text
stringlengths
2
74
الاول الفصل الثالث عشر علي احر من الجمر اما جلنار فانها مكثت في الغرفة
تنتظر في قلق وقد اشتد اضطرابها لما تتوقعه من نتاءج المهمة التي اسندت الي
ريحانة واصبحت اذا سمعت حركة او خربشة خفق قلبها وحدثتها نفسها ان تخرج من
الغرفة لعلها تلهو بشء او تسمع من ريحانة او الضحاك ما يقوي قلبها او يطمءن
خاطرها واستغرقت في الهواجس مدة ثم انتبهت لصوت جمل في الجهة الاخري من
القصر فاستانست بصوته لانه من معسكر حبيبها ثم تزايد الصوت فهمت بالخروج
بهذه الحجة وهي انما تريد الخروج ضجرا من الانتظار فوقفت واصغت فلم تعد
تسمع صوتا فعادت الي الفراش وعاد السكوت فرجعت الي الاصغاء والقلق فسمعت
بالباب وقع خطوات خفيفة كانها خطوات حاف فاستغربت ذلك ثم ما لبثت ان سمعت
نقرا خفيفا علي قفل الباب فنهضت وفتحته وقلبها يدق دقا شديدا فاذا هي
بريحانة فانبسطت نفسها لرءيتها ودخلت ريحانة مسرعة وهي تتعثر بسراويلها
المنتفخة والبغتة بادية في وجهها فابتدرتها جلنار بالسءال عما جري فضمت
اناملها اليمني اشارة للانتظار وقالت بصوت خفيض وهي تلهث وتتلفت تمهلي يا
مولاتي ثم اصاخت بسمعها نحو الدار فسكتت جلنار واصغت فلم تسمع شيءا فنظرت
الي ريحانة نظرة استفهام فاجابتها وهي تبالغ في خفض صوتها كانها تتكلم همسا
لقيت الضحاك وارسلته في المهمة المعلومة ومكثت في غرفتي قليلا ثم خرجت اليك
وانا احاذر ان يراني احد وقبل دخولي في هذا الرواق سمعت مولاي الدهقان
يتنحنح علي مقربة مني فذعرت وخفت ان يكون قد راني فوقفت هنيهة والضوء ضعيف
فلم اسمع شيءا فخلعت نعلي ومشيت حافية علي اطراف اناملي حتي جءت اليك وانا
اخاف ان يكون سيدي الدهقان في اثري ولكن يظهر اني واهمة اما جلنار فانها
مكثت في الغرفة تنتظر في قلق وقد اشتد اضطرابها لما تتوقعه من نتاءج المهمة
التي ذهبت من اجلها ريحانة فقالت اظنك واهمة لان والدي لا يبقي ساهرا الي
هذا الوقت وهبي انه راك فماذا يوجب القلق في رءيتك اخبريني الان عن الضحاك
ومهمته فقصت عليها اهم ما دار بينها وبينه الي ان قالت وانا في انتظار
رجوعه لاري ما يكون ولا ريب عندي اننا وضعنا ثقتنا في محلها لان هذا العربي
رغم ما يظهر من مجونه وبلهه ذو اريحية وحماسة ولا اظن مجونه الا تصنعا قالت
وما الذي يدعوه الي التظاهر بالبله وهو عربي والعرب اهل الدولة فلو لم يكن
البله سجية فيه مع ما تدركين من اريحيته لكان من اكبر رجال الدولة وكان في
غني عن هذه الخدمة فاشارت ريحانة براