلغ العرق من الناس يوم القيامة فقال أحدهما: إلى شحمته. وقال الآخر: يلجمه. فخط ابن عمر، وأشار أبو عاصم بأصبعه، من شحمة أذنه إلى فيه، فقال: ما أرى ذلك إلا سواء. تفرد به أحمد، وإسناده جيد قوي. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عيسى، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني سليم بن عامر، حدثني المقداد بن الأسود، سمعت رسول الله يقول: . قال سليم: لا أدري أي الميلين أراد؟ أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكحل به العين ؟ قال: . قال: فرأيت رسول الله يشير إلى فيه، قال: . وكذا رواه [ص:388] الترمذي، عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، وقال: حسن صحيح. وأخرجه مسلم، عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن ابن جابر، به نحوه. وقال ابن المبارك، عن مالك بن مغول، عن عبيد الله بن العيزار، قال: إن الأقدام يوم القيامة مثل النبل في القرن، والسعيد الذي يجد لقدمه موضعا يضعهما فيه، وإن الشمس لتدنى من رءوسهم، حتى يكون بينها وبين رءوسهم - إما قال: ميلا. أو: ميلين - ويزاد في حرها تسعة وستين ضعفا. وقال الوليد بن مسلم، عن أبي بكر بن سعيد، عن مغيث بن سمي، قال: تركد الشمس فوق رءوسهم على أذرع، وتفتح أبواب جهنم، فتهب عليهم رياحها وسمومها ويخرج عليهم نفحاتها، حتى تجري الأنهار من عرقهم أنتن من الجيف، والصائمون في جناتهم في ظل العرش. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن منصور الطوسي، [ص:389] حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشي، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله : . إسناده ضعيف. وقد ثبت في " الصحيح " عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، ويحيى بن إسحاق، قالا: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا خالد بن أبي عمران، عن القاسم، عن عائشة، عن رسول الله أنه قال: قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: . تفرد به أحمد، وإسناده مقارب، فيه ابن لهيعة وقد تكلموا فيه، وشيخه ليس بالمشهور. هذا كله والناس موقوفون في مقام ضنك ضيق حرج شديد صعب، إلا [ص:390] على من يسره الله عليه، فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم الحي القيوم أن يهون علينا ذلك المقام، وأن يجعله علينا يسيرا بردا وسلاما، ونعوذ بالله من ضيق يوم القيامة، اللهم اجعل لنا مخرجا من ذلك، ونسألك أن توسع علينا في الدنيا والآخرة، اللهم اجعلنا مع الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، آمين. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا الأصبغ، هو ابن زيد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، حدثني ربيعة، هو ابن عمرو الجرشي الشامي، قال: سألت عائشة فقلت: ما كان رسول الله يقول إذا قام من الليل؟ وبم كان يفتتح الصلاة؟ قالت: كان يكبر عشرا، ويحمد عشرا، ويهلل عشرا، ويستغفر عشرا، ويقول: . عشرا، ويقول: . عشرا. وكذا رواهالنسائي في " اليوم والليلة " عن أبي داود الحراني، عن يزيد بن هارون، بإسناده مثله، وعنده: . [ص:391] وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن قدامة، حدثني يعقوب بن سلمة الأحمر، سمعت ابن السماك يقول: سمعت أبا واعظ الزاهد يقول: يخرجون من قبورهم يتسكعون في الظلمات ألف عام، والأرض يومئذ نار كلها، وإن أسعد الناس يومئذ من وجد لقدمه موضعا. وقال أيضا: حدثني هارون بن سفيان، أخبرنا ابن نفيل، عن النضر بن عربي قال: بلغني أن الناس إذا خرجوا من قبورهم كان شعارهم لا إله إلا الله، وكانت أول كلمة يقولها برهم وفاجرهم: ربنا ارحمنا. وحدثني حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن سليمان، عن أبي صالح، قال: بلغني أن الناس يحشرون هكذا. ونكس رأسه، ووضع يده اليمنى على كوعه اليسرى. وحدثني عصمة بن الفضل، حدثني يحيى بن يحيى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: سمعت سيارا الشامي قال: يخرجون من قبورهم وكلهم مذعورون، فيناديهم مناد: ياعباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون [الزخرف: 68]. فيطمع فيها الخلق فيتبعها: الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين [ص:392] [الزخرف: 69]. فييأس منها الخلق غير أهل الإسلام. وروى من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا يوم نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رءوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن [فاطر: 34]. قلت: وله شاهد من القرآن العظيم قال الله تعالى: الآيات إلى قوله: [الأنبياء: 101 - 104]. وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا أبو حفص الصفار، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا إبراهيم بن عيسى اليشكري، قال: بلغنا أن المؤمن إذا بعث من قبره تلقاه ملكان، مع أحدهما ديباجة فيها برد ومسك، ومع الآخر كوب من أكواب الجنة فيه شراب، فإذا خرج من قبره خلط الملك ذلك البرد بالمسك فرشه عليه، وصب له الآخر شربة فيناوله إياها، فيشربها فلا يظمأ بعدها أبدا حتى يدخل الجنة. فأما الأشقياء - والعياذ بالله - فقال الله تعالى: [ص:393] [الزخرف: 36 - 39]. وذكرنا في " التفسير " أن الكافر إذا قام من قبره أخذ بيده شيطانه، ويلزمه فلا يفارقه، حتى يرمى بهما في النار، وهكذا كل فاجر وفاسق غافل عن ذكر الله، مضيع لأمره. وقال تعالى: [ق: 21]. أي: ملك يسوقه إلى المحشر، وآخر يشهد عليه بأعماله وهذا عام في الأبرار والفجار، وكل بحسبه لقد كنت في غفلة من هذا أي: أيها الإنسان الغافل عما خلق له [ق: 22]. أي: نافذ قوي حاد [ق: 23]. أي: هذا الذي جئت به هو الذي وكلت به، فيقول الله تعالى عند ذلك للسائق والشهيد: [ق: 24، 25]. أي: ليس فيه خير، ويمنع غيره من الخير، ومع ذلك هو مريب أي: هو في شك وريب. ثم انتقل إلى من هو متلبس بأعظم من ذلك، وقد تجتمع في العبد هذه الأربعة المذمومة المقبوحة، التي هي أقبح الخصال، وأعظمها، وأقبحها الشرك بالله، فقال تعالى: إلى قوله تعالى: [ق: 26 - 30]. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، هو ابن سعيد القطان، عن ابن [ص:394] عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ، قال: يحشر المتكبرون في صور الذر يوم القيامة ". ثم قال: تفرد به محمد بن عثمان، عن شيخه. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في " أهوال القيامة ": حدثنا عبد الله بن عمر الجشمي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام، أنبا قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن رسول الله كان في بعض أسفاره، وقد [ص:395] تفاوت بين أصحابه السير، فرفع بهاتين الآيتين صوته: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد الحج: 1، 2]. فلما سمع ذلك أصحابه حثوا المطي، وعلموا أنه عند قول يقوله، فلما تأشبوا حوله، قال: . قال: فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة، فلما رأى ذلك قال: . قال: فسري عنهم، ثم قال: . وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن محمد بن بشار بندار، عن يحيى بن سعيد القطان، به، وقال الترمذي،: حسن صحيح. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
209899
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%A3%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF%D9%8A%20%D8%A8%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D8%A9%20%D8%AA%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%87%20%D8%B9%D8%B1%D8%B4%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D9%86%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%88%D9%83%D9%8A%D8%A9
رسالة محمد الأول إلى أبي النصر المحمودي بمناسبة توليه عرش السلطنة المملوكية
أدام الله تعالىٰ عزَّ الجناب العالي العالمي العاملي العادلي الكبيري العوني الغوثي الغيَّاثي النظامي الهمَّامي المُشيدي المُنعمي المُفضلي النصيري المُرابطي الأوحدي الأمجدي الكاملي الكافلي مُحيي مراسم الإسلام، مُبدي الشرائع والأحكام، قاتل الطُغاة وأعداء الدين، ناصر الغُزاة والمُجاهدين، لا زال جنابه الرفيع منبع الشرف الجم ومطلع المجد الأشمّ، محفوفًا بِدولةٍ لا يتهدَّم دارها، وعزَّةٍ لا ينفصم آثارها، المُحب المُخلص الوارث لِمحبَّة المجالس الشريفة، والمقار المُقدَّسة المُنيفة، الحامي بِسُكَّان الحرمين الشريفين من آبائهم العظام، نوَّر الله مضاجعهم، الباذلين حال الحبوة مهجعهم في إعلاء كلمة الله وقهر أعدائه، بعد تقديم محبَّة أصبحت مُنوَّرة بِأنوار الوفاء والإخلاص الصافي، وأضحت مُحجَّلة بِصفاء الولاء والاختصاص الوافي، وأزهرت بِصدق الطوية رياضُها، وامتلأت من زُلال المحبَّة حياضها، ورفع أدعيةً صالحةً مُستجابةً شريفة، وعرض أثنية خالصة مُستطابةً لطيفة، يُنهى ويُبدى لِعلمه الشريف: إنَّ سبب التأخير في إرسال الكتاب إلى ذلك الجناب وُقُوع الفترة وامتداد المُنازعة بيننا وبين الإخوان، أصلح الله شأنهم، لا سيَّما كثرة المكر، ووفرة الاحتيال الصادر عن تكفور القُسطنطينيَّة، لعنه الله ودمَّره، ومُعاونته لهم وتحريكه إيَّاهم، فلمَّا يسَّر الله لنا في هذه الأيَّام الفُرصة والنصر وبرخًا من الانتقام بِلُطفه الشَّامل العام، جدَّدنا رُسُوم آبائنا العظام وأجدادنا الكرام، أنار الله براهينهم إلى يوم القيام، في إرسال الرُّسل والرسائل إلى عتبتكم العليَّة وسُدَّتكم السُنيَّة، فجهَّزنا قدوة الأماجد والمُقرَّبين مولانا قوَّامُ المُلك والدين، دام فضله، القاضي يومئذٍ بِقصبة إینه‌گول من أعمال بورصة المحميَّة، صانها الله عن الآفات والعاهات والبلبلة، لِتجديد قواعد المحبَّة القديمة، وتمهيد مراسم المودَّة المُستقيمة، بِالرسالة المُنبئة عن خُلوصٍ الطويَّة، والآن يُؤدي نيابة من حضرتنا البهيَّة تهنئة جُلُوسكم على سرير السلطنة في نفس القاهرة، ويُعظِّم في التكاليف العاديَّة الملكيَّة المُلوكيَّة، وينقل عنَّا كلمات الألفة وحكايات الصداقة، كما قرأنا عليه وقرَّرنا إليه بلا زيادة ولا نقيصة، وأصدرنا معه بِرسم الهديَّة من الأقمشة المُتنوعة الروميَّة خمس طقوزات، ومن الإفرنجيَّة ثلٰث طقوزات، ومن العجميَّة بوقجتين، فالمأمول من كرمكم القبول حين الوُصُول، وأن تلتفتوا إلى القاصد المذكور، وتُعيدوه بِالخير الموفور، وتُعلنوا به أخبار سلامتكم وآثار صحتكم، وكيفيَّة أطواركم اللطيفة المُنيفة، والأجوبة المُطابقة لِأسئلتنا الخفيَّة، الله يُؤيدكم وينصُركم إلى قيام القيامة، وجعلنا وإيَّاكم من الهادين المُهتدين غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين. حُرِّر في أواسط شهر ذي الحجَّة الحرام سنة سبع عشر وثمانمائة بِقصبة إينەگول. هوامش وثائق عثمانية عائدة لعهد محمد الأول
209901
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%A3%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF%D9%8A%20%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%B1%20%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A9%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%D9%87%D9%85%D8%A7%20%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%B4%D8%BA%D8%A7%D9%84%D9%87%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7
رسالة محمد الأول إلى أبي النصر المحمودي يبرر انقطاع المراسلة بينهما لانشغاله بالجهاد في أوروبا
تيمُّنًا بِذكره العزيز العلَّام، الذي يبقى وجهه ذو الجلال والإكرام، مدَّ الله تعالىٰ طناب خيام دولته السُلطاني الإمامي الهمَّامي الأعظمي الأكرمي الأعلمي الأعدلي الأشجعي الكاملي الكافلي المُكملي المشيدي المُنعمي الأرفعي الأوسعي الجليلي الجميلي المُعظمي المُفخمي الزعيمي الكريمي المُرابطي المشاعري الأولوي الأعلوي ملك المُلُوك في العالم، أُسوة الحُكَّام بين الأُمم، مُعين الإسلام والمُسلمين، غوث الملهوفين وغيَّاث المظلومين، ظهير الإقبال والخواقين، قهرمان الماء والطين، حامي سُكَّان الحرمين الشريفين، قائد حُجَّاج الصفا والمروتين المخصوص بِمحض اللطف الودودي، عضُد المُلك والدين، أبو النصر شيخ المحمودي، خلَّد الله تعالىٰ أيَّام سلطنته وإقباله وأدام أعوام عزَّه وإجلاله، ما دار الفلك وسبَّح السمك، وبعد؛ فلمَّا كان مراسم المحبَّة بيننا مُشيَّدة كبُنيانٍ مرصوص وثابتة بِالآيات والنُصُوص، لزم علينا تجديد المُصادقة القديمة وتمهيد المُخالصة المُستقيمة، فالمُحب المُخلص غب إبلاغ الدعوات الخالصات المُستجابة وأثر إهداء المدحات الوافيات المُستطابة الصادرة عن خُلُوص الوداد وخُصُوص الاعتقاد يُبدى إلى علمه الكريم علم الكريم لا زال محفوفًا بِما يُسِّر من المطالب العاليَّة البهيَّة والمقاصد الرفيعة السُنيَّة، إنَّ هذا المُحب المُخلص منعهُ الاشتغال بِدفع أعداء الله تعالىٰ القاصدين لِتخريب بلاد الإسلام وقتل المُسلمين وقهرهم، عن إرسال الرُسُل وإبداء الأشواق ورفع الواقعات، والآن لمَّا وقع الفراغ بِعون الله تعالىٰ وفضله وبركات رسول الله من قهرهم واستئصالهم وتدميرهم وتخريب بلادهم وقتل أمرائهم وصناديدهم وأخذ حُصُونهم، أراد تحريك سلسلة المحبَّة والإخلاص، وإبداء ما رسخ في القلب من المودَّة والاختصاص، ووقع ما وقع بِفضل الله تعالىٰ من الفتح وارتفاع أعلام الدين وتدمير أعداء رب العالمين، إلى العلم الكريم لِينشرح به القلب الكريم الذي قصده مدى الأيام في إعلاء كلمة الله تعالىٰ ونصر أوليائه وقهر أعدائه وكفى بِذلك فخرًا وذخرًا، جهَّز الأمير الخطير افتخار الأُمراء العظام يُنبُوع الألطاف والمكارم معدن المآثر والمفاخر، يمين المُلُوك العظام، افتخار الحُجَّاج والمُعتمرين، الحاج خير الدين خليل بك، أدام الله تعالىٰ عزُّه لِينوب عن هذا المُحب في إعلام ما في ضميره من فرط المحبَّة وصدق النيَّة وخُلُوص الاعتقاد وصدق الطوية، ويُبدي أنَّ الإخلاص الموروث الذي لِهذا المُحب إرثٌ من آبائه لِخدمته الشريفة على الزايد بِتعاقب الليالي والأيَّام وتكرُّر الشُهُور والأعوام شامخة البُنيان راسخة الأركان، لا يُمكن أن ينشق مشامها رايحة الذُلل، أو يخلط مباسمها شايبة الخلل، وحمَّلناه من المُشافهات لِيرفعها إلى المسامع الكريمة لا زالت محفوفة بالسلامة والكرامة، فالمأمول من اللُطف التَّام والكرم العام الإصغاء إليها على عادته الحسنة البهيَّة وسيرته الكريمة المرضيَّة، والمسئول من شيم الجناب المُنيف أن يُشرِّف هذا المُحب المُخلص أحيانًا بِمُشرفاته الكريمة المُشرَّفة وكُتُبه المُبجَّلات المُبجَّلة، ويُنبه بِأخباره السّارَّة الدالَّة على انتظام أُمُور الدولة المُظفَّريَّة القاهرة، لا زالت منصورة الأعلام ناصرة لِدين الإسلام لِيكون سببًا لِلبهجة وانشراح الخواطر وأن يعلم بِسوانح المُهمَّات التي في وسع هذا المُحب اتمامها لِيجد فيها مُباهيًا ويهتم بها كُل الاهتمام إن شاء الله تعالىٰ، وأن يُمكِّن التُجَّار والقوافل القاصدين لِبلادنا من الوُرُود حسبما يكن لهم المنفعة ويُسر ربح مُبايعتهم موانعهم نفعًا لِلعباد لِيُعينه الله الملك المُتعال في المُهمَّات بِفضله العظيم ويُؤيِّده بِملائكة السموات بِلُطفه العميم. وكُتب في رابع شوَّال سنة اثني وعشرين وثمانمائة بِمقام بروسة. هوامش وثائق عثمانية عائدة لعهد محمد الأول
209903
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%AA%D9%8A%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%84%D9%86%D9%83%20%D8%B1%D8%AF%D9%8B%D8%A7%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9
رسالة بايزيد الأول إلى تيمورلنك ردًا على تهديده الدولة العثمانية
الحمدُ لله الذي شرَّفنا بِالإسلام وعزَّزنا بِالغزو عن سلاطين الأعراب والأعجام والصلوٰة على رسوله مُحمَّد خير الأنام، وعلى آله العظام وصحبه الكرام؛ إعلم أيُّها الكلب العقور الموسوم بِالتيمور فهو أكفر من الملك التكفور قد قرأنا كتابك المشؤوم إذ تُخوِّفني بِهذه المُهملات وتخدعُني بهذه التُرَّهات وتستفزني بهذه الخُزعبلات؟ أو تحسب أنني مثل مُلُوك الأعجام، أو تتار الدشت الأعوام؟ أو في جمع الجُنُود، كجيش الهُنُود، أو في جمع جُندٍ في الكثرة والشقاق، كجمع الهراة والعراق أو ما عندي من غزاة الإسلام، كعساكر الحلب والشَّام، وثبت عندهما كيف ختل المُلُوك وختر، وكيف تولَّى وكفر لأنَّ أفعالك نقضٌ لِلعُهُود والذِّمم، سفَّاك الدم، هتَّاك الحُرم، فنحنُ أفضل السلاطين شرقًا وغربًا، وأشرف الخواقين بُعدًا وقُربًا، وأنت تعرف نظام جُيُوشنا وعساكرنا، وقُوَّة القيام بتظافُرنا وتناصُرنا؟ وكم تفرق بين من تكفَّل بأمر الحُفاة العراة، وبين من تحمَّل إصر الكماة الغُزاة، فإن الحرب دأبنا، والضرب طلَّابنا، والجهاد صنعتنا، وشرعة الغزاة في سبيل الله تعالىٰ شرعتنا، إن قاتل أحد تكالُبًا على الدُنيا، فنحنُ المقاتلون لتكون كلمة الله هي العُليا، رجالنا باعوا أنفسهم وأموالهم من الله بأنَّ لهم الجنَّة في العُقبى، فكم لِضرباتهم في آذان الكُفَّار من طنَّة، ولِسُيُوفهم في قلانس القوانس من رنَّة ولِنُون قِسيِّهم في خياشهم بني الصَّليب من غنَّة، لو سمناهم خوض البحار خاضوها، أو كلَّفناهم إفاضة دماء الكُفَّار أفاضوها، وقد أطلُّوا من صياصيهم على قلع قلاع الكُفَّار وأخنوا عليها، وأمسكوا بِعنان أفراسهم فكلما سمعوا هيعة طاروا إليها، لا يقولون لملكهم إذا غمرهم في البلاء والابتلاء إنا هاهُنا قاعدون ومعنا من الغُزاة مُشاه، أفرس من فوارس الكماة، أطبارهم باترة، وأظفارهم ظافرة، كالأُسُود الكاسرة، والنُّمُور الجاسرة، والذئاب الهاصرة، قُلُوبهم بودادنا عامرة، لا تُخامر بواطنهم علينا مُخامرة، بل وُجُوهُهُم في الحرب ناضرة . وحاصل الأمر أن كُلَّ أشغالنا، وجُلَّ أحوالنا وأفعالنا، جمّ الكُفَّار ولم الأسرى وضم الغنائم، فنحنُ المُجاهدون في سبيل الله الذين لا يخافون لومة لائم وأنا أعلم أن هذا الكلام يبعثُك إلى بلادنا انبعاثًا، فإن لم تأتِ تكن زوجاتك طوالقٌ ثلاثًا، وإن قصدت بلادي وفررتُ عنك ولم أُقاتلك البتَّة، فزوجاتي إذ ذاك طوالقٌ ثلاثًا بتَّة. والسَّلام على المُسلمين، فلعنة الله عليك وعلى من اتبعك أجمعين إلى يوم الدين. وثائق عثمانية عائدة لعهد بايزيد الأول
209953
https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84
مفتاح الحساب/المقالة الرابعة/الباب الثاني/الفصل الأول
ذو أربعة أضلاع سطح يحيط به أربعة خطوط مستقيمة وهو ينقسم إلى متساوي الأضلاع والزوايا ويسمى مربعاً والثاني متساوي الزوايا ومختلفة الأضلاع ويسمى مستطيلاً وهما شركان في تساوي القطرين اعنى الخطين والواصلين بين كل زاوتين متقابلتين الثالث متساوي الأضلاع مختلف الزاويا ويسمى معيناً وهو الأول يشرك في تقاطع القطرين على قوائم والثلاثة في توازي الأضلاع والزاويا الرابعة مختلف الأضلاع والزوايا وهو أما أن يكون كل ضلعين متقابلين منه متوازيين متساويين لكن غير متساويين الآخرين يسمى بشبيه المعين وهو مشارك للثلاثة الأولى في توازي الأضلاع وأما أن يكون ضلعان منه متوازيين والأخران غير متوازيين يسمى بذي الزنقة وذي الجناح وهو ثلاثة، الأول ذو زنقة واحدة وهو ما كان أحد الضلعين الغير المتوازيين منه عموداً على المتوازيين، الثاني ذو زنقتين متساويتن وهو ما يتساوي فيه الضلعان الغير المتوازيين، الثالث مختلف الزنقتيين وهو ما كان فيه الضلعان الغير المتوازيين، الثالث غير متساويين ولا يكون أحدهما عموداً على المتوازيين وقد يكون هذا الاختلاف في الجهة أيضاً وإما أن يكون فيه ضلعان متجاوزان متسان وكذا الاخران والأولان يخالفان الآخرين ووقع تقاطع قطراه في داخله يسمى يدي اليمينين ويكون فيه لا محالة زاويتان متقابلتان متساوتيين فقط إما قائمتان فيسميه البنائون باللوزة وإما منفرجين ويسميه النجارون بجودانه وإما حادتين ونسميه الباطية ويتقاطع قطراً هذه الثلاثة على قوائم كالمربع المعين وتمام ذي اليمينين إلى المعين نسميه بذي رجلين وما لم يكن على هذه الأشكال نسمى منحرفاً فإن كان أحدى زواياه قائمة سمى منحرفاً فاقائم الزواياه وإلا فغير قائمة الزاوية وهذه صورها هكذا
210111
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A5%D8%B0%D8%A7%20%D9%82%D8%A7%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3%20%D9%85%D9%86%20%D9%82%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%87%D9%85%20%D9%88%D8%AC%D8%AF%D9%88%D8%A7%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6%20%D8%BA%D9%8A%D8%B1%20%D8%B5%D9%81%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A%20%D9%83%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%A7%20%D9%81%D9%8A%D9%87%D8%A7
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/فصل إذا قام الناس من قبورهم وجدوا الأرض غير صفة الأرض التي كانوا فيها
[ص:401] قال الله سبحانه: [الحج: 47]. قال بعض المفسرين: هو يوم القيامة. وقال تعالى: سأل سائل بعذاب واقع إلى قوله: فاصبر صبرا جميلا [المعارج: 1 - 5]. وقد ذكرنا في التفسير اختلاف السلف والخلف في معنى هذه الآية، فروى ليث بن أبي سليم وغيره، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: ذلك مقدار ما بين العرش إلى الأرض السابعة. وقال ابن عباس في قوله: [السجدة: 5]. يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام. رواه ابن أبي حاتم. ورواه ابن جرير، عن مجاهد أيضا، وذهب إليه الفراء، وقاله أبو عبد الله الحليمي، فيما حكاه عنه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب " البعث [ص:402] والنشور "، قال الحليمي: فالملك يقطع هذه المسافة في بعض يوم، ولو أنها مسافة يمكن البشر قطعها لم يتمكن أحد من قطعها إلا في مقدار خمسين ألف سنة. قال: وليس هذا من تقدير يوم القيامة بسبيل، بل هذا مقدار ما بين العرش إلى الأرض السابعة. ورجح الحليمي هذا بقوله تعالى: [المعارج: 3، 4] وذي المعارج: أي العلو والعظمة، كما قال تعالى: رفيع الدرجات ذو العرش [غافر: 15] ثم فسر ذلك بقوله: تعرج الملائكة والروح إليه أي في مسافة كان مقدارها خمسين ألف سنة، أي بعدها واتساعها هذه المدة. فعلى هذا القول المراد بذلك: مسافة المكان. هذا قول. وقد حاول البيهقي الجمع بين هذه الآية وبين قوله: رفيع الدرجات بأن الملائكة تقطع هذه المسافة في الدنيا في ألف سنة، فإذا كان يوم القيامة لا تقطعها إلا في خمسين ألف سنة؟ لما يشاهدون من هول ذلك اليوم، وعظمته، وغضب الرب عز وجل، والله أعلم. والقول الثاني: أن المراد بذلك مدة عمر الدنيا. قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في " تفسيره ": حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله تعالى: كان مقداره خمسين ألف سنة. قال: الدنيا عمرها خمسون [ص:403] ألف سنة، ذلك عمرها يوم سماها الله تعالى يوما: تعرج الملائكة والروح إليه قال: اليوم الدنيا. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وعن الحكم بن أبان، عن عكرمة: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قالا: الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة، لا يدري أحد كم مضى، ولا كم بقي إلا الله، عز وجل. وذكره البيهقي من طريق محمد بن ثور، عن معمر، به. وهذا قول غريب جدا، لا يوجد في كثير من الكتب المشهورة، والله أعلم. القول الثالث: أن المراد بذلك فصل ما بين الدنيا ويوم القيامة. وهو مدة المقام في البرزخ. رواه ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي، وهو غريب أيضا. القول الرابع: أن المراد بذلك مقدار الفصل بين العباد يوم القيامة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. قال: يوم القيامة. إسناده صحيح. ورواه الثوري، عن سماك، عن عكرمة من قوله، وبه قال الحسن، والضحاك، وابن زيد. [ص:404] وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن إدريس، حدثنا الحسن بن واقع، حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب، عن يزيد الرشك، قال: يقوم الناس يوم القيامة أربعين ألف سنة، ويقضى بينهم في مقدار عشرة آلاف سنة. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة. وقال الكلبي في " تفسيره "، وهو يرويه عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لو ولي محاسبة العباد غير الله تعالى لم يفرغ في خمسين ألف سنة. وقال البيهقي: وفيما ذكر حماد بن زيد، عن أيوب، قال: قال الحسن: ما ظنك بيوم قام العباد فيه على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى تقطعت أعناقهم عطشا، واحترقت أجوافهم جوعا، ثم انصرف بهم إلى النار، فسقوا من عين آنية، قد أنى حرها، واشتد نضجها. وقد ورد هذا في أحاديث متعددة، فالله أعلم. قال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال: قيل لرسول الله : يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ ما أطول هذا اليوم ! فقال رسول الله : " والذي نفسي بيده، إنه ليخفف على المؤمن، حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة [ص:405] يصليها في الدنيا ". ورواه ابن جرير في " تفسيره "، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، به. ودراج أبو السمح وشيخه أبو الهيثم سليمان بن عمرو العتواري، ضعيفان، على أنه قد رواه البيهقي بلفظ آخر، وقال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي - وكان رجلا من الخائفين - قال: سمعت دراجا أبا السمح يخبر عمن حدثه، عن أبي سعيد الخدري، أنه أتى رسول الله ، فقال: أخبرني من يقوى على القيام يوم القيامة الذي قال الله تعالى: يوم يقوم الناس لرب العالمين المطففين: 6 فقال. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن للمؤمنين يوم القيامة كراسي من نور، يجلسون عليها، ويظلل عليهم الغمائم، ويكون يوم القيامة عليهم كساعة من نهار، أو كأحد طرفيه. رواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال ". وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : " ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعل كنزه صفائح يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها [ص:406] جبهته، وجنبه، وظهره، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار... ". وذكر بقية الحديث في مانع زكاة الغنم، والإبل، أنه يبطح لها بقاع قرقر، تطؤه بأخفافها وأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مرت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها، حتى يقضي الله بين العباد، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وهكذا رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده ": أخبرنا وهيب بن خالد، وكان ثقة، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ، فذكر نحوه. وأخرجه مسلم من حديث روح بن القاسم، وعبد العزيز بن المختار، كلاهما عن سهيل، به مثله. وأخرجه مسلم أيضا من حديث زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا في الذهب، والفضة، والإبل، والبقر، والغنم. وقد رواه الإمام أحمد، وأبو داود، من حديث شعبة، والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة، كلاهما عن قتادة، عن أبي عمر الغداني، عن أبي هريرة، سمعت رسول الله يقول: " من كانت له إبل لا يعطي حقها في [ص:407] نجدتها ورسلها - يعني في عسرها ويسرها - فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره، حتى يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه بأخفافها، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله. وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره، ثم يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عقصاء ولا عضباء، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله. وإذا كان له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره، حتى يبطح لها بقاع قرقر فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عقصاء ولا عضباء، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله ". قال البيهقي: وهذا لا يحتمل إلا تقدير ذلك اليوم بخمسين ألف سنة مما تعدون، والله أعلم، ثم لا يكون ذلك كذلك إلا على الذي لا يغفر له، فأما من غفر له ذنبه من المؤمنين، فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الحسن بن [ص:408] محمد بن حليم، أخبرنا أبو الموجه، أخبرنا عبدان، أخبرنا عبد الله، هو ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة، قال: يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر. ثم قال: هذا هو المحفوظ، وقد روي مرفوعا، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، حدثني عبد الله بن عمر بن علي الجوهري بمرو، حدثنا يحيى بن ساسويه بن عبد الكريم، حدثنا سويد بن نصر، حدثنا ابن المبارك، فذكره بإسناده مرفوعا. وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي هانئ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، قال: تلا رسول الله هذه الآية: يوم يقوم الناس لرب العالمين [المطففين: 6]. قال. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا سفيان، عن ميسرة، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء، ثم قرأ: ( ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم ). قال ابن المبارك: هكذا هي في قراءة ابن مسعود. [ص:409] ثم قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن ميسرة النهدي، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود في قوله: [الفرقان: 24]. قال: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210112
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%B7%D9%88%D9%84%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D9%88%D9%85%D8%A7%20%D9%88%D8%B1%D8%AF%20%D9%81%D9%8A%20%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%87
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر طول يوم القيامة وما ورد في مقداره
[ص:401] ومن ذلك الشفاعة العظمى في أهل الموقف، ليجيء الرب عز وجل، فيفصل بينهم، ويريح المؤمنين من ذلك الحال إلى حسن المآل. قال الله تعالى: [الإسراء: 79]. قال البخاري: حدثنا علي بن عياش، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله قال. انفرد به دون مسلم. [ص:410] وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا داود، وهو ابن يزيد بن عبد الرحمن الزعافري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء: 79]. قال. إسناده حسن. وثبت في الصحيحين، وغيرهما من حديث جابر، وغيره، عن رسول الله أنه قال. فقوله. يعني بذلك الشفاعة التي تطلب من آدم، فيقول: لست بصاحب ذاكم، اذهبوا إلى نوح، فيقول لهم كذلك ويرشدهم إلى إبراهيم، فيرشدهم إلى موسى، فيرشدهم موسى إلى عيسى، فيرشدهم عيسى إلى محمد ، فيقول. وسيأتي ذلك مبسوطا في أحاديث الشفاعة، في إخراج العصاة من النار، وقد ذكرنا ذلك بطوله مبسوطا عن جماعة من الصحابة عند تفسير هذه الآية. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . ولمسلم أيضا، عن أبي بن كعب; في حديث قراءة القرآن على سبعة أحرف، قال رسول الله . وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر الأزدي، حدثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، عن النبي قال. ورواه الترمذي، وابن ماجه، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثني محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك، أن رسول الله قال ؟ " يبعث الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي; فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود ". وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي [ص:412] حبيب، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله . فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ قال. وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون; أبو الخطاب الأنصاري، عن النضر بن أنس، عن أنس، قال: حدثني نبي الله ، قال. فقال. فذهب نبي الله ، . وروى الإمام أحمد من حديث علي بن الحكم البناني، عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود، فذكر حديثا طويلا، وفيه أن رسول الله قال. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، وما ذلك المقام المحمود ؟ قال. قال. وذكر تمام الحديث في صفة الحوض كما سيأتي قريبا. وذكرنا في " المسند الكبير " عن حيدة الصحابي، عن رسول الله [ص:414] قال. وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أنس، أن رسول الله قال:. قال. قال: . قال رسول الله . قال. فذكر مثل ذلك. {{حديث| فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال برة من إيمان، قال: فأخرجهم، ثم أخر ساجدا ". فذكر مثل ذلك. . وقد رواه البخاري ومسلم، من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، نحوه. رواية أبي هريرة رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا أبو حبان، حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، قال: أتي رسول الله بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، [ص:416] فنهس منها نهسة، ثم قال: . ثم قال. أخرجاه في الصحيحين، من حديث أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان، به. ورواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال "، عن أبي خيثمة، عن جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي ، فذكره بطوله، وزاد في السياق. في قصة آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وهي زيادة غريبة جدا، ليست في الصحيحين، ولا في أحدهما، بل ولا في شيء من بقية " السنن "، وهي منكرة جدا، فالله أعلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة، قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة، فقال: قال رسول الله : . فذكر الحديث، كنحو ما تقدم إلى أن قال. وذكر تمام الحديث في الشفاعة، في عصاة هذه الأمة. وقد ورد هذا الحديث هكذا عن جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، من رواية حذيفة بن اليمان عنه، وسيأتي في أحاديث الشفاعة. والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث في أكثر طرقه، لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى، في إتيان الرب لفصل القضاء، كما ورد هذا في حديث الصور، كما تقدم، وهو المقصود في هذا المقام. [ص:420] ومقتضى سياق أول الحديث ; فإن الناس إنما يستشفعون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء في أن يفصل الله عز وجل بين الناس ؟ ليستريحوا من مقامهم ذلك، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه، فإذا وصلوا إلى المحز إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار، وكأن مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة، الذين ينكرون خروج أحد من النار بعد دخولها، فيذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث، وقد جاء التصريح بذلك في حديث الصور، كما تقدم أن الناس يذهبون إلى آدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى، ثم يأتون رسول الله ، فيذهب، فيسجد لله تحت العرش في مكان يقال له: الفحص. إلى أن قال. قال. إلى أن قال. وذكر الحديث كما تقدم. وقال عبد الرزاق: أنبا معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين زين العابدين، قال: قال رسول الله . قال رسول الله . [ص:421] هذا مرسل من هذا الوجه، وعندي أن معنى قوله. أي وقوف في أطراف الأرض، أي الناس مجتمعون فى صعيد واحد، مؤمنهم وكافرهم، فيشفع عند الله ليأتي لفصل القضاء بين عباده، ويميز مؤمنهم من كافرهم في الموقف والمصير فى الحال، والمآل، ولهذا قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل فى قوله تعالى: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. هو المقام الذي يقومه رسول الله يوم القيامة للشفاعة للناس، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم. وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو الأحوص، عن آدم بن علي، قال: سمعت ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان، اشفع، يا فلان، اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي ، فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا. قال: ورواه حمزة بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي . وقد أسند ما علقه ههنا في موضع آخر من " الصحيح "، فقال في كتاب الزكاة: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، [ص:422] سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر، سمعت عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله : ( لا يزال العبد يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم ". وقال. زاد عبد الله بن صالح، حدثني الليث، عن ابن أبي جعفر. وكذا رواه ابن جرير، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب بن الليث، عن أبيه، به، بنحوه. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210113
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D8%AE%D8%B5%20%D8%A8%D9%87%20%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D8%B5%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%20%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85%20%D9%85%D9%86%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%20%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%A1%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر المقام المحمود الذي خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
[ص:423] ذكر ما ورد في الحوض النبوي المحمدي، سقانا الله منه يوم القيامة، من الأحاديث المتواترة المتعددة من الطرق الكثيرة المتضافرة، وإن رغمت أنوف كثير من المبتدعة النافرة المكابرة القائلين بجحوده، المنكرين لوجوده، وأخلق بهم أن يحال بينهم وبين وروده، كما قال بعض السلف: من كذب بكرامة لم ينلها. ولو اطلع المنكر للحوض على ما سنورده من الأحاديث قبل مقالته لم يقلها روى أحاديث الحوض جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: أبي بن كعب، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصيب، وثوبان مولى رسول الله ، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وجندب بن عبد الله البجلي، وحارثة بن وهب، وحذيفة بن أسيد، وحذيفة بن اليمان، والحسن بن علي، وحمزة بن عبد المطلب، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وسمرة بن جندب، وسهل بن سعد، وسويد بن جبلة، وعبد الله الصنابحي، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وعتبة بن عبد السلمي، وعثمان بن مظعون، والمستورد، وعقبة بن عامر الجهني، والنواس بن سمعان، وأبو إمامة [ص:424] الباهلي، وأبو برزة الأسلمي، وأبو بكرة، وأبو ذر الغفاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة الدوسي، وخولة بنت قيس، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وأم سلمة، رضي الله عنهم أجمعين. رواية أبي بن كعب الأنصاري، رضي الله عنه: قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، أن رسول الله ذكر الحوض، فقالوا: يا رسول الله، وما الحوض؟ فقال: . ورواه أبو بكر بن أبي عاصم، في كتاب " السنة ": حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، فذكره بإسناده، ولفظه: قيل: يا رسول الله، وما الحوض؟ قال: . لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب، ولا الإمام أحمد. [ص:425] رواية أنس بن مالك الأنصاري خادم النبي : قال البخاري؟ حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن وهب، عن يونس، قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك، رضي الله عنه; أن رسول الله قال: . وكذا رواه مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب به. طريق أخرى عن أنس بن مالك، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وهيب، حدثنا عبد العزيز، عن أنس، عن النبي قال: . ورواه مسلم، عن محمد بن حاتم، عن عفان، عن وهب بن خالد، عن عبد العزيز بن صهيب به. طريق أخرى عن أنس: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، قال: أغفى رسول الله إغفاءة، فرفع رأسه متبسما، إما قال لهم، وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله : [ص:426] إنه أنزلت علي آنفا سورة " فقرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر: 1] حتى ختمها، ثم قال: قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: . هذا ثلاثي الإسناد. ورواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، من حديث ابن فضيل، وعلي بن مسهر، كلاهما عن المختار بن فلفل، عن أنس، به. ولفظ مسلم: . والباقي مثله. ومعنى ذلك: أنه يشخب من الكوثر وهو في الجنة ميزابان إلى الحوض، والحوض في موقف القيامة قبل الصراط; لأنه يختلج عنه، ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، ومثل هؤلاء لا يجاوزون الصراط. كما سيرد هذا من طرق متعددة، وجاء مصرحا به أنه في العرصات، كما ستراه قريبا إن شاء الله. وأما الكوثر فإنه نهر في الجنة. طريق أخرى عن أنس، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، وأزهر بن القاسم، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله [ص:427] قال: . ورواه مسلم، عن هارون الحمال، عن عبد الصمد. وأخرجه مسلم أيضا عن عاصم بن النضر الأحول، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، بنحوه. طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، وحسن بن موسى، قالا: حدثنا حماد بن سلمة. ورواه الإمام أحمد أيضا عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أنس; أن قوما ذكروا عند عبيد الله بن زياد الحوض فأنكره، وقال: ما الحوض ؟ فبلغ ذلك أنس بن مالك، فقال: لا جرم، والله لأفعلن. فأتاه، فقال: ذكرتم الحوض؟ فقال عبيد الله: هل سمعت رسول الله يذكره؟ فقال: نعم، أكثر من كذا وكذا مرة يقول: انفرد به أحمد. وقد رواه يحيى بن محمد بن صاعد، عن سوار بن عبد الله القاضي العنبري، عن معاذ بن معاذ العنبري، عن أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن الحسن، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : . طريق أخرى: قال أبو يعلى: حدثنا عبد الرحمن، هو ابن سلام، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس; أن عبيد الله بن زياد قال: يا أبا حمزة، هل سمعت رسول الله يذكر الحوض؟ فقال: لقد تركت بالمدينة عجائز يكثرن أن يسألن الله أن يوردهن حوض محمد . طريق أخرى: قال أبو يعلى أيضا: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة، هو ابن عمار، عن يزيد الرقاشي، قال: قلت: يا أبا حمزة، إن قوما يشهدون علينا بالكفر والشرك. فقال أنس: أولئك شر الخلق والخليقة. قلت: ويكذبون بالحوض. فقال: سمعت رسول الله يقول: . طريق أخرى: قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا أبو داود، حدثنا المسعودي، عن عدي بن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله : ثم قال: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أنس بهذا الإسناد، ولم يرو عدي بن ثابت عن أنس سواه، ولا رواه عنه إلا المسعودي. وهذا إسناد جيد، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب، ولا أحمد بن حنبل. طريق أخرى: قال ابن أبي الدنيا: حدثني الحسن بن الصباح، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس، عن جده أنس بن مالك، أن رسول الله قال: . رواية بريدة بن الحصيب الأسلمي: قال أبو يعلى: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا يحيى بن يمان، عن عائذ بن نسير العجلي عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله : . وهكذا رواه ابن صاعد، وابن أبي الدنيا، عن عبد الله بن الوضاح الأزدي اللؤلئي، عن يحيى بن يمان به. ولفظه:}} حوضي ما بين عمان، واليمن، فيه آنية [ص:430] عدد نجوم السماء، أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وألين من الزبد، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ". لم يخرجوه. رواية ثوبان: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن سالم، عن معدان، عن ثوبان، أن رسول الله قال: . قال: قيل: يا رسول الله: ما سعته ؟ قال: . ورواه الإمام أحمد أيضا عن عبد الصمد، عن هشام، عن قتادة. وعن عبد الوهاب، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة به، فسئل رسول الله عن عرضه، فقال: . وقال عبد الرزاق: . أو قال: . وسئل عن شرابه، فقال: . [ص:431] وقال أبو يعلى: حدثنا أبو بكر - هو ابن أبي شيبة - حدثنا محمد بن بشر العبدي، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، أن النبي قال: . قال: وسئل رسول الله عن سعة الحوض، قال: . فسئل رسول الله عن شرابه، فقال: . وهكذا رواه مسلم، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ثلاثتهم عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، بنحوه. طريق أخرى عن ثوبان: قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ابن عياش، عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم اللخمي، قال: بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام الحبشي، فحمل إليه على البريد، ليسأله عن الحوض، فقدم به عليه، فسأله فقال: سمعت ثوبان يقول: سمعت رسول الله يقول: . فقال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه: من هم يا رسول الله؟ قال: . فقال عمر بن عبد العزيز: لقد نكحت المتنعمات، وفتحت لي السدد، إلا أن يرحمني الله، والله لا أدهن رأسي، حتى يشعث، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ. ورواه الترمذي في الزهد، عن محمد بن إسماعيل، عن يحيى بن صالح. وابن ماجه فيه، عن محمود بن خالد الدمشقي، عن مروان بن محمد الطاطري، كلاهما عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم، عن أبي سلام. قال شيخنا المزي في أطرافه: ورواه الوليد بن مسلم، عن يحيى بن الحارث، وشيبة بن الأحنف وغيرهما، عن أبي سلام. وقال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة، حدثنا زيد بن واقد، حدثني بسر بن عبيد الله، حدثنا أبو سلام الأسود، عن [ص:433] ثوبان، قال: قال رسول الله : . قلنا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: . وهذه طريق جيدة أيضا.، ولله الحمد والمنة. رواية جابر بن سمرة: قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثنا أبي، حدثنا زياد بن خيثمة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن رسول الله قال: . وهكذا رواه مسلم عن أبي همام، به وقال: ( أنا فرط لكم ). والباقي مثله. طريق أخرى عن جابر بن سمرة: قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن المهاجر بن [ص:434] مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع: أخبرني بشيء سمعته من رسول الله . قال: فكتب إلي: إني سمعته يقول: ( أنا الفرط على الحوض ). رواية جابر بن عبيد الله: قال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا زكريا بن إسحاق، حدثنا أبو الزبير; أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله : فيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي ". قال: . قال جابر: قال رسول الله : إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم، فلا ترجعوا بعدي كفارا يقتل بعضكم بعضا ) فقال رجل: يا رسول الله، ما عرضه ؟ قال: أنا فرطكم على الحوض ). ورواه مسلم من حديث شعبة، وزائدة، ومسعر، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير، به. ورواه الإمام أحمد، من حديث هؤلاء عنه، وعن سفيان بن عيينة عنه، ثم قال سفيان: الفرط الذي يسبق. رواية حارثة بن وهب الخزاعي: قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا شعبة، عن معبد بن خالد، أنه سمع حارثة بن وهب، يقول: سمعت النبي ، وذكر الحوض، فقال: ( كما بين المدينة [ص:436] وصنعاء. وزاد ابن أبي عدي، عن شعبة، عن معبد بن خالد، عن حارثة بن وهب، سمع النبي قال: أيها الناس، إني فرطكم على الحوض، وإنكم واردون على حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه آنية عدد النجوم ). لم يروه من أصحاب الكتب أحد، ولا أحمد. رواية حذيفة بن اليمان: قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا ابن هبيرة، أنه سمع أبا تميم الجيشاني، يقول: أخبرني سعيد، أنه سمع حذيفة يقول: غاب عنا رسول الله يوما فلم يخرج، حتى ظننا أنه لن يخرج، فلما خرج سجد سجدة، فظننا أن نفسه قد قبضت منها، فلما رفع رأسه قال: ( إن ربي تبارك وتعالى، استشارني في أمتي: ماذا أفعل بهم ؟ فقلت: ما شئت، أي رب، هم خلقك وعبادك. فاستشارني الثانية، فقلت له كذلك. فقال: لا أحزنك في أمتك يا محمد. وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، مع كل ألف سبعون ألفا، ليس عليهم حساب، ثم أرسل إلي، فقال: ادع تجب، وسل تعط. فقلت لرسوله: أو معطي ربي سؤلي ؟ فقال: ما أرسلني إليك إلا ليعطيك، ولقد أعطاني ربي عز وجل ولا فخر، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأنا أمشي حيا صحيحا، وأعطاني أن لا تجوع أمتي، ولا تغلب، وأعطاني الكوثر، فهو نهر في الجنة، يسيل في حوضي، وأعطاني العز، والنصر، والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا، وأعطاني أني أول [ص:438] الأنبياء أدخل الجنة، وطيب لي ولأمتي الغنيمة، وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا من حرج ). هذا حديث حسن الإسناد والمتن. طريق أخرى عنه: رواه الطبراني من حديث مبارك بن فضالة، عن خالد بن أبي الصلت، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، مرفوعا: إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده، إني لأذود عنه الرجال كما يذود الراعي الإبل الغريبة عن حوضه ). قال: قيل يا رسول الله، تعرفنا يومئذ ؟ قال: . [ص:439] رواه مسلم، عن عثمان بن أبي شيبة بنحوه، وعلقه البخاري، فقال: وقال حصين، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي . حديث الحسن بن علي بن أبي طالب: قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الرحمن بن سلم الرازي، قالا: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، حدثنا علي بن عابس، عن بدر بن الخليل أبي الخليل، عن أبي كثير، قال: كنت جالسا عند الحسن بن علي، فجاءه رجل، فقال: لقد سب عند معاوية عليا سبا قبيحا رجل يقال له: معاوية بن حديج. فقال: تعرفه؟ قال: نعم، قال: إذا رأيته فأتني به. قال: فرآه عند عمرو بن حريث، فأراه إياه، قال: أنت معاوية بن حديج؟ فسكت، فلم يجبه، ثلاثا، ثم قال: أنت السباب عليا عند ابن آكلة الأكباد؟ أما إنك إن وردت عليه الحوض - وما أراك ترده - لتجدنه مشمرا حاسرا عن ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله كما تذاد غريبة الإبل عن صاحبها، قول الصادق المصدوق أبي القاسم [ص:440] ورواه من طريق أخرى عن علي بن أبي طلحة، عن الحسن مرفوعا. حديث أبي عمارة بن عبد المطلب رضي الله عنه: قال الطبراني: حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخبرني حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أسامة بن زيد، أن رسول الله أتى حمزة بن عبد المطلب يوما ولم يجده، فسأل امرأته عنه - وكانا من بني النجار - فقالت: خرج بأبي أنت وأمي آنفا عامدا نحوك، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار، أفلا تدخل يا رسول الله؟ فدخل، فقدمت إليه حيسا فأكل منه، فقالت: يا رسول الله، هنيئا لك ومريئا، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك أهنئك وأمرئك، أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر. فقال: ، وعرصته ياقوت، ومرجان، وزبرجد، ولؤلؤ ". قالت: أحببت أن تصف لي حوضك بصفة أسمعها منك. فقال: ( هو ما بين أيلة، وصنعاء، فيه أباريق مثل عدد النجوم، وأحب واردها على قومك، يا بنت قهد الأنصاري ". [ص:441] هذا حديث عزيز جدا، من رواية حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله ، ثم من رواية زوجته هذه، ورواية عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أسامة بن زيد منقطعة، وذكر أبو بكر الشافعي في " فوائده ": أن بينهما المسور بن مخرمة. رواية زيد بن أرقم، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، قال: عمرو بن مرة أخبرني، قال: سمعت أبا حمزة أنه سمع زيد بن أرقم، قال: كنا مع رسول الله في سفر، فنزل منزلا، فسمعته يقول: . قلنا لزيد: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة. وكذا رواه عن هاشم، عن شعبة. ورواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة. ورواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، كلاهما، عن عمرو بن مرة به. ورواه أبو داود، عن حفص بن عمر، عن شعبة. قلت: وأبو حمزة، هو طلحة بن يزيد الأنصاري الكوفي مولى قرظة بن كعب. والله سبحانه وتعالى أعلم. [ص:442] رواية أخرى عن زيد بن أرقم، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثنا أبو حيان التيمي،. وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا الحسن بن يعقوب العدل، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أنبأنا جعفر بن عون، أنبأنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي، تيم الرباب - حدثنا يزيد بن حيان التيمي، قال: شهدت زيد بن أرقم، وبعث إليه عبيد الله بن زياد، فقال: ما أحاديث بلغني عنك تحدث بها عن رسول الله ؟ تزعم أن له حوضا في الجنة؟ فقال: حدثنا ذاك رسول الله ووعدناه. فقال: كذبت، ولكنك شيخ قد خرفت. قال: أما إنه سمعته أذناي من رسول الله وسمعته يقول: وما كذبت على رسول الله . وستأتي روايته عن أخ له. وأما رواية سلمان الفارسي، رضي الله عنه: فروى الإمام أبو بكر بن خزيمة، رحمه الله، من حديث علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان، رضي الله عنه، قال: خطبنا رسول الله في آخر يوم من شعبان، فقال: وذكر تمام [ص:443] الحديث بطوله في فضل شهر رمضان، إلى أن قال: . رواية سمرة بن جندب الفزاري، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي عاصم، حدثنا إبراهيم بن المستمر، حدثنا محمد بن بكار بن بلال، حدثنا سعيد - هو ابن بشير - عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي قال: ( إن لكل نبي حوضا يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة ). وكذا رواه الترمذي، عن أحمد بن محمد بن نيزك، عن محمد بن بكار بن بلال، عن سعيد بن بشير، وقال: هذا حديث غريب قال: ورواه أشعث بن عبد الملك، عن الحسن مرسلا، وهو أصح. رواية سهل بن سعد الأنصاري الساعدي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن مطرف، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال النبي : . قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: . وقال ابن عباس: [ص:444] سحقا: بعدا. يقال: سحيق: بعيد، سحقه، وأسحقه: أبعده. تفرد به من هذا الوجه. والله أعلم. وأما رواية سويد بن جبلة، فذكرها القاضي عياض، وكذلك رواية عبد الله الصنابحي، ذكرها عياض أيضا. رواية عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، رضي الله عنه: ثبت في الصحيحين عنه، أن رسول الله لما قسم غنائم حنين، فأعطى من أعطى من صناديد قريش، والعرب، فتغضب بعض الأنصار، فخطبهم، فقال لهم فيما قال: . رواية عبد الله بن عباس، رضي الله عنه: قال أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، حدثنا ليث - هو ابن أبي سليم، - عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس: سمعت رسول الله يقول: - ثلاث مرات - " وإذا أنا مت تركتكم على البيضاء، وأنا فرطكم على الحوض، فمن ورد أفلح، ويؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب - أحسبه قال: أصحابي - فيقال: ما زالوا بعدك يرتدون على أعقابهم ". ثم قال: تفرد به ليث، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير. وقال البخاري في باب الحوض من " صحيحه ": حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا هشيم، حدثنا أبو بشر، وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. قلت: وقد تقدم أنه يشخب من الكوثر الذي في الجنة إلى الحوض الذي في الموقف ميزابان من ذهب وفضة. طريق أخرى عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: قال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا محمد بن عبد الوهاب الحارثي، [ص:446] حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : . طريق أخرى عن ابن عباس، رضي الله عنهما: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا حسين بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس، قال: سئل رسول الله عن الوقوف بين يدي رب العالمين، هل فيه ماء؟ قال: . رواية عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني نافع، عن ابن عمر، عن النبي ، قال: . [ص:447] ورواه الإمام أحمد، عن يحيى القطان، ورواه مسلم، من حديث عبيد الله، وأيوب، وموسى بن عقبة، وغيرهم، عن نافع. وفي بعض الروايات؟ " أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح - وهما قريتان بالشام - فيه أباريق عدد نجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ". طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عمر بن عمرو أبو عثمان الأحموسي، حدثني المخارق بن أبي المخارق، عن عبد الله بن عمر أنه سمعه يقول: إن رسول الله قال: . قال قائل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: الشعثة رءوسهم، الشحبة وجوههم، الدنسة ثيابهم، لا يفتح لهم أبواب السدد، ولا ينكحون المتنعمات، الذين يعطون كل الذي عليهم، ولا يأخذون الذي لهم ". تفرد به أحمد. [ص:448] طريق أخرى عنه: قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، حدثنا عطاء بن السائب، قال: قال لي محارب بن دثار: ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر؟ قلت: كان سعيد يحدث عن ابن عباس، قال: هو الخير الكثير. قال محارب: أين يقع رأي ابن عباس؟ قال محارب: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: لما نزلت: إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر: ا]. قال لنا رسول الله : . ورواه البيهقي من حديث حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب بنحوه، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. رواية عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمير: قال النبي " حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ أبدا ". ورواه مسلم، عن داود بن عمرو، عن نافع بن عمر، به. [ص:449] طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا حسين المعلم، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبي سبرة - واسمه سالم بن سبرة - قال: كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض ؟ حوض محمد ، وكان يكذب به بعد ما سأل أبا برزة، والبراء بن عازب، وعائذ بن عمرو، ورجلا أخر، وكان يكذب به، فقال أبو سبرة: أنا أحدثك بحديث فيه شفاء هذا، إن أباك بعث معي بمال إلى معاوية، فلقيت عبد الله بن عمرو، فحدثني بما سمع من رسول الله ، وأملى علي، فكتبت بيدي، فلم أزد حرفا، ولم أنقص حرفا، حدثني أن رسول الله قال: . قال: ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش، والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن، ويخون الأمين ". وقال: . فقال عبيد الله: ما سمعت في الحوض حديثا أثبت من هذا. فصدق به، وأخذ الصحيفة، فحبسها عنده. طريق أخرى عنه: قال أبو بكر البزار في " مسنده ": حدثنا [ص:450] محمود بن بكر بن عبد الرحمن، حدثنا أبي، حدثنا عيسى بن المختار، عن محمد بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير الليثي، عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله يقول: . ثم قال: لا نعلم روى عبيد بن عمير، عن عبد الله بن عمرو غير هذا الحديث. طريق أخرى أيضا: رواها الطبراني من حديث مسلم بن رئاب، عن عبد الله بن عمرو. رواية عبد الله بن مسعود الهذلي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن شقيق، عن عبد الله، عن النبي قال: . قال البخاري: وحدثنا عمرو بن علي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن المغيرة: سمعت أبا وائل، عن عبد الله، عن النبي قال: . تابعه عاصم، عن أبي وائل، وقال حصين: عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي . [ص:451] طريق أخرى عنه في الحوض وغيره: قال الإمام أحمد: حدثنا عارم بن الفضل، حدثنا سعيد بن زيد، حدثنا علي بن الحكم البناني، عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن ابن مسعود، قال: جاء ابنا مليكة إلى النبي ، فقالا: إن أمنا ماتت وكانت تكرم الزوج، وتعطف على الولد - قال: وذكر الضيف - غير أنها كانت وأدت في الجاهلية، فقال: . قال: فأدبرا والشر يرى في وجوههما، فأمر بهما، فردا، فرجعا والسرور يرى في وجوههما رجاء أن يكون قد حدث شيء، فقال: . فقال رجل من المنافقين: وما يغني هذا عن أمه شيئا، ونحن نطأ عقبيه! فقال رجل من الأنصار - ولم أر رجلا قط أكثر سؤالا منه -: يا رسول الله، هل وعدك ربك فيهما ؟ قال: فظن أنه من شيء قد سمعه، فقال: ما سألته ربي، وما أطمعني فيه، وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة ". فقال الأنصار: وما ذاك المقام المحمود؟ قال: . قال: . فقال المنافق: إنه ما جرى ماء قط إلا على حال أو رضراض. فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له حال أو رضراض؟ قال: . فقال المنافق: لم أسمع كاليوم، قلما جرى ماء قط على حال أو رضراض إلا كان له نبت. فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له نبت؟ قال: . قال المنافق: لم أسمع كاليوم، فإنه قلما نبت قضيب إلا أورق، وإلا كان له ثمر. قال الأنصاري: يا رسول الله، هل له ثمر ؟ قال: . تفرد به أحمد، وهو غريب جدا. رواية عتبة بن عبد السلمي، رضي الله عنه: قال الطبراني: حدثنا [ص:453] أحمد بن خليد الحلبي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عامر بن زيد البكالي، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله ، فقال: ما حوضك هذا الذي تحدث عنه؟ فقال: . قال أبو عبد الله القرطبي: وخرج الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " من حديث عثمان بن مظعون، عن النبي أنه قال: . رواية عقبة بن عامر الجهني، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا الليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله خرج يوما، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف على المنبر، فقال: . ورواه مسلم، عن قتيبة، عن الليث، به. ومن حديث يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، به، وعنده: . قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول الله على المنبر. ذكر ما روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في ذلك: أسند البيهقي من طريق علي بن المديني، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يقول: إن رسول الله رجم، ورجم أبو بكر، ورجمت، وسيكون قوم يكذبون بالرجم، والدجال، والحوض، والشفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النار. وأما رواية المستورد فذكرها القاضي عياض. ورواية النواس بن سمعان الكلابي، رضي الله عنه: قال عمر بن محمد بن بجير البجيري: حدثنا سليمان بن سلمة، حدثنا محمد بن إسحاق بن [ص:455] إبراهيم، حدثنا ابن جريج، عن مجاهد، عن النواس بن سمعان، سمعت رسول الله يقول: . أورده الضياء من هذا الوجه، ثم قال: أرى أن هذا الحديث من صحاح البجيري، والله أعلم. رواية أبي أمامة الباهلي، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا دحيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا صفوان، عن سليم بن عامر، عن أبي اليمان الهوزني، عن أبي أمامة، أن يزيد بن الأخنس قال: يا رسول الله، فما سعة حوضك ؟ قال: . قال: فما ماء حوضك ؟ فقال: . طريق أخرى عنه: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي يحيى، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قيل: يا رسول الله، ما سعة حوضك ؟ قال: . قيل: يا [ص:456] رسول الله، فما شرابه ؟ قال أبيض من اللبن، وأحلى مذاقا من العسل، وأطيب ريحا من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها، ولم يسود وجهه بعدها أبدا ". رواية أبي برزة الأسلمي، رضي الله عنه: قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت، قال: شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد، فحدثني فلان - سماه مسلم - وكان في السماط، فلما رآه عبيد الله قال: إن محمديكم هذا لدحداح. ففهمها الشيخ، فقال: ما كنت أحسب أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد . فقال له عبيد الله: إن صحبة محمد لك زين غير شين. ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله يذكر فيه شيئا؟ قال أبو برزة: نعم، لا مرة، ولا ثنتين، ولا ثلاثا، ولا أربعا، ولا خمسا، فمن كذب به فلا سقاه الله منه. ثم خرج مغضبا. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن مهزم العبدي، عن أبي طالوت العبدي، سمعت أبا برزة يقول: سمعت رسول الله يقول في الحوض، فمن كذب به فلا سقاه [ص:457] الله منه. وقد رواه البيهقي من طريق أخرى عن محمد بن يحيى الذهلي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن قرة بن خالد، عن أبي حمزة طلحة بن يزيد مولى الأنصار، عن أبي برزة، في دخوله على عبيد الله بن زياد، بنحو ما تقدم. طريق أخرى عن أبي برزة: قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا عبدة بن عبد الرحيم، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا شداد بن سعيد، سمعت أبا الوازع، وهو جابر بن عمرو، سمع أبا برزة الأسلمي يقول: سمعت رسول الله يقول: إن لي حوضا يوم القيامة، عرضه ما بين أيلة إلى صنعاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه من الأباريق عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ". ومن كذب به فلا سقاه الله. يعني منه. [ص:458] رواية أبي بكرة الثقفي، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي الدنيا في " الأهوال ": حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا روح، حدثنا حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أبي بكرة، أن رسول الله قال: : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، وابن أبي عمر المكي - واللفظ لأبي بكر بن أبي شيبة - قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال: . هذا لفظه إسنادا ومتنا. رواية أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه: قال ابن أبي عاصم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا زكريا، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ، قال: . ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن سليمان الأسدي، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية، عن أبي سعيد، أن رسول الله قال: . وروى البيهقي من طريق روح بن عبادة، عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، أن رسول الله قال: . ثم قال: ورواه البخاري من وجه آخر، عن مالك، وأخرجاه من حديث عبيد الله بن عمر، عن خبيب، بدون ذكر أبي سعيد. والله أعلم. رواية أبي هريرة الدوسي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله، عن خبيب، عن حفص بن [ص:460] عاصم، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . ورواه البخاري أيضا، ومسلم من طرق، عن عبيد الله بن عمر، وأخرجه البخاري أيضا من حديث مالك، كلاهما عن خبيب بن عبد الرحمن، به. طريق أخرى عنه: قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فليح، حدثنا أبي، حدثني هلال، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال: . انفرد به البخاري. طريق أخرى: قال مسلم: حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، حدثنا الربيع - يعني ابن مسلم - عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، أن النبي قال: . [ص:461] وحدثنيه عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله بمثله. طريق أخرى عنه: قال مسلم: حدثنا سويد بن سعيد، وابن أبي عمر، جميعا عن مروان الفزاري، قال ابن أبي عمر: حدثنا مروان الفزاري، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . قالوا: يا رسول الله، أتعرفنا يومئذ قال: . هذا لفظه. طريق أخرى عنه: أخرجه مسلم، من حديث إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، به. طريق أخرى عنه: روى الحافظ الضياء من حديث يحيى بن صالح، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا إبراهيم بن أبي أسيد، عن جده، عن أبي هريرة، [ص:462] أن رسول الله قال: . قيل: يا رسول الله، وما الحوض ؟ قال: يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض، فأقول: يا رب، أصحابي، فيقول: إنك [ص:463] لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ". قال: وقال شعيب، عن الزهري: كان أبو هريرة يحدث عن النبي " فيجلون ". وقال عقيل: . وقال الزبيدي: عن الزهري، عن محمد بن علي، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي . وهذا كله تعليق، ولم أر أحدا أسنده في شيء من هذه الوجوه عن أبي هريرة، إلا أن البخاري قال بعد هذا: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أنه كان يحدث عن أصحاب النبي أن النبي قال: . وقال ابن أبي الدنيا: حدثني يعقوب بن عبيد، وغيره، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن كلثوم - إمام مسجد بني بشير - عن الفضل بن عيسى، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، قال: كأني بكم صادرين على الحوض، يلقى الرجل الرجل، فيقول: أشربت؟ فيقول: نعم. [ص:464] ويلقى الرجل الرجل، فيقول: أشربت؟ فيقول: لا، واعطشاه ! رواية أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع بن عمر، قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، قالت: قال النبي : " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي. فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا. ورواه مسلم، عن داود بن عمرو، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن أسماء، مثله. رواية أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها: قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، حدثنا إبراهيم بن الحسين، حدثنا آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن الكوثر، فقالت: هو نهر أعطيه نبيكم في الجنة، حافتاه در مجوف، عليه من الآنية عدد النجوم. ورواه البخاري عن خالد بن يزيد الكاهلي، عن إسرائيل، واستشهد برواية مطرف. [ص:465] وقال مسلم: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، أنه سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله يقول، وهو بين ظهراني أصحابه: . انفرد به مسلم. رواية أم المؤمنين أم سلمة، رضي الله عنها: قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمر،، وهو ابن الحارث، أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي، عن عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة، عن أم سلمة زوج النبي أنها قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول الله فلما كان يوما من ذلك، والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله ، يقول: . فقلت للجارية: استأخري عني. قالت: إنما دعا الرجال، ولم يدع النساء. فقلت: إني من الناس. فقال رسول الله : . ثم رواه مسلم، والنسائي من حديث أفلح بن سعيد، عن عبد الله بن رافع [ص:466] عنها. رواية أخ لزيد بن أرقم: قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن مطر، عن عبد الله بن بريدة، قال: شك عبيد الله بن زياد في الحوض فأرسل إلى زيد بن أرقم فسأله عن الحوض، فحدثه به حديثا مؤنقا فأعجبه، فقال له: سمعت هذا من رسول الله ؟ قال: لا، ولكن حدثنيه أخي. فقد تلخص من مجموع هذه الأحاديث المتواترة صفة هذا الحوض العظيم، والمورد الكريم الممد من شراب الجنة من نهر الكوثر، الذي هو أشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، وهو في غاية الاتساع، عرضه وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر. وفي بعض الأحاديث المتقدمة أن كل ما له في زيادة واتساع، وأنه ينبت في حاله - أي في طينه - من المسك، وأن رضراضه من اللؤلؤ، وأنه ينبت على جوانبه قضبان الذهب، ويثمر ألوان الجواهر، فسبحان الله الخالق الذي لا يعجزه شيء، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210115
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%20%D9%88%D8%B1%D8%AF%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%B6%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%D9%8A
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر ما ورد في الحوض النبوي المحمدي
[ص:423] ذكر ما ورد في الحوض النبوي المحمدي، سقانا الله منه يوم القيامة، من الأحاديث المتواترة المتعددة من الطرق الكثيرة المتضافرة، وإن رغمت أنوف كثير من المبتدعة النافرة المكابرة القائلين بجحوده، المنكرين لوجوده، وأخلق بهم أن يحال بينهم وبين وروده، كما قال بعض السلف: من كذب بكرامة لم ينلها. ولو اطلع المنكر للحوض على ما سنورده من الأحاديث قبل مقالته لم يقلها روى أحاديث الحوض جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: أبي بن كعب، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصيب، وثوبان مولى رسول الله ، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وجندب بن عبد الله البجلي، وحارثة بن وهب، وحذيفة بن أسيد، وحذيفة بن اليمان، والحسن بن علي، وحمزة بن عبد المطلب، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وسمرة بن جندب، وسهل بن سعد، وسويد بن جبلة، وعبد الله الصنابحي، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وعتبة بن عبد السلمي، وعثمان بن مظعون، والمستورد، وعقبة بن عامر الجهني، والنواس بن سمعان، وأبو أمامة [ص:424] الباهلي، وأبو برزة الأسلمي، وأبو بكرة، وأبو ذر الغفاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة الدوسي، وخولة بنت قيس، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وأم سلمة، رضي الله عنهم أجمعين. رواية أبي بن كعب الأنصاري، رضي الله عنه: قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، أن رسول الله ذكر الحوض، فقالوا: يا رسول الله، وما الحوض؟ فقال: . ورواه أبو بكر بن أبي عاصم، في كتاب " السنة ": حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، فذكره بإسناده، ولفظه: قيل: يا رسول الله، وما الحوض؟ قال: . لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب، ولا الإمام أحمد. [ص:425] رواية أنس بن مالك الأنصاري خادم النبي : قال البخاري؟ حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن وهب، عن يونس، قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك، رضي الله عنه; أن رسول الله قال: . وكذا رواه مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب به. طريق أخرى عن أنس بن مالك، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وهيب، حدثنا عبد العزيز، عن أنس، عن النبي قال: . ورواه مسلم، عن محمد بن حاتم، عن عفان، عن وهب بن خالد، عن عبد العزيز بن صهيب به. طريق أخرى عن أنس: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، قال: أغفى رسول الله إغفاءة، فرفع رأسه متبسما، إما قال لهم، وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله : [ص:426] إنه أنزلت علي آنفا سورة " فقرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر: 1] حتى ختمها، ثم قال: قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: . هذا ثلاثي الإسناد. ورواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، من حديث ابن فضيل، وعلي بن مسهر، كلاهما عن المختار بن فلفل، عن أنس، به. ولفظ مسلم: . والباقي مثله. ومعنى ذلك: أنه يشخب من الكوثر وهو في الجنة ميزابان إلى الحوض، والحوض في موقف القيامة قبل الصراط; لأنه يختلج عنه، ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، ومثل هؤلاء لا يجاوزون الصراط. كما سيرد هذا من طرق متعددة، وجاء مصرحا به أنه في العرصات، كما ستراه قريبا إن شاء الله. وأما الكوثر فإنه نهر في الجنة. طريق أخرى عن أنس، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، وأزهر بن القاسم، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله [ص:427] قال: . ورواه مسلم، عن هارون الحمال، عن عبد الصمد. وأخرجه مسلم أيضا عن عاصم بن النضر الأحول، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، بنحوه. طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، وحسن بن موسى، قالا: حدثنا حماد بن سلمة. ورواه الإمام أحمد أيضا عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أنس; أن قوما ذكروا عند عبيد الله بن زياد الحوض فأنكره، وقال: ما الحوض ؟ فبلغ ذلك أنس بن مالك، فقال: لا جرم، والله لأفعلن. فأتاه، فقال: ذكرتم الحوض؟ فقال عبيد الله: هل سمعت رسول الله يذكره؟ فقال: نعم، أكثر من كذا وكذا مرة يقول: انفرد به أحمد. وقد رواه يحيى بن محمد بن صاعد، عن سوار بن عبد الله القاضي العنبري، عن معاذ بن معاذ العنبري، عن أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن الحسن، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : . طريق أخرى: قال أبو يعلى: حدثنا عبد الرحمن، هو ابن سلام، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس; أن عبيد الله بن زياد قال: يا أبا حمزة، هل سمعت رسول الله يذكر الحوض؟ فقال: لقد تركت بالمدينة عجائز يكثرن أن يسألن الله أن يوردهن حوض محمد . طريق أخرى: قال أبو يعلى أيضا: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة، هو ابن عمار، عن يزيد الرقاشي، قال: قلت: يا أبا حمزة، إن قوما يشهدون علينا بالكفر والشرك. فقال أنس: أولئك شر الخلق والخليقة. قلت: ويكذبون بالحوض. فقال: سمعت رسول الله يقول: . طريق أخرى: قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا أبو داود، حدثنا المسعودي، عن عدي بن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله : حوضي ما بين عمان، واليمن، فيه آنية [ص:430] عدد نجوم السماء، أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وألين من الزبد، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ". لم يخرجوه. رواية ثوبان: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن سالم، عن معدان، عن ثوبان، أن رسول الله قال: . قال: قيل: يا رسول الله: ما سعته ؟ قال: . ورواه الإمام أحمد أيضا عن عبد الصمد، عن هشام، عن قتادة. وعن عبد الوهاب، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة به، فسئل رسول الله عن عرضه، فقال: . وقال عبد الرزاق: . أو قال: . وسئل عن شرابه، فقال: . [ص:431] وقال أبو يعلى: حدثنا أبو بكر - هو ابن أبي شيبة - حدثنا محمد بن بشر العبدي، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، أن النبي قال: . قال: وسئل رسول الله عن سعة الحوض، قال: . فسئل رسول الله عن شرابه، فقال: . وهكذا رواه مسلم، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ثلاثتهم عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، بنحوه. طريق أخرى عن ثوبان: قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ابن عياش، عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم اللخمي، قال: بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام الحبشي، فحمل إليه على البريد، ليسأله عن الحوض، فقدم به عليه، فسأله فقال: سمعت ثوبان يقول: سمعت رسول الله يقول: . فقال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه: من هم يا رسول الله؟ قال: . فقال عمر بن عبد العزيز: لقد نكحت المتنعمات، وفتحت لي السدد، إلا أن يرحمني الله، والله لا أدهن رأسي، حتى يشعث، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ. ورواه الترمذي في الزهد، عن محمد بن إسماعيل، عن يحيى بن صالح. وابن ماجه فيه، عن محمود بن خالد الدمشقي، عن مروان بن محمد الطاطري، كلاهما عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم، عن أبي سلام. قال شيخنا المزي في أطرافه: ورواه الوليد بن مسلم، عن يحيى بن الحارث، وشيبة بن الأحنف وغيرهما، عن أبي سلام. وقال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة، حدثنا زيد بن واقد، حدثني بسر بن عبيد الله، حدثنا أبو سلام الأسود، عن [ص:433] ثوبان، قال: قال رسول الله : . قلنا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: . وهذه طريق جيدة أيضا.، ولله الحمد والمنة. رواية جابر بن سمرة: قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثنا أبي، حدثنا زياد بن خيثمة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن رسول الله قال: . وهكذا رواه مسلم عن أبي همام، به وقال: ( أنا فرط لكم ). والباقي مثله. طريق أخرى عن جابر بن سمرة: قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن المهاجر بن [ص:434] مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع: أخبرني بشيء سمعته من رسول الله . قال: فكتب إلي: إني سمعته يقول: ( أنا الفرط على الحوض ). رواية جابر بن عبيد الله: قال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا زكريا بن إسحاق، حدثنا أبو الزبير; أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله : فيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي ". قال: . قال جابر: قال رسول الله : إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم، فلا ترجعوا بعدي كفارا يقتل بعضكم بعضا ) فقال رجل: يا رسول الله، ما عرضه ؟ قال: أنا فرطكم على الحوض ). ورواه مسلم من حديث شعبة، وزائدة، ومسعر، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير، به. ورواه الإمام أحمد، من حديث هؤلاء عنه، وعن سفيان بن عيينة عنه، ثم قال سفيان: الفرط الذي يسبق. رواية حارثة بن وهب الخزاعي: قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا شعبة، عن معبد بن خالد، أنه سمع حارثة بن وهب، يقول: سمعت النبي ، وذكر الحوض، فقال: ( كما بين المدينة [ص:436] وصنعاء. وزاد ابن أبي عدي، عن شعبة، عن معبد بن خالد، عن حارثة بن وهب، سمع النبي قال: أيها الناس، إني فرطكم على الحوض، وإنكم واردون على حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه آنية عدد النجوم ). لم يروه من أصحاب الكتب أحد، ولا أحمد. رواية حذيفة بن اليمان: قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا ابن هبيرة، أنه سمع أبا تميم الجيشاني، يقول: أخبرني سعيد، أنه سمع حذيفة يقول: غاب عنا رسول الله يوما فلم يخرج، حتى ظننا أنه لن يخرج، فلما خرج سجد سجدة، فظننا أن نفسه قد قبضت منها، فلما رفع رأسه قال: ( إن ربي تبارك وتعالى، استشارني في أمتي: ماذا أفعل بهم ؟ فقلت: ما شئت، أي رب، هم خلقك وعبادك. فاستشارني الثانية، فقلت له كذلك. فقال: لا أحزنك في أمتك يا محمد. وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، مع كل ألف سبعون ألفا، ليس عليهم حساب، ثم أرسل إلي، فقال: ادع تجب، وسل تعط. فقلت لرسوله: أو معطي ربي سؤلي ؟ فقال: ما أرسلني إليك إلا ليعطيك، ولقد أعطاني ربي عز وجل ولا فخر، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأنا أمشي حيا صحيحا، وأعطاني أن لا تجوع أمتي، ولا تغلب، وأعطاني الكوثر، فهو نهر في الجنة، يسيل في حوضي، وأعطاني العز، والنصر، والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا، وأعطاني أني أول [ص:438] الأنبياء أدخل الجنة، وطيب لي ولأمتي الغنيمة، وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا من حرج ). هذا حديث حسن الإسناد والمتن. طريق أخرى عنه: رواه الطبراني من حديث مبارك بن فضالة، عن خالد بن أبي الصلت، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، مرفوعا: إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده، إني لأذود عنه الرجال كما يذود الراعي الإبل الغريبة عن حوضه ). قال: قيل يا رسول الله، تعرفنا يومئذ ؟ قال: . [ص:439] رواه مسلم، عن عثمان بن أبي شيبة بنحوه، وعلقه البخاري، فقال: وقال حصين، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي . حديث الحسن بن علي بن أبي طالب: قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الرحمن بن سلم الرازي، قالا: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، حدثنا علي بن عابس، عن بدر بن الخليل أبي الخليل، عن أبي كثير، قال: كنت جالسا عند الحسن بن علي، فجاءه رجل، فقال: لقد سب عند معاوية عليا سبا قبيحا رجل يقال له: معاوية بن حديج. فقال: تعرفه؟ قال: نعم، قال: إذا رأيته فأتني به. قال: فرآه عند عمرو بن حريث، فأراه إياه، قال: أنت معاوية بن حديج؟ فسكت، فلم يجبه، ثلاثا، ثم قال: أنت السباب عليا عند ابن آكلة الأكباد؟ أما إنك إن وردت عليه الحوض - وما أراك ترده - لتجدنه مشمرا حاسرا عن ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله كما تذاد غريبة الإبل عن صاحبها، قول الصادق المصدوق أبي القاسم [ص:440] ورواه من طريق أخرى عن علي بن أبي طلحة، عن الحسن مرفوعا. حديث أبي عمارة بن عبد المطلب رضي الله عنه: قال الطبراني: حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخبرني حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أسامة بن زيد، أن رسول الله أتى حمزة بن عبد المطلب يوما ولم يجده، فسأل امرأته عنه - وكانا من بني النجار - فقالت: خرج بأبي أنت وأمي آنفا عامدا نحوك، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار، أفلا تدخل يا رسول الله؟ فدخل، فقدمت إليه حيسا فأكل منه، فقالت: يا رسول الله، هنيئا لك ومريئا، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك أهنئك وأمرئك، أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر. فقال: ، وعرصته ياقوت، ومرجان، وزبرجد، ولؤلؤ ". قالت: أحببت أن تصف لي حوضك بصفة أسمعها منك. فقال: ( هو ما بين أيلة، وصنعاء، فيه أباريق مثل عدد النجوم، وأحب واردها على قومك، يا بنت قهد الأنصاري ". [ص:441] هذا حديث عزيز جدا، من رواية حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله ، ثم من رواية زوجته هذه، ورواية عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أسامة بن زيد منقطعة، وذكر أبو بكر الشافعي في " فوائده ": أن بينهما المسور بن مخرمة. رواية زيد بن أرقم، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، قال: عمرو بن مرة أخبرني، قال: سمعت أبا حمزة أنه سمع زيد بن أرقم، قال: كنا مع رسول الله في سفر، فنزل منزلا، فسمعته يقول: . قلنا لزيد: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة. وكذا رواه عن هاشم، عن شعبة. ورواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة. ورواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، كلاهما، عن عمرو بن مرة به. ورواه أبو داود، عن حفص بن عمر، عن شعبة. قلت: وأبو حمزة، هو طلحة بن يزيد الأنصاري الكوفي مولى قرظة بن كعب. والله سبحانه وتعالى أعلم. [ص:442] رواية أخرى عن زيد بن أرقم، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثنا أبو حيان التيمي،. وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا الحسن بن يعقوب العدل، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أنبأنا جعفر بن عون، أنبأنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي، تيم الرباب - حدثنا يزيد بن حيان التيمي، قال: شهدت زيد بن أرقم، وبعث إليه عبيد الله بن زياد، فقال: ما أحاديث بلغني عنك تحدث بها عن رسول الله ؟ تزعم أن له حوضا في الجنة؟ فقال: حدثنا ذاك رسول الله ووعدناه. فقال: كذبت، ولكنك شيخ قد خرفت. قال: أما إنه سمعته أذناي من رسول الله وسمعته يقول: وما كذبت على رسول الله . وستأتي روايته عن أخ له. وأما رواية سلمان الفارسي، رضي الله عنه: فروى الإمام أبو بكر بن خزيمة، رحمه الله، من حديث علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان، رضي الله عنه، قال: خطبنا رسول الله في آخر يوم من شعبان، فقال: وذكر تمام [ص:443] الحديث بطوله في فضل شهر رمضان، إلى أن قال: . رواية سمرة بن جندب الفزاري، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي عاصم، حدثنا إبراهيم بن المستمر، حدثنا محمد بن بكار بن بلال، حدثنا سعيد - هو ابن بشير - عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي قال: ( إن لكل نبي حوضا يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة ). وكذا رواه الترمذي، عن أحمد بن محمد بن نيزك، عن محمد بن بكار بن بلال، عن سعيد بن بشير، وقال: هذا حديث غريب قال: ورواه أشعث بن عبد الملك، عن الحسن مرسلا، وهو أصح. رواية سهل بن سعد الأنصاري الساعدي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن مطرف، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال النبي : . قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: . وقال ابن عباس: [ص:444] سحقا: بعدا. يقال: سحيق: بعيد، سحقه، وأسحقه: أبعده. تفرد به من هذا الوجه. والله أعلم. وأما رواية سويد بن جبلة، فذكرها القاضي عياض، وكذلك رواية عبد الله الصنابحي، ذكرها عياض أيضا. رواية عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، رضي الله عنه: ثبت في الصحيحين عنه، أن رسول الله لما قسم غنائم حنين، فأعطى من أعطى من صناديد قريش، والعرب، فتغضب بعض الأنصار، فخطبهم، فقال لهم فيما قال: . رواية عبد الله بن عباس، رضي الله عنه: قال أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، حدثنا ليث - هو ابن أبي سليم، - عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس: سمعت رسول الله يقول: - ثلاث مرات - " وإذا أنا مت تركتكم على البيضاء، وأنا فرطكم على الحوض، فمن ورد أفلح، ويؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب - أحسبه قال: أصحابي - فيقال: ما زالوا بعدك يرتدون على أعقابهم ". ثم قال: تفرد به ليث، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير. وقال البخاري في باب الحوض من " صحيحه ": حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا هشيم، حدثنا أبو بشر، وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. قلت: وقد تقدم أنه يشخب من الكوثر الذي في الجنة إلى الحوض الذي في الموقف ميزابان من ذهب وفضة. طريق أخرى عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: قال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا محمد بن عبد الوهاب الحارثي، [ص:446] حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : . طريق أخرى عن ابن عباس، رضي الله عنهما: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا حسين بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس، قال: سئل رسول الله عن الوقوف بين يدي رب العالمين، هل فيه ماء؟ قال: . رواية عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني نافع، عن ابن عمر، عن النبي ، قال: . [ص:447] ورواه الإمام أحمد، عن يحيى القطان، ورواه مسلم، من حديث عبيد الله، وأيوب، وموسى بن عقبة، وغيرهم، عن نافع. وفي بعض الروايات؟ " أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح - وهما قريتان بالشام - فيه أباريق عدد نجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ". طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عمر بن عمرو أبو عثمان الأحموسي، حدثني المخارق بن أبي المخارق، عن عبد الله بن عمر أنه سمعه يقول: إن رسول الله قال: . قال قائل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: الشعثة رءوسهم، الشحبة وجوههم، الدنسة ثيابهم، لا يفتح لهم أبواب السدد، ولا ينكحون المتنعمات، الذين يعطون كل الذي عليهم، ولا يأخذون الذي لهم ". تفرد به أحمد. [ص:448] طريق أخرى عنه: قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، حدثنا عطاء بن السائب، قال: قال لي محارب بن دثار: ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر؟ قلت: كان سعيد يحدث عن ابن عباس، قال: هو الخير الكثير. قال محارب: أين يقع رأي ابن عباس؟ قال محارب: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: لما نزلت: إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر: ا]. قال لنا رسول الله : . ورواه البيهقي من حديث حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب بنحوه، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. رواية عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمير: قال النبي " حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ أبدا ". ورواه مسلم، عن داود بن عمرو، عن نافع بن عمر، به. [ص:449] طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا حسين المعلم، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبي سبرة - واسمه سالم بن سبرة - قال: كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض ؟ حوض محمد ، وكان يكذب به بعد ما سأل أبا برزة، والبراء بن عازب، وعائذ بن عمرو، ورجلا أخر، وكان يكذب به، فقال أبو سبرة: أنا أحدثك بحديث فيه شفاء هذا، إن أباك بعث معي بمال إلى معاوية، فلقيت عبد الله بن عمرو، فحدثني بما سمع من رسول الله ، وأملى علي، فكتبت بيدي، فلم أزد حرفا، ولم أنقص حرفا، حدثني أن رسول الله قال: . قال: ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش، والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن، ويخون الأمين ". وقال: . فقال عبيد الله: ما سمعت في الحوض حديثا أثبت من هذا. فصدق به، وأخذ الصحيفة، فحبسها عنده. طريق أخرى عنه: قال أبو بكر البزار في " مسنده ": حدثنا [ص:450] محمود بن بكر بن عبد الرحمن، حدثنا أبي، حدثنا عيسى بن المختار، عن محمد بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير الليثي، عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله يقول: . ثم قال: لا نعلم روى عبيد بن عمير، عن عبد الله بن عمرو غير هذا الحديث. طريق أخرى أيضا: رواها الطبراني من حديث مسلم بن رئاب، عن عبد الله بن عمرو. رواية عبد الله بن مسعود الهذلي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن شقيق، عن عبد الله، عن النبي قال: . قال البخاري: وحدثنا عمرو بن علي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن المغيرة: سمعت أبا وائل، عن عبد الله، عن النبي قال: . تابعه عاصم، عن أبي وائل، وقال حصين: عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي . [ص:451] طريق أخرى عنه في الحوض وغيره: قال الإمام أحمد: حدثنا عارم بن الفضل، حدثنا سعيد بن زيد، حدثنا علي بن الحكم البناني، عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن ابن مسعود، قال: جاء ابنا مليكة إلى النبي ، فقالا: إن أمنا ماتت وكانت تكرم الزوج، وتعطف على الولد - قال: وذكر الضيف - غير أنها كانت وأدت في الجاهلية، فقال: . قال: فأدبرا والشر يرى في وجوههما، فأمر بهما، فردا، فرجعا والسرور يرى في وجوههما رجاء أن يكون قد حدث شيء، فقال: . فقال رجل من المنافقين: وما يغني هذا عن أمه شيئا، ونحن نطأ عقبيه! فقال رجل من الأنصار - ولم أر رجلا قط أكثر سؤالا منه -: يا رسول الله، هل وعدك ربك فيهما ؟ قال: فظن أنه من شيء قد سمعه، فقال: ما سألته ربي، وما أطمعني فيه، وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة ". فقال الأنصار: وما ذاك المقام المحمود؟ قال: . قال: . فقال المنافق: إنه ما جرى ماء قط إلا على حال أو رضراض. فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له حال أو رضراض؟ قال: . فقال المنافق: لم أسمع كاليوم، قلما جرى ماء قط على حال أو رضراض إلا كان له نبت. فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له نبت؟ قال: . قال المنافق: لم أسمع كاليوم، فإنه قلما نبت قضيب إلا أورق، وإلا كان له ثمر. قال الأنصاري: يا رسول الله، هل له ثمر ؟ قال: . تفرد به أحمد، وهو غريب جدا. رواية عتبة بن عبد السلمي، رضي الله عنه: قال الطبراني: حدثنا [ص:453] أحمد بن خليد الحلبي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عامر بن زيد البكالي، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله ، فقال: ما حوضك هذا الذي تحدث عنه؟ فقال: . قال أبو عبد الله القرطبي: وخرج الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " من حديث عثمان بن مظعون، عن النبي أنه قال: . رواية عقبة بن عامر الجهني، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا الليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله خرج يوما، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف على المنبر، فقال: . ورواه مسلم، عن قتيبة، عن الليث، به. ومن حديث يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، به، وعنده: . قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول الله على المنبر. ذكر ما روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في ذلك: أسند البيهقي من طريق علي بن المديني، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يقول: إن رسول الله رجم، ورجم أبو بكر، ورجمت، وسيكون قوم يكذبون بالرجم، والدجال، والحوض، والشفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النار. وأما رواية المستورد فذكرها القاضي عياض. ورواية النواس بن سمعان الكلابي، رضي الله عنه: قال عمر بن محمد بن بجير البجيري: حدثنا سليمان بن سلمة، حدثنا محمد بن إسحاق بن [ص:455] إبراهيم، حدثنا ابن جريج، عن مجاهد، عن النواس بن سمعان، سمعت رسول الله يقول: . أورده الضياء من هذا الوجه، ثم قال: أرى أن هذا الحديث من صحاح البجيري، والله أعلم. رواية أبي أمامة الباهلي، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا دحيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا صفوان، عن سليم بن عامر، عن أبي اليمان الهوزني، عن أبي أمامة، أن يزيد بن الأخنس قال: يا رسول الله، فما سعة حوضك ؟ قال: . قال: فما ماء حوضك ؟ فقال: . طريق أخرى عنه: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي يحيى، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قيل: يا رسول الله، ما سعة حوضك ؟ قال: . قيل: يا [ص:456] رسول الله، فما شرابه ؟ قال أبيض من اللبن، وأحلى مذاقا من العسل، وأطيب ريحا من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها، ولم يسود وجهه بعدها أبدا ". رواية أبي برزة الأسلمي، رضي الله عنه: قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت، قال: شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد، فحدثني فلان - سماه مسلم - وكان في السماط، فلما رآه عبيد الله قال: إن محمديكم هذا لدحداح. ففهمها الشيخ، فقال: ما كنت أحسب أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد . فقال له عبيد الله: إن صحبة محمد لك زين غير شين. ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله يذكر فيه شيئا؟ قال أبو برزة: نعم، لا مرة، ولا ثنتين، ولا ثلاثا، ولا أربعا، ولا خمسا، فمن كذب به فلا سقاه الله منه. ثم خرج مغضبا. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن مهزم العبدي، عن أبي طالوت العبدي، سمعت أبا برزة يقول: سمعت رسول الله يقول في الحوض، فمن كذب به فلا سقاه [ص:457] الله منه. وقد رواه البيهقي من طريق أخرى عن محمد بن يحيى الذهلي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن قرة بن خالد، عن أبي حمزة طلحة بن يزيد مولى الأنصار، عن أبي برزة، في دخوله على عبيد الله بن زياد، بنحو ما تقدم. طريق أخرى عن أبي برزة: قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا عبدة بن عبد الرحيم، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا شداد بن سعيد، سمعت أبا الوازع، وهو جابر بن عمرو، سمع أبا برزة الأسلمي يقول: سمعت رسول الله يقول: إن لي حوضا يوم القيامة، عرضه ما بين أيلة إلى صنعاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه من الأباريق عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ". ومن كذب به فلا سقاه الله. يعني منه. [ص:458] رواية أبي بكرة الثقفي، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي الدنيا في " الأهوال ": حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا روح، حدثنا حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أبي بكرة، أن رسول الله قال: : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، وابن أبي عمر المكي - واللفظ لأبي بكر بن أبي شيبة - قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال: . هذا لفظه إسنادا ومتنا. رواية أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه: قال ابن أبي عاصم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا زكريا، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ، قال: . ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن سليمان الأسدي، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية، عن أبي سعيد، أن رسول الله قال: . وروى البيهقي من طريق روح بن عبادة، عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، أن رسول الله قال: . ثم قال: ورواه البخاري من وجه آخر، عن مالك، وأخرجاه من حديث عبيد الله بن عمر، عن خبيب، بدون ذكر أبي سعيد. والله أعلم. رواية أبي هريرة الدوسي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله، عن خبيب، عن حفص بن [ص:460] عاصم، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . ورواه البخاري أيضا، ومسلم من طرق، عن عبيد الله بن عمر، وأخرجه البخاري أيضا من حديث مالك، كلاهما عن خبيب بن عبد الرحمن، به. طريق أخرى عنه: قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فليح، حدثنا أبي، حدثني هلال، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال: . انفرد به البخاري. طريق أخرى: قال مسلم: حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، حدثنا الربيع - يعني ابن مسلم - عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، أن النبي قال: . [ص:461] وحدثنيه عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله بمثله. طريق أخرى عنه: قال مسلم: حدثنا سويد بن سعيد، وابن أبي عمر، جميعا عن مروان الفزاري، قال ابن أبي عمر: حدثنا مروان الفزاري، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: . قالوا: يا رسول الله، أتعرفنا يومئذ قال: . هذا لفظه. طريق أخرى عنه: أخرجه مسلم، من حديث إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، به. طريق أخرى عنه: روى الحافظ الضياء من حديث يحيى بن صالح، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا إبراهيم بن أبي أسيد، عن جده، عن أبي هريرة، [ص:462] أن رسول الله قال: . قيل: يا رسول الله، وما الحوض ؟ قال: يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض، فأقول: يا رب، أصحابي، فيقول: إنك [ص:463] لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ". قال: وقال شعيب، عن الزهري: كان أبو هريرة يحدث عن النبي " فيجلون ". وقال عقيل: . وقال الزبيدي: عن الزهري، عن محمد بن علي، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي . وهذا كله تعليق، ولم أر أحدا أسنده في شيء من هذه الوجوه عن أبي هريرة، إلا أن البخاري قال بعد هذا: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أنه كان يحدث عن أصحاب النبي أن النبي قال: . وقال ابن أبي الدنيا: حدثني يعقوب بن عبيد، وغيره، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن كلثوم - إمام مسجد بني بشير - عن الفضل بن عيسى، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، قال: كأني بكم صادرين على الحوض، يلقى الرجل الرجل، فيقول: أشربت؟ فيقول: نعم. [ص:464] ويلقى الرجل الرجل، فيقول: أشربت؟ فيقول: لا، واعطشاه ! رواية أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع بن عمر، قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، قالت: قال النبي : " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي. فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا. ورواه مسلم، عن داود بن عمرو، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن أسماء، مثله. رواية أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها: قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، حدثنا إبراهيم بن الحسين، حدثنا آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن الكوثر، فقالت: هو نهر أعطيه نبيكم في الجنة، حافتاه در مجوف، عليه من الآنية عدد النجوم. ورواه البخاري عن خالد بن يزيد الكاهلي، عن إسرائيل، واستشهد برواية مطرف. [ص:465] وقال مسلم: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، أنه سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله يقول، وهو بين ظهراني أصحابه: . انفرد به مسلم. رواية أم المؤمنين أم سلمة، رضي الله عنها: قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمر،، وهو ابن الحارث، أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي، عن عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة، عن أم سلمة زوج النبي أنها قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول الله فلما كان يوما من ذلك، والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله ، يقول: . فقلت للجارية: استأخري عني. قالت: إنما دعا الرجال، ولم يدع النساء. فقلت: إني من الناس. فقال رسول الله : . ثم رواه مسلم، والنسائي من حديث أفلح بن سعيد، عن عبد الله بن رافع [ص:466] عنها. رواية أخ لزيد بن أرقم: قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن مطر، عن عبد الله بن بريدة، قال: شك عبيد الله بن زياد في الحوض فأرسل إلى زيد بن أرقم فسأله عن الحوض، فحدثه به حديثا مؤنقا فأعجبه، فقال له: سمعت هذا من رسول الله ؟ قال: لا، ولكن حدثنيه أخي. فقد تلخص من مجموع هذه الأحاديث المتواترة صفة هذا الحوض العظيم، والمورد الكريم الممد من شراب الجنة من نهر الكوثر، الذي هو أشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، وهو في غاية الاتساع، عرضه وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر. وفي بعض الأحاديث المتقدمة أن كل ما له في زيادة واتساع، وأنه ينبت في حاله - أي في طينه - من المسك، وأن رضراضه من اللؤلؤ، وأنه ينبت على جوانبه قضبان الذهب، ويثمر ألوان الجواهر، فسبحان الله الخالق الذي لا يعجزه شيء، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210208
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D9%86%20%D9%84%D9%83%D9%84%20%D9%86%D8%A8%D9%8A%20%D8%AD%D9%88%D8%B6%D8%A7%20%D9%88%D8%A3%D9%86%20%D8%AD%D9%88%D8%B6%20%D9%86%D8%A8%D9%8A%D9%86%D8%A7%20%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%B5%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%20%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85%20%D9%88%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%85%20%D8%A3%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D9%86%20%D8%A3%D8%B9%D8%B8%D9%85%D9%87%D8%A7%20%D9%88%D8%A3%D8%AC%D9%84%D9%87%D8%A7
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر أن لكل نبي حوضا وأن حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين أعظمها وأجلها
[ص:467] ذكر أن لكل نبي حوضا، وأن حوض نبينا محمد وعليهم أجمعين أعظمها، وأجلها، وأكثرها واردا جعلنا الله تعالى من وراده، وسقانا منه شربة لا نظمأ بعدها، ونعوذ بالله سبحانه أن نذاد عنه قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا، رحمه الله، في كتاب " الأهوال ": حدثنا محمد بن سليمان الأسدي حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله قال. ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمد بن بشر، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عطية بن سعد العوفي، عن أبي سعيد، عن النبي ، بنحوه. حديث آخر: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا الحسين بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة اليمامي، عن الزبير بن شبيب، [ص:468] عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس، قال: سئل رسول الله عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ فقال. هذا حديث غريب من هذا الوجه، وليس هو في شيء من الكتب الستة. وتقدم ما رواه الترمذي، والطبراني، وغيرهما من حديث سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، أن رسول الله قال. ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد رواه أشعث بن عبد الملك، عن الحسن مرسلا، وهو أصح. ورواه الطبراني أيضا من حديث خبيب بن سليمان، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله قال: " إن الأنبياء يتباهون أيهم أكثر أصحابا، وإني أرجو أن أكون يومئذ أكثرهم واردة، وإن كل رجل منهم يومئذ قائم على حوض ملآن، معه عصا يدعو من عرف من أمته، ولكل أمة سيما يعرفهم بها نبيهم. [ص:469] وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش، حدثنا حزم بن أبي حزم، سمعت الحسن البصري يقول: قال رسول الله " إذا فقدتموني فأنا فرطكم على الحوض، إن لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه، بيده عصا، يدعو من عرف من أمته، ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا، والذي نفسي بيده إني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا ". وذكر تمام الحديث، وهذا مرسل عن الحسن، وهو حسن، صححه يحيى بن سعيد القطان وغيره، وقد أفتى شيخنا الحافظ المزي بصحته بهذه الطرق. إن قال قائل: فهل يكون الحوض قبل الجواز على الصراط أو بعده؟ فالجواب أن ظاهر ما تقدم من الأحاديث يقتضي كونه قبل الصراط لأنه يذاد عنه أقوام يقال عنهم: إنهم لم يزالوا يرتدون على أدبارهم، وأعقابهم منذ فارقتهم. فإن كان هؤلاء كفارا فالكافر لا يجاوز الصراط، بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه، وقيل: إن الصراط طريق ومعبر إلى الجنة، فهو إنما ينصب للمؤمنين، والعصاة، والفساق، والظلمة، تحفظهم عليه الكلاليب، فمنهم المخدوش المسلم، ومنهم من يأخذ الكلوب فيهوي في النار على وجهه، وإن كان المشار إليهم بالردة عصاة من المسلمين فيبعد حجبهم عن الحوض، لاسيما وعليهم سيما الوضوء، وقد قال رسول الله . [ص:470] ثم من جاوز الصراط لا يكون إلا ناجيا مسلما، فمثل هذا لا يحجب عن الحوض، فالأشبه، والله أعلم أن الحوض قبل الصراط. فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس، قال: سألت رسول الله : أن يشفع لي يوم القيامة. قال. قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله؟ قال. قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط ؟ قال. قلت: فإن لم ألقك عند الميزان ؟ قال. ورواه الترمذي من حديث بدل بن المحبر، وابن ماجه في " تفسيره " من حديث عبد الصمد، كلاهما عن حرب بن ميمون أبي الخطاب الأنصاري البصري، من رجال مسلم، وقد وثقه علي بن المديني، وعمرو بن علي الفلاس، وفرقا بينه وبين حرب بن ميمون أبي عبد الرحمن العبدي البصري أيضا، صاحب الأغمية، وضعفا هذا. وأما البخاري فجعلهما واحدا، وحكى عن سليمان بن حرب أنه قال: كان هذا أكذب الخلق. وأنكر الدارقطني على البخاري، ومسلم في جعلهما هذين واحدا. [ص:471] وقال شيخنا الحافظ المزي: جمعهما غير واحد، وفرق بينهما غير واحد، وهو الصحيح، إن شاء الله. قلت: وقد حررت هذا في " التكميل " بما فيه كفاية. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والمقصود: أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط، وكذلك الميزان أيضا، وهذا لا أعلم به قائلا، اللهم إلا أن يكون المراد به حوضا آخر، يكون بعد قطع الصراط، كما جاء في بعض الأحاديث، ويكون ذلك حوضا ثانيا لا يذاد عنه أحد، والله سبحانه أعلم. وإذا كان الظاهر كونه قبل الصراط، فهل يكون ذلك قبل وضع الكرسي لفصل القضاء أو بعد ذلك ؟ هذا مما يحتمل كلا من الأمرين، ولم أر في ذلك شيئا فاصلا، فالله أعلم أي ذلك يكون. وقال القرطبي في " التذكرة ": واختلف في الميزان والحوض؟ أيهما يكون قبل الآخر؟ فقيل: الميزان قبل. وقيل: الحوض. قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل. قال القرطبي: والمعنى يقتضيه فإن الناس يخرجون عطاشا من قبورهم كما تقدم - فيقدم قبل الميزان والصراط. [ص:472] قال أبو حامد الغزالي في كتاب " كشف علم الآخرة ": حكى بعض السلف من أهل التصنيف أن الحوض يورد بعد الصراط، وهو غلط من قائله. قال القرطبي: هو كما قال. ثم أورد حديث منع المرتدين على أعقابهم عن الحوض، ثم قال: وهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط ; لأن الصراط من جاز عليه سلم، كما سيأتي. قلت: وهذا التوجيه قد أسلفناه. ولله الحمد. قال القرطبي: وقد ظن بعض الناس أن في تحديد الحوض تارة بجرباء وأذرح، وتارة كما بين الكعبة إلى كذا، وتارة بغير ذلك، اضطرابا. قال: وليس الأمر كذلك ؟ فإنه حدث أصحابه به مرات متعددة، فخاطب في كل مرة لكل قوم بما يعرفون من الأماكن، وقد جاء في الصحيح تحديده بشهر في شهر. قال: ولا يخطر ببالك أنه في هذه الأرض، بل في الأرض المبدلة، وهي أرض بيضاء كالفضة، لم يسفك فيها دم، ولم يظلم على ظهرها أحد قط، تطهر لنزول الجبار جل جلاله، لفصل القضاء. قال: وقد روي أن على كل زاوية من زوايا الحوض واحدا من الخلفاء الأربعة، فعلى الركن الأول أبو بكر، وعلى الثاني عمر، وعلى الثالث عثمان، وعلى الرابع علي، رضي الله عنهم. قلت: وقد رويناه في " الغيلانيات "، ولا يصح إسناده لضعف بعض رجاله. والله أعلم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210209
https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%84%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D8%A9%20%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B3%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%AA%D8%A7%D8%B2%20%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%85%202020/21
لائحة عقوبات القسم الأول من الدوري المصري الممتاز لكرة القدم 2020/21
قائمة عقوبات القسم الأول للموسم الرياضي 2020/2021م توقع كافة العقوبات الواردة بلائحة المسابقات وقائمة العقوبات المصدق عليها من مجلس إدار الاتحاد على الحالات المخالفة لقانون اللعبة وشروط المسابقة طبقاً لما يلي: المصادر g لائحة العقوبات
210210
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D9%81%D9%8A%20%D9%85%D8%AC%D9%8A%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%20%D8%B3%D8%A8%D8%AD%D8%A7%D9%86%D9%87%20%D9%88%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%89%20%D9%83%D9%85%D8%A7%20%D9%8A%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%20%D8%AE%D9%84%D9%82%D9%87
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/فصل في مجيء الرب سبحانه وتعالى كما يشاء يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه
[ص:473] ذكر في حديث الصور المتقدم أنه إذا ذهب رسول الله فشفع عند الله عز وجل ليفصل بين العباد، فيقول الرب تعالى: أنا آتيكم فأقضي بينكم. ثم يرجع رسول الله فيقف مع الناس في مقامه الأول، فحينئذ تنشق السماوات بغمام النور، وتنزل الملائكة تنزيلا، فينزل أهل السماء الدنيا، وهم قدر أهل الأرض من الجن والإنس، فيحيطون بهم دائرة، ثم تنشق السماء الثانية فتنزل ملائكتها وهم قدر الجن والإنس وقدر ملائكة سماء الدنيا، فيحيطون بمن هناك من الملائكة والجن والإنس دائرة، ثم كذلك أهل السماء الثالثة، والرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فكل أهل سماء تحيط بمن قبلهم دائرة، ثم تنزل الملائكة الكروبيون وحملة العرش، ومن حوله من المقربين، ولهم زجل بالتسبيح والتقديس والتعظيم; يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت. ثم يأتيهم الله لفصل القضاء. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في " الأهوال ": حدثنا حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عوف، عن أبي المنهال سيار بن سلامة الرياحي، حدثنا شهر بن حوشب، حدثني ابن عباس، قال: إذا [ص:474] كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، وزيد في سعتها كذا وكذا، وجمع الخلائق بصعيد واحد; جنهم وإنسهم، فإذا كان كذلك قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها، فنثروا على وجه الأرض، ولأهل هذه السماء الدنيا وحدهم أكثر من جميع أهل الأرض، جنهم وإنسهم بالضعف، فإذا رآهم أهل الأرض فزعوا إليهم، ويقولون: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم، ويقولون: سبحان ربنا ليس فينا، وهو آت. ثم تقاض السماء الثانية، ولأهل السماء الثانية أكثر من أهل هذه السماء الدنيا، ومن جميع أهل الأرض بالضعف، فإذا نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض، ويقولون: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم، ويقولون: سبحان ربنا! ليس فينا، وهو آت. ثم تقاض السماوات سماء سماء، كلما قيضت سماء كانت أكثر من أهل السماوات التي تحتها، ومن جميع أهل الأرض بالضعف؟ جنهم وإنسهم، كلما نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض، ويقولون لهم مثل ذلك، ويرجعون إليهم مثل ذلك حتى تقاض السماء السابعة، ولأهلها وحدهم أكثر من أهل ست سماوات، ومن أهل الأرض بالضعف، ويجيء الله فيهم، والأمم جثا صفوف، فينادي مناد: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم [ص:475] الحمادون لله على كل حال، فيقومون فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي ثانية: ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم، ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون [السجدة: 16]، فيقومون فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي ثالثة: ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم، ليقم الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار [النور: 37]، فيقومون فيسرحون إلى الجنة، فإذا لم يبق أحد من هؤلاء الثلاثة خرج عنق من النار، فأشرف على الخلائق، له عينان بصيرتان، ولسان فصيح، فيقول: إني وكلت بثلاثة، وكلت بكل جبار عنيد. فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيخنس بهم في جهنم، ثم يخرج الثانية، فيقول: إني وكلت بمن آذى الله ورسوله. فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيخنس بهم في جهنم، ثم يخرج الثالثة، فيقول: إني وكلت بأصحاب التصاوير. فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيخنس بهم في جهنم، فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة، ومن هؤلاء ثلاثة، نشرت الصحف، ووضعت الموازين، ودعيت الخلائق للحساب. وقد قال الله تعالى: [ص:476] كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى [الفجر: 21 - 23]، الآيات. وقال تعالى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور [البقرة: 210] وقال تعالى: وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون [الزمر: 69، 70]. وقال تعالى: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا [الفرقان: 25، 26]. وقال في حديث الصور صحيح ابن حبان ". وقد يطلق على هذا الكرسي اسم العرش، فقد ورد ذلك في بعض الأحاديث، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: سبعة يظلهم الله في ظله " - وفي رواية - " يوم لا ظل إلا ظله " الحديث بتمامه. [ص:477] وثبت في صحيح البخاري من حديث الزهري، عن أبي سلمة، وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال. فقوله إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته ". وفي رواية للبخاري: " إنكم سترون ربكم عيانا. [ص:478] وجاء أنهم يسجدون له سبحانه يومئذ، كما قال ابن ماجه: حدثنا جبارة بن المغلس الحماني، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله . وله شواهد من وجوه أخر، كما سيأتي. وقال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال. ثم قال: لا نعلم حدث به عن الأعمش إلا أبا عوانة، قلت: وسيأتي له شاهد من وجه آخر. وذكر في حديث الصور. وروى الإمام أحمد، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر [ص:479] بن عبد الله، أنه اشترى راحلة، وسار إلى عبد الله بن أنيس شهرا ; ليسمع منه حديثا بلغه عنه، فلما سأله عنه، قال: سمعت رسول الله يقول. قلنا: وما بهما ؟ قال. قال: قلنا: وكيف وإنا إنما نأتي الله بهما ؟ قال. وفى صحيح مسلم، عن أبي ذر، عن النبي في الحديث الإلهي الطويل. وقد قال تعالى: إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد [هود: 103 - 105]. ثم ذا سبحانه ما أعده للأشقياء، وما أعده للسعداء، وقال تعالى: يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [النبإ: 38]. وثبت في الصحيحين. وقد عقد [ص:480] البخاري، رحمه الله بابا في ذلك، فقال في كتاب التوحيد من " صحيحه ": باب كلام الرب، سبحانه وتعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. ثم أورد فيه حديث أنس في الشفاعة بتمامه، وحديث عدي الحديث، وحديث ابن عمر في النجوى. ونحن نورد في هذه الترجمة أحاديث أخر، مناسبة لهذا الباب. وقد قال الله تعالى: يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [المائدة: 109]. وقال تعالى: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين [الأعراف: 6، 7]. وقال تعالى: فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [الحجر: 92، 93]. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا رشدين بن سعد، أخبرني ابن أنعم المعافري، عن حبان بن أبي جبلة، يسنده إلى النبي قال: " إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى إسرافيل، فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي؟ هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم يا رب، قد بلغته جبريل، فيدعى جبريل فيقال له: هل بلغك إسرافيل عهدي؟ فيقول: نعم، قد بلغني. فيخلى عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم، قد بلغت الرسل. فتدعى الرسل [ص:481] فيقول لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم. فيخلى عن جبريل، ويقال للرسل: ما فعلتم بعهدي؟ فيقولون: بلغنا أممنا. فتدعى الأمم، فيقال لهم: هل بلغكم الرسل عهدي؟ فمنهم المكذب، ومنهم المصدق، فيقول الرسل: إن لنا عليهم شهداء يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك. فيقول: من يشهد لكم؟ فيقولون: أمة أحمد. فتدعى أمة أحمد، فيقول: أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه؟ فيقولون: نعم رب، شهدنا أن قد بلغوا. فتقول تلك الأمم: كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول لهم الرب تعالى: كيف تشهدون على من لم تدركوا؟ فيقولون: ربنا، بعثت إلينا رسولا، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا. فيقول الرب: صدقوا. فذلك قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [البقرة: 143]. قال ابن أنعم: فبلغني أن أمة محمد تشهد، إلا من كان في قلبه حنة على أخيه. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210211
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%AA%D8%A7%D8%AC%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%AF%D9%82%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84
تاجر البندقية/الفصل الأول
(يدخل أنطونيو وسالارينو وسالانيو) أنطونيو: حقًّا لا أعرف لماذا أنا حزين حزنًا يتعبني، ويشق عليكما فيما أرى. إني لأسائل ضميري من أين جلبت أنا هذه الكآبة، أو كيف وفدت هي علي، أو في أي مكان صادفتني، أو من أي غزل نسجت، أو تحت أية سماء ولدت، فما أكاد أحير جوابًا، بل أشعر أن بي بلاهة، وأوشك أن أتنكر علي نفسي. سالارينو: لا غرو أن يكون عقلك ضاربًا في العباب متعقبًا بين النواهض والعواثر من الأمواج، آثار مراكبك الضخام التي تتخطر بسواريها البواسق فوق الغمر تخطر الغطاريف الذين لهم السيادة على البحر، أو تحلق من عل فوق جماهير الصغار المتضائلات من سوقة السفن وعامة المنشآت فيحيينها بإجلال حين مرورها بهن سابحة، وكأنها طائرة بأجنحتها الكتانية. سالانيو: أيقن يا سيدي أنني لو خاطرت بمالي مثل مخاطرتك لدرجت أهوائي تتعقب آمالي في تلك الآفاق البعيدة، أو لما وجدني من نشدني إلا عاكفًا على فريعات الأعشاب أستخبرها عن مهاب الرياح، أو مكبًّا على صور الأرض أبحث عن المرافئ والأرصفة والموانئ، فأيما شيء تبينت منه أدنى بأس على أوساقي مت له جزعًا. سالارينو: بل لكان من شأني في مثل هذه المجازفة أنني إذا نفخت في حسائي لتبريده طفقت أفطن للآفات التي قد تحدثها العواصف في البحر فأرتعد، وإذا نظرت إلى تناقص المزولة خطرت على بالي الجروف والأغوار الرملية، وبدت لوهمي تلك الجارية الكبرى المسماة «بسنت أندري» جانحة وقد انقلبت ساريتها الوسطى إلى ما تحت غاطسها كأنها تقبل رمسها. وإذا يممت الكنيسة فلاحت لي مبانيها الحجرية الممردة ذكرت من فوري تلك الصخور الصماء التي إن مست جانبًا من جوانب فلكي ارتطم بها، وألقى بما يحمله علي وجه المحيط فانبثت البقول فوق الحباب وانتشر الحرير علي مناكب الأمواج الهدارة، وانتقلت أنا في عقبها من ملابسة الثراء إلى ملابسة الثرى. أفي وسع إنسان أن يرى مني تلك الحالة فلا يفهم أن ما يشغل بالي إنما هو هذا الشاغل؟ قولوا ما تشاءون، أما أنا فلا أحمل هم أنطونيو إلا على محمل تفكيره في مشحوناته. أنطونيو: لا وصدقاني. ليست لحسن طالعي كل بضائعي في موسق واحد ولا هي موجهة إلى مكان واحد فتكون عرضة للأخطار، بل أزيدكما أنني لم أقامر بكل ثروتي في مضاربات هذه السنة، فكآبتي ليست من جانب مشحوناتي. سالانيو: إذن أنت عاشق. أنطونيو: لا ولا. سالانيو: فإن لم تكن عاشقًا لم يبق لنا أن نقول إلا أنك ترح لأنك غير فرح، كما أنك بالقياس على هذا لو كنت مبتهجًا لجاز لك أن تضحك، وترقص، وتجهر بأنك مسرور، لأنك لست بمحزون. حلفت بيانوس ذي الوجهين إن الطبيعة تخلق في بعض ما تخلق أناسًا مستغربين، فئة منهم لا تني عيونهم متيقظة على كونهم كالببغاوات، يضحكون لأول نافخ في مزمار يسمعهم لحنًا ما، وفئة آخرون لا يفتئون مقطبين جباههم. إذا طرقت آذانهم نكتة من المستظرفات التي تضحك الحليم — ولو أنه نستور الحكيم — لم تنفتق لها شفاههم المضمومة عن أدنى ابتسام. (يدخل باسانيو ولورنزو وغراتيانو) سالانيو: هذا باسانيو قريبك الشريف قادمًا يصحبه غراتيانو ولورنزو. نستودعك الله وندعك ترفقه أحسن محضرًا منا. سالارينو: لو لم يجئ من هو خير مني، لأقمت حتى أزيل كآبتك. أنطونيو: ما أشد اعتدادي بمودتك، لكن شئونك تدعوك وأنت تنتهز الفرصة للانصراف إليها. سالارينو: نعمتم صباحًا يا سادة. باسانيو: إيهًا يا سادة متى نستأنف مباسطتنا؟ قولوا متى؟ لقد أطلتم هجرنا فإلام هذا الجفاء؟ سالارينو: متى أذنت أشغالكم باللقاء، فنحن ممتثلو أمركم. «ينصرف سالارينو وسالانيو» لورنزو: أما وقد التقيت بأنطونيو يا سنيور باسانيو فنحن نتولى عنكما إلى أن يحين العشاء فعسى ألا تنسى المكان الذي سنجتمع فيه. باسانيو: ثقا أنني آت. غراتيانو: ليس في وجهك ما يدل علي الصحة يا سنيور أنطونيو. لشد ما تشغلك أمور الدنيا، ومخسر من اشترى النجاح بثقال الهموم. إنك لعلى غير من أعهد فيك من العافية. أنطونيو: غراتيانو، إنما أنظر إلى الدنيا كما يجب أن ينظر إليها باعتبار أنها ملعب لكل فيه دور، أما دوري فكتبت عليه الكآبة. غراتيانو: وأما الذي أوثره لنفسي فدور الضحكة. لئن علتني غضون الشيخوخة فلا علتني إلا بين السرور واللهو. وخير لي أن ترمض الخمرة كبدي من أن تبدد الأشجان أنفاسي تصويبًا وتصعيدًا. علام يرضى الإنسان — إذ الدم ما يزال حارًّا في عروقه — أن يتشبه بالمرمر المصنوع منه تمثال جده، فلا ينام إلا مستيقظًا، ولا يستفيد من تدفق الكآبة الصفراء علي قلبه سوى داء اليرقان. أصغ إلي أنطونيو. أنا أحبك، وعن حبي مصدر الكلام الذي أسوقه إليك: من الناس من وجهه كوجه الماء الراكد به انتفاخ ويغشاه ما يغشى المستنقعات من مر المراءات، يصمت عن تدبير ليذيع عنه أنه لبيب متبصر متبحر في الأمور، فإذا فتح فاه فكأنه قائل: «أنا صوت الوحي، حذار أن تنبح الكلاب» … أي صفيي أنطونيو، أعرف غير واحد لم يشتهروا بالعقل إلا لعدم نطقهم بشيء، مع أنهم لو نبسوا لآذوا أسماع مجالسيهم ولعوملوا معاملة المجانين. سنعود إلي هذا البحث فيما بعد. انتصح بنصحي، ولا تحاول أن تتصيد الشهوة بحبالة حزنك فهي صيد الحمقى — تعال أيها العزيز لورنزو — «لأنطونيو» وداعًا إلي هنيهة، سأتم عظتي بعد العشاء. لورنزو: أجل سندعكم إلى ميقات العشاء، ولما كان غراتيانو لا يفسح لي في الكلام ألبتة فقد رضيت أن أكون واحدًا من أولئك الحكماء الصامتين. غراتيانو: لا جرم أنك لو استمررت على معاشرتي سنتين آتيتين لتعذر عليك بعدهما أن تعرف صوتك. أنطونيو: في رعاية الله. إذا ظلت الحال هكذا، لم تلبث أن تحولني إلى ثرثارة. غراتيانو: أولى لك ثم أولى، فإن الصمت لا يحمد إلا في اللسان المدخن وفي فم العذراء التي لا تبيع عرضها. (يخرج غراتيانو ولورنزو) أنطونيو: أيوجد شيء من المعنى تحت هذا كله؟ باسانيو: أذلق أهل البندقية لسانًا، بمثل هذه التوافه — غراتيانو — والأسباب التي يبني عليها أقاويله، أشبه بحبتي قمح في مكيالين مفعمين بالتبن، فتش سراة النهار حتى تجدها، فإذا وجدتهما فما أقلهما من شيء في جانب هذا العناء! أنطونيو: حسن. حدثني الآن عن تلك المرأة التي عزمت علي حج بيتها في الخفاء. باسانيو: لا تجهل يا أنطونيو ما كان من تبديدي ثروتي بالتوسع في الإنفاق منها علي قلة مواردها، وما جرني إليه ذلك من الديون الباهظة، فهمي الآن — ولا يداخله شيء من خوف السقوط عن ذلك المقام الرفيع — هو أن أوفي تلك الديون كما يقتضي شرفي، ومعظمها لك سمحت به عن وداد فإلى ودادك اليوم ألجأ لتعينني على تحقيق آمالي، وتمدني بما يوصلني إلى أداء ما علي. أنطونيو: عرفني آمالك يا صديقي باسانيو، فإذا كانت شريفة كما أعهدك شريفًا، فأنت واثق أن مالي وشخصي وكل ما في وسعي رهن خدمتك. باسانيو: عندما كنت طالب علم اتفق لي غير مرة أن أرمي نبلًا فأفقد أثرها، فإذا أردت الاهتداء إليها رميت أخرى في ناحيتها، ورقبتها في منطلقها، ثم مضيت في ذلك المتجه فلم أرجع إلا وقد ظفرت بالنبلين جميعًا. ذلك لمخاطرتي بالثانية بعد الأولى. وقد قصصت عليك هذه السانحة الصبوية، لأن ما سأذكره لك لا يقل عنها تفاهة. أنا مدين لك بكثير، ويوشك ما أقرضتني أن يكون مفقودًا، لأن نزق الصبى حال دون تبصري في عقبى هذا التفريط، غير أنك إذا أسعدتني علي إرسال سهم ثان في مرمى السهم الأول رقبته بتفطن، وفزت يقينًا بوجدان السهمين كليهما، أو عدت علي الأقل بالأخير منهما. وبقيت لك عن الذي سلف ممتنًّا شكورًا. أنطونيو: ما كان أغناك — على علمك بي — عن إضاعة الوقت في الاحتيال للاستعانة بمودتي. إنك بارتيابك في خلوصي لك لتسوءني أكثر مما لو أضعت علي ثروتي بأسرها. قل ما ترجوه مني فيما تعرفني قادرًا عليه فقد أجبت. تكلم. باسانيو: في قصر بلمنت غانية غنية، وارثة لجاه كبير، جمالها فوق ما تصف الكلم، وخصالها لا نظائر لها. راسلتني عيونها في بعض الأوقات، ساكتة والهوى يتكلم. يسمونها برسيا ولا تقل شيئًا عن سميتها برسيا بنت كاتون قرينة بروتس، على أنها ليست بمغمورة الذكر، ولا مبخوسة المهر، فإن نبهاء الخطاب يتوافدون إليها من كل فج وشاطئ. تتساقط ضفائرها على صدغيها كأنها جدلت من ذهب. وما من خاطب مجد، وطالب سعد، إلا وقد طرق بابها، والتمس جوابها. فيا صديقي أنطونيو لو تيسر لي أن أتقدم بين المتقدمين في هذه المناظرة، فإن وحيًا نجيًّا يسر إلى قلبي أنني سأدرك قصب السبق. أنطونيو: تعلم أن ثروتي جميعها تحت رحمة المحيط، وأنه لا يتسنى لي أن أجمع الآن من مالي مقدارًا جديرًا بالذكر، فاذهب إلى البندقية واسبر ما تقدر علي استدانته بضماني، فأيًّا كان الشيء يبلغك مرامك لم يعز علي بذله. ابحث في كل مظنة للنقود، وسأبحث أنا كذلك، ولعل ما للناس بي من الثقة أو ما لي عندهم من الكرامة يقضيان أربك. (يخرجان) (تدخل برسيا ونريسا) برسيا: حقًّا يا نريسا إن جسمي الصغير لتعب من هذا العالم الكبير. نريسا: ما كان أحراك بهذا التعب لو أن ما عندك من اليسر أبدل بعسر، غير أنني قد تبينت أن الإنسان يشقيه فرط الغنى، كما يشقيه جهد الفقر، وإن السعد عين السعد في الحالة الوسطى، فإن مع الترف وشك المشيب ومع الشظف إمهال الأجل. برسيا: نعمت الحكمة، وحبذا مجراها على لسانك. “نريسا: لخير أن يعمل بها من أن تقال. برسيا: لو كان العمل بالأصلح سهلًا كالعلم به لأغنت البيع الصغرى عن الكنائس الكبرى، ولكانت أكنان الفقراء هي القصور الآهلات … أفضل الواعظين هو ذلك الذي يتعظ بنفس أقواله، قد يهون علي تعليم عشرين سامعًا أكثر مما يهون علي — لو كنت أحدهم — أن أنتصح بنفس نصائحي. العقل يسن القوانين للحواس، ولكن حرارة الطباع تدوس تلك الروابط الباردة. ما أشبه جنون الشباب بالأرنب الوثاب، وما أشبه العقل بالشرك الضعيف، أفلت منه ذلك الأرنب فمضى لغير مآب. على أن هذا القياس لا ينفعني أدنى نفع في اختيار زوج لي، كيف أذكر الاختيار وما بوسعي انتقاء من يعجبني، ولا رد من لا أحب. جعلت إرادتي — وأنا فتاة في اقتبال الحياة — رهن إرادة تقدم بها إلي والد هو الآن ميت. أليس شاقًّا على النفس يا نريسا أن تكون الفتاة غير قادرة على قبول من تود أو رفض من لا تود؟! نريسا: كان أبوك امرأ خير، والأبرار يلهمون الخير قبل وفاتهم، فاعتقدي أن الاقتراع الذي ناطه بهذه الصناديق الثلاثة: الذهبي، والفضي، والرصاصي، وجعلك حليلة لمن يجيء اختياره وفق مراده لن يجيئك منه إلا بعل جدير بحبك. على أن الخطاب الذين تقدموا إلى الآن كثير، أفما تقولين لي أيهم أكبر حظوة في عينك. “برسيا: أعيدي علي إن شئت أسماءهم أصفهم، ومن الوصف تعلمين منازلهم من رأيي. نريسا: أولهم الأمير النابلي. برسيا: هذا حيوان لا شك فيه. يتكلم بلا انقطاع عن جواده، ويتباهى بأنه ينعل الدابة بيده، ويتقن. حتى لأخشى أن تكون أمه قد عثرت عثرة بين يدي أحد البياطرة. نريسا: يليه الكنت البالاتي. برسيا: هذا رجل سحنته متشبعة من حسن ظنه بنفسه، كأنه يخيرك: «أترتضين بي أم لا ترتضين؟ أبيني.» يسمع أظرف السير بلا تبسم، وأخاف لشدة كآبته في شبابه أنه إذا بلغ أخريات أيامه عاش عيشة الفيلسوف الباكي. لأوثر علي الواحد من هذين أن اقترن برأس ميت، في فمه قطعة من العظم. نريسا: كيف تقولين في الشريف الفرنسوي المسيو ليبون؟ برسيا: هكذا خلقه الله، ولا اعتراض لي على وجود مثله بين الرجال. أعرف أن سخرية المرء من أخيه خطيئة، لكن ذلك الرجل أكرم حصانًا من النابلي، وأقبح عبوسة من الكنت البالاتي، هو كل شيء ولكن لا شيء. إذا تغنى الشحرور ترقص له، وإذا لقي ظله بارزه، فاقتراني به إنما هو اقتران بعشرين زوجًا. ولو احتقرني لغفرت له، إذ لو أحبني إلى الجنون لما أصاب مني سوى الاحتقار. نريسا: إذن ما فكرك في فلكنبردج البارون الإنجليزي؟ برسيا: تعلمين أنني لم أخاطبه. إنه ناعم الأظفار لا يفهم كلامي، كما أنني لا أفهم كلامه. هو يجهل اللاتينية، والفرنسية، والإيطالية، وأنا أجهل الإنكليزية إلا كلمتين لا تقوم معهما الشهادة لدى القضاء بأنني أحسن هذه اللغة. به جمال ولكنه كجمال الصور، وأنى لي أن أتمتع بحديث مع صورة، ملبسه غير مألوف، وأظن أنه اشترى صداره من إيطاليا وسراويلاته القصيرة من فرنسا وقبعته من ألمانيا، واتخذ عاداته من مختلف الأقاليم. نريسا: وما قولك في جاره النبيل الأسكتلندي؟ برسيا: إنه شديد الرغبة في الإحسان إلي أخيه الإنسان، بدليل أنه اقترض صفعة أخيه الإنكليزي، ثم أقسم إلا ما ردها إليه حين يستطيع، وفي زعمي أن الفرنسي ضمن له المعونة على هذا الرد، لكنه زور صك الضمان. نريسا: ما حكمك في اليافع الألماني ابن أخي دوق سكس؟ برسيا: بغيض قبل الصبوح، وأبغض منه بعد الغبوق. يوشك في أحسن أوقاته أن يكون رجلًا، وفي أقبح أوقاته لا يفوق الحيوان الأعجم إلا بشيء يسير. والخيرة لي مع ترجيح السيئات على الحسنات أن أستغني عنه. نريسا: لو أنه اقترع في المقترعين وأصاب الصندوق الرابح، أفتأبينه لك بعلًا فتخالفي إرادة والدك؟ برسيا: ضعي كأسًا كبيرة من خمر الرين على الصندوق المقابل لذاك يترام إليها لا محالة، ويؤخذ بهذه الحيلة، وإلا آثرت كل مصير أصير إليه في الدنيا على التزوج من إسفنجة! نريسا: لا تخشي يا سيدتي أحدًا من هؤلاء، فقد علمت بعزمهم على العود إلي ديارهم، وعدولهم عن الطموح إليك، إلا إذا وجد موفق منهم وسيلة لاكتسابك غير القرعة التي أوصى أبوك بها. برسيا: لو عشت أطعن في السن من السيبيل لمت أطهر في ملمس عفتي من ديانا، ولم أتزوج إلا على الطريقة التي اختارها أبي. أنا مسرورة بما عند هؤلاء الخطاب من سرعة الإدراك، ممتنة لغيابهم جميعًا، داعية ربي لتوفيقهم في السفر. نريسا: ألا تذكرين يا سيدتي أنك رأيت في حياة أبيك رجلًا متأدبًا، شجاعًا من أهل البندقية، زاركم مع المركيز دي منفرات. برسيا: بلى، بلى، وكأنني أتفطن لاسمه … باسانيو … فيما أظن. نريسا: أجل يا سيدتي، وأحسبه أخلق من رأيت بأن تهواه امرأة جميلة. برسيا: أذكره جيدًا، وهو جدير بمدحتك — «يدخل خادم» — إيهًا، ما وراءك؟! الخادم: الأجانب الأربعة يلتمسون أن يروك للاستئذان بالرحيل وجاء رسول من أمير مراكش يقول إن سيده سيفد الليلة. برسيا: إذا قدر لي أن أتلقى الخامس بسرور يعادل سروري بوداع الأربعة الآخرين ابتهجت بقدومه، على أنه لو اجتمعت فيه بيض شمائل الأولياء إلى سواد وجه الشيطان لحبذته كاهنًا، ونبذته قرينًا — هلمي نريسا — «الخادم» أنت تقدمنا. بينما نحن نقفل الباب في وجه خاطب، إذا خاطب غيره يقرع الباب. (تخرجان) شيلوك: ثلاثة آلاف دوقي، حسن بسن. باسانيو: أجل يا سيدي لثلاثة أشهر. شيلوك: لثلاثة أشهر. حسن بسن. باسانيو: بصك على أنطونيو كما أنبأتك. شيلوك: بصك علي أنطونيو، حسن بسن. باسانيو: أأعتمد عليك؟ أتسعفني؟ ما جوابك؟ شيلوك: ثلاثة آلاف دوقي، لثلاثة أشهر، بصك علي أنطونيو! باسانيو: ما قولك في هذا؟ شيلوك: أنطونيو كفء لهذا القدر. باسانيو: أعندك ريب؟ شيلوك: لا، لا، إذا قلت إنه كفء، فالمعنى أنه قادر على الوفاء. سوى أن مملوكاته ليست بثابتة. له سفينة في طريق طرابلس، وثانية في طريق الهند، وسمعت عن ثالثة تيمم المكسيك، ورابعة تنحو نحو إنجلترا، وعن سفين أخر متوزعة في آفاق أخر. غير أن المراكب ليست إلا خشبًا، والملاحين ليسوا إلا أناسًا. دع أخطار الأمواج والأرياح والصخور. إلا أن الرجل كفء للوفاء. ثلاثة آلاف دوقي. أظن أنني أستطيع قبول صكه. باسانيو: تستطيع ولا شك. “شيلوك: سأنظر فيما إذا كنت قادرًا، وأفكر في الأمر قبل البت فيه، أيتسنى لي أن أكلم أنطونيو؟ باسانيو: إن أحببت تناول العشاء معنا. شيلوك: نعم لتشتم مني ريح الخنزير، وليدخل في جوفي ذلك الحيوان الذي دعا عليه نبيكم الناصرى، فأسكن فيه الشيطان. حبًّا لكم إن تكن بيني وبينكم مبايعة أو مشاراة، أو محادثة، أو مماشاة إلخ. أما المؤاكلة، والمشاربة، والمشاركة في الصلاة فلا. ما أخبار التجارة في المصفق، من القادم؟ (يدخل أنطونيو) باسانيو: السنيور أنطونيو. شيلوك «منفرد»: ما أظهر الرفض علي وجهه المرائي بالتقوى. أبغضه لأنه نصراني، وخصوصًا لأنه جاهل أبله، يقرض المال بلا ربح، ويسقط قيمة النقد في البندقية. لئن أخذت بتلابيبه يومًا لقد شفيت حزازاتي القديمه منه. هو يبغض أمتنا المقدسة ويسخر — حتى في المصفق الذي يجتمع فيه التجار عادة — مني ومن معاملاتي ومن أرباحي المحللة التي ينعتها بالربوية. لعنت عشيرتي إن كنت غافرًا له هذه الذنوب. باسانيو: أسمعت ما أقول؟ شيلوك: كنت أحسب ما بين يدي من النقود، ويخيل إلي — إن صدقت ذاكرتي — أنني لا أستطيع في الحال تجهيز ثلاثة آلاف دوقي كاملة. بل يخطر لي أن طوبال — وهو من أغنياء قومي — يجبيبني إلى ما أطلب. لكن مهلًا؛ إلى أي أجل … «مخاطبًا أنطونيو» عم صباحًا يا سيدي، كنا في ذكراك. أنطونيو: شيلوك. إنني على كوني لا أقرض ولا أقترض بربح أجدني مضطرًّا إلى مخالفة مألوفي قضاء لحاجة صديقي. «إلى لنسلو» أيعلم المقدار الذي تطلبه؟ شيلوك: نعم، نعم، ثلاثة آلاف دوقي. أنطونيو: لثلاثة أشهر. شيلوك: كنت قد نسيت. لثلاثة أشهر كما قلت، بصك منك. حسن بسن. لننظر قليلًا. لكن أما سمعت أنك لا تأخذ ولا تعطي بالفائدة. أنطونيو: بلى، والحق ما سمعت. شيلوك: عندما كان يعقوب يرعى سائمة عمه لابان، ويعقوب هذا بفضل أمه الحكيمة هو الثالث من نسل سيدنا إبراهيم … أنطونيو: علام تستشهد به؟ أفتزعم أنه كان يقرض بالربا؟ شيلوك: لا لم يكن مقرضًا بالربا. لم يكن ما يفعله بحصر المعنى، وإنما كان المتفق عليه بينه وبين لابان أن كل الخراف التي تنتج معلمة بلونين، تجعل أجرًا ليعقوب. فلما كان آخر الخريف وحالت النعاج، فالتمست ذكورها، خطر لراعيها الفطن أن يقتطع قضبانًا يعريها من قشورها، ويضعها تجاه النعاج وقت ضرابها، فنجم من رؤيتها أن النعاج نتجت حملانًا مخططة الجلود بلونين، وهذه الحملان حقت ليعقوب. فهذه وسيلة من وسائل الكسب بارك الله ليعقوب فيها. وكل ربح — ما لم يجئ من السرقة — فهو حلال. أنطونيو: كان يعقوب يخدم على كراء لا يسعه استزادته، ولا الانتقاص منه إلا ما يشاء الله وما لا يستطيعه أحد سواه. أفتعد هذا مثلًا مبيحًا للربا؟ وهل ذهبك وفضتك نعاج وكباش؟ شليوخ: ما أدرى، ولكنني أستنتجها بمثل تلك السرعة. تنبه لهذا يا سيدي! أنطونيو: وأنت يا باسانيو تفطن، إن الشيطان يستطيع الاستشهاد بالتوراة لتصويب أعماله! فما مثل النفس الشريرة التي تجيء بتلك الاستشهادات الصالحة إلا مثل المجرم الذي يبتسم، أو الثمرة الناضرة التي لبها متعفن. ما أكثر الظواهر الخادعة التي تشبه الرذيلة بالفضيلة! شيلوك: ثلاثة آلاف دوقي، مقدار جسام. ثلاثة آلاف في اثني عشر؟ لننظر: ما تكون فائدتها؟ أنطونيو: مهما تكن أفتقضي حاجتنا؟ شيلوك: يا سنيور أنطونيو طالما صادفتني في مصفق الريالتو فسخرت من أعمالي المالية ومن مراباتي، فلم أقابل ذلك إلا برفع الكتفين وجميل الصبر، لأن الألم هو إحدى الآفات التي خصت بها أمتنا. وطالما نعتني بالكافر، أو الكلب الكلِب، وبصقت على عباءتي التي يعرف منها الناس يهوديتي، كأنك تعيبني لاستعمالي ما هو ملكي. أما الآن فيظهر أنك في حاجة إلي: «شيلوك نريد منك نقودًا» من يقول لي هذا؟ أنت يا من ينفث في لحيتي لعابه، ويطردني من حضرته ركلًا، كما الكلب الأجنبي من عتبة البيت. تطلب مني مالًا! فبم ينبغي أن أجيب؟ أيحرز الكلب نقودًا؟ أيعقل أن كلبًا يقرض ثلاثة آلاف دوقي؟ أم يتعين علي أن أخر إلى الذقن، وأن أرد عليك بصوت خافت، وقلب خاشع: «يامولاي الجميل! يوم الأربعاء المنصرم بصقت في وجهي، ويومًا قبله طردتني ضربًا برجليك، ويومًا قبله دعوتني بكلب، فقيامًا مني بحق تلك المكارم كلها سأقرضك نقودًا؟! أنطونيو: من المحتمل أنك ستجدني مسميًا لك بتلك الأسماء، أو باصقًا في وجهك، أو طاردًا إياك برجلي؛ فإن كنت راغبًا في إقراضنا المال فلست دائنًا به أصدقاء، وأنَّى للصداقة أن تتولد من حيث لا رحم؟ أنت تقرض عدوًّا، فإذا أبطأ عن الإيفاء في الأجل كنت في حل من تخريط القانون عليه بكل قوته. شيلوك: انظر كيف تستشاط. أريد أن أكون صديقًا لك، وأن أحصل على عطفك، وأن أنسى ازدراءك إياي، وأن أقضي حاجتك الراهنة، بلا تقاضي فائدة ما، وأنت تأبى سماع ما أعرضه عليك من جميل العرض. أنطونيو: لو فعلت لبالغت في الإجمال. شيلوك: سأثبت لك مجاملتي، لنذهب إلى محرر عقود فتخط الصك لديه، ومن باب المزاح سأستكتبك إقرارًا بأنك إذا لم تدفع زهاء ذلك الخط في يوم كذا بمكان كذا توجب لي عليك اقتطاع لبرة من لحمك في المكان الذي أختاره من جسمك. أنطونيو: أوافق بارتياح علي هذا الاقتراح، وسأوقع على الصك محررًا بهذا النص، شاكرًا لك هذه المجاملة اليهودية. باسانيو: لن تخط خطًّا كهذا لأجلي أبد الدهر! أنطونيو: لا تخشَ بأسًا يا صفيي، سأقوم بعهدي، فبعد شهرين، أي قبل الأجل بشهر، تردُني أوساق بثلاثة أضعاف هذا القدر. شيلوك: يا أبانا إبراهام! هؤلاء النصارى عجب أمرهم! ساءت فعالهم فقبحت بالناس ظنونهم. أنت مخبري ماذا أكسب من إنفاذ هذا الشرط إذا لم يف المدين بما عليه. للرطل من لحم رجل أقل قيمةً من رطل الضأن أو البقر أو الماعز. إنما أفعل هذا توسلًا به إلى مودته، فإن رضي فبها ونعمت، وإلا فأستودعكم الله راجيًا ألا تبتغوني بشرٍّ من حيث أردت لكم الخير! أنطونيو: أجل شيلوك، سأوقع على هذا الصك. شيلوك: فتفضل وانتظرني لدى محرر العقود، وقل له: أن يخط هذا الشرط المضحك، أما أنا فأمضي لجلب الدوقيات وإلقاء نظرة في بيتي الذي يحرسه ماهنٌ مكسال، لا ينبغي لرب البيت أن يستنيم لهمته، ثم أدرككم. (يخرج) تاجر البندقية
210212
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%AA%D8%A7%D8%AC%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%AF%D9%82%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A
تاجر البندقية/الفصل الثاني
الفصل الثاني المشهد الأول بلمنت — قسم في قصر برسيا (يدخل أمير مراكش مع أتباعه وبرسيا مع أتباعها ونريسا) (معازف) الأمير: لا تنفري من سمرة أديمي، فإنها مسحة من جوار الشمس لي في مسقط رأسي. على أنك لو جئتني بأبهى رجل من أهل هذه الأقاليم الشمالية التي لا تكاد أشعة النهار تذيب صقيعها لواقفته موقف الفصاد، وأشهدتك من منا دمه أشد احمرارًا؟ ثم اعلمي يا سيدتي أن رؤيتي طالما أرعدت الشجعان، كما أنها — وحبك — طالما كانت قيد الأوابد من الحسان في أوانس بلادي، ولئن حداني شيء على التبدل بلون مشرقٍ من لوني القاتم لما كان إلا ابتغائي رضاك يا مليكتي! برسيا: لن أجعل إيثاري قائمًا على ما تشهد به عيناي، وأنا في عهد طفولتي واغتراري، بل أنا تابعة لحكم القرعة دون اختياري، ولولا أني مقيدة بهذا القيد الذي إنما جعلت به زوجًا للموفق في فطنته، لما كان بين الخطاب الذين رأيتهم واحد أولى منك بعطفي. الأمير: هذا كثير وأشكره لك … ثم أستزيدك جميلًا: أن تدليني على موضع تلك الصناديق، فأتبين بختي. حلفت بهذا الحسام الذي قتلت به صوفيًّا وصرعت أميرًا أعجميًّا، وأحرزت النصر العزيز في ثلاث وعكات، جرت بيني وبين السلطان سليمان، لو اقتضاني غرامي أن أرد كل سامي الطرف ناكس البصر، أو أن كافح كل قرم عنيد قهار شديد، بل لو سامني انتزاع رضيع الوحش الضاري عن ضرع أمه، أو مناوأة الضيغم الهصور وقد استفزه القوم، لفعلت طمعًا في الظفر بك، ولكنه — واحربا — أمر منوط بالمقادير، والمقادير ربما سددت سهم الضعيف وأطاشت سهم القدير، وربما أدنت حظ الآجر وأغلت حظ الأجير، فهاهنا مجال المكره، لا البطل، وإني لأخشى أن أخفق حيث يفوز من هو دوني فأموت بشجوني. برسيا: أمامك اثنان لا ثالث لهما، إما أن تعدل وإما أن تصيب ما يقضي به لك الصندوق الذي تعينه، هذا بعد أن تقسم على أنك إن أخفقت لم تتخذ لك زوجًا بقية عمرك. تفكر ثم تخير. الأمير: رضيت بهذين الشرطين، لنمض فأعلم ما يقضي به طالعي. برسيا: بل نذهب أولًا إلي حيث تحلف يمين الموافقة، وبعد العشاء تشرع في الخيرة. الأمير: أسأل الله إنجاح قصدي فإني بعد هذا الاقتراع، إما أسعد الخلق، وإما أتعسهم. المشهد الثاني البندقية - جادة (يدخل لنسلو جوبو) لنسلو: ضميري يحتم علي أن أترك خدمة اليهودي مولاي. والشيطان على مقربة مني، يخادعني بقوله: جوبو، لنسلو، ياصديقي لنسلو، أو يا صديقي جوبو، أو يا صفيي لنسلو جوبو، أعمل فخذيك، وانج بنفسك. ثم يقول لي ضميري: حذار يا لنسلو النزيه، حذار يا جوبو المستقيم، أو كما كنت أقول آنفًا: أيها النزيه لنسلو جوبو. لا تبرح، وترفع عن إجهاد فخذيك في الهزيمة. إلا أنه — أي الشيطان — لا يلبث أن يعيد علي نصيحته بالارتحال متشددًا فيها مهيبًا لي: «أقلع. تشجع. انج بنفسك.» عندئذ يعلق ضميري برقبة فؤادي، ويقول لي عن حكمة: «ياصديقي لنسلو القويم، ابن الرجل المستقيم وابن المرأة المستقيمة» ذلك أن والدي كان يذوق الثمرة التي بين يديه ولا يخلو من سلامة في الذوق، عندئذ يقول ضميري: «البث لنسلو»، فيقول الشيطان: «فرارًا» فيقول الضمير: «إياك»، فأقول لأحدهما: «ياضميري حسنت نصيحتك.» ثم أقول للآخر «أيها الشيطان أين الصواب في مشورتك.» لو جاريت الضمير لأقمت مع اليهودي الذي هو — أستغفر الله — ضرب من الشيطان، ولو فارقت اليهودي لأصبح زمامي في يد الشيطان الذي هو — ولا مؤاخذة — الشيطان بعينه، وهذا اليهودي بشخصه. وبذمتي إن ذمتي لتركب الشطط حين تنصح لي بالمكث عند اليهودي. وإنما الشيطان هو الذي ينصح لي نصيحة الصداقة. سأفر، سأفر. أمرك مطاع أيها الشيطان. (يدخل جوبو العجوز حاملًا سلالًا) جوبو: يا سيدي الفتى، أين الطريق التي توصل إلى بيت اليهودي؟ لنسلو «منفردًا»: يالله! هذا أبي، والدي بالحلال ولم يعرفني لشدة حسره! سأختبره اختبار مداعبة. جوبو: يا سيدي الفتي، أين الطريق التي توصل إلى بيت اليهودي؟ لنسلو: عندما تصل إلى العطفة الأولى تحيد يمينًا، فإذا بلغت العطفة الثانية تحيد شمالًا، ثم تدرك العطفة الثالثة، فهناك لا تحيد إلى جهة من الجهات وتتجه بانحراف إلى بيت اليهودي. جوبو: يافيض الله، هذه طريق لا تسهل معرفتها. أأنت مخبري إن كان الفتى المقيم معه — واسمه لنسلو — مقيمًا معه أم لا؟ لنسلو: أتسأل عن المسيو لنسلو الأصغر «منفردًا» تأملوا فيَّ الآن سأستدر المياه — أتسأل عن المسيو لنسلو الفتى؟ جوبو: لا يا سيدي، ولكن عن ابن رجل فقير أنا أبوه — وإن كنت أنا مدعي هذه الدعوى، رجل مستقيم معسر، مدقعٌ، لكنه — بحمد الله — حسن السيرة والأخلاق. لنسلو: لا يهمنا أبوه كائنًا من كان، وإنما نتكلم على لنسلو الأصغر. جوبو: أجل، بإذنك نتكلم على لنسلو. لنسلو: لا تتكلم على لنسلو أيها الشيخ بعد الآن؛ فإن ذلك الشاب قد أذن به الدهر أو القدر أو أي مسمى آخر بأسماء الصروف الصارمة لحبال الآجال من علمية وغير علمية فمات موتًا، أو بعبارة أشيع في العامة ذهب إلى السماء. جوبو: أعفاني الله من هذا المصاب، فالفتى هو سندي، وحيدي، عكاز شيخوختي. لنسلو: أظاهر على أنني أشبه عصًا أو هراوة أو دعامة خيمة أتبينتني يا أبي؟ جوبو: لا يا سيدي الفتى، لكن أرجو أن تقول ولدي (رحمه الله) حي أم ميت. لنسلو: ألم تعرفني يا أبت؟ جوبو: أسفًا يا سيدي إن نظري ضعيف ولم أتبينك. لنسلو: لو كان بصرك سليمًا … ومن هو في الآباء ذلك الفطن الذي يعرف ابنه … أيها الشيخ. سأعلمك بأنباء نجلك. باركني «يجثو» ينبغي أن يبرح الخفاء. القتل لا يخفي دهرًا ولكن انتساب الولد لأبيه قد يستسر طويلًا ثم تنجلي الحقيقة. جوبو: أرجو يا سيدي أن تنهض، فإني موقن أنك لست بلنسلو ولدي. لنسلو: لا تتماد أكثر في هذا المزاح، باركني، أنا لنسلو غلامك سابقًا، ونجلك الآن، وابنك إلى الأبد. جوبو: لا أصدق أنك ابني. لنسلو: لا أدري ما الذي يحسن بي اعتقاده في هذا المعنى؛ لكنني أنا لنسلو الماهن لدى اليهودي، وعلى ثقة لا ريب فيها من أن امرأتك مرغريتا هي أمي. جوبو: اسمها في الحقيقة مرغريتا، غير أني لم أكن لأقسم أنك لنسلو من لحمي ودمي. تبارك الله! ما هذه اللحية التي صار الشعر فيها أكثر منه في ذنب «دوبين» حصاننا الجرار. لنسلو: إذن شعر دوبين ينمو خلافًا، لأنني في آخر ما رأيته كان الشعر في ذنبه أكثر منه في ذقني. جوبو: لقد تغيرت. كيف حالك مع مولاك، أنا قادم إليك بهدية، أعلى وفاق أنتما؟ لنسلو: على المرام، على المرام. لكنني أنا قد عزمت على الهزيمة إلي أبعد ما أستطيع عن ذلك اليهودي القح. أتهاديه؟ أولى لك أن تضع حبلًا في عنقه وتشده. أماتني جوعًا، وهذه أضلاعي تقدر أن تعدها بأصابعك. يا أبت أنا مسرور بمجيئك. آثر بهديتك سيدًا يدعى باسانيو؛ فإنه يلبس خادمه خلعًا فاخرة نفيسة، فإن لم يتيسر لي أن يستخدمني هذا السيد، لبثت أفر ما دام في الأرض طول وعرض. يالسعد طالعي! ها هو ذا آت بنفسه. كلمه يا أبي وإلا فإني إذا استمررت تحت أمر اليهودي صرت يهوديًّا. (يدخل باسانيو يليه ليوناردو وبعض خدم) باسانيو «مخاطبًا خادمًا»: ليكن. قلبت. لكن ينبغى الإسراع ليتسنى تهيؤ الطعام الساعة الخامسة. احرص على إيصال هذه الرسائل. أوصِ بالخلع الجديدة. قل لغراتيانو أن يجيئني بعد حين. لنسلو: كلمه يا أبي. جوبو: ليبارك الله في سيادتك. باسانيو: شكرًا جزيلًا. أتبغي مخاطبتي في شيء؟ جوبو: هذا غلامي يا سيدي، وهو غلام فقير. لنسلو: لست فقيرًا يا سيدي، ولكنني ماهن لدى اليهودي الغني، وملتمسي هو ما سيعرضه والدي لسيادتك. جوبو: هو مريض تشوقًا لخدمة … لنسلو: بلا تطويل ولا تقصير، أنا في خدمة اليهودي، وأتمنى ما سيعرضه أبي … جوبو: ولا يخفى على سيادتكم أن اليهودي وهذا الغلام ليسا بابني عم بمعنى أنه … لنسلو: بعبارة موجزة: اليهودي أساء التصرف في حقي، وهذا هو السبب في الأمر الذي سيقترحه والدي الذي هو — كما أرجو — طاعن في السن! جوبو: أنا حامل إلى سيادتك بضعة أزواج من الحمام، هل لك في قبولها؟ والتماسي هو … لنسلو: الخلاصة أن هذا الطلب جائز القبول، كما سيذكره لسيادتك هذا الشيخ المستقيم، الذي هو فقير، وفوق ذلك هو والدي. باسانيو: ليتكلم. أحدكما عن الآخر. ماذا تريدان؟ لنسلو: ألتمس الدخول في خدمتك ياسنيور. جوبو: هذا كل ملتمسنا. باسانيو «إلى لنسلو»: أعرفك جيدًا وأجيب طلبك. كان شيلوك يكلمني عنك في هذا اليوم، وسيكون له الفضل في رقيك إن كان من الرقي الانصراف عن خدمة يهودي موسر، إلى خدمة شريف معسر. لنسلو: صدق المثل القديم: لقد تقاسمتما النعمتين أنت وشيلوك: له الأولى، ولك الأخرى. باسانيو: صدقت «إلى جوبو» اتبع غلامك أيها الوالد الصالح «إلى لنسلو» اذهب فاستأذن مولاك السالف، ثم استفهم عن داري «إلى خدمه» ألبسوه خلعة أبهج زينة من خلع رفاقه … (يناجي ليوناردو) لنسلو: يا أبي أصبح الخَرج في الخُرج — أنا لا أعرف كيف تلتمس الخدمة، ولا كيف يستعمل اللسان «ناظرًا يده» أما يدي فأية يد ممتدة للقسم على التوراة في جميع إيطاليا تتشبه بها؟ سأكون سعيد الطالع … لا جرم. هذا الخط يدل علي طول البقاء كما أرجو. وهؤلاء، في جانب الزواج، نسوة شائقات، لكنهن لسن بكثيرات، وماذا تكون؟ خمس عشرة امرأة، وإحدى عشرة أيمًا وتسع بنات. هل هن زيادة عن الكفاء للرجل المستقيم. هذا عدا نجاتي ثلاث مرار من الغرق، ومرة من هلكة السقوط عن حافة فراش من الريش. على أن هذه النجاة الأخيرة ليست بعجيبة، ولكنها نجاة. ولئن كانت السعادة امرأة فلا شك أنها أحسنت عجن المادة التي فتلت لي منها هذه الخيوط. تعال يا أبي، سأستأذن اليهودي في طرفة عين. (يخرج لنسلو وجوبو) باسانيو «مخاطبا ليوناردو»: أتضرع إليك أيها العزيز ليوناردو. تنبه لهذا، ومتى اشتريت تلك الأشياء ورتبتها عُد وشيكًا، ليتم بك أنسنا الليلة، في مجلس شراب سيشهده عندي أكرم أصدقائي. اذهب. بادر. ليوناردو: سآتي بأحسن ما أستطيع. (يدخل غراتيانو) غراتيانو «مخاطبًا ليوناردو»: أين مولاك؟ ليوناردو: ها هو ذا يتمشى هناك. (يمضى ليوناردو) غراتيانو «جهرًا»: سنيور باسانيو … باسانيو «ملتفتًا»: غراتيانو. غراتيانو: لي اقتراح عليك. باسانيو: قد أجيب. غراتيانو: ذلك ما ألح به: سأصحبك إلى بلمنت. باسانيو: إذا أصررت لم أخالف، لكن سمعًا يا غراتيانو: من مألوفك أن تتكلم بلا احتراس، وتجهر بالصوت. فهذا ليس فيما بيننا، ولكن ربما لم يحسن حيث تكون مجهولًا — فتكرم ولطف حدة طبعك، بأن تضع فيها بعض نقط الاحتياط، والتواضع، وإلا فربما جلبت خطتك علي ما يضر بي في رأي الأناس الذين أقصدهم، بل ربما قوضت آمالي. غراتيانو: أنصت يا سنيور باسانيو: إذا لم تجدني ثمة معتدلًا في سيري، متكلمًا بوادعة، ممتنعًا عن ألفاظ الهجر إلا أحيانًا، ممسكًا بكتب الأدعية والتلاوات الدينية، جادًّا في كل مقام، جاعلًا في أوان الصلاة قبعتي نصب عيني هكذا، فتنهدًا، فقائلًا: آمين، مراقبًا كل مصطلحات الأدب على نحو ما يفعل اليافع الذي يحاول إرضاء جدته … إذا لم تجدني فاعلًا كل ما ذكرت فلا كانت لك بي ثقة، ولا كان لك علي معول. باسانيو: رضيت، وسأرى المنهج الذي تنهجه. غراتيانو: لكنني أستثني مجلس الليلة وما سيجري فيه. باسانيو: خسارةٌ في مثل هذه الليلة أن تفقد طلاقتك، بل ينبغي أن ترتدي أحسن أزياء الابتهاج فيكمل بك سرور الإخوان أفضل ما كانوا استعدادًا لذلك. سأتولى عنك الآن لقضاء بعض الشئون. غراتيانو: وأنا أنتظر هنا لورنزو ورفقاءه ثم نجيئك جميعًا في ساعة العشاء. المشهد الثالث نفس المدينة — مزارة في بيت شيلوك (تدخل جسيكا ولنسلو) جسيكا: أنا متكدرة لتركك أبي، وستكون لك وحشة في هذا البيت الجهنمي، الذي كنت تؤنسه أحيانًا. امض مزودًا، وهذا دوقي هبة. لنسلو سترى لورنزو بين مدعوي سيدك الجديد للعشاء فأعطه هذه الرسالة، لكن سرًّا. اذهب. لا ينبغي أن يراني أبي أحدثك. لنسلو: وداعًا، واليك هذه العبرات بدلًا من العبارات. يا لك من وثنية ساحرة، بل يهودية شائقة! لئن لم يكن واحد من هؤلاء النصارى ساعيًا مسعاة اللص للفوز بك، إني إذن لغر. لكن هذه الدموع قد استغرقت شجاعتي، وأذابت صلابتي. أستودعك السلامة. (يخرج) جسيكا «منفرة»: اذهب معافى يا لنسلو. ما أظلمني لأبي بخجلي من انتسابي إليه! لكنني مخالفة له في الطبع، وإن كان الدم واحدًا. أي لورنزو إذا صدقت بوعدك فررت إليك من هذا المعترك الأليم، فصبأت عن ديني، وبت على مذهب قريني. (تخرج) المشهد الرابع المدينة عينها — جادة (يدخل غراتيانو — لورنزو — سالارينو — سالانيو) لورنزو: أجل سنتسلل في أثناء الوليمة فنغير أزياءنا في داري، وبعد ساعة نعود. غراتيانو: لم نستوف أهبتنا. سالارينو: لم نتكلم بعد عن موكب المشاعل. سالانيو: بئس الاختراع، إلا إذا صفف بإبداع، وعندي أن الاستغناء عنه أفضل. لورنزو: الساعة إنما هي الرابعة الآن ولدينا فسحة ساعتين لإعداد كل شيء. (يقدم لنسلو بكتاب) لورنزو «متممًا»: ما أخبارك يا صاحبي لنسلو؟ لنسلو: إن شئت أن تفتح هذا الكتاب علمت. لورنزو: تبينت الخط، وهو جميل، حررته يد بيضاء أنصع من هذا الطرس. غراتيانو: ألوكة غرام ولا ريب. «لنسلو متأخرًا للانصراف» لنسلو: بإذنكم يا مولاي. لورنزو: إلى أين؟ لنسلو: إلى حيث اليهودي مولاي العتيق، أدعوه لتناول العشاء عند النصراني مولاي الجديد. لورنزو «معطيًا إياه كيسًا»: مهلًا، خذ هذا. قل للعزيزة جسيكا أنني سآتي في الميقات. قل لها ذلك سرًّا. انصرف. (يبتعد لنسلو) لورنزو «متممًا»: أيها السادة: أتريدون أن نتأهب لمهرجان السخرية في هذا المساء؟ قد تيسر لي حامل مشعل. سالارينو: سأمضي من فوري. سلانيو: وأنا أحذو حذوك. لورنزو: أدركاني وغراتيانو في دار اليهودي بعد ساعة. سالارينو: لن نتخلف. (يبتعد سالارينو وسالانيو) غراتيانو: ألم يكن الكتاب من جسيكا الجميلة؟! لورنزو: يجب أن أطلعك على كل سر. بعثت تسألني كيف أختطفها من بيت أبيها؟ وكيف تنجو بما ستحمله من الذهب والحجارة الكريمة؟ وتخبرني أنها استصنعت خلعة وصيف لتختفي بها على الرقباء. لو تقبل الله أباها يومًا في السماء، لتم له ذلك بشفاعة تلك الكريمة الحسناء، ولو استجاز مصاب أن يعترض سبيلها لما ترخص لذلك إلا من كونها ابنة يهودي بلا إيمان. هلم بنا واقرأ هذه في الطريق. ستكون جسيكا حاملة مشعلي. (يخرجان) المشهد الخامس البندقية — أمام بيت شيلوك (شيلوك ولنسلو) شيلوك: سترى عما قليل بعينيك سعة الفرق بين شيلوك العجوز وباسانيو «يدعو» جسيكا — لن تأكل الحلوى بشراهة كما كنت تحلو لي عندي — جسيكا — لن تقضي معظم وقتك في النوم والغطيط وتمزيق ثيابك — جسيكا أتحضرين؟ لنسلو «مناديًا»: جسيكا. شيلوك: من كلفك أن تدعوها؟ لنسلو: طالما وبختني لأنني لا أصنع شيئا إلا بأمر. (تجيء جسيكا) جسيكا: أتدعوني، ماذا تريد مني؟ شيلوك: سأتعشى اليوم خارجًا يا جسيكا. هذه مفاتيحي. لكن علام أذهب؟ لم يدعوني عن حب — مأرب لا حفاوة — بل أذهب انتقامًا منهم لآكل من نفقة ذلك النصراني المسرف. بنيتي جسيكا راقبي الدار. سأتغيب برغمي خائفًا من كيد يكاد لي، لأنني رأيت أكياس فضة في منامي أمس. لنسلو: أضرع إليك يا سيدي أن تذهب، فإن مولاي الجديد قد عول على وعدك. شيلوك: وأنا معول على وعده كذلك. لنسلو: ولقد أضمروا شيئًا لهذه الليلة، وأسروا النجوى فيما بينهم. لن أبوح بما أخفوه لكنك إذا رأيت الليلة مهرجان أناس متنكرين لم يكن ذلك إلا مصداقًا لرعاف أنفي يوم الإثنين المنصرم المعروف في التاريخ باليوم الأسود في الساعة السادسة صباحًا، على حين أن الرعاف الذي جرى لي قبله إنما كان في يوم أربعاء الرماد نحو الأصيل. شيلوك: سيتنكرون؟ اسمعي يا جسيكا. غلقي الأبواب بإحكام وإذا سمعت طبلًا وزمرًا نزاز النغم فحذار حذار أن تذهبي إلى الكوة، أو أن تطلي بوجهك على الجمهور لتري الوجوه المستعارة التي يطوف بها أولئك النصارى البلهاء. أقفلي آذان داري «النوافذ»، ولا تصل ضوضاء أولئك المجانين إلى بيتي الساكن الأمين. قسمًا بعصا يعقوب إنني ذاهبٌ في هذا المساء إلى تلك الوليمة بكرهي وبلا أدنى رغبة مني لكنني سأذهب «إلى لنسلو» اسبقني وقل إنني قادم. لنسلو: سأسبق يا سيدي «بصوت منخفض لجسيكا» لا يمنعك هذا من التطلع فربما جاءك نصراني موعود، خليق بمودة كرائم اليهود. (ينصرف) شيلوك: ماذا يقول هذا الغر من نسل هاجر؟ جسيكا: قال وداعًا يا مخدومتي ولم يزد. شيلوك: غلام لا بأس به. لكنه أكول نهم بطيء في العمل، نئوم، كالسنور البري، أنا لا أحب الزنابير في خليتي، ولهذا طبت عنه نفسًا لغيري، فليعن مولاه الجديد على إنفاق المال الذي أقرضته إياه بسرعة. عودي يا جسيكا، ولعلي لا ألبث أن أرجع. افعلي ما أوصيتك به. غلقي الأبواب: «من احتبس لم يحترس.» هذا مثل دائم الحضور في ذهن المقتصد. (يبتعد) جسيكا: أستودعك الله. ولئن تحقق ما نويت لقد فقدت أبي وفقدت أنت ابنتك. (تبتعد) المشهد السادس عين المكان (يدخل غراتيانو وسلارينو متنكرين) غراتيانو: هذا هو الرواق الذي أوعز إلينا لورنزو أن نننتظره في فيئه. سالارنيو: مضت الساعة أو كادت. غراتيانو: عجيب أن يتباطأ وما هذا شأن العاشقين؟ سالارينو: من عادة حمائم الزهرة أن يطرن إلى عقد مودات جديدة بأسرع مرارًا مما يجثمن للبقاء علي مودة قديمة. غراتيانو: ستكون الحال أبدًا هكذا: أي الضيوف وقد فارق المائدة تكون شهوته للطعام كما كانت حين جلوسه إليها؟ أي جواد إذا رد في الطريق الوعرة التي جازها من قبل، لا يتباطأ في الرجوع؟ في كل أمور هذه الدنيا نحن أنشط حين نسعى إلى المطلوب منا حين نتمتع به. انظر إلى الفلك إذ تفارق مرفؤها الأصلي فراق الولد الشاطر لبيت أبيه، فتنشر رايتها الزاهية الألوان، يداعبها الهواء دعاب الهوى، ثم انظر إليها تعود عود ذلك الولد الشاطر ملوية الأضلاع ممزقة الشراع مهدمة الجوانب بفعل النسيم الفاسق «يجيء لورنزو» هذا لورنزو، سنستأنف الكلام في هذا. لورنزو: يا أصدقائي الأعزاء، اغفروا لي إبطائي الممل، فإنما أعمالي التي سببته. وإني لأعدكم، بأن أنتظركم ما شئتم حين يخطر لكم أن تختطفوا عرائس «يتقدم» هذا بيت اليهودي نسيبي، هيا، أأحد هنا؟ جسيكا «بملابس الوصيف تنظر من النافذة»: من أنت؟ تَسَمَّ لأزداد طمأنينة، وإن عرفت الصوت. لورنزو: حبيبك لورنزو. جسيكا: لورنزو محقق، حبيبي بلا ريب، ألي عندك من الهوى ما لك عندي؟ لورنزو: السماء وقلبك يشهدان بصدق غرامي. جسيكا «ملقية صندوقًا»: تناول هذا الصندوق. فيه ما يستحق هذا العناء. أنا فرحة بأن الوقت ليل، وأنك لا تستطيع رؤيتي، لأنني خجلة من تنكري بهذا الملبس. إنما الغرام أعمى، وليس للمتحابين أن يروا هم آثار جنونهم، إذ لو قدروا على استجلاء الحقيقة لخجل الغرام نفسه من تشكلي بهذا الشكل. لورنزو: انزلي فقد جعلتك حاملة مشعلي. جسيكا: ما تقول؟ أبيدي أحمل النور الذي يكشف فضيحتي، على كونها أجدر بالإخفاء لشدة وضوحها. لا بد لي من الاستتار. لورنزو: حسبك استتارًا يا حبيبتي في ثوب الوصيف، أسرعي لأن الليل يتقدم ونحن منتظرون في وليمة باسانيو. جسيكا: سأقفل الأبواب وأجلب ما أستطيعه من الدوقيات. (تتوارى من النافذة) غراتيانو: حلفت بقبعتي إنها لطيفة وليست يهودية. لورنزو: أقسم لكم إنني أحبها بكل جوارحي، لأنها حصيفة متبصرة — على ما أستخلص، ولأنها جميلة على ما أرى، ولأنها مخلصة — على ما تبينت، فبالنظر إلى كونها عاقلة حسناء طاهرة، قد أقررت منزلتها في قلبي مدى العمر «تحضر جسيكا» سرعان ما حضرت. لننصرف يا سادة. إن إخواننا المتنكرين ينتظروننا. (يذهبون إلا غراتيانو ويحضر أنطونيو) أنطونيو: من الشخص؟ غراتيانو: ألست السنيور أنطونيو؟ أنطونيو: أف يا غراتيانو! أين الآخرون. الساعة التاسعة. وأصدقاؤنا في الانتظار. ستتلف زينة الليلة لأن العواصف هبت وباسانيو مبحر بعد هنيهة، وقد أرسلت عشرين نفسًا في طلبكم. غراتيانو: حبذا ما تبشرني به فلا شيء أحب إلي من الإقلاع، ولو في مثل هذا الليل. (ينصرفان) المشهد السابع بلمنت — مزارة في قصر برسيا (صوت معازف — تدخل برسيا وأمير مراكش وتبعهما) برسيا: لترفع هذه الستارة، وليدلل هذا الأمير النبيل علي الصناديق الثلاثة «يرفع الحجاب وتظهر الصناديق، أحدهما ذهب، والثاني فضة، والثالث رصاص» الآن تخير. الأمير «متأملًا»: الأول من ذهب ومكتوب عليه: من اصطفاني فقد مًا تمنت الناس وصلي الثاني من فضة ومكتوب عليه: من انتقاني فإني أهل له وهو أهلي الثالث من رصاص ومكتوب عليه: من ابتغاني فأعزز بما يهين لأجلي كيف أعلم أنني أحسنت الانتقاء؟ برسيا: أيها الأمير في أحد هذه الصناديق رسمي، فإن اهتديت إلي الصندوق الذي هو فيه فإني لك. الأمير: لينطقني الله بالصواب. سأعيد قراءة الأبيات المنقوشة بادئًا من أخيرها: من ابتغاني فأعزز بما يهين لأجلي علام المجازفة بكل شيء: أللحصول على رصاص؟ هذا الصندوق مشئوم الطالع. الرجل الذي يخاطر بكل شيء جدير بأن يتطلب من وراء ذلك فوائد وافية. النفس العالية لا تتدانى لالتماس مثل هذه المادة المستخسة. ماذا يقول صندوق الفضة؟ من انتقاني فإني أهل له وهو أهلي قف قليلًا يا أمير مراكش. زن قيمتك وزن إنصاف. لو رجعت في الحكم إلى ما تقوم به نفسك لأغليت. ولكنك مهما تغال، وتكن على حق، فربما لم تكن بالغًا من القدر ما يؤهلك لهذه الغيداء، على أنني لو نظرت من جهة أخرى لما جاز الارتياب في قدري، ولا الإزراء على نفسي. ما أستحق؟ أنا كفء لهذه الحسناء بمحتدي وبجاهي، وبجمال ملامحي، وأدبي، وخصوصًا بحبي. لعل الهدى في وقوفي ههنا؟ بل لنقرأ ما على صندوق الذهب: من اصطفاني فقد مًاتمنت الناس وصلي معناه أن كل إنسان يتمنى ربة هذا القصر، وأن الخطاب من كل أطراف الدنيا يسعون لتقبيل الوعاء المشتمل على هذه الحوراء الدنيوية. فمن جهة قد تحولت فدافد أركانيا، وفيافي بلاد العرب إلي مسالك يسلكها الأمراء قادمين من كل صوب لمشاهدة جمال برسيا، ومن جهة ثانية قد أصبحت مملكة الماء التي تشمخ بأمواجها إلى السماء غير مانعة من توافد الأجانب يجوزونها كما تجاز الأنهار الصغرى، ليشاهدوا جمال برسيا. في أحد هذه الصناديق الثلاثة رسمها المعشوق، أيحتمل كونه في صندوق الرصاص؟ من الإثم هذا الظن. وذلك الجسم لا يليق أن يوضع، حتى بعد الوفاة، في مثل هذا المعدن الحقير. أفيكون الرسم إذن في الفضة، وقيمة الفضة أقل عشرة أضعاف من قيمة الذهب الخالص. وهل يعقل أن توضع لؤلؤة غالية هذا الغلاء في شيء أدنى من الذهب؟ توجد في إنجلترا سكة مصور عليها ملك، ولكن الملك على ظاهرها، أما هاهنا في ضمن مهد من الذهب. أعطوني المفتاح قد استخرت الله. برسيا: هذا مفتاحه يا أمير، فإن كان رسمي فيه فإني جاريتك. الأمير «بعد فتح صندوق الذهب»: يا للعنة! ماذا أرى؟ هيكل ميت! وفي عينه الفارغة قرطاس؟ لنقرأ ما في القرطاس: قل كائنًا من كنت عن ثقة ما كل براق من الذهب عظة هي الكنز النفيس فلا بدع إذا ثبتت على الحقب لو كان رأيك غير مختلط في حين شعرك غير مختضب ما عدت هذا العود في ندم وبمثل هذا الرد لم تجب (بعد قراءة الأشعار يقول متمما) لقد أضعت وقتي. وداعًا أيها الغرام المحرق! سلام عليك أيها القلب الذي لا يكترث! لقد أثخنت جراحي يا برسيا. ولكن لا أطيل العتاب، بل أنصرف كما يليق بمن قامر فخسر. (يخرج) برسيا: لقد نجونا منه والحمد لله. أسدلوا الأستار، ولا كان اختيار مشاكليه في اللون إلا كاختياره. (تخرجان) المشهد الثامن البندقية - جادة [يدخل سالارينو وسالانيو] سالارينو: أيها الصفي سالانيو رأيت باسانيو مقلعًا، يصحبه غراتينو، وأنا موقن أن لورنزو لم يكن في سفينتهما. سالانيو: ذلك اليهودي الفاجر أيقظ الدوق بصخبه وصراخه، فذهب إلى سفينة باسانيو وفتش فيها. سالارينو: جاء بعد أن أقلع المركب، لكنه سمع أن لورنزو وعشيقته جسيكا شوهدا معًا في زورق، ووكد له أنطونيو توكيدًا لا يحتمل الريب أنهما لم يكونا في سفينة باسانيو. سالانيو: لم أر قط سخطًا أشد التباسًا وغرابة وجنونًا من سخط ذلك اليهودي السافل، الذي كان يطوف الأسواق منتحبًا صائحًا: بنتي. دوقياتي. وا بنيتا. فرت مع مسيحي. وا دنانيري المتنصرة! الإنصاف باسم القانون. دوقياتي. بنتي. كيس. بل كيسان من الدوقيات، فرادى ومزدوقات اختلستهما سليلتي واحترست بجانبها مصوغات جمة وألماستين نادرتين ثمينتين. ذلك سرقته ابنتي وكل ذلك معها الآن. سالارينو: الأدهى أن صبية البندقية يتعقبونه صائحين: ألماساتي. بنتي. دوقياتي. سالانيو: أخشى أن يتأخر أنطونيو عن الوفاء في الأجل فيغرم قيم هذه المسروقات كلها. سالارنيو: ذكرتني — حين ينفع التذكير — أمرًا سمعته أمس من أحد الفرنسيين وهو أن مركبًا من مراكب بلدنا مشحونًا شحنًا غاليًا قد ارتطم في المضيق الذي بين فرنسا وإنجلترا، فلما طرق أذني هذا الخبر فطنت لأنطونيو وتمنيت سرًّا ألا يكون ذلك الموسوق من مراكبه. سالانيو: ما أجدرك أن تبلغ أنطونيو ما سمعته، ولكن مع المراعاة التي تلطف موقع الخبر من نفسه. سالارنيو: ما من رجل في العالمين أصدق ودادًا من أنطونيو. حضرت وداعه لباسانيو وسمعته يقول له: «لا تعجل عودتك كما تقول، ولا تهمل شئونك من أجلي، بل امكث ما دعت الحال. أما صك اليهودي فلا تخطره على بالك، ولا يشغلك عن غرامك، كن فرحًا واقصر همك على إرضاء من تحب بأجمل ما تستطيع من الأساليب.» وبعد ذلك صافحه بقوة ممتنعًا من النظر إليه، لأن عينيه كانتا مغرورقتين بالدموع، ثم تفارقا. سالانيو: أعتقد أنه إنما يعيش لخدمة صديقه. لنذهب إليه فنحاول بما في وسعنا من الوسائل أن نخفف من تلك الكآبة التي لا تفارقه. سالانيو: هلم، هلم. [يخرجان] المشهد التاسع بلمنت — مزارة في قصر برسيا [تدخل نريسا يتبعها خادم] نريسا: أرجو أن تسرع بإماطة الحجاب فقد حلف أمير أراغون يمين الموافقة على الشرط وسيحضر عما قليل للتخير. [صوت أبواق] [يدخل أمير أراغون وبرسيا وحشمهما] برسيا: هذه هي الصناديق، أيها الأمير النابه، إذا اخترت منها ما فيه رسمي عقد لك علي فورًا، وإن أخطأته كان عليك يا مولاي أن تنصرف من هذه الديار دون أن تنبس ببنت شفة. الأمير: القسم يقتضي ثلاثة شروط؛ أولها: ألا أخبر أحدًا بالصندوق الذي وقع عليه اختياري، وثانيها: إذا لم أضع يدي على الصندوق الرابح أن أمتنع من الزواج بتاتًا بعد ذلك، وثالثها: إن لم أوفق لما جئت في التماسه أن أعود أدراجي من ساعتي بلا اعتراض. برسيا: هذه هي الشروط. الأمير: أنا مستعد لها، فأسعدني أيها البخت، وحقق آمالي منعمًا. أمامي الذهب والفضة والرصاص، ماذا يقول الرصاص؟ من ابتغاني فأعزز بما يهين لأجلي شكلك لا يعد بشيء يخاطر عليه. ماذا يقول صندوق الذهب؟ لنقرأ ما هو ذلك الشيء الذي يتمناه الأكثرون. لا نزاع في أنهم يعنون بالأكثرين جمهور العامة الذين تغرهم الظواهر، لاكتفائهم بشهادة النظر عن تبطن السرائر فهم كالخطاف الذي يبني أعشاشه فيما برز من أعالي الجدران، فيتعرض بذلك للطوارئ والآفات. لن أختار ما يشتهيه السواد كراهة مني لمماشاة السوقة، والاختلاط بالطغام الجاهلين، فإليك الالتفات أيها الكنز النقي. أعد علي عبارتك المنقوشة: من انتقاني فإني أهل له وهو أهلي ما أحسن هذا المقال! لا ينبغى لأحد أن يخادع القدر، ويصيب من العز أو الجاه أو القدر ما ليس به جديرًا. حبذا لو كانت الأموال والألقاب والرتب بالكفايات لا البراطيل، إذن لنزعت أعشاب سوء لا تحصى من محصول الكرامات الصحيحة ولأخرجت غلال قيمات من أكداس التبن الذي لا قيمة له. لنرجع إلى شأننا: أحسبني كفئًا لها. أعطوني مفتاح هذا الصندوق فأرى ما فيه. [يفتح الصندوق] برسيا: الذي وجدته لم يكن حقيقًا بالزمن الذي أضعته فيه. الأمير: ماذا أرى؟ رسم أبله يقدم لي قرطاسًا. أي شيء في هذا القرطاس؟ ما أقل مشاكلة هذا الرسم لرسم برسيا! وما أبعد جوابه عما التمسته آمالي! ألم أكن جديرًا إلا برسم أبله؟! أهذا كل ثوابي؟! أو لم يلق لي غيره! برسيا: الخصومة والحكومة نقيضان لا يجتمعان في واحد. الأمير: لنقرأ ما في القرطاس: من راضه ألم الخطوب فإنني بالنار قد مُحِّصْت سبع مرار من عاش لم يأمن على طول المدى خطلًا يبادره وسوء خيار في الناس مخدوع يقبل ظله فينال ظل سعادة وفخار وفي خلي العقل مثلي بينهم في مظهر متألق غرار أنى تكن ما أنت إلا مشبهي فاحمل حمولك وانج من ذي الدار مهما أطل الإقامة هنا بعد ما كان فلا أزداد إلا ظهورًا بمظهر الحماقة. جئت برأس أبله وأعود برأسين. أستودعك الله أيتها الزهراء. سأبر بقسمي لأحسن تملك نفسي وكظم غيظي. [يخرج الأمير مع حاشيته] برسيا: كذا احتراق الفراشة بالنور. هؤلاء المجانين الذين جفت حواسهم لم يبلغوا من المهارة إلا إتقان الخسارة. نريسا: صدق من قال إن المشنقة قضاء والزواج نصيب. [يدخل خادم] الخادم: أين السيدة؟ برسيا: ها هي ذى. ما تبتغي منها؟ الخادم: يا سيدتي بالباب رجل من البندقية جاء مبشرًا بقدوم مولاه مهديًا إليك مازجًا من التحيات، وما غلا من الحلي السنيات، حتى لخيل إلي أن شهر نيسان، وهو مزدان بزينات الربيع، لا يتقدم الصيف بأجمل وبأرق مما يتقدم هذا الخادم الأديب مولاه الآتي في إثره. برسيا: كفى، لا تزد، فقد خشيت أن تضيف إلى هذا الإفراط في الثناء أنه من أقربائك. تعالي نرسيا ننقع غلة شوقنا برؤية ذلك الرسول الذي جاءنا بهذه المحامد كلها. نرسيا: باسانيو. وفقه أيها الغرام. [تخرجان] تاجر البندقية
210214
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%AA%D8%A7%D8%AC%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%AF%D9%82%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB
تاجر البندقية/الفصل الثالث
الفصل الثالث المشهد الأول البندقية — جادة [سالانيو وسالارينو] سالانيو: ما أخبار الريلتو؟ سالارينو: ثبت ما شاع عن غرق مركب لأنطونيو ثمين الأوساق في ذلك المضيق الذي يسمونه على ما أظن جودونس، وهو مكان بعيد الغور، دفن فيه ما لا يحصى من الجواري المنشآت، إن صح ما تزعمه العجائز المنبئات. سالانيو: معاذ الله أن يكون ما سمعته إلا بهتانًا من أسخف قعيدة أكلت فطير البرطمان، وأوهمت جاراتها أنها تبكي ثالث أزواجها. ولكن النبأ الصحيح الذي يبعث الأسى والأسف هو باختصار القول — منعًا للإسهاب وأخذًا بالمألوف من الكلام — أن أنطونيو النبيل، أنطونيو النزيه، أنطونيو الجدير بأشرف النعوت التي نعت بها إنسان … سالارينو: هلم إلي الواقع. سالانيو: ماذا تقول؟ الواقع … هو أن أنطونيو فقد مركبًا. سالارينو: عسى أن تقف خسارته عند هذا الحد بإذن الله. سالانيو: أبادر بالتأمين مخافة أن يعارض الشيطان هذا الدعاء، ولا سيما وها هو ذا الشيطان بنفسه قادم إلينا في زى يهودي. [يدخل شيلوك] سالانيو «متممًا»: شيلوك! ما أخبار التجارة في مصفق الريلتو؟ شيلوك: أنت أعلم من علم بفرار ابنتي. سالارينو: لا جرم أنها فرت، وأنا أعرف الخياط الذي صنع لها ما طارت به من الأجنحة. سالانيو: وشيلوك كان يعلم أيضًا أن للطائر ريشًا، وأن العصافير متى راهقت سنًّا معلومة، فارقت وكر أبويها. شيلوك: لتهلك بما خطئت. سالارينو: لا محالة أنها هالكة إذا كان الشيطان قاضيها. “شيلوك: يثور بي دمي ولحمي. سالارينو: أف لك من فاسق مزمن، أفي هذه السن تخطر لك الشهوات؟! شيلوك: أعني ابنتي، وهي لحمي ودمي. سالارينو: بين بدنك وبدنها من الفرق ما بين السبج والعاج، وبين دمك ودمها من البون مثل ما يختلف النبيذ الأحمر عن النبيذ الأبيض. لكن أنت مخبرنا: أعلمت أن أنطونيو أصيب بخسارة في مشحوناته بحرًا؟ شيلوك: وهذه مسألة لم تكن لي رابحة. مفلس مسرف لا يجرؤ أن يتراءى في الريلتو — بائس … كان يجيء المصفق متبخترًا حذار أن يتأخر عن الوفاء في صكه. كان يدعوني مرابيًا. إياه أن يغفل ميعاد خطه. كان يقرض النقود إقراض نصارى علي سبيل الإحسان. ليخشى أن يبطئ عن أداء ما عليه في حينه. سالارينو: ما أظنك إن تأخر عن إعطائك المال تتقاضى بضعة من لحمه. أتفيدك في شيء؟ شيلوك: تفيدني في إعداد طعم للسمك! ألا يكفي أن أستخدمها في شفاء غليلي، والانتقام لنفسي. هو الذي جلب علي التحقير والإزراء، وحال دون اكتسابي نصف مليون فوق ما اختزنت. سخر من خساراتي، وهزئ من أرباحي وسب قومي، وعارض أعمالي، ونفر مني أصدقائي، وأهاج أعدائي. ولم كل هذا؟ لأنني يهودي. أليس لليهودي عينان؟ أليس لليهودي يدان وأعضاء وجسم وحواس ومودات وشهوات؟ أليس غذاؤه مما يتغذى به النصراني؟ أليست الآلة التي تجرح أحدهما تجرح الآخر؟ أليس العلاج الذي يشفي ذاك يشفي هذا؟ أليس الشتاء والصيف واحدًا لكليهما؟ ألسنا إذا وخزتمونا ننزف دمًا، وإذا دغدغتمونا نضحك، وإذا سقيتمونا السم نموت، وإذا آذيتمونا ننتقم؟ فنحن نشبهكم بهذا كما نشبهكم بكل ما سواه. أما جزاء اليهودي الذي يضر بمسيحي أن يثأر منه؟ إذن فاليهودي وقد ائتسى بأسوة النصارى أن يثأر منهم إن أضروا به. سأعاملكم بمثل الشدة التي تعاملوني بها أو أزيد. [يدخل الخادم] الخادم: أيها السيدان! مولاي أنطونيو يبتغي لقاءكما وهو الآن في داره. سالارينو: نحن في البحث عنه منذ هنيهة. [يدخل طوبال] سالانيو: ما أشبه الليلة بالبارحة، ومن توخى ثالثًا لهذين اليهوديين الأخوين لم يجده إلا أن يتهود الشيطان. [يخرج سالارينو وسالانيو والخادم] شيلوك: ما وراءك يا طوبال؟ أوجدت ابنتي في جنوا؟ طوبال: خوطبت عنها في أماكن جمة، ولكنني لم أتوصل إلى عرفان موضعها. شيلوك: يا للخسران! اختلست مني ألماسة بيعت علي في فرانكفورت بألفي دوقي، الآن قد طفقت اللعنة تحل على أمتنا حلولًا لم أشعر به من قبل. ألفا دوقي فقدتها عدا مصوغات أخر غالية، وأي غلاء. من لي بابنتي ميتة عند قدمي والألماستان في أذنيها؟ من لي بها ممدودة هنا أمامي على وشك أن تحمل في نعش وتحمل معها الدوقيات؟ عجبًا أما من نبأ عنها — هكذا — ويعلم الله كل ما سأنفقه حتى أجد تلك الضالة خسارة فوق خسارة: كذا للسارق وكذا للباحث عنه. ثم لا ترضية ولا انتقام، كل الرزايا تنصب على رأسي وحدي، فلا زفرة إلا ما تصعده أنفاسي ولا عبرة إلا ما تصوبه عيناي. طوبال: لست فذًّا في تعرضك للنوائب، فقد علمت في جنوا أن أنطونيو. شيلوك: ماذا تقول؟ ويل ويل … طوبال: فقد سفينة من سفنه قادمة من طرابلس. “شيلوك: حمدًا لله، حمدًا لله، أيقين؟ أيقين؟ طوبال: كلمت نواتية نجوا من الغرق. شيلوك: وحمدًا لك يا صديقي طوبال. نعمت الأخبار، نعمت الأخبار. أين؟ في جنوا؟ طوبال: سمعت أن كريمتك أنفقت ثمانين دوقيًّا في ليلة واحدة بجنوا. شيلوك: تطعنني بخنجر في قلبى. لن يعود إليّ ذهبي، ثمانون دوقيًّا صبرة واحدة، ثمانون دوقيًّا؟ طوبال: في رجوعي إلى البندقية تسقطت من أقوال بعض الذين يدينون أنطونيو أنه لا بد له من التفليس. شيلوك: يا فرحًا بما قالوا! سأعذبه. سأنكل به … يا للسرور! طوبال: أراني أحدهم خاتمًا نفحته كريمتك به لتحلية قرد أعجبها. شيلوك: ويحها من تاعسة! تقتلني يا طوبال! تلك زبرجدتي التي اشتريتها من ليحا أيام عزوبتي، ولو أعطيت بها فرقة من القردة لما أعطيتها. طوبال: لكنه ثابت أن أنطونيو قد خرب. شيلوك: نعم. هذا يقين كل اليقين. اذهب يا طوبال، أوجد لي سجانًا تجعله تحت تصرفي، قبل حلول الأجل بأسبوعين. فإن لم يؤد ما عليه لم يكن لي بد من تمزيق قلبه، ومتى خلت منه البندقية ففي وسعي أن أفعل فيها ما أشاء. اذهب. اذهب طوبال. ثم الحق بي في الكنيس. بدار يا طوبال. [يخرجان] المشهد الثاني بلمنت — مزارة في قصر برسيا — الصناديق مكشوفة [يدخل باسانيو وبرسيا وأتباعهما وغراتيانو ونريسا] برسيا: أبتهل إليك ألا تتعجل. تريث يومًا أو يومين قبل الاقتراع، فإذا ساءت خيرتك، لم يفتنا أنسك وعشرتك. رويدك رويدك. في قلبي شيء — وهذا الشيء ليس بالغرام — يوحي إلي أن فقدك مساءة لي. على أن مثل هذا الوحي لا يجيء من البغضاء. ولأزيدك مكاشفة بما في ضميري، دع أن الأجدر بالفتاة ألا يكون لها من اللسان إلا فكرها، أقول إنني أتمنى استبقاءك هاهنا شهرًا أو شهرين قبل المخاطرة بمستقبلك من أجلي. وقد يجيش بي أن أعلمك كيف تحسن الخيرة، لكنني إذن أكون حانثة، ومعاذ الله أن أكونها أبدًا. إلا أنني لو أرشدك وتعذر عليك الفوز بي، لاشتد أسفي، من كوني لم أحنث. ويحي! إن عينيك نظرتاني فقسمتاني إلي شطرين: شطر لك وشطر لك! كان ينبغى أن أقول — لي — في الثانية لكن سبق لساني، لأنني لك وما بقي لي فهو إذن لك. يا للقضاء الجائر أقام حاجزًا بين المالك وملكه فأنا لك، ولكنني ربما لا أكون لك. فإذا جرى الحكم على هذا فلا وقعت التبعة إلا على مصدر الحكم لا علي. أفرطت في الثرثرة، ولكن لا لإضاعة الوقت بل لإطالته بتأخير اقتراعك. باسانيو: دعيني أختر فإني في أشد العذاب. برسيا: في أشد العذاب يا باسانيو، فلا بد من خيانة تحت هواك، والأولى أن تقر بها. باسانيو: لا خيانة، ولكن خشية فقدي من أهواه، وقد يكون أيسر أن تأتلف النار والثلج من تأتلف الخيانة وحبي. برسيا: سوى أنني أخشى أن يكون كلامك إكراهيًّا أشبه بما يجريه الألم على الألسنة قسرًا. باسانيو: عديني بالحياة أعترف لك بالحقيقة. برسيا: اعترف وعش. باسانيو: كان يجب أن تقولي؛ أقرر وأحبب، لأن إقراري لا يزيد عن معنى هاتين اللفظتين، ما أعذب ذلك العذاب الذي يعلمني مسببه كيف أنجو منه. لكن دعيني أعرف بختي بين هذه الصناديق. برسيا: إليها، وأعانك الله. إني في أحدها، فإن كنت لي محبًّا اهتديت إليّ — «إلى الأتباع» أي نريسا، أي هؤلاء جميعًا، تنحوا قليلًا — لتعزف الموسيقى مدة خيرته، فإن خسر كانت نهاية هوانا في النغم، كنهاية ذلك الطائر العوام الذي لا يجيد في حياته إلا صوتًا يتغنى به قبيل وفاته. ولإتمام الشبه أجعل عندئذ عيوني الماء الصافي الذي يقضي فيه ذلك الهوى نحبه. أما إذا كسب فكيف يكون النغم إذن؟ ليكن نفخًا في الأصوار بعيد الصدى، كما يكون حين تجثو الرعية المخلصة لدى ملكها المتوج حديثًا، أو كذلك اللحن الشجي الذي يشدوه السعد في أذن الخطيب صباح اليوم الذي تتحقق فيه أحلامه، ويتأهب لعقد القران علي عتبة الهيكل. ها هو يتقدم بأقل جلالًا ولكن بأكثر غرامًا من الفتى الشجاع «السيد» حين أنقذ البتول التي قربتها قبيلة طروادة باكيةً منتحبةً للوحش البحري. على أنني أشبه بتلك الفتاة المقدمة للتضحية. أجد الذين حولي مستعدين كالطرواديين يتوقعون الختام وأقول: أمامًا يا هرقل، عش فأعيش — أنا شاهدة القتال سوى أنني أشد تأثرًا منك يا من يقدم عليه. [تسمع الموسيقي خلال نظر باسانيو في الصناديق وتشاوره] صوت ينشد: أين مكان الهوى ومنبته في العقل أم في الفؤاد مولده ومن مباهٍ به الجلال فقد دال من المالكين أيّده آخر ينشد: تلك العيون السواهي للحب هن مهود إن يسقه اللحظ نارًا قضى وهن اللحود الجمع ينشد: ليهتف هتاف الأسى ويسمع نواح الأسف يخف صريع المنى ويودى سريع الشغف باسانيو: نعم يقرب من الاحتمال أن أبهج غلاف بظاهره يحتوي على أشنع شيء. هكذا تخدعنا زينات الناس في الغالب من الأمر. أتوجد في القضاء دعوى سيئة لا يتولى الدفاع فيها منطيق مقنعٌ يغطي معايبها بتأثير فصاحته؟ أيوجد في العقائد خطأ مهلك لا يجهد أحد المتنطسين العابسين أن يحلله بنصوص قاطعة ويخبئ ما به من السم تحت أزهار يزينه بها؟ هل في المثالب واحدة لا تلبس لدى الإبصار بعض ملابس المحامد؟ كم من جبان لا تختلف شجاعته عن مدرجة من الرمل ولكنه يغشى ذقنه بمثل لحية هرقل الصنديد أو لحية المريخ العنيد. لو استشفت بواطن هؤلاء الرعاديد لوجدت أكبادهم بيضاء كاللبن، سوى أنهم سرقوا تلك الإمارات المهيبة ليداجوا بالبطش والبأس. انظروا إلى الجمال تجدوا جواذبه مجلوبة من حانوت التاجر، ومن غريب ما تحدثه الطبيعة في هذا الباب أن أكثر النساء حمولة من المحاسن المستعارة، هن اللواتي لا يطول الزمن بزيناتهن! فإذا رأينا عند بعضهن ذلك الشعر الذهبي الذي تتلوى ضفائره تلوي الثعابين، وتتجارى بين غدائره لواعب النسمات لم يكن إلا زخرفًا باطلًا ورثه الرأس المتباهي به عن رأس أصبح باليًا في القبور. فالتبرج إذن ليس إلا زينة الشاطئ الذي ينزل منه إلى البحر الزاخر بالأخطار، أو هو الشف اللماع، الذي تحتجب وراءه هجنة هندية. أو هو ما ترتديه الحيلة من مشابهة الحقيقة لتأخذ الحكيم في أشراكها. لهذا أنبذك أيها الذهب البراق طعام ميداس، كما أنني أنبذك أيتها الفضة فإنما أنت ذلك المعدن الشاحب والأداة المبتذلة في التداول بين الناس. أما أنت أيها الرصاص المستخس الذي لا يغش العيون، والذي تغرير سذاجته الصامتة أشد من إغراء الفصاحة، فإياك أختار لعلك تكون مخبأ سعدي، ومبعث هنائي. برسيا: أرى كل العوامل قد تبددت في الهواء من هم مقلق، وخوف مؤرق ويأس ليس بإحدي الراحتين، وغيرة مخضرة العين، حاشاك أيها الغرام الذي استباح قواها، واستبى حماها، فبحقك إلا ما ترفقت بي؟ وتلطفت لي، وخففت من غُلوائك، وهدأت من سورة سرائك، فقد خشيت أن ينوء بحملك قلبي، ويقضى بفضلك نحبي. باسانيو [فاتحًا صندوق الرصاص]: ماذا أرى؟ أرسم برسيا؟ أي ملك تنزل من سمائه فتجلى في هذه الصورة الإنسية؟ يا عجبًا لهاتين الحدقتين؟ أهما تتحركان أم أنا واهم؟ يا عجبًا لهذا الثغر! لم تكد شفتاه الرقيقتان تفترقان على ما بينهما من الهوى إلا لتأذنا أرج الأنفاس بتعطير الهواء. يا عجبًا لذلك الشعر! كأن أمهر الرسامين عندما نظمه قد حاك من خيوطه الذهبية حبالة تؤخذ بها القلوب، كما تؤخذ دقاق الوام بنسج العنكبوت. ولكن البدع كل البدع في العينين، كيف استطاع ذلك المصور أن يحدق فيهما ليحسن تمثيلهما؟ أما الكمال فانظروه في الأصل لا في النقل. وما أبعد ربة الجمال عن أن يضارعها الخيال. فلأمتع الآن طرفي بما كتبه الخط في هذا القرطاس من آيات سعدي: [يقرأ] يا من رأى باطلًا فمر به ولم يزغ في طلائه نظره يهنئك العقل لم يصل به مغويه والسعد رابحًا خطره لئن تكن قد حظيت بعد جوى كما يصيب الجزاء منتظره قبل محيا العروس مغتبطًا فالعمر قد طاب والمنى ثمره حبذا هذه الأقوال الشائقة إذنًا أيتها السيدة [يقبلها] أتيت وهذه الورقة في يدي — لأقبل وأتقبل مشبهًا بذلك صاحب الفوز في الصراع المشهود. فهو إذا سمع تصفيق المتعجبين، وتهليل المعجبين، جمد مكانه ونظر حواليه مرتابًا فيما إذا كان ذلك التمداح موجهًا إليه. وما موقفي هذا إلا كموقفه ذاك، أكاد أرتاب فيما أرى وأرقب لتصديق ما جرى أن تجيبيني إلى ما قدمت وتثبتي وتحققي ما اغتنمت. برسيا: أيها الهمام باسانيو ها أنا ذي لديك كما أنا، ولولا أمر جددته في نفسي لاجتزأت بالنعم التي منحتها ولم أستزد. لكنني غدوت متمنية من أجلك لو رجحت ستين مرة على ما أعادل اليوم، ولو كنت ألف مرة أجمل، وعشرة آلاف مرة أوسع جاهًا، فتكبر حظوتي في عينيك، ولو كان لي من الفضائل والمحاسن والأموال والأصحاب عدادٌ لا تنفد. إلا أنني ولا فخر غير خالية من شيء يقدر بقدر فإنما أمامك فتاة معصر نقية غرة، تعتد من لطف العناية بها كونها لم تزل لدنة صالحة للتقويم. ومن سعد طالعها أنها ليست من الجهل بحيث تستعصي على التعليم، ومن تمام نعمائها أن عقلها طيعٌ يدعوها إلى إلقاء زمامها عن رضى بين يديك، والإقرار عن خضوع بأنك سيدها، وأميرها، ومليكها. فأنا وكل ما لي قد أصبحنا لك اليوم، كان قبلًا هذا القصر المشيد قصري، وكنت مولاة خدمي وحشمي، وكان بيدي قياد نفسي. وأما الآن فالدار والتبع والمتبوعة في تصريف بنانك يا ولي أمري. وهبتك أولئك جميعًا. وأزيدك هذا الخاتم الذي أوصيك بحفظه٬ وبأن تحرص كل الحرص من إضاعته، أو فقده، أو مفارقته، فإن ذلك لينذرني بتحول قلبك، ويخولني حق الشكاية منك. باسانيو: لقد أعجزتني يا سيدتي عن التفوه بلفظة واحدة، فما في من متكلم إلا دمي الذي يجيش في عروقي، وأشعر باضطراب في أفكاري أشبه بغوغاء الجمهور إذا ألقى عليهم أمير كريم، كلمات محبته، فاختلطت عواطفهم في إحساس واحد اجتمعت عليه كل تلك النفوس: إحساس الفرح بين صامت، أو صائت، فاعلمي أن حياتي تفارقني قبل أن يفارق هذا الخاتم أصبعي، وإذ ذاك لك أن تقولي: [مات باسانيو]. نريسا: إن سعدكما هذا لسعد طالما تمنيناه، فأجيزا لنا يا سيدي رفع تهنئتنا إليكما: صفاءً وهناءً. غراتيانو: يا سيدي باسانيو ويا سيدتي! أدعو لكما بما تشتهيان من صنوف النعم، واثقًا من أن آمالكما لن تتمادى إلى الإضرار بتحقيق أمانيَّ، وعلى هذا أستأذنكما بأن يكون عقد قراني في نفس اليوم الذي ستعينانه لعقد قرانكما. باسانيو: إذا وجدت الحليلة فإنا لنأذن بارتياح. غراتيانو: لقد ظفرت، ولك الشكر يا سيدي، بالتي أرغب فيها، فإن عيني لا تقلان فراسة عن عينك، وقد لمحت التابعة، كلمحك المتبوعة، فأحببت كما أحببت وشببت كما شببت، وكما كان حظك منوطًا بهذه الصناديق كان حظي منوطًا بنجاحك، إذ إنني بعد تجشمي عرق القربة لاستمالة هذه الغالية، وإبحاحي صوتي في الإقسام لها على صدق غرامي لم أفز منها إلا بوعد: وهو أنها تقترن بي إذا أنت وفقت للاقتران بمولاتها. برسيا: أكذا جرى يا نريسا؟ نريسا: نعم يا سيدتي، إن كان فيه رضاك. باسانيو: أجد ما تقول با غراتيانو؟ غراتيانو: جد في النهاية يا سنيور. باسانيو: نعد من متممات فرحنا أن يقام عرسنا وعرسكما في آن. غراتيانو «لنريسا»: — لتراهن بعشرة آلاف. دوقي على مَن مِن فريقينا يجيء بأول ولد. أسمع قدوم أناس … هذا لورنزو وكافرته، وهذا صديقي القديم سالريو البندقي. [يدخل لورنزو وجسيكا وسالريو] باسانيو: لورنزو وسالريو! مرحبًا بكما، إن كان يسوغ لي على حداثة عهدي هنا أن أحتفي بمواطني وأصدقائي. أتأذنين لي يا برسيا الجميلة أن أرحب بهم؟ برسيا: لقد لقوا أهلًا، ونزلوا سهلًا. لورنزو: حمدًا لك يا مولاتي. أما أنا يا سيدي فلم يكن مقصدي هذا القصر، لكنني صادفت سالريو في الطريق. فلج حتى أوجب مجيئي معه. سالريو: هذا ما حدث يا سيدي، وكان لذلك عندي سبب. إليك كتابًا من السنيور أنطونيو. حملني إياه وأوصاني أن أذكره لديك. [يعطيه الكتاب] باسانيو [قبل فض الكتاب]: كيف صديقي الأعز؟! سالريو: ليس بمريض ولا بمعافى، إلا أن تكون الصحة أو العلة في الروح لا في الجسم، ولكنك ستعلم من رسالته حقيقة حالته. غراتيانو «مشيرًا إلى جسيكا»: نريسا، أكرمي وفادة هذه الأجنبية واحتفي بها. يدك يا سالريو. أي جديد في البندقية؟ كيف أنطونيو أمير التجار وكيف أعماله؟ أنا موقن أنه سيفرح لأفراحنا. نحن من آل جازون قد غنمنا الجـُزازة الذهبية. سالريو: ليتكم كسبتم ما خسر. برسيا: لا بد أن تكون في هذا الكتاب أنباء رائعات، فقد امتقع وجه باسانيو، وما يغير وجه الرجل الكريم مثل هذا التغيير السريع إلا أن يفقد صديقًا من أصفى أصفيائه تهون في جنب رزئه فوادح الأرزاء. عجبًا! أرى ازديادًا في أسفه — إيذن يا باسانيو: إني شطر منك الآن، وأطلب بقوة حصتي من مضمون هذه الرسالة كائنًا ما كانت. باسانيو: يا حبيبتي برسيا! لم تسود الصحف في يوم من الأيام بمثل ما سودت به هذه الصحيفة من السطور المشئومة. عندما فاتحتك بغرامي لأول عهدنا، أقررت لك بأن ما بقي من ثروتي لم يكن إلا الدم الجاري في عروقي: دم ماجد شريف. على أنني أيتها الصفية الرقيقة، مع صدقي بإبلاغك أنني لم أكن شيئًا مذكورًا، قد غاليت فقومت نفسي، بما يفرق قيمتها كثيرًا، وكان الأجدر بي أن أصارحك بأنني أقل من لا شيء: ذلك لأنني استخدمت ضمان صديق عزيز للحصول على مال أقضي به حاجاتي، فعرضته بذلك لألد أعدائه وأشد مبغضيه. هذا كتاب يا سيدتي درجه جسم صاحبي، وكل كلمة في الدرج. جرح ثخين في الجسم يتدفق منه الدم وتندفع في أثره الحياة. ولكن أحق يا سالريو أن كل تلك المواسق نكبت؟ عجبًا! ألم ينج واحد منها؟ أَوَلَم تصل سفينة فذة من تلك السفائن العائدة من «طرابلس» أو «المكسيك» أو «إنجلترا» أو «لشبونة» أو «الهند» بلا استثناء؟ أكلها أبادته الصخور، وألقت به في أعماق البحور؟ سالريو: كلها باد بلا استثناء. ومما يزيد الشجن أن اليهودي، فيما ظهر منه وتحقق، يأبى المال لو رد إليه الآن. ذاك مخلوق، على كونه في شكل إنسان، ما رأيت في غابر أيامي أشد منه تكالبًا للتنكيل بخصمه، فهو من الصباح إلى المساء لاحق بالدوق ملح أو ملحف يتقاضى شرطه مجاهر بأنه لا يبقى للعدل في الحكومة معنى إذا لم يعن على استيفاء حقه، وقد خاطبه عشرون من التجار كما خاطبه الدوق نفسه، والملأ الأكرمون من الأعيان ليعتدل في أربه، ويعدل عن طلبه فأبى مصرًّا، ولم يتمكنوا من تليين قلبه الجافي المليء بالضغن. جسيكا: عندما كنت معه سمعته بحضرة طوبال يهمس لمشايعيه في الدين يقول: إنه يؤثر البضعة من لحم أنطونيو على عشرين ضعفًا للقدر الذي أقرضه إياه، وأنا متحققة من أن أنطونيو المسكين إذا لم يؤازره القانون أو أولياء الحل والعقد لم يفلت من مخالب الخطر. برسيا: أذلك الرجل الواقع في هذه الأزمة الشديدة حبيب إليك، عزيز عليك. باسانيو: هو أصفى إخواني وأوفى أخداني، هو في الرجال الأشهم الأمجد، الأكرم الأعود، هو الإنسان الذي تتراءى فيه الروح الرومانية أصفى ما كانت، وأنقى ما هي كائنة في نفس إنسان من بني إيطاليا. برسيا: ما الذي عليه لليهودي؟ باسانيو: عليه له ثلاثة آلاف دوقي أخذتها أنا. برسيا: أهذا كل المقدار؟ اردد إليه ستة آلاف، وليمزق ذلك الخط. ضاعف له هذا الزهاء، أو أعطه ثلاثة أمثاله حرصًا على شعرة من رأس صديق كهذا أن تضيع لأجل باسانيو. اصحبني بعد هنيهة إلى الكنيسة لتتخذني عروسًا لك، ثم اذهب من فورك إلى البندقية لإسعاف صاحبك، إذ إن برسيا لا ترضى إقامتك بجانبها ونفسك قلقة، وأيما مبلغ من الذهب وجب لإيفاء ذلك الدين الصغير، حتى لو أربى على أصله عشرين ضعفًا، حمل إليك بلا إبطاء فإذا قضيت هذا الحق عدت بصاحبك لنأتنس به، وفي خلال هذه المدة سأعيش أنا ونريسا عيشة بتولين وأيِّمين. هلم بنا، وإذا كان قد تحتم عليك هذا السفر في يوم عرسك فلا يصددك ذلك عن الهشاشة لإخوانك، ولا يروا منك إلا وجهًا ضحوكًا. سأغلي قدرك بنسبة ما قد أغليت مهرك، ولكن فاتك أن تسمعنا شيئًا مما كتبه صاحبك. باسانيو [قارئًا]: «صديقى باسانيو. ارتطمت جميع مراكبي، وأصبح الدائنون لي بلا شفقة. شئون تجارتي في درك الانحطاط، ولم يتسن لي افتكاك نفسي من حق اليهودي في الأجل المضروب، ولما كنت لا أستطيع التحرر مما علي إلا أن أفتدي الدين بحياتي، راجيًا أن أراك قبل وفاتي، وما أكلفك المجيء إلا تبعًا للتيسير، وعلى أن يكون باعثه وحي الصداقة إليك لا تثقيل هذا الكتاب عليك. برسيا: أي حبيبي! تجهز عاجلًا، وسر. باسانيو: أما وقد أذنتني بالسفر فإني لمبادر، ولن آوي إلى مضجع أو ألتمس شيئًا من الراحة فيعوقني أدنى عرق عن سرعة الرجوع. [يخرجان جميعًا إلا برسيا ونريسا وبلتزار] المشهد الثالث البندقية — جادة [يدخل شيلوك، سالانيو، أنطونيو، سجان] شيلوك: سجان، احرص عليه. لا تلتمس مني رحمة. هذا هو الأبله الذي كان يقرض النقود احتسابًا. سجان، إياك أن يفلت. أنطونيو: تفضل بالصغو إليَّ أيها السميح شيلوك. شيلوك: أتقاضى حقي ولا أريد أن أسمع كلامًا في هذا المعنى، أقسمت إلا ما تنجزت حقي. لقد كنت تدعوني كلبًا بلا ذنب مني، فإن كنت الكلب الذي تصفه فاصبر لنكز أنيابي. سينصفني الدوق. من العجب أيها السجان البليد أنك تلين له هذه الليونة، وتخرجه من معتقله إجابة لملتمسه. أنطونيو: أتوسل إليك أن ترعيني سمعك. شيلوك: أطلب حقي ولا أرعيك سمعي، حسبك ضراعة لا تفيد، لست من أولئك الأغبياء الذين إذا استعطفوا هزوا رءوسهم، ونفسوا كربهم بتصعيد أنفاسهم، ثم أجابوا النصارى إلى رغائبهم. دع متابعتي. لن أستمع لك إنما أتقاضى حقي. [يخرج] سالانيو: لم يرزأ الناس ومعاملاتهم بأظلم من هذا الضاري. أنطونيو: عد عنه. حسبي لحاقًا به وتضرعًا إليه بغير جدوى. يبغي حياتي وأعرف السبب في ذلك: فهو ينتقم لإنقاذي من مخالبه غير واحد من المقترضين الذين استعانوا بي عليه، وهذا سر بغضائه. سالانيو: يقيني أن الدوق لا يأذن بإنفاذ تعهد كهذا. أنطونيو: لا يستطيع الدوق منع القانون من الجري مجراه، فإذا أرابت الحكومة في تأويله أساء الأجانب ظنهم بعدلها، وخشوا على الامتيازات المخولة لهم، فكان في ذلك خطر على مدينة كالبندقية قوام ثروتها تجارتها مع الأمم الأخرى. لننصرف، إن أحزاني ومصائبي قد شفتني حتى لا أعلم إن كانت قد أبقت لليهودي القدر الذي سيتقاضاه غدًا من لحمي. سر بي أيها السجان. سر بي. عسى الله أن يرسل إليّ باسانيو فأراه، ويراني وافيًا دينه، فأموت عندئذ راضيًا. [يخرجان] المشهد الرابع بلمنت — مزارة في قصر برسيا [تدخل برسيا ونرسيا ولورنزو وجسيكا وبلتزار] لورنزو: أجرؤ أن اقول بحضورك إن رأيك في الصداقة الخالصة رأي صادق شريف، وإنك قد أيدته بتحملك فراق زوجك في مثل هذا اليوم، ولكنك لو عرفت من الرجل الذي تسدينه هذا المعروف، وما شرفه، وما مودته لقرينك، لكنت أشد افتخارًا بهذه المنة منك بأية منة أوليتها من قبل. برسيا: لم أندم مرة على الإحسان، فما أبعدني الآن عن الندم، ولا سيما أن الصاحبين إذا طال تعاشرهما واختلاطهما تآلف قلباهما وتواثقت نفساهما بعرى الصداقة، فلا بد من تشابه بينهما في الخَلْق، أو الخُلُق، ومن ثم اعتقدت أن أنطونيو هذا لا بد أن يكون على شاكلة زوجي، بسبب ما بينهما من متين العلاقة، فالثمن الذي اشتريت به من القسوة الجهنمية ذلك الصديق المخلوق على مثال زوجي لا يكون إلا بخسًا، لكن أراني استدرجت إلى ما يشبه التمدج، فلنتحول عن هذا المعرض إلى معرض آخر. يا لورنزو أرغب إليك في تولي إدارة بيتي إلى أن يعود بعلي، أما أنا فقد ندرت لله سرًّا أن أعيش في النسك، والدعاء. والاعتزال، إلا عن نريسا إلى أن يرجع بعلانا، وسنقيم في دير قريب لا يبعد إلا ميلين عن هذا المكان، فرجائي ألا تمتنع من إجابة هذا الطلب على ما تقضيه المودة وأسباب غيرها أيدات. “لورنزو: أوافق على ما تريدينه يا سيدتي بكل قلبي وما أطوعني لأمرك في كل أمر مشروع. برسيا: سآمر أتباعي أن يكونوا منذ الساعة رهن إشارتك كأنك باسانيو، ورهن إشارة جسيكا كأنها أنا. أستودعكما الله في صحة ونعمة إلى أن نلتقي. لورنزو: منحك الله صفاء البال وصفاء الوقت. جسيكا: أرجو لك يا سيدتي قرة العين ومسرة الفؤاد. برسيا: أدعو لكما بمثل ما دعوتما لي. أراك بخير يا جسيكا. [تخرج جسيكا ولورنزو] برسيا «متممة»: إليك خطابي الآن يا بلتزار، أود لو وجدتك اليوم على ما عهدته فيك من الوفاء والمضاء في الامتثال. فاحمل رسالتي هذه بأسرع ما يستطاع إلى مدينه بادوا، إلى ابن عمي الدكتور بلاريو، فإذا أسلمته إياها يدًا بيد، فتسلم منه الأوراق والملابس التي يعطيكها، وجئ بها كلمح الطرف إلى مرسى السفينة التي تجول عادةً بين القارة والبندقية. لا تضع وقتًا في الكلام، بل سافر وسأسبق إلى الموعد. بلتزار: سيدتي سأبادر جهد المبادرة. [يخرج] برسيا: تقدمي نريسا، أنا عازمة على أمور ما زلت تجهلينها فاعلمي أننا سنلقى زوجينا قبل الوقت الذي يظنان. نرسيا: وهل يبصراننا؟ برسيا: بلا ريب يا نريسا، ولكن في زي يوهم أننا غير منقوصتين ما نقصته أجسام النساء: بمعنى أننا متى لبسنا لبس الفارسين الشارخين راهنتك على ما تشائين، وإني سأتقلد خنجري بلباقة لا يستطيعها الرجل، وسترين كيف أرقق حينئذٍ صوتي فأجعله ناعمًا كصوت الغلام المراهق، وكيف أحول هذه المشية الحيية إلى مشية الذكر المتباهي، وكيف أتكلم عن مشاجراتي تكلم يافع جميل فخور، وكيف أستدر الأكاذيب من حاضر الذهن فأحسن قصصها ذاكرًا العقائل العفيفات اللائي افتتن بحبي، والخرائد المصونات اللائي مرضن أو متن من جفائي إذ لم يكن في وسعي أن أكفهن جميعًا، مبديًا أسفي على اللواتي قضين نحبهن من أجلي، متفننًا في تفصيل أمثال هذه الغرائب والعجائب، حتى ليحلف الرجال الذين يسمعون مني تلك الأقوال أنني لم أفارق المدرسة إلا لعام أو بعض عام خلا. نريسا: على هذا سنقضي حينًا في مخالطة الرجال. برسيا: أف منك وبئس السؤال. لو كان هنا أجنبي لأساء الظن بطهارة نيتنا. هلمي بنا إلى الكنيسة لإتمام العقد، ثم أشرح لك مقصدي في الطريق، وإن أمامنا لمسيرة عشرين ميلًا. البدار، البدار. [تخرجان] المشهد الخامس المكان عينه — حديقة [يدخل لنسلو وجسيكا] لنسلو: نعم، والحق ما أقول: ذلك أن خطايا الوالد تقع على الولد، ولهذا أخبرك عن يقين أني أخاف عليك جد الخوف. وقد جرت عادتي أن أصارحك بفكري. كل فكري، فأنت على علم لا ريب فيه أنك هالكة النفس، وليس بباقٍ لك سوى رجاء غير جدير بالذكر، رجاء لقيط. جسيكا: وأي رجاء هو؟ أتفصح عنه ولك الفضل؟ لنسلو: هو: أن تأملي أنك لست من صلب أبيك، أي أنك لست ابنة اليهودي. جسيكا: عندئذ يكون رجائي لقيطًا كما ذكرت، وإذن تعلق بي تبعات خطايا والدتي. لنسلو: أنا — وما أحدثك إلا بالصدق — أخشى أن تكوني هالكة من جهة الأب ومن جهة الأم معًا، فإذا أردت لك النجاة من ناحية الصخر: أبيك، وقعت بك في ناحية الهوة: أمك. فأنت بتمام الراحة … هالكة من هنا ومن هناك. جسيكا: ولكن يخلصني زوجي الذي جعلني نصرانية. لنسلو: إنه لجدير باللوم المضاعف على فعله هذا! لقد كنا نحن النصارى أكثر عددًا مما تقتضي الحال، وكنا بحيث لا يكاد الواحد منا يكفي أخاه. فهذا التهافت على الاستثكار من المسيحيين سيغلي أثمان الخنازير. وإذا أصبح الناس جميعًا أكلة خنازير فلسوف يأتي وقت لا يتسنى لأحد فيه أن يحصل على كربونات. [يدخل لورنزو] جسيكا: لنسلو سأبوح لزوجي بكل ما قلت لي. ذكرته وها هو ذا. لورنزو: أتعرف يا لنسلو أنني قد قاربت أن أغار منك لفرط ما تتوالى محادثاتك لامرأتي على انفراد. جسيكا: كن آمنًا من هذا القبيل يا لورنزو، إن لنسلو لخصيمي اليوم، فقد قال لي بلا مجاملة أن لا رحمة لي في السماء لأنني ابنة يهودي، ويزعم أيضًا أنك سيئ الوطنية لأنك بتحويلك يهودًا إلى نصارى تغلي ثمن الخنازير. لورنزو: سيكون أسهل علي أن أبرأ من هذا الذنب لدى مواطني مما يسهل عليك أن تبرأ من أحبالك جاريةً سوداء. لنسلو: يحتمل أن لا تكون الجارية السوداء على الحالة التي ينبغي أن تكون عليها، ولكنها إذا كانت قد نقصت شيئًا عما يجب أن تكون المرأة العفيفة فقد زادت شيئًا على ما كان عهدي بها. لورنزو: ما أيسر لعب الحمقى بالألفاظ! أظن أنه لا يمضي زمن حتى يصير السكوت هو العقل، والكلام هو ما يليق بالببغاوات. اذهب أيها الهزأة وقل لحشمنا أن يتأهبوا للعشاء. لنسلو: المائدة ستهيأ والأطعمة ستوضع، وأما أن تذهب لتناول الطعام فهذه مسألة أدع لك حلها كما ترى. لورنزو: ما أعجب هذا الإدراك، وما أغرب تصفيف هذه العبارات بهذه البراعة! هذا الأبله قد جمع في ذهنه جيشًا من النكات، وأعرف غير واحد من علية أهل المناصب محشوين مثل هذا الحشو وينطقون شمالًا ويمينًا بمثل هذه المهاترات، دعينا من هذا ياجسيكا وقولي: كيف أنت ياحبيبتي وما رأيك في قرينة باسانيو؟ جسيكا: فوق ما تصف الكلم. على السنيور باسانيو ذمة أن يسير أحسن سير الرجال، لأنه بحصوله على مثل هذه المرأة قد وجد في الأرض نعيم السماء، وإذا لم يعرف قدر سعادته في الدنيا لم يجدر بأن يفوز بسعادة الأخرى، وايم الحق، إنه لو تراهن إلهان على خطر علوي، وجعلا الرهان امرأتين إحداهما برسيا لوجب أن يزاد في الخطر على الأخرى شيء كثير، ذلك بأنه ليس في الإمكان أن تلقى امرأة كبرسيا في هذه الأكوان. لورنزو: هي في الزوجات ما أنا في الأزواج. جسيكا: هلا سألتني رأيي في هذا الشبه؟ لورنزو: هذا ما سأفعله فيما بعد، فلنبدأ بتناول العشاء. جسيكا: لا، ودعني أمتدحك حين النفس طالبة. لورنزو: بل دعي هذا بغير أمر نجعله حديث المائدة. ومهما تقولي عندئذ أهتضمه مع سواه. جسيكا: حبًّا وكرامة، وسأتولى الثناء عليك. [يخرجان] وليم شكسبير خليل مطران تاجر البندقية
210215
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%AA%D8%A7%D8%AC%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%AF%D9%82%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9
تاجر البندقية/الفصل الرابع
الفصل الرابع المشهد الأول البندقية — دارعدل [يدخل الدوق والأعيان وأنطونيو وباسانيو وغراتيانو وسالارينو وسلانيو وآخرون] الدوق: هل أنطونيو هنا؟ أنطونيو: ها أنا ذا رهين بأمر سموكم. الدوق: إني مكتئب لما نابك، وإن خصمك رجل فاقد الإنسانية عادم الرحمة شديد المراس ميت الإحساس. أنطونيو: نمى إليّ أنكم بذلتم كل مجهود لاستعطافه، فما ازداد إلا جفوة. ولما كان مستمرًّا في عناده، وكان القانون لا ينجيني، تهيأت بجلد لما ترميني به نفسه الخبيثة من الرزايا. الدوق: ليدع اليهودي ويمثل لدى المحكمة. سالانيو: هو بالباب يا سيدي، هو آت. [يدخل شيلوك] الدوق: أفسحوا له فنراه ويرانا مواجهة. شيلوك، يظن غير واحد — وأنا من أصحاب هذا الظن — أنك مصر على ما توحيه إليك البغضاء حتى الدقيقة الأخيرة، فإذا حلت هذه الدقيقة راجعت حلمك، ورجعت إلى وحي الشفقة بما لا يدل عليه هذا التظاهر منك بالقسوة المتناهية، ويزيد أصحاب هذا الظن على ما قدمته أنك ستعدل عن النهج الذي نهجتة إلى الآن من تقاضي بضعة اللحم من جسم هذا التاجر المنكود الطالع إلى ما هو أعرق في الإنسانية، وأبلغ في السماحة، فتترك له نصف المقدار الأصلي من الدين ناظرًا بعين الرحمة إلى ما مني به حديثًا من الخسائر، التي لو مني بها أعظم التجار ميسرة لأعسر، وهو الخطب الذي تلين له النفوس المتصلبة كالنحاس، وترق من جرائه القلوب المتحجرة كالرخام، بل الرزء الذي يرثى له جفاة الترك، ويبكي منه قساة التتار، أعداء كل رفق وأضداد كل كياسة. إنا نرقب إجابتك أيها اليهودي، وعسى أن تكون موافقة. شيلوك: لقد كاشفت سموكم بمقاصدي، وأقسمت بالسبت. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. إلا ما تنجزت منطوق الصك بالحرف، فإذا أبيتم عليَّ ذلك فلتقع تبعة هذا الإباء على أنظمة حكومتكم، وامتيازات مدينتكم. تسألونني علام أوثر بضعة من اللحم الخبيث على استئداء ثلاثة آلاف دوقي. فجوابي: أنه لو قدر كون هذا الطلب إحدى بدوات عقلي لكفى ذلك في إيجابه، فقد يكون في بيتي جرذ ثقيل أطيب للتخلص منه عن ثلاثة آلاف دوقي. أفتبغون مني أسبابًا أُخر؟! … من الناس من لا يطيق رؤية خنوص واسع الشدقين، ومنهم من يرتعد لرؤية سنور، ومنهم من إذا سمع غنة المزمار لم يستطع حقن بوله، ذلك لأن شعورنا هو ذو السلطان المطلق على موداتنا وعلى موجداتنا، وفي يده أزمة ما نحب، وما لا نحب، فان أردتم بعد هذا جوابي فإليكم جوابي: كما أن الإنسان لايستطيع بيانًا لما بغض إليه الخنوص المتثائب وأخافه من السنور الذي لايؤذي، ونفره من صوت المزمار، ودفعه بقوة خفية لا مرد لها إلى التكره من رؤية ما لا يسره، ولو عرضه ذلك ليكون بغيضًا على الآخرين، كذلك أنا. وحسبي داعيًا للتشدد في مقاضاة أنطونيو وإيثار احتزاز لحمه، على استعادتي نقودي منه، تأصل الحقد عليه في دمي، وتمكن الضغن له من فؤادي. أيرضيكم هذا؟ باسانيو: يا للرجل الذي ليست له أحشاء! ما هذا بالعذر الذي يعتذر به عن مثل هذه الحطة. شيلوك: ليس من الضروي أن يعجبك اعتذاري. باسانيو: أكل إنسان يقتل من لا يحب؟ شيلوك: يوجد إنسان لا يحب قتل من يبغض؟ باسانيو: ما كل إهانة تتولد منها البغضاء حتمًا؟ شيلوك: أتريد أن ينكزك الثعبان مرتين؟ أنطونيو: تذكر — رعاك الله — أنك إنما تحاور اليهودي، وأنه أيسر لك من إقناعه أن تقف على الشاطئ وتأمر البحر بالجزر في غير أوانه فيزدجر، أو أن تسأل الذئب لماذا يستبكي النعجة التي افترس صغيرها وتركها تثغو وراءه، أو أن تحظر على صنوبر الجبل تحريك أغصانه الوريقة الشائبة، أو الجهر بحفيف أعواده حين تصدمه الرياح، أو أن تعمل أشق ما يرام عمله، من أن تتوصل إلى تليين أقسى شيء في الدنيا وهو قلب اليهودي. فقدك توسلًا، وحسبك جهدًا، وليصدر عليّ الحكم وشيكًا، ولتكمل مشيئة اليهودي. باسانيو: هذه ستة آلاف درقي بدلًا من ثلاثة الآلاف. شيلوك: لو قسم كل من هذه الدوقيات إلى ستة أقسام وصار كل قسم دوقيًا لما رضيت بها عوضًا ولا ابتغيت إلا إنفاذ الشرط. الدوق: أية رحمة يجوز لك أن ترجوها وأنت لا ترحم؟ شيلوك: ماذا أخشى وأنا لم أصنع شرًّا؟ للأكثرين منكم أرقاء شريتموهم بالأموال، وتستخدمونهم استخدامكم لحميركم، وكلابكم، وبغالكم في أعمال حقيرة، سافلة، بعذر أنهم مما ملكت أيمانكم بالشراء. فلو قلت لكم: أعتقوهم وزوجوهم من بنيكم أو بناتكم، علام هم موقرون بالأحمال؟ لتكن أفرشتهم وثيرة كأفرشتكم، ولتكن أطعمتهم شهية كأطعمتكم — لأجبتموني: هؤلاء الأرقاء، هم ملكنا. وهذا عين ما أجيبكم به، فإن بضعة اللحم التي أطلبها من هذا الرجل، قد ابتعتها بثمن غال، وهي لي، وإياها أقتضي، فإن أبيتموها عليَّ لم تجدر قوانينكم بعد ذلك إلا بالازدراء، ولم ترج طاعةٌ بعد لأوامر البندقية ونواهيها. إني لأرقب حكمكم، وتكلموا، أأظفر بذلك الحكم؟ الدوق: سآمر — وعلي العهدة — بإرجاء الدعوى، إلا إذا وفد اليوم العلامة بللاريو الذي بعثنا في طلبه لنسمع منه الرأي الفصل في هذه المعضلة. سالارينو: مولاي، بالباب رسول من بادوا يحمل ألوكًا من ذلك الأستاذ. الدوق: أدخلوا الرسول، وجيئوني بالرسالة. باسانيو: تجلد يا أنطونيو يا صديقي الحميم، ليأخذن اليهودي دمي وعظامي وكل شيء مني قبل أن تراق قطرة من دمك لأجلي. أنطونيو: إن أنا إلا نعجة جرباء، ولا بد من موتي لنجاة السرح. أعجل الثمار إلى السقوط ضعافها فلأسقط. وأنت فاسلم جديرًا بالبقاء. لا أسألك إلا أن تكتب كلمة ترحم على قبري. [تدخل نريسا في زي كاتب محام] الدوق: أقادم من بادوا. من قبل الأستاذ بللاريو؟ بريسا: نعم يا سيدي، وهو يقرئ سموكم السلام. باسانيو [مخاطبا شيلوك الذي يشحذ سكينه على أديم حذائه]: لماذا تشحذ مديتك بهذا النشاط؟ شيلوك: لانتزاع لبرة من لحم هذا المفلس. غراتيانو: إنما تشحذها على الحجر الذي بين جنبيك، لا على أديم نعلك، أيها اليهودي الغليظ الكبد، وأي حديد لو كان سيف الجلاد يعادل منك هذا الثقل والمضاء في الحنق والبغضاء. ألا تستمع لضراعة؟ شيلوك: لا أستمع، وخصوصًا لضراعة من مثل ما يوحيه إليك فكرك الثاقب. غراتيانو: ويك! اذهب لعينًا أيها الكلب الجهنمي العقور! ولتكن حياتك شكاية من العدل. تكاد تزعزع إيماني، وتدخل على عقيدتي قول فيثاغور: إن نفوس البهائم تنتقل إلى جسوم الناس. فإن روحك، ولا ريب، كانت في ذئب أماتوه شنقًا لافتراسه إنسانًا، فانطلقت تلك الخبيثة هائمة حتى انتهت إليك وأنت في بطن أمك السعلاة. ذلك لأن بك ما بالذئب من النهمة إلى اللحم، والظمأة إلى الدم. شيلوك: ما دام قزعك وسبابك لا يمحو التوقيع عن الصك فأنت تتعب رئتيك في باطل. أيها الفتى أصلح ما اعتور عقلك من التلف، لئلا تقع في خبال عقام. هنا القانون حليفي. الدوق: إن بللاريو في ألوكة هذا يوصي المحكمة بأستاذ مقتبل الشباب عليم. أين هو؟ نريسا: ينتظر على مقربة إذن سموكم بالدخول. الدوق: آذنه بارتياح. ليبادر ثلاثة أو أربعة منكم إلى ملاقاته، وليصحبوه في المجيء بصنوف الحفاوة، ولتقرأ في هذا المهلة ألوكة بلاريو. المحضر: [قارئًا] "أرفع إلى علم سموكم أنني كنت معتلًّا حين تناولت الكتاب الكريم، إلا أنه اتفق ساعة قدوم رسولكم أن عادني صديق في ريعان الشباب متضلعٌ من الحقوق، سني المنزلة بين علماء روما يدعى بلتزار، فطرحت عليه مسألة اليهودي، والتاجر أنطونيو، وبعد أن راجعنا الكتب مليًّا أقررت رأيًا سيطلعكم عليه معزرًا بما يضيفه إليه من فيض علمه الواسع، وإدراكه السامي، وقد أجابني بعد إلحاحي عليه، إلى النيابة عني في المثول لديكم، فألتمس ألا يحول العدد المنقوصُ من سنه دون ما هو حقيق به من التجلة لعلو كعبه في القانون، وما أذكر أنني شهدت رأسًا أشيخ من رأسه على جسمه، فهو موكول إلى حفاوتكم، وفضل رعايتكم، وفي يقيني أن أعماله ستكون أبلغ في التوصية به من أقوالي." الدوق: سمعتم ما ذكره العلامة بللاريو، وهذا نائبه الفاضل إن صدق تخميني. [تدخل برسيا في زي عالم حقوق] الدوق «مستمرًّا»: هات يدك. أقادم أنت من قبل الشيخ بللاريو؟ برسيا: نعم يا مولاي. الدوق: على الرحب والسعة. اجلس. أتدري المسألة التي تهتم بها المحكمة الآن؟ برسيا: أعرف المسألة بتفصيلها. من في هؤلاء التاجر؟ ومن فيهم اليهودي؟ الدوق: أنطونيو وشيلوك، تقدما كلاكما. برسيا: أتسمى شيلوك؟ شيلوك: اسمي شيلوك. برسيا: دعواك غريبة في بابها، ولكنها مسوقة سياقًا لا يملك معه قانون البندقية توقيف سيرها «مخاطبة أنطونيو» أَوَأنت الذي أمرك الآن منوط بأمره؟ أنطونيو: هذا ما يزعمه. برسيا: أتعترف بالصك؟ أنطونيو: أعترف به. برسيا: على اليهودي إذن أن يكون رحيمًا. شيلوك: من الذي يضطرني إلى الرحمة؟ برسيا: جمال الرحمة أن تكون خيارًا لا اضطرارًا، فهي كماء السماء ينهمل بالخير، ويهطل باليمن عفوًا ممن وهب، وبركة لمن كسب. فإذا كانت الرحمة عفوًا صادرًا عن مقدرة فهنالك بهاء قدرتها، وازدهار جلالها. أما تراها إذا تحلى بها الملك القائم كانت لهامته أزين من التاج، وفي يده أرقى من صولجان الأمر والنهي، وكان عرشها المنصوص في قلبه أعظم تمكينًا له من عرشه الذي يستوي عليه لأنها من صفات الله عز وجل، ولا يكون السلطان الدنيوي أقرب شبهًا إلى السلطان العلوي منه إذ يلطفُ العدل بالرحمة، فيا أيها اليهودي، مهما يكن من استنادك في دعواك إلى العدل، فلا تنس أن الله لو عامل كلًّا منا بمحض العدل لما بات إنسان على أدنى رجاء بالمغفرة والنجاة. لهذا نستغفر الله كل يوم في أدعيتنا. وكما نستميحه العفو يجب علينا أن نكون من العافين عن الناس. وإنما خاطبتك هذا الخطاب لأنبهك إلى ما في طلبك من التغالي، بل الإغراق في التقاضي؛ فإن لبثت على إصرارك مع هذا فلا يسع المحكمة إلا الامتثال لما يوجبه القانون من عقوبة هذا التاجر. شيلوك: لتقع تبعة أعمالي على رأسي. أتشبث بالقانون، وألح في إنفاذ شرطي. برسيا: أليس في طاقته أن يوفي الدين؟! باسانيو: بلى في طاقته، وأنا مستعد لأدائه في الحضرة، بل لأداء مثيله، فإن لم يكتف تعهدت بعشرة أمثال المطلوب تعهدًا أفادي عليه بساعدي، ورأسي، وقلبي. فإن لم يكتف تبين إذن أن العوج يدُول من الاستقامة، أو أن الرذيلة ترهق الفضيلة، فإليكم أضرع بإلحاف أن تلطفوا بسلطانكم قدرته على الإساءة، متوسلين بأدنى الضير، للوصول إلى أسنى الخير، كابحين بتأييد من الله الرحيم جماح هذا الشيطان الرجيم. برسيا: هذا ما لا ينبغي كونه. وما من قوة في البندقية تستطيع تشذيب القانون النافذ. فلو فعل ذلك لأعقبه ما لا يحصى من ضروب التجاوز قياسًا على هذا التجاوز الأول. شيلوك: ليس قاضينا إلا دانيال ذلك النبي الكريم. أجل هو دانيال. ألا أيها القاضي المليء بالحكمة على نضارة عودك، ما أجل قدرَك في نفسي! برسيا: أستميح الاطلاع على الصك. شيلوك: ها هو ذا أيها العلامة الموقر، ها هو هذا. برسيا: شيلوك قد عرض عليك ثلاثة أمثال المقدار. شيلوك: سبق اليمين. سبق اليمين. حلفت بالله، أفأحنث؟ لا ولو أعطيت البندقية كلها. برسيا: انقضى أجل هذا الصك، وبموجب الخط الذي فيه حقت لليهودي قانونًا لبرة من لحم التاجر تبضَع مما حول القلب. إيهًا. كن رحيمًا. تقبل ثلاثة أمثال نقودك وأجز لي أن أمزق هذا الصك. “شيلوك: ليمزق بعد إجراء مقتضاه. بينٌ أنك قاض جليل، عليم بالقانون، فقد شرحت الموضوع شرحًا هو الصحة بعينها، فباسم القانون الذي أنت من عماده الراسخات أكلفك إيقاع الحكم، وأقسم بنفسي إنه ليس في قدرة فصيح من البشر أن يحولني عن قصدي، فلا مناص من إنفاذ حكمي. “أنطونيو: ألتمس من المحكمة بإلحاف إيقاع حكمها. برسيا: الحكم يوجب تعريض صدرك لمديته. شيلوك: يا للقاضي النبيل! يا للفتى اللبيب! برسيا: ذلك لأن القانون موافق بجلاء وثبوت على الحقوق التي خوله إياها نص الصك. شيلوك: قول لا ريب فيه. أيها القاضي الحكيم العادل. ما أكبر سنك عقلًا وما أقلها أعوامًا. برسيا: اكشف له صدرك. شيلوك: نعم صدره. هكذا كتب في الصك. أليس كما أقول أيها القاضي الشريف؟ بجوار القلب؟ هكذا ذكر بالحرف. برسيا: لا معارضة. أيوجد هنا ميزان لوزن اللحم. شيلوك: الميزان معي. برسيا: يجب أيضًا أن يكون هنا جراح على نفقتك يا شيلوك مخافة أن يموت الخصم من شدة انتزاف دمه. شيلوك: أهذا وارد في الصك؟ برسيا: لم يرد في الصك، ولكنه عمل إنساني يحسن بك أن تعمله. شيلوك: لا أرى ما ترى، وما لذلك ذكر في الصك. برسيا: إذن أيها التاجر. ألك أقوال؟ أنطونيو: شيء غير كثير، أنا متأهب وصابر. هات يدك يا باسانيو وتلق وداعي. لا يحزنك أن صرت هذا المصير من أجلك، فإن المقادير قد رفقت بي رفقًا ليس من مألوفها في مثل مصابي. فمن مألوفها أن تبقي من فقد جاهه حيًّا، غائر العينين مثقل الجبين بالغضون، يتوقع شيخوخة البؤس والفاقة، أما أنا فإنها أنقذتني من هذا العذاب الطويل، وغاية ما أرجو أن تذكرني بخير لدى عروسك المشرفة، وتخبرها كيف كانت نهاية أنطونيو، وتصف مبلغ حبي لك وتبثها بثك، مما ألم بك حين شهدت ميتتي، فإذا فرغت من ذلك أن تسألها: «ألم يكن لي صديق؟» ثم ألا تعاتب نفسك على وفاة ذلك الصديق، فإنه هو غير آسف على إبرائك من دينك، مع علمه أن مدية اليهودي لو انحرفت، أو تمادت قليلًا لذهبت بالقلب كله فداء لك. باسانيو: أي أنطونيو، لقد شركت في حياتي امرأة أهواها كهواي للحياة، غير أنني أكاشفك أنه لا الحياة ولا امرأتي، ولا الدنيا كافة بالشيء الذي يعادل عندي بقاءك، فإني لأرضى بفقد أولئك جميعًا، وتقديم أولئك جميعًا قربانًا لهذا الشيطان في سبيل نجاتك. برسيا: لو سمعتك زوجك لما أعجبها هذا العرض الذي تعرض. غراتيانو: لى عروس أحبها كل الحب، وتالله لو علمت أنه إلى السماء وبشفاعتها يلين قلب هذا اليهودي لسخوت بها. نريسا: الحمد لله أن سماحك هذا إنما ذكر في غيابها، ولو عشتما في رفاء. شيلوك [منفردًا]: كذا حال الأزواج من النصارى. وددت لو بني يهودي حتى من نسل باراباس. كائنًا من كان [جهرًا] نحن نضيع الوقت تفضل بالحكم. برسيا: حق لك رطل من لحم هذا التاجر، فخذ ما ثبت لك القاتون وبأمر المحكمة. شيلوك: يا لك من قاض عادل! برسيا: ثم لك أن تقتطع الرطل من صدره بموجب قانون المحكمة. شيلوك: يا للقاضى العالم! كذا الأحكام: تأهب. برسيا: رويدك. لم نستوف الحكم. الصك لا يجيز لك قطرة من الدم، بل نصه بالحرف «من اللحم»، ما هو لك. خذ رطل اللحم، ولكن إذا سفكت اقتطاعها نقطة واحدة من دم مسيحي قضى عليك قانون البندقية باستصفاء أملاكك وأموالك ومآلها إلى الحكومة. غراتيانو: يا للقاضي المنصف! ما قول اليهودي؟ يا للقاضي العلامة! شيلوك: أهذا ما يقوله القانون؟ برسيا: سنطلعك على النص، لأنك طالب عدل، فإن نرجع في الحكم إلا إلى العدل، أدق ما يكون العدل. غراتيانو: يا للقاضي العليم! ما قول اليهودي؟ يا للقاضي الفضيل! شيلوك: أما والحالة هذه فأنا أقبل ما عرض علي. ليدفع ثلاثة أمثال القدر، ويطلق سراح النصراني. باسانيو: ها النقود. برسيا: مهلًا، سينصف اليهودي كل الإنصاف. مهلًا لا تتعجل. سيعطى حقه. غراتيانو: يا يهودي أملي أن يكون هذا القاضي عادلًا وعالمًا كقولك. برسيا: تأهب إذن لانتزاع البضعة بلا إراقة دم، واحرص أن تقتطع الرطل لا زيادة ولا نقصانًا. فإذا وجد فرق، ولم يكن إلا عشر معشار الذرة، أو لم يكن إلا مثقال شعرة في رجحان كفة من الميزان على الأخرى، قتلت وصودرت أموالك. غراتيانو: هذا دانيال ثان. هذا دانيال يا يهودي. الآن قد أمسكت بتلابيبك. برسيا: ماذا تنتظر أيها اليهودي؟ خذ حقك. شيلوك: أعيدوا إليَّ أصل قرضي وأنصرف. باسانيو: هو معد لك، ها هو ذا. برسيا: أباه على المحكمة، فلا بد من أخذه الحق الذي تقاضاه دون سواه، كنص القانون بالتدقيق. غراتيانو: دانيال بعينه. دانيال ثان. أشكر لك تعليمي هذه اللفظة. شيلوك: ألا يرد على أصل مطلوبي. برسيا: لن تأخذ يا يهودي إلا ما هو لك، فتناوله وعليك تبعاته. شيلوك: إن كان الأمر كذلك فليحتفظ به ولينصرف عني إلى جهنم. لن أطيل الإرغاء في هذا المعنى. برسيا: على رسلك أيها اليهودي، لم ينته الحكم بعد، وإن في القانون لبقية تعنيك. فقد جاء فيه أنه إذا ثبت على أجنبي توسله بوسائل مباشرة، أو مداورة للقضاء على حياة واحد من الأهلين، حق للمشروع في الجناية عليه نصف ما يملكه الشارع في الجريمة، وللحكومة النصف الآخر، وجعلت حياة المأخوذ بالذنب رهن إشارة الدوق بانفراده، فأنا أجهر بأنك تحت طائلة هذا النص، لأنه ظهر جليًا أنك بوسائل منحرفة ومباشرة، تآمرت على حياة المدعى عليه، وأوجبت على نفسك ذلك العقاب. فاجث والتمس رحمة الدوق. غراتيانو: أستأذن بأن تنصرف فتقضي على نفسك شنقًا. ولما كانت أموالك قد آلت إلى الحكومة، ولم يبق لديك ثمن الحبل تشتريه فمماتك سيكون على نفقة الجمهورية. الدوق: إني أمنحك الحياة قبل أن تلتمسها مني، لتعلم الفرق بيننا وبينك، وإذا أبديت ندمًا على ما فات منك لطفت من القصاص الذي يجعل نصف أموالك لأنطونيو والنصف الآخر للحكومة، فحولت الشطر الثاني منه إلى غرامة فحسب. برسيا: فيما يرتبط بالنصف الذي يرجع إلى الحكومة، دون النصف الذي يرجع إلى أنطونيو. شيلوك: خذوا حياتي إلحاقًا لها بالباقي، فإنكم إذا أزلتم ركن البيت ذهبتم بالبيت. أفأعيش وأنتم لا تدعون لي ما أعيش به؟ برسيا: بماذا تجود رأفتك عليه با أنطونيو؟ غراتيانو: بحبل لا أكثر وأيم السماء. أنطونيو: أضرع إلى مولاي الدوق، وإلى المحكمة، أن يترك له نصف أمواله، وحسبي ربع النصف الآخر، على عهد مني بتسليم ذلك النصف، حين وفاة اليهودي إلى الرجل الذي تزوج ابنته، ولي على تحقيق هذا العهد شرط، هو أن يوقع الآن بحضرة المحكمة، على صك يخرج به عن كل مال في حوزته يوم وفاته لصهره لورنزو وكريمته. الدوق: ليفعل أو أسترد عفوي. برسيا: أتقبل أيها اليهودي؟ بم تجيب؟ شيلوك: أقبل. برسيا: أيها المحضر، حرر صك الهبة من فورك. شيلوك: تكرموا وأذنوني بالانصراف، فقد انهد عزمي، ومتى جاءني الصك أمضيته. الدوق: لك أن تنصرف، ولكن إياك ألا توقع. غراتيانو: سيكون لك عرابان حين تنصيرك، لكنني لو كنت أنا قاضيك لكان لك بدلهما عشرة نفر يحملونك إلى المشنقة. [يخرج شيلوك] الدوق [مخاطبًا برسيا]: أرجو يا سنيور أن تجيب دعوتي إلى العشاء الليلة. برسيا: ألتمس خاشعًا من سموكم إعفائي، فإنني عائد إلى بادوا من ساعتي. الدوق: أنا آسف لهذا الإسراع. اشكر يا أنطونيو لهذا العلامة صنيعته إليك،فإنها لكبيرة فيما أظن. [يخرج الدوق والشيوخ بعد مطالعة عقد الهبة صامتين] باسانيو: أيها السيد المبجل، إني وصاحبي لصنيعتاك منذ اليوم، بما أقررت به أعيننا من آيات حكمتك، وربما أنقذتنا من فادح الخطب، فنبتهل إليك أن تتقبل ثلاثة آلاف الدوقي التي كانت لليهودي، لا أجرًا وفاقًا، بل بعض الجزاء لما مننت به علينا من حسن مسعاتك. أنطونيو: هذا مع بقائنا مدينين لك مدى العمر، بما هو فوق المال، ومع إيجابنا على نفسنا كل خدمة وكل وفاء لك إلى آخر أيامنا. برسيا: كفى بالمبرة مرضاة للبار، وإني لمسرور لكوني أنقذتكما فأعتد هذا جزاءً وافيًا، ولم أكن قط ممن يقيمون للدينار وزنًا، ونهاية ما أرغب فيه إليكما هو أن تعرفاني حين نلتقي بعد الآن، وأسأل الله لكما النعمة والهناء، مستأذنًا بالانصراف. باسانيو: اغفر لي يا سنيور إلحاحي عليك بأن تقبل هدية منا، على سبيل الذكرى لجميلك، لا على سبيل المكافأة وأتشدد في التماس أمرين منك: قبول الهدية، والصفح عن إلحاحي. برسيا: أراك تلج لجاجة لا تبقي لي مندوحة من القبول [مخاطبة أنطونيو] أعطني قفازيك سألبسهما تذكرًا لك [مخاطبة باسانيو] وأنت أقبل منك هذا الخاتم علامة على مودتك. لا تردد يدك. لن آخذ منها أكثر من هذا، وأخالك مجيبي إلى ما طلبت. باسانيو: هذا الخاتم يا مولاي — وا شقوتا! — أستحي أن أسديك شيئًا بهذه القيمة الدنيئة. برسيا: بل هو الشيء الفرد الذي أقبله، والآن قد ازددت رغبة فيه. باسانيو: لهذا الخاتم ثمن معنوي عندي لا مناسبة بينه وبين ثمنه المالي، فدعه لي على أن أبتاع لك أغلى خاتم في البندقية، خاتم أرسل في التماسه الدلالين والمنادين منبثين في كل جهة. أيكفي ذلك لتعذرني عن السماح بهذا الخاتم. برسيا: أجد يا سنيور أنك لا تجود إلا بالوعود، وقد علمتني كيف أقترح، ثم تعلمني الآن كيف أمنع ما يثقل على الطبع من العطاء. باسانيو: إني يا سيدى متشبث بهذا الخاتم، لأن امرأتي قد وهبتني إياه، واستحلفتني حين وضعته في أصبعي ألا أبيعه، ولا أسمح به، ولا أفقده. برسيا: هذا اعتذار يعتذر به غير واحد من الرجال عن إهداء ما يطلب منهم، إلا أنني أعتقد أن امرأتك إذا علمت بما فعلته لاستحقاق هذه الهبة لم يغضبها تخليك عن الخاتم، في الحد الذي تتصوره، إلا إذا كان بها مس من الجنون. لا بأس. السلام عليكم. [تهم بالانصراف] أنطونيو: «مخاطبًا باسانيو» أعطه هذا الخاتم يا سنيور باسانيو، ألا تضع خدمته لي وصداقتي لك في كفة من الميزان، تقابل الكفة التي فيها نهي عروسك؟! عجل وأهده إليه. باسانيو: إليك يا مولاي المبجل هذا الشيء الذي رغبت فيه، قد طابت نفسي عنه لك، وأنت المتفضل الحميد، حياك الله يا مولاي. أنطونيو: حياك الله أيها السيد الأمثل، ليتك تسمح بزيارتي الآن مع السنيور باسانيو فتزيدني إحسانًا. أعتذر إليك على أسف مني، لأنني مضطر إلى السفر عاجلًا. [يخرج باسانيو وأنطونيو ويدخل خادم فيدفع ورقة إلى نريسا] نريسا: هذا صك اليهودي قد جيء به الآن. برسيا: لنذهب إلى اليهودي فيوقع عليه حالًا، ثم نبحر من فورنا لنسبق زوجينا إلى القصر. [يخرجان] تاجر البندقية
210216
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%AA%D8%A7%D8%AC%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%AF%D9%82%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3
تاجر البندقية/الفصل الخامس
الفصل الخامس المشهد الأول بلمنت — شارع أمام قصر برسيا [يدخل لورنزو وجسيكا] لورنزو: القمر يضيء إضاءة ساطعة. في مثل هذه الليلة كان النسيم الخفيف يداعب الأوراق مداعبة لا يسمع لها حفيف، وكان ترويل على أسوار طروادة، يتنفس الصعداء متلفتًا نحو خيام الإغريق، ذاكرًا حبيبته كريسيده. جسيكا: في هذه الليلة كانت تسبا تطأ الندى، فرفع لها طيف أسد قبل أن ترى الأسد ففرت مروعة. لورنزو: في مثل هذه الليلة كانت ديدون، وبيدها غصن صفصاف واقفة على شاطئ البحر تنادي عشيقها وتشير إليه أن يعود إلى قرطاجنة. جسيكا: في مثل هذه الليلة ذهبت ميده تقطف الأنبتة السحرية التي بها تجدد شباب إيسون. لورنزو: في مثل هذه الليلة فرت جسيكا من بيت اليهودي الغني لاحقةً بعاشقها الخاطر من البندقية إلى بلمنت. جسيكا: وفي هذه الليلة حلف لها محبها اليافع لورنزو أن يهواها إلى آخر نسمة من حياته، وقطع لها على الثبات عهودًا، لن يكون صادقًا في أحدها. لورنزو: وفي مثل هذه الليلة وشت المعشوقة الماكرة جسيكا بمحبها فغفر لها ما فرط من ذنبها. جسيكا: لولا سماعي خـُطى قادم لأطلت هذه المحاورة. [يدخل ستفانو] لورنزو: من الساري بهذه السرعة؟ ستفانو: صديق. لورنزو: أي صديق؟ ما اسمك بحق الوداد أيها الصديق؟ ستفانو: اسمي ستفانو. وقد جئت لأبشركم بأن مولاتي لا تلبث أن تصل إلى بلمنت وهي هائمة على وجهها، كلما صادفت أحد الصلبان المقدسة في طريقها جثت وضرعت إلى الله بأن يبارك في قرانها. لورنزو: من يصحبها؟ ستفانو: لا أحد سوى وصيفتها وناسك. أخبرني متفضلًا: أعاد مولاي؟ لورنزو: لم يرد نبأ عنه إلى الآن. لنعد يا جسيكا إلى البيت ونهيئ لربة القصر لقاءً لائقًا بها. [يدخل لنسلو] لنسلو: هيا. هيا. هو. هيا. لورنزو: من ينادي؟ لنسلو: هيا. أرأيت المسيو لورنزو؟ أرأيت السيدة قرينة لورنزو؟ هيا. هو. لورنزو: كفى صخبًا ها هما. لنسلو: هيا، أين، أين هما؟ لورنزو: هنا. لنسلو: قل لهما إنه جاء بريد من قبل سيدي مملوء الجيوب أخبارًا سارة، وسيكون سيدي في هذا المكان قبيل الفجر. [يبتعد] لورنزو: هلمي ندخل يا روحي العزيزة. وننتظر عودهما. ولكن لا، علام الدخول. قد أبلغ الصديق ستفانو أهل القصر أن مولاتك على وشك القدوم، وقد جاء بالموسيقيين إلى هذا الخلاء ليكونوا في الهواء الطلق. [يبتعد ستفانو] لورنزو [متممًا]: ما أرق ضوء القمر في انبساطه هادئًا على وجه هذه المرجة الخضراء. لنجلس ونشنف آذاننا بأنغام الموسيقى، فإن الظلام والسكوت أفضل مواقع الألحان. اجلسي يا حبيبتي جسيكا وسرحي الطرف في هذا الفضاء العلوي الممدد تمديد المستوى الخشبي الصقيل، وقد رصع بما لا يحصى من الصحيفات الذهبية اللامعة. ما من جرم في هذه الأجرام التي ترينها إلا هو ضام نغمته السماوية إلى خورس الملائكة ذات العيون الملأى صبى، ومثل هذا الشجي الشائق يتردد في النفس الخالدة، ولكن الكساء الضافي علينا من نسيج الفساد وحمأة الصلصال يحول دون سماعنا ذلك الإيقاع. [يدخل الموسيقيون] لورنزو: تعالوا، ولتستيقظ ديانا على أصواتكم. أطربوا بمحاسن ألحانكم مسامع سيدتكم، وليجتذبها الشوق نحو مستقرها. جسيكا: لا أستطيع أن أكون فرحة عندما أسمع موسيقى شجية. لورنزو: ذلك لأن قواك تكون صاغية. انظرى إلى مقنبة من المهار الوحشية الوثابة، ولما تبلُ ما بالشكيم والحكم من حكم وألم، تجديها مندفعة بحرارة دمها الغالي اندفاع ما لا راد له، تقرع الهواء برنات صهيلها. فإذا حملت الريح إليها بغتة عزفًا موسيقيًّا وقفت جماعةً من فورها، وغلب فعل النغم الذي سكنت إليه على تلك العزيمة الهمجية التي كانت تتقد في عينيها، ولهذا ادعى الشعراء، وما أخطئوا، أن أورفه كان يجذب إليه الأشجار والصخور واللجج، إذ ما من مخلوق بلغ ما بلغ من البلادة وجمود الحس والهمجية إلا وللموسيقى تأثير في طبيعته. الرجل الذي لا يشعر بالموسيقى ولا يهزه الطرب إنما هو قطوب كقطوب الظلام، وأهواؤه سود كأهواء الريب. وقصارى القول إنه رجل يحذر شره ويتقى أمره. لنستمع للموسيقى. [تظهر برسيا ونريسا من جانب آخر] برسيا: هذا النور الساطع منبعث من كوة المزارة الكبرى في قصري، ما أبعد مداه بالإضاءة، وما أشبهه بالعمل الطيب في هذا العالم الخبيث. نريسا: لم ننظره قبل أن يغشى السحاب القمر. برسيا: وهكذا المجد الصغير يستغرقه المجد الكبير. يظل رسول الملك متألق المظهر، حتى يجيء مولاه، فيتوارى الرسول في جلال الملك، كما يتلاشى الجدول الضعيف في البحر الواسع. أسمع أنغام موسيقى. لنصغ إليها. نريسا: هذه موسيقى القصر. برسيا: قيمة الأشياء أبدًا نسبية، ويخيل إليّ أن هذه الألحان أشجى الآن منها في النهار. نريسا: السكوت يا سيدتي يعيرها هذا الطرب. برسيا: إنما الغراب والقنبراء واحد في أذن من لا ينصت إليهما، وعندي أن البلبل لو غرد نهارًا بين صداح الإوز، لما أنزل من الطرب إلا في منزلة البوبانة. وكم من الأشياء لا يتأنى سناء قدرها، ولا يتسنى لها تمام بهجتها، إلا من ملاءمة آنها أو أينها، صه، قد رق النغم لئلا يستيقظ العاشقان النائمان على وساد واحد. [ينقطع صوت الموسيقى] لورنزو [قادمًا ومخاطبًا أحدًا وراءه]: هذا صوت برسيا، أو شد ما أنا مخطئ. برسيا: عرفني كما يعرف الأعمى رنة الواقته، لسوء ما تتشبه نغماتها بنغمة الطائر. لورنزو: على الرحب نزولك في دارك يا مولاتي. برسيا: ضرعنا إلى الله استدرارًا للخير على زوجينا، وأملنا أن يكون دعاؤنا قد استجيب. أرجعنا؟ “لورنزو: تقدم بشير بقرب ورودهما. برسيا: ادخلي القصر يا نريسا، وأوصي خدمي بألا يبوحوا بغيبتنا. وأنت يا لورنزو، حذار أن تفشي السر، وأنت يا جسيكا. [يسمع معزف] لورنزو: هذا معزف قرينك، فهو قاب قوسين منا. نحن حفظة للعهد، فلا تخشي أن نكاشف أحدًا بما في الضمير. برسيا: يكاد الليل، وهذا إقماره، يشبه بالنهار، غشيت السحب شمسه فبدا في حلة من البهار. [يدخل باسانيو وأنطونيو وغراتيانو وأتباعهم] باسانيو: لو حلي الليل بطلعتك لكانت الشمس معنا في هذا المكان وفي مقاطره من الأرض. برسيا: يضيء نوري من غير أن يزدهر، فإن المرأة البعيدة الإشراق لا يكون زوجها إلا محنقًا غضوبًا، وبودي ألا تكون ذلك أبدًا. وإنما يفعل الله ما يشاء. أهلًا بك يا مولاي في أهلك وسهلًا في سهلك. باسانيو: حياك الله، وشكر لك عني يا سيدتي تفضلي ورحبي بصديقي، هذا أنطونيو هذا هو الرجل الذي أنا مدين له بكثير. أنطونيو: غير أنني قد كوفئت أحسن مكافأة عن كل ما كان. [يحدث حوار بين غراتيانو ونريسا] برسيا: مرحبًا بك في هذا الصرح يا سنيور، سنحاول إثبات وفائنا لك بغير الألفاظ، فدعنا من المجاملة الشفوية غير المفيدة. غراتيانو «مخاطبًا نريسا»: وايم هذا القمر المنير، لأنت مخطئة بشكواك مني. قسمًا بقولي — وإنه لصادق — لم أهد الخاتم إلا إلى كاتب المحامي، ليت ذلك الكاتب لم يكن ولا السبب الذي أثر فيك هذا التأثير كله. برسيا: ويكما أبدأتما الشجار؟ علام تختلفان؟ غراتيانو: على خاتم ذهب لا قيمة له، أعطيني إياه، وعليه، كلمات منقوشة مما يحفر مثله صناع المدى، وتلك الكلمات هي بلفظها: [أحببني ولا تتركني]. نريسا: ما دخل القيمة أو النقش؟ عندما وهبتك إياه، أقسمت لي إنك تستبقيه إلى الممات، بل تستصحبه إلى القبر، فكان جديرًا بك تحرمًا لأيمانك المغلظة أن تحتفظ به. لكنك تزعم أنك جدت به على كاتب محام. وأنا على يقين من أن ذلك الكاتب لم ينبت الشعر في ذقنه. غراتيانو: سينبت له عذار إذا أدرك الرجولة. نريسا: أجل! على تخمين أن الأنثى تصبح ذات يوم ذكرًا. غراتيانو: أعزم إنني أهديته إلى غلام مراهق، ربعة لا ينيف عليك طولًا، وهو كاتب القاضي. التمسه مني أجرًا لخدمته ولم أجرؤ أن أضن به عليه. برسيا: إذا وجبت المصارحة بما في الضمير فقد أخطأت بأن منحته — من غير أن تبصر — أول هدية أهدتها إليك امرأتك ولا سيما أنها خاتم تقلدته، مقسمًا بالحرص عليه، وكان جديرًا بأن يستمر لصيقًا بلحمك مدى العمر، لأنه عربون الوفاء الزوجي، على أنني قد أهديت إلى قريني خاتمًا من قبيله، واستحلفته ألا يطيب عنه نفسًا، فاسأله تتيقن كيقيني أنه لو بودل عليه بكنوز الخافقين، لما أخرجه من أصبعه. حقًّا يا غراتيانو. لقد أحدثت في نفس امرأتك سببًا مثيرًا للشجن، ولو أحدث بعلي مثله في قلبي لذهب بلبي. باسانيو [منفردًا]: يا للداهية. كان خيرًا لي أن أقطع يسراي، وأقسم إنني لم أفقد الخاتم إلا بعد دفاع مجيد. غراتيانو: السنيور باسانيو منح خاتمه للقاضي، بعد أن لج في طلبه، وكان القاضي خليقًا بأن يعطى ما يشاء، أما أنا فقد رغب إلي كاتب سره في الحصول على الخاتم الذي بيدي، فعرفت له قدر ما كتب، وما تعب، وحققت أمله. على أنهما كليهما قد عفا عن كل جزاء منا إلا هذين الخاتمين. برسيا: أي خاتم وهبت أيها السيد؟! لعله غير الذي أخذته مني؟! باسانيو: لو استطعت أن أضيف أكذوبة إلى ذنبي لأنكرت، ولكنك ترين أن الخاتم ليس في أصبعي، وقد فقدته. برسيا: ويحك من قليل الإيمان حانث بالأيمان! آليتُ بالعليّ العظيم ألا أدخل سريرًا أنت فيه ما لم أجد خاتمي. نريسا: وأحلف مثل حلفتها أو أجد خاتمي. باسانيو: يا سيدتي الجميلة! لو كنت تعلمين لمن أعطيته، ومن أجل من أعطيته، وبعد أي تمنع أعطيته، إذ لم يرضه أي شيء سواه، لرفهت عليك، وخففت من كدرك. برسيا: وأنت لو علمت قيمة ذلك الخاتم، أو نصف قيمة الإنسان الذي وهبك إياه، ولو أدركت أن شرفك مرتبط بألا تتخلى عنه، لما طبت عنه نفسًا. ولو تشددت بعض التشدد الواجب في الدفاع لما سمح رجلًا عنده ما قل من الرقة، أو الكياسة، أو الأدب أن يصر على سلبك شيئًا له عندك مثل تلك الكرامة. لقد أفهمتني نريسا ما يجدر بي أن أظنه. وأنا الآن على ثقة من أن الخاتم إنما أهدي إلى امرأة. باسانيو: لا يا سيدتي! أعزم على شرفي، وعلى نجاة نفسي إن الذي تلقى الخاتم ليس امرأة، بل عالم حقوق لم يرض ثلاثة آلاف دوقي عرضناها عليه، وإنما ابتغى خاتمي، فبعد أن أبيته عليه، وكاد ينصرف مغضبًا، مع أنه منقذ صديقي — ماذا أقول لك أيتها الحبيبة برسيا — غلبني على أمري عظم جميله، واستحييت من ضني عليه تجاه تفضيله عليَّ، فلم أجرؤ أن أدع على شرفي وصمة عار كوصمة هذا الجحود للإحسان، فاغفري لي ذنبي يا مليكة لبي، وأستشهد كواكب السماء، مصابيح هذه الليلة البيضاء، أنك لو كنت حاضرة لأمرتني أمرًا بإعطاء الخاتم لذلك الذكي العالم. برسيا: حذار أن يدنو عالمك من حرمي: فتالله لو جاء بعد أن حصل على الحلية التي كانت عزيزة علي، وكنت حالفًا بالحرص عليها من أجلى حبي، لو جاء لما بخلت عليه بشيء يطلبه مما لا أبيحه إلا قريني دون سواه. واعلم أنني سأعرفه، فإياك أن تتغيب ليلة واحدة، وألا ترقبني دائبًا بعيون الحذر، فإنك إن قصرت في ذلك، أو تركتني يومًا منفردة فوايم شرفي الذي ما زال ملكي، لأبيتن وضجيعي ذلك العالم. نريسا [مخاطبة غراتيانو]: وليكونن ضجيعي كاتبه إن غفلت عني. غراتيانو: ليفعل إن استطاع، ولكن إياه أن يقع في يدي فأهشم بها قلمه. أنطونيو: يا أسفي! أنا المسبب لكل هذا الشجار. برسيا: لا تبال ذلك يا سنيور، مرحبًا بك على كل حال. باسانيو: برسيا! اصفحي لي عن هذه الغلطة التي وقعت برغمي، وأقسم على مرأى ومسمع من أصحابنا هؤلاء. أقسم بعينيك اللتين أرى فيهما … “برسيا: يا أيها الرجل الذي هو اثنان في واحد، وكذلك يتراءى في كل من عيني. اقسم بازدواجك هذا أصدق يمينك. باسانيو: رحماك! أصغي إلي. تجاوزى لي عن هذه الغلطة، وأحلف بنفسي إنني لن أحنث بأيماني لك بعد اليوم. أنطونيو [مخاطبًا برسيا]: قد سلف أنني رهنت من أجله حياتي وهي تلك الحياة التي كدت أسلبها، لولا العالم الذي كوفئ بذلك الخاتم، واليوم أرتهن لك عهدي عنه، بأنه لن يحنث عن عمد، أو على علم منه، بأي أمر يكون قد عاهدك عليه. برسيا: رضيت بك ضامنًا، فأعطه هذا الخاتم، وأوصه بأن يحرص عليه أكثر مما حرص من قبل. [يتناول خاتمًا ويدنيه إلى باسانيو] أنطونيو: تناول هذا الخاتم يا سنيور باسانيو واحلف بأنك تصونه. باسانيو: وايم الله هو نفس الخاتم الذي وهبته للعالم. برسيا: من يده تلقيته، وغفرانك يا باسانيو! نريسا «مخاطبة غراتيانو»: كذلك أنا ألتمس عفوك ياحبيبي غراتيانو، فإن ذلك الفتى المتقاصر، كاتب القاضي، قد أعاد إلي هذا الخاتم الليلة البارحة. غراتيانو: غرابة وأي غرابة! أفرخت لنا قرون ولما يحن نباتها! ما أشبه هذه الحالة بإصلاح الطرقات الجميلة صيفًا حيث لا حاجه إلى ذلك الإصلاح. برسيا: لطف من ألفاظك! أجدكم جميعًا دهشين «مخاطبة باسانيو» هذا كتاب تقرؤه — حين فراغ — كتبه بللاريو من بادوا وفيه أن برسيا هي العالم، ونريسا هي ناموسه. وسيخبركم لورنزو أنني سافرت منذ سافرتم، وأنني إنما عدت الآن قبيل عودتكم، فلم أملك أن أدخل قصري. أنطونيو مرحبًا بك، وإليك نبأ مبهجًا لم يكن في حسبانك: افضض سريعًا هذا الألوك تر فيه أن ثلاثة من مراكبك مليئة بأثمن الأوساق قد بلغت إلى المرفأ سالمة، بعد اليأس من نجاتها، ولن أذكر لك المصادفة التي أوصلت إلي هذا الكتاب قبل انتهائه إليك. أنطونيو: عيَّ لساني. باسانيو [مخاطبًا برسيا]: يا عجبًا! أأنت التي كانت ذلك القاضي ولم نتبينك؟! غراتيانو [مخاطبًا نريسا]: يا عجبًا! أانت كنت ذلك الناموس الذي انتدب ليستنبت لي قرنين؟! نريسا: نعم، ولكن ذلك الفتى لن يفعل ما ذكرت حتى يصير رجلًا. باسانيو «مخاطبًا برسيا»: نعم العلامة الخلابة، ستكون أيها الأستاذ قسيمي في سريري، وإذا أنا غبت ضجيع امرأتي. أنطونيو «قد أتم القراءة»: يا سيدتي لقد أفضت علي جميع النعم في إفاضة واحدة: الحياة ومقوماتها، وإن هذا الألوك ليؤيد تأييدًا مانعًا للريب رسو سفني ناجية في الميناء. برسيا: ثم اعلم يا لورنزو أن في حقيبة كاتبي أنباء تسرك أيضًا. نريسا: أجل، وسأعطيكها غير مأجورة، فهذا عقد بموجبه نزل اليهودي الغني لك ولجسيكا نزولًا قانونيًّا وثيقًا عن جميع أملاكه وأمواله بعد مماته. لورنزو: أيتها السيدتان الشائقتان لقد أغدقتما المن وأمطرتما السلوى على الجياع والعطاش. برسيا: أوشك الفجر أن يلوح، وما أجد عند أحد منكم إلا رغبة في الوقوف على تفصيل هذه الحوادث، فهلموا ندخل، فتسألونني وأجيبكم بجلاء عن كل ما تستوضحون. غراتيانو: حبًّا وكرامة. لكنني سأسأل نريسا بادئ بدء عما إذا كانت تؤثر التريث على المبيت إلى الليلة الآتية أو اغتنام الساعتين الباقيتين من السحر. أما أنا فلو كان الوقت نهارًا لتمنيت عودة الظلام وقضاء ساعاته في هناءة مع كاتب القاضي، ولن أخشى ما حييت بعد الآن إلا أن أفقد خاتم نريسا. [يبتعدان ويهبط الستار] تاجر البندقية وليم شكسبير خليل مطران
210220
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%20%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%89%20%D9%85%D8%B9%20%D8%A2%D8%AF%D9%85%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر كلام الرب تعالى مع آدم عليه السلام
[ص:482] قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال. فقلنا: يا رسول الله، أرأيت إذا أخذ منا من كل مائة تسعة وتسعين، فماذا يبقى منا؟ قال. ورواه البخاري عن إسماعيل بن عبد الله، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد الديلي، عن سالم أبي الغيث، مولى ابن مطيع، عن أبي هريرة: أن النبي قال. وذكر تمامه كما تقدم. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله : " يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، قم فابعث بعث النار. فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. قال: فحينئذ يشيب المولود، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد [ص:483] [الحج: 2]. قال: فيقولون: فأينا ذلك الواحد؟ قال: فقال رسول الله . قال: فقال الناس: الله أكبر. فقال رسول الله . قال: فكبر الناس. قال: فقال رسول الله . ورواه البخاري، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش، به. ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع به، وأخرجاه من طرق أخر، عن الأعمش، به. وفى صحيح البخاري عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا مع النبي في قبة، فقال قلنا: نعم. قال. قلنا: نعم. قال. قلنا: نعم. قال: " والذي نفس محمد [ص:484] بيده، إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر ". كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210221
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%20%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%89%20%D9%85%D8%B9%20%D9%86%D9%88%D8%AD%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%20%D9%88%D8%B3%D8%A4%D8%A7%D9%84%D9%87%20%D8%A5%D9%8A%D8%A7%D9%87%20%D8%B9%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%BA
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/كلام الرب تعالى مع نوح عليه السلام وسؤاله إياه عن البلاغ
كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة كما قال الله تعالى: [الأعراف: 6]. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله أو. قال. قال: " فذلك قوله: [البقرة: 143]. قال، قال. قال. وهكذا رواه البخاري، والترمذي، والنسائي، من طرق عن الأعمش، به، وقال الترمذي: حسن صحيح. [ص:485] وقد رواه الإمام أحمد، بلفظ أعم من هذا، فقال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله عدلا، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [البقرة: 143]. وهكذا رواه ابن ماجه، عن أبي كريب، والإمام أحمد بن سنان، كلاهما عن أبي معاوية. قلت: ومضمون هذا أن هذه الأمة يوم القيامة يكونون عدولا عند سائر الأمم والأنبياء، ولهذا يستشهد بهم سائر الأنبياء على أممهم، ولولا اعتراف أممهم بشرف هذه الأمة لما حصل إلزامهم بشهادتهم. وفي حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده معاوية بن حيدة، أن رسول الله قال.
210222
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%81%20%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%84%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%B1%D8%A1%D9%88%D8%B3%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر تشريف إبراهيم الخليل عليه السلام يوم القيامة على رءوس الأشهاد
[ص:486] قال الله تعالى: [العنكبوت: 27]. وقال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قام فينا النبي يخطب، فقال: " إنكم محشورون حفاة عراة غرلا الآية [الأنبياء: 104]. وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب، أصحابي. فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله الحكيم [المائدة: 117، 118]. قال. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210223
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%89%20%D8%B5%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%20%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85%20%D9%88%D8%B8%D9%87%D9%88%D8%B1%20%D8%B4%D8%B1%D9%81%D9%87%20%D9%88%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%87%20%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%AA%D9%87%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر موسى صلى الله عليه وسلم وظهور شرفه وجلالته وكرامته يوم القيامة
[ص:487] قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها [الأحزاب: 69]. وقال تعالى: واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا [مريم: 51 - 53]. وقال تعالى: قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي [الأعراف: 144]. وقال: وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني. إلى قوله: واصطنعتك لنفسي [طه: 39، 41]. والقرآن مملوء بذكر موسى والثناء عليه من الله عز وجل، وقال النبي . الحديث. وقال تعالى: وكلم الله موسى تكليما [النساء: 164]. وثبت في الصحيح في حديث الإسراء أن النبي مر بموسى ليلة الإسراء وهو قائم يصلي في قبره، ورآه في السماء السابعة - وفي رواية: في السادسة - ليلة الإسراء، وكانت شريعة موسى عظيمة جدا، وأمته كثيرة جدا، وكان فيهم [ص:488] الأنبياء والعلماء، والربانيون، والأحبار، والعباد، والزهاد، والصالحون، والمؤمنون، والمسلمون، والملوك، والسادات، والكبراء، وطالت أيامهم في أرغد عيش وأطيبه، مع القهر، والغلبة لأهل الأرض قاطبة، ولا سيما في زمن داود، وسليمان، عليهما السلام، وقد مدح الله بعضهم، وأثنى عليه في القرآن، فقال تعالى: ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [الأعراف: 159]، وقال: وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك [الأعراف: 168]. وقال: أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا [مريم: 158]. وقال تعالى: ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر [الجاثية: 16، 17]، وقد ذكرهم الله كثيرا في القرآن. وقد رأى النبي سوادا عظيما قد سد الأفق، فظنها أمته، فقيل: هذا موسى وقومه. والآيات والأحاديث في فضل موسى في الدنيا والآخرة كثيرة جدا. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210224
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%B9%D9%8A%D8%B3%D9%89%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%20%D9%88%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%20%D9%85%D8%B9%D9%87%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام وكلام الرب معه يوم القيامة
قال الله تعالى: وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله [المائدة: 116]، إلى آخر السورة. وهذا السؤال من الله [ص:489] تعالى يوم القيامة لعيسى ابن مريم - مع علمه تعالى أنه لم يقل شيئا من ذلك، ولا خطر ذلك بقلبه قط، ولا حدثته به نفسه - إنما هو على سبيل التقريع والتوبيخ لمن اعتقد فيه ذلك، من ضلال النصارى، وجهلة أهل الكتاب، فيبرأ إلى الله تعالى من هذه المقالة، وممن قالها فيه وفي أمه، كما تتبرأ الملائكة ممن اعتقد فيهم شيئا من ذلك، كما قال تعالى: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون [سبإ: 40، 41]. وقال تعالى: ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل. إلى قوله: نذقه عذابا كبيرا [الفرقان: 17 - 19]. وقال تعالى: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون [يونس: 28 - 30]. وأما المقام المحمود المحمدي يوم القيامة فلا يساويه، بل ولا يدانيه أحد فيه، ويحصل له من التشريفات ما يغبطه بها الخلائق كلهم. وقد تقدم ما ورد في المقام المحمود من الأحاديث، وأنه أول من يسجد بين يدي الله تعالى يوم القيامة، وأول من يشفع فيشفع، وأول من يكسى [ص:490] بعد الخليل حلتين خضراوين، ويجلس الخليل بين يدي العرش، ومحمد عن يمين العرش، فيقول. فيقول الله تعالى: صدق جبريل ". وقد روى ليث بن أبي سليم، وأبو يحيى القتات، وعطاء بن السائب، وجابر الجعفي، عن مجاهد، أنه قال في تفسير المقام المحمود: إنه يجلسه معه على العرش. وروي نحو هذا عن عبد الله بن سلام، وجمع فيه أبو بكر المروذي جزءا كبيرا، وحكاه هو وغيره عن غير واحد من السلف وأهل الحديث; كأحمد، وإسحاق بن راهويه وخلق. وقال ابن جرير: وهذا شيء لا ينكره مثبت ولا ناف. وقد نظمه الحافظ أبو الحسن الدارقطني في قصيدة له. قلت: ومثل هذا لا ينبغي قبوله إلا عن معصوم، ولم يثبت في هذا حديث يعول عليه، ولا يصار بسببه إليه، وقول مجاهد، وغيره في هذا: إنه المقام المحمود ليس بحجة بمجرده، وكذلك ما روي عن عبد الله بن سلام لا يصح، ولكن قد تلقاه جماعة من أهل الحديث بالقبول، ولم يصح إسناده إلى ابن سلام. والله سبحانه أعلم بالصواب. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا سريج بن يونس، حدثنا أبو سفيان المعمري، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين، أن النبي قال: [ص:491] " إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، حتى لا يكون للإنسان إلا موضع قدميه ". قال النبي . قلت: قد ورد في المقام المحمود أنه الشفاعة العظمى في الخلق ليقضى بينهم حين يأتون آدم، ونوحا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، فإذا جاءوا لدى النبي صلى الله عليه وعليهم، قال. فهذا هو المقام المحمود الذي يحمده به الأولون والآخرون، كما روي في الأحاديث الصحيحة. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210225
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%20%D9%88%D8%B1%D8%AF%20%D9%81%D9%8A%20%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%20%D8%B3%D8%A8%D8%AD%D8%A7%D9%86%D9%87%20%D9%85%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر ما ورد في كلام الرب سبحانه مع العلماء يوم فصل القضاء
قال الطبراني: حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا العلاء بن مسلمة، حدثنا [ص:492] إبراهيم الطالقاني، حدثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة بن الحكم، قال: قال رسول الله . قلت: ولا يصح، ولو صح كان المراد به العلماء العاملون. والله أعلم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210226
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%87%20%D8%B9%D8%B2%20%D9%88%D8%AC%D9%84%20%D9%84%D9%84%D9%85%D8%A4%D9%85%D9%86%D9%8A%D9%86
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر أول كلامه عز وجل للمؤمنين
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثني يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن خالد بن أبي عمران، عن أبي عياش، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله . قالوا: نعم يا رسول الله، قال: " فإن الله تعالى يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم يا ربنا. فيقول: وما حملكم على ذلك؟ فيقولون: عفوك ورحمتك [ص:493] ورضوانك. فيقول؟ فإني قد أوجبت لكم رحمتي. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210227
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D9%81%D9%8A%20%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%A8%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D8%B9%D8%B2%20%D9%88%D8%AC%D9%84%20%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%B1%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/فصل في مخاطبة الله عز وجل لعبده الكافر يوم القيامة
وأما الكفار فقد قال الله تعالى: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم [آل عمران: 77]. وقال تعالى: إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم [البقرة: 174، 1175] والمراد من هذا أنه لا يكلمهم ولا ينظر إليهم كلاما ينتفعون به ونظرا يرحمهم به. كما أنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون; لقوله تعالى: ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم [الأنعام: 128]. وقال تعالى: هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون ويل يومئذ للمكذبين [المرسلات: 38 - 40]. وقال تعالى: يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون [المجادلة: 18] [ص:494] ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون [القصص: 62 - 66]. وقال بعده ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون [القصص: 74، 75]. والآيات في هذا كثيرة جدا. وثبت في الصحيحين - كما سيأتي - من طريق خيثمة، عن عدي بن حاتم، أن رسول الله قال. " فيلقى الرجل فيقول: ألم أكرمك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فاليوم أنساك كما نسيتني ". فهذا فيه تصريح بمخاطبة الله لعبده الكافر. وأما العصاة ففي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين حديث النجوى - كما سيأتي - عن رسول الله قال: " يدني الله العبد يوم القيامة [ص:495] حتى يضع عليه كنفه، ثم يقرره بذنوبه، فيقول: عملت في يوم كذا كذا وكذا، وفي يوم كذا كذا وكذا. فيقول: نعم يا رب. حتى إذا ظن أنه قد هلك، قال الله تعالى: إني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم ". كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210228
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%B2%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D8%8C%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A7%D9%86%D8%8C%20%D9%88%D9%86%D8%B5%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%86%D8%8C%20%D9%88%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%86
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/فصل في إبراز النيران، والجنان، ونصب الميزان، ومحاسبة الديان
قال الله سبحانه وتعالى: وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين [ الشعراء: 90، 91 ]،. وقال: وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت علمت نفس ما أحضرت [ التكوير: 12 - 14 ]. وقال تعالى: يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد [ ق: 30 - 31 ]، الآيات. وقال تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة [ الأنبياء: 47 ]، الآية. وقال تعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرة [ النساء: 40 ]. وقال لقمان لابنه فيما أخبر الله عنه: يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير [ لقمان: 16 ]. والآيات في هذا كثيرة جدا. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210229
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A5%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%A1%20%D8%B9%D9%86%D9%82%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B4%D8%B1%20%D9%81%D9%8A%D8%B7%D9%84%D8%B9%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر إبداء عنق من النار إلى المحشر فيطلع على الناس
قال الله تعالى: وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى [ص:496] [الفجر: 23] وقال مسلم في " صحيحه ": حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، عن العلاء بن خالد الكاهلي، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله . وكذا رواه الترمذي مرفوعا، ومن وجه آخر هو وابن جرير موقوفا. وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية، حدثنا شيبان، عن فراس، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، عن نبي الله ، أنه قال. تفرد به من هذا الوجه، وسيأتي في باب الميزان عن خالد، عن القاسم، عن عائشة، نحوه. وقد قال تعالى: إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان: 12 - 14]،. قال السدي: إذا رأتهم من مكان بعيد. [ص:497] قال: من مسيرة مائة عام. سمعوا لها تغيظا وزفيرا. من شدة حنقها وبغضها لمن أشرك بالله، واتخذ معه إلها آخر. وفي الحديث " من كذب علي، وادعى إلى غير أبيه، وانتمى إلى غير مواليه فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا "، قالوا: يا رسول الله، وهل لها من عينين؟ قال: " أوما سمعتم الله يقول: إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا. رواه ابن أبي حاتم. وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: إن الرجل ليجر إلى النار، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض، فيقول الرحمن: ما لك ؟ فتقول: إنه يستجير مني. فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب، ما كان هذا الظن بك. فيقول: فما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك. فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف. إسناده صحيح. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن المنصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمر، قال: إن جهنم تزفر زفرة، لا يبقى ملك ولا نبي إلا خر ترعد فرائصه، حتى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه، ويقول: رب، لا أسألك اليوم إلا نفسي. [ص:498] وقال في حديث الصور: " ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم، ثم يقول تعالى: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون [يس: 60 - 64]. وقال: وامتازوا اليوم أيها المجرمون [يس: 159]. فيميز الله بين الخلائق، وتجثو الأمم، وذلك قوله تعالى: وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون [الجاثية: 28، 29]. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210230
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%86
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر الميزان
قال تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة الآية [الأنبياء: 47]. وقال تعالى: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون [المؤمنون: 102، 103]. وقال تعالى: والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون [الأعراف: 8، 9]. وقال تعالى: فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية [القارعة: 6، 7]، الآيات. وقال تعالى: فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا [الكهف: 105]. [ص:499] قال أبو عبد الله القرطبي: قال العلماء: إذا انقضى الحساب، كان بعده وزن الأعمال; لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها; ليكون الجزاء بحسبها. وقال: وقوله تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة. يحتمل أن يكون ثم موازين متعددة توزن فيها الأعمال، ويحتمل أن يكون المراد الموزونات، فجمع باعتبار تنوع الأعمال الموزونة. والله أعلم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210231
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%A5%D9%86%D9%83%D8%A7%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%AA%D8%B2%D9%84%D8%A9%20%D9%84%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AF%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%85
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/إنكار المعتزلة للميزان والرد عليهم
وقد نقل القرطبي عن بعضهم أن الميزان له كفتان عظيمتان، لو وضعت السماوات والأرض في كل واحدة منهما لوسعتها، فأما كفة الحسنات فنور، وأما الأخرى فظلمة، وهو منصوب بين يدي العرش، وعن يمينه الجنة، وكفة النور من ناحيتها، وعن يساره جهنم، وكفة الظلمة من ناحيتها. قال: وقد أنكرت المعتزلة الميزان، وقالوا: الأعمال أعراض لا جرم لها، [ص:514] فكيف توزن قال: وقد روي عن ابن عباس: أن الله يخلق الأعراض أجساما، فتوزن. قال: والصحيح أنه توزن كتب الأعمال. قلت: قد تقدم ما يدل على الأول، وعلى الثاني، وعلى أن العامل نفسه يوزن مع عمله. قال القرطبي: وقد روي عن مجاهد، والضحاك، والأعمش، أن الميزان هنا بمعنى العدل والقضاء، وذكر الوزن والميزان ضرب مثل، كما يقال: هذا الكلام في وزن هذا. قلت: لعل هؤلاء إنما فسروا هذا عند قوله تعالى: والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان [الرحمن: 7 - 9]. فها هنا المراد بالميزان أنه تعالى وضع العدل بين عباده، وأمر عباده أن يتعاملوا به فيما بينهم، فأما الميزان الموضوع يوم القيامة فقد تواترت بذكره الأحاديث كما رأيت، وهو ظاهر القرآن العظيم: فمن ثقلت موازينه [الأعراف: 8]. ومن خفت موازينه [الأعراف: 9]. وهذا إنما يكون لشيء محسوس. قال القرطبي: فالميزان حق، وليس هو في حق كل أحد، بدليل قوله تعالى. يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام [الرحمن: 41]. وقوله . [ص:515] قلت: وقد تواترت الأخبار في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، لكن يلزم من هذا أن لا توزن أعمالهم، وفي هذا نظر، والله أعلم. وقد توزن أعمال الشهداء، وإن كانت راجحة; لإظهار شرفهم وفضلهم على رءوس الأشهاد، والتنويه بسعادتهم ونجاتهم، وإن كانوا لا حساب عليهم. وأما الكفار فتوزن أعمالهم، وإن لم يكن لهم حسنات تنفعهم يقابل بها كفرهم، فإن حسناتهم - ولو بلغت ما بلغت - لا تقابل كفرهم ولا توازنه، وهي غير نافعة لهم، فتوزن لإظهار شقائهم وتوبيخهم وفضيحتهم على رءوس الأشهاد. وقد جاء في الحديث. وقد ذكر القرطبي في " التذكرة " أن الكافر قد يوافي يوم القيامة بصدقة وصلة رحم وعتق، فيخفف الله عنه بذلك من عذابه، واستشهد بقضية أبي طالب حين جعله الله في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، وفي هذا نظر; إذ قد يكون هذا خاصا به; لأجل حياطة رسول الله ونصرته له، كما سقي أبو لهب في النقرة التي هي في ظهر الإبهام بسبب عتاقته ثويبة التي أرضعت رسول الله واستدل القرطبي على ذلك بعموم قوله تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا الآية [الأنبياء: 47]. قلت: وقصارى هذه الآية العموم، فيخص من ذلك الكافرون، وقد سئل [ص:516] رسول الله عن عبد الله بن جدعان،: ذكر له أنه كان يقري الضيف، ويطعم الجائع، ويصل الرحم، ويعتق، فهل ينفعه ذلك؟ قال. وفي رواية: " لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. وقال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [الفرقان: 23]. وقال عن أعمال الكفار: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب [النور: 39]. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210232
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85%20%D9%81%D9%8A%D9%85%D9%86%20%D8%AB%D9%82%D9%84%D8%AA%20%D8%AD%D8%B3%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%87%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%B3%D9%8A%D8%A6%D8%A7%D8%AA%D9%87%20%D8%A8%D8%AD%D8%B3%D9%86%D8%A9%20%D8%A3%D9%88%20%D8%A8%D8%AD%D8%B3%D9%86%D8%A7%D8%AA
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/الحكم فيمن ثقلت حسناته على سيئاته بحسنة أو بحسنات
قال القرطبي وغيره: من ثقلت حسناته على سيئاته، ولو بصؤابة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أثقل ولو بصؤابة دخل النار، إلا أن يعفو الله سبحانه عنه، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف. وروي مثل هذا عن ابن مسعود، رضي الله عنه. قلت: يشهد له قوله تعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [النساء: 40] لكن ما الحكم فيمن ثقلت حسناته على سيئاته بحسنة أو بحسنات؟ هل يدخل الجنة فيرتفع في [ص:517] درجاتها بجميع حسناته، وتكون قد أحبطت السيئات التي وازنتها وقابلتها؟ أو يرتفع بما بقي له من الحسنات الراجحة على السيئات، وتكون السيئات قد أسقطت ما وازنها من الحسنات، فأبطلتها؟ وكذلك إذا رجحت سيئاته على حسناته بسيئة أو بسيئات، هل يعذب في النار بجميع سيئاته، أو بما رجح على حسناته من سيئاته ؟ كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210233
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D9%85%D8%A7%20%D9%8A%D9%82%D8%B6%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%89%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%D9%87%D9%85%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D9%84%D9%88%D9%82%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/فصل أول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات
فأول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات، قبل الإنس والجن، وهما الثقلان ; فالإنس ثقل والجن ثقل، والدليل على حشر الحيوانات يوم القيامة قوله تعالى: وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون [الأنعام: 38]. وقال تعالى: وإذا الوحوش حشرت [التكوير: 5]. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا عباس بن محمد، وأبو يحيى البزاز، قالا: حدثنا حجاج بن نصير، حدثنا شعبة، عن العوام بن مراجم، من بني قيس بن ثعلبة، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أن رسول الله قال. وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، عن شعبة: سمعت العلاء يحدث عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : [ص:12] " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء تنطحها ". وهذا إسناد على شرط مسلم، ولم يخرجوه. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن واصل، عن يحيى بن عقيل، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال. تفرد به أحمد. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده: حدثنا عبيد الله بن محمد، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ليث، عن عبد الرحمن بن ثروان، عن الهزيل بن شرحبيل، عن أبي ذر، أن رسول الله كان جالسا وشاتان تعتلفان، فنطحت إحداهما الأخرى، فأجهضتها، قال: فضحك رسول الله ، فقيل له: ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سليمان، [ص:13] هو الأعمش، عن منذر الثوري، عن أشياخ لهم، عن أبي ذر، أن رسول الله ( ح ) وأبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن منذر بن يعلى، عن أشياخه، عن أبي ذر، فذكر معناه، أن رسول الله رأى شاتين تنتطحان، فقال قال: لا. قال. وهذا إسناد جيد حسن. قال القرطبي: ورواه شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، عن النبي ، بمثله. قال القرطبي: وروى ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن ثروان، عن الهزيل، عن أبي ذر، أن رسول الله مر بشاتين تنتطحان، فقال. قال: وذكر ابن وهب، عن ابن لهيعة، وعمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، أن أبا سالم الجيشاني حدثه أن ثابت بن طريف استأذن على أبي ذر، فسمعه رافعا صوته يقول: أما والله لولا يوم الخصومة لسوأتك. فدخلت، فقلت: ما شأنك يا أبا ذر ؟ فقال: هذه. قلت: وما عليك أن تضربها ؟ فقال: أما والذي نفسي بيده - أو قال: والذي نفس محمد بيده - لتسألن الشاة فيم نطحت صاحبتها، وليسألن الجماد فيم نكب أصبع الرجل. [ص:14] وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله قال. وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل ابن علية، حدثنا أبو حيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، قال: قام فينا رسول الله يوما، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، ثم قال: " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين [ص:15] أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك ". وأخرجاه في الصحيحين من حديث أبي حيان، واسمه يحيى بن سعيد بن حيان التيمي، به. وتقدم في حديث أبي هريرة. وذكر تمام الحديث في البقر والغنم. فهذه الأحاديث مع الآيات فيها دلالة على حشر الحيوانات كلها. وتقدم في حديث الصور: " فيقضي الله تعالى بين خلقه إلا الثقلين ; الإنس والجن، فيقضي بين الوحوش والبهائم، حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن، حتى إذا فرغ الله من ذلك، فلم يبق لواحدة تبعة عند أخرى، قال الله تعالى لها: كوني ترابا. فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا [ص:16] [النبأ: 40]. وقد قال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا سيار، أنبأنا جعفر بن سليمان: سمعت أبا عمران الجوني يقول: حدثت أن البهائم إذا رأت بني آدم يوم القيامة وقد تصدعوا من بين يدي الله عز وجل ; صنفا إلى الجنة، وصنفا إلى النار، أن البهائم تناديهم: الحمد لله يا بني آدم، الذي لم يجعلنا اليوم مثلكم، فلا جنة نرجو، ولا عقاب نخاف. وذكر القرطبي، عن أبي القاسم القشيري في " شرح الأسماء الحسنى " عند قوله: المقسط الجامع. قال: وفي خبر الوحوش والبهائم، تحشر يوم القيامة فتسجد لله سجدة، فتقول الملائكة: ليس هذا يوم سجود، هذا يوم الثواب والعقاب. فتقول البهائم: هذا سجود شكر ; حيث لم يجعلنا الله، عز وجل، من بني آدم. قال: ويقال: إن الملائكة تقول للبهائم: إن الله لم يحشركم لثواب ولا لعقاب، وإنما حشركم تشهدون فضائح بني آدم. وحكى القرطبي أنها إذا حشرت وحوسبت تعود ترابا، ثم يحثى بها في وجوه فجرة بني آدم، قال: وذلك قوله: ووجوه يومئذ عليها غبرة [عبس: 40]. والله سبحانه أعلم، وفيما ذكره نظر. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210234
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D9%81%D8%B5%D9%84%20%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D9%85%D8%A7%20%D9%8A%D9%82%D8%B6%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D9%81%D9%8A%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%A1
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/فصل أول ما يقضي الله فيه الدماء
[ص:17] قال في حديث الصور. وهذا هو الواقع يوم القيامة، وهو أنه بعد أن يفرغ الله سبحانه من الفصل بين البهائم، يشرع في القضاء بين العباد، كما قال تعالى: ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون [يونس: 47]. ويكون أول الأمم يقضي بينهم هذه الأمة ; لشرف نبيها وفضلها، كما أنهم أول من يجوز على الصراط، وأول من يدخل الجنة، كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله . وفي رواية. وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة، عن سعيد بن إياس الجريري، عن أبي نضرة، عن ابن عباس، أن النبي قال: " نحن آخر الأمم، وأول من يحاسب، يقال: أين [ص:18] الأمة الأمية ونبيها ؟ فنحن الآخرون الأولون ". كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
210235
https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%85/%D8%B0%D9%83%D8%B1%20%D8%A3%D9%88%D9%84%20%D9%85%D8%A7%20%D9%8A%D9%82%D8%B6%D9%89%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3%20%D9%81%D9%8A%D9%87%20%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D9%88%D9%85%D9%86%20%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%82%D8%B4%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8%20%D9%88%D9%85%D9%86%20%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%AD%20%D9%81%D9%8A%D9%87
البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر أول ما يقضى بين الناس فيه يوم القيامة ومن يناقش في الحساب ومن يسامح فيه
قد تقدم في الحديث. وفي حديث أبي هريرة. والمراد بالذرة هاهنا النملة، والله أعلم. وإذا كان هذا حكم الحيوانات التي ليست مكلفة، فلتخليص الحقوق من الآدميين والجان بعضهم من بعض يوم القيامة أولى وأحرى، وقد ثبت في الصحيحين، و" مسند أحمد "، و" سنن الترمذي "، و"النسائي "، و" ابن ماجه "، من حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله قال. وقد تقدم في حديث الصور أن المقتول يأتي يوم القيامة تشخب أوداجه [ص:19] دما - وفي بعض الأحاديث - فيتعلق بالقاتل، حتى ولو كان قتله في سبيل الله، فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول الله تعالى: لم قتلته ؟ فيقول: يا رب: قتلته لتكون العزة لك. فيقول الله تعالى: صدقت. ويقول المقتول ظلما: يا رب، سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول الله تعالى: لم قتلته ؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لي - وفي رواية - فيقول الله تعالى: تعست. ثم يقتص منه لكل من قتله ظلما، ثم يبقى في مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه. وهذا دليل على أن القاتل لا يتعين عذابه في نار جهنم، كما ينقل عن ابن عباس، وغيره من السلف، حتى نقل بعضهم عنه: أن القاتل لا توبة له. وهذا إذا حمل على أن القتل من حقوق الآدميين - وهي لا تسقط بالتوبة - صحيح، وإن حمل على أنه لا بد من عقابه فليس بلازم، بدليل حديث الذي قتل تسعة وتسعين، ثم أكمل المائة، ثم سأل عالما من بني إسرائيل هل له من توبة ؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ائت بلد كذا وكذا، فإنه يعبد الله تعالى بها فاعبد الله معهم. فلما توجه نحوها، وتوسط بينها وبين التي خرج منها أدركه الموت، فنأى بصدره نحو التي هاجر إليها، فتوفته ملائكة الرحمة. الحديث بطوله، وفي سورة " الفرقان " نص [ص:20] على قبول توبة القاتل، كما قال تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب الآية [الفرقان: 68 - 70] والتي بعدها، وموضع تقرير هذا في كتاب " الأحكام "، وبالله المستعان. وقال الأعمش، عن شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: يجيء المقتول يوم القيامة، فيجلس على الجادة، فإذا مر به القاتل قام إليه، فأخذ بتلابيبه فقال: يا رب، سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول: أمرني فلان فيؤخذ الآمر والقاتل، فيلقيان في النار. وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله . وقال في حديث الصور. وقد قال الله تعالى: ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [ص:21] [آل عمران: 161]، وفي الصحيحين عن سعيد بن زيد، وغيره، عن رسول الله أنه قال. وفي الصحيحين، وفي رواية. وفي " الصحيح. وتقدم حديث أبي هريرة في أمر الغلول، وأن من غل شيئا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، وهو في الصحيحين بطوله. وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن بكار البصري، ثنا أبو محصن حصين بن نمير، عن حسين بن قيس، عن عطاء، عن ابن عمر، عن ابن مسعود، عن النبي ، قال: " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن [ص:22] خمس: عن عمرك فيما أفنيت ؟ وعن شبابك فيما أبليت ؟ وعن مالك ; من أين اكتسبته ؟ وفيما أنفقته ؟ وما عملت فيما علمت " ؟. وروى البيهقي من طريق عبد الله بن المبارك، عن شريك بن عبد الله، عن هلال، عن عبد الله بن عكيم، قال: كان عبد الله بن مسعود إذا حدث بهذا الحديث قال: ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول: يا عبدي، ما غرك بي ؟ ماذا عملت فيما علمت ؟ ماذا أجبت المرسلين ؟ هكذا أورده البيهقي بعد الحديث الذي رواه من طريق محل بن خليفة، عن عدي بن حاتم، عن رسول الله أنه قال وقد رواه البخاري في " صحيحه ". وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، وعفان، قالا: حدثنا همام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، قال: كنت آخذا بيد ابن عمر، فجاءه رجل فقال: كيف سمعت رسول الله يقول في النجوى يوم القيامة ؟ فقال: سمعت [ص:23] رسول الله يقول: " إن الله سبحانه يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، فيقول له: أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم. ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه، وأما الكفار والمنافقون ف ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين [هود: 18] وأخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة. وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان، حدثنا حماد، حدثنا إسحاق بن عبد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي قال ؟. وروى مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي في حديث طويل قال فيه: " فيلقى الله تعالى العبد فيقول: أي فل، ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول: بلى، أي رب. فيقول: أفظننت أنك ملاقي ؟ [ص:24] فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثاني، فيقول: أي فل، ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول: بلى، أي رب. فيقول: أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثالث، فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك، وصليت وصمت وتصدقت. ويثني بخير ما استطاع، فيقول: هاهنا إذا ". قال. وسيأتي الحديث بطوله. وقد روى البزار عن عبد الله بن محمد الزهري، عن مالك بن سعير بن الخمس، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، رفعاه إلى رسول الله ، فذكر مثله إلى قوله. وروى مسلم، والبيهقي واللفظ له، من حديث سفيان الثوري، عن عبيد المكتب، عن فضيل بن عمرو، عن عامر الشعبي، عن أنس بن مالك، [ص:25] قال: كنا مع رسول الله فضحك، وقال ؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال. وقال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا الحسن، حدثنا ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله قال. وروى الإمام أحمد، والبيهقي، من حديث يزيد بن هارون، عن الجريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن النبي قال. [ص:26] وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن الوليد بن أبان، حدثنا محمد بن الحسن المخزومي، حدثني عبد الله بن عبد العزيز الليثي، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب، رضي الله عنه، أن رسول الله قال: " أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته، والله ما يتكلم لسانها، ولكن يداها ورجلاها، يشهدان عليها بما كانت تغيب لزوجها، وتشهد يداه ورجلاه بما كان يوليها، ثم يدعى بالرجل وخدمه مثل ذلك، ثم يدعى بأهل الأسواق، فما يؤخذ منهم دوانيق ولا قراريط، ولكن حسنات هذا تدفع إلى هذا الذي ظلم، وتدفع سيئات هذا إلى الذي ظلمه، ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد، فيقال: سوقوهم إلى النار. فوالله ما أدري أيدخلونها، أم كما قال الله تعالى: وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [مريم: 71، 72] ". ثم قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا محمد بن صالح والحسن بن يعقوب، حدثنا السري بن خزيمة، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثنا يحيى بن أبي سليمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قرأ رسول الله هذه الآية: يومئذ تحدث أخبارها [الزلزلة: 4]. قال قالوا ؟ الله ورسوله أعلم. قال: " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ; أن تقول: [ص:27] عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا. فذلك أخبارها ". وقد رواه الترمذي والنسائي، من حديث عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن أبي أيوب، به، وقال الترمذي: حسن غريب صحيح. وروى البيهقي من حديث الحسن البصري، حدثنا صعصعة عم الفرزدق، أنه قال: قدمت على رسول الله فسمعته يقرأ هذه الآية: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [الزلزلة: 7، 8] فقال: والله لا أبالي أن لا أسمع غيرها، حسبي حسبي. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عيسى، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان المديني، أن عقبة بن مسلم حدثه أن شفيا حدثه أنه دخل المدينة، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا ؟ فقالوا: أبو هريرة. فقال: فدنوت منه، حتى [ص:28] قعدت بين يديه وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا، قلت له: أنشدك بحق وحق لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله عقلته وعلمته. ثم نشغ أبو هريرة نشغة، فمكث طويلا، ثم أفاق، ثم قال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله في هذا البيت، ما معنا أحد غيري وغيره. ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى، فمكث طويلا كذلك، ثم أفاق ثم مسح وجهه، فقال: أفعل، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله في هذا البيت، ما معنا أحد غيري وغيره. ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة، ثم مال خارا على وجهه، وأسندته طويلا، ثم أفاق، فقال: قال رسول الله : " إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعى رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله تعالى للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال: بلى يا رب. قال: فماذا عملت فيما علمت ؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل، وآناء النهار. فيقول الله تعالى له: كذبت. وتقول الملائكة: كذبت. ويقول الله تعالى: إنما أردت أن يقال: فلان قارئ. فقد قيل ذلك. ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله تعالى له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال: بلى يا رب. قال: فما عملت فيما آتيتك ؟ قال. كنت [ص:29] أصل الرحم، وأتصدق. فيقول الله له: كذبت. وتقول الملائكة: كذبت. ويقول الله تعالى له: بل أردت أن يقال: فلان جواد. فقد قيل ذلك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقال له: فيما قتلت ؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله له: كذبت. وتقول الملائكة: كذبت. ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جريء. فقد قيل ذلك ". قال أبو هريرة: ثم ضرب رسول الله على ركبتي فقال. قال الوليد أبو عثمان: فأخبرني عقبة أن شفيا - وكان سيافا لمعاوية - دخل على معاوية، فأخبره بحديث أبي هريرة هذا، فقال معاوية: قد فعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بقي من الناس ؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا، حتى ظننا أنه هالك، ثم أفاق، ومسح عن وجهه، وقال: صدق الله ورسوله: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون [هود: 15، 16]. وهذا الحديث له شاهد صحيح في صحيح مسلم من طريق أخرى عن أبي هريرة، عن النبي . [ص:30] وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا محمد بن عثمان بن معبد، أنبأنا محمد بن بكار بن بلال، قاضي دمشق، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن حريث بن قبيصة، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله يقول. ورواه الترمذي والنسائي، من حديث همام، عن قتادة. وقال الترمذي: حسن غريب. ورواه النسائي أيضا، من حديث عمران بن داود أبي العوام، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا المبارك - هو ابن فضالة - عن الحسن، عن أبي هريرة، أراه ذكره عن النبي : " إن العبد المملوك ليحاسب بصلاته، فإذا نقص منها قيل: لم نقصت منها ؟ فيقول: يا رب، سلطت علي مليكا شغلني عن صلاتي. فيقول: قد رأيتك تسرق من ماله لنفسك، فهلا سرقت [ص:31] لنفسك من عملك ؟ - أو عمله ؟ - قال: فيتخذ الله عليه الحجة ". وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا مبارك بن فضالة، حدثنا الحسن، قال: قال رسول الله وهذا مرسل جيد. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عباد بن راشد، قال: حدثنا الحسن، حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة، قال: قال رسول الله : " تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب، أنا الصلاة. فيقول: إنك على خير. ثم تجيء الصدقة، فتقول: يا رب، أنا الصدقة. فيقول: إنك على خير. ثم يجيء الصيام، فيقول: يا رب، أنا الصيام. فيقول: إنك على خير. ثم تجيء الأعمال، كل ذلك يقول: إنك على خير. ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب، أنت السلام وأنا الإسلام. فيقول الله، عز وجل: إنك على خير، بك اليوم آخذ، وبك أعطي. قال الله تعالى في كتابه: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [آل عمران: 85]. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبدة بن عبد الرحيم المروزي، حدثنا بقية بن الوليد الكلاعي، حدثنا سلمة بن كلثوم، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله يقول: " يؤتى بالحكام يوم القيامة ; بمن قصر، وبمن تعدى، فيقول الله: [ص:32] أنتم خزان أرضي، ورعاة غنمي، وعندكم بغيتي. فيقول للذي قصر: ما حملك على ما صنعت ؟ فيقول: الرحمة. فيقول الله جل جلاله.: أنت أرحم بعبادي مني ؟! ويقول للذي تعدى: ما حملك على ما صنعت ؟! فيقول: غضبت لك. فيقول الله: أنت أشد غضبا مني ؟! فيقول الله: انطلقوا بهم، فسدوا بهم ركنا من أركان جهنم ". وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: لما رجعت مهاجرة الحبشة إلى رسول الله قال، فقال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينما نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائزهم، تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها، فخرت على ركبتيها، وانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه، وقالت: سوف تعلم يا غدر، إذا وضع الله الكرسي لفصل القضاء، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، سوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا. قال: يقول رسول الله . [ص:33] وقد تقدم في حديث عبد الله بن أنيس، أن الله تعالى ينادي العباد يوم القيامة، فيقول: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة. وذكر الحديث كما تقدم، رواه الإمام أحمد، وعلقه البخاري في " صحيحه ". وقال الإمام مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال. ورواه البخاري، ومسلم. وروى ابن أبي الدنيا من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال قالوا: من لا درهم له ولا دينار. فقال. [ص:34] وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الوليد بن شجاع السكوني أنبأنا القاسم بن مالك المزني، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله . وروي من وجهين آخرين، عن ابن عمر مرفوعا مثله. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا بكر بن يونس بن بكير، عن موسى بن علي بن رباح، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله . وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس عن عائشة، قالت: قال رسول الله : [ص:35] " الدواوين عند الله، عز وجل، ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يغفره الله ; فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك، قال الله عز وجل: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة [المائدة: 72] وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه، من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله يغفر ذلك، ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة ". وروى البيهقي من حديث زائدة بن أبي الرقاد، عن زياد النميري، عن أنس مرفوعا. ثم ساقه من طريق يزيد الرقاشي، عن أنس، مرفوعا بنحوه، وكلا الطريقين ضعيف. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عبد الله تميم بن المنتصر، أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن شريك، عن الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي ، قال. قال: " يؤتى [ص:36] بصاحب الأمانة، فيقال له: أد أمانتك. فيقول: أنى يا رب، وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية. فيذهب به إليها، فيهوي حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها، فيحملها فيضعها على عاتقه، فيصعد بها في نار جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت فهوت، وهوى في إثرها، فهو كذلك أبد الآبدين ". قال. قال: فلقيت البراء، فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله ؟ قال: صدق. قال شريك: وحدثنا عباس العامري، عن زاذان، عن عبد الله، عن النبي بمثله، ولم يذكر الأمانة في الصلاة، والأمانة في كل شيء. إسناده جيد، ولم يروه أحمد، ولا أحد من أصحاب الكتب الستة، وله شاهد من الحديث الذي رواه مسلم. عن أبي سعيد، أن رجلا قال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، يكفر الله عني خطاياي ؟ قال. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا محمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عبد الله بن الزبير، قال: لما نزلت: إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون [الزمر: 30، 31]، قال الزبير: يا رسول الله: أيكرر علينا ما [ص:37] يكون بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال. فقالالزبير: والله إن الأمر لشديد. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا إسحاق بن سليمان، أخبرنا أبو سنان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود، قال: الأمم جاثون للحساب، فلهم يومئذ أشد تعلقا بعضهم ببعض منهم في الدنيا، الأب بابنه، والابن بأبيه، والأخت بأخيها، والأخ بأخته، والزوج بامرأته، والمرأة بزوجها. ثم تلا عبد الله: فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون [المؤمنون: 101]. وقال أبو بكر البزار: حدثنا الفضل بن يعقوب، حدثنا سعيد بن مسلمة، عن ليث، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي قال. وقال ابن أبي الدنيا: حدثني عمرو بن حبان مولى بني تميم، حدثنا عبد بن حميد، عن إبراهيم بن مسلم، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله : " إن الله يدعو العبد يوم القيامة، فيذكره ويعد عليه: دعوتني يوم كذا وكذا فأجبتك. [ص:38] حتى يعد عليه فيما يعد ; وقلت: يا رب، زوجني فلانة - ويسميها باسمها - فزوجناكها ". وروي من حديث ليث بن أبي سليم، عن أبي بردة، عن عبد الله بن سلام، موقوفا، بنحوه. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثني الفضل بن عيسى، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله . وقد قال تعالى: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم [التكاثر: 8]. وفي " الصحيح " أن رسول الله لما أكل هو وأصحابه في حديقة أبي الهيثم بن التيهان من تلك الشاة التي ذبحت له، وأكلوا من الرطب، وشربوا من ذلك الماء، قال. أي عن القيام بشكره، وماذا عملتم في مقابلة ذلك، كما ورد في الحديث. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا وكيع، أنبأنا سفيان، عن الأعمش، عن ثابت - أو أبي ثابت - أن رجلا دخل مسجد [ص:39] دمشق، فقال: اللهم آنس وحشتي، وارحم غربتي، وارزقني جليسا صالحا. فسمعه أبو الدرداء، فقال: لئن كنت صادقا لأنا أسعد بما قلت منك، سمعت رسول الله يقول: " فمنهم ظالم لنفسه [فاطر: 32]. قال: الظالم الذي يؤخذ منه في مقامه ذلك، وذلك الحزن والغم. ومنهم مقتصد. قال: يحاسب حسابا يسيرا. ومنهم سابق بالخيرات. قال: يدخل الجنة بغير حساب ". وستأتي الأحاديث فيمن يدخل الجنة بغير حساب، وكم عدتهم. كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة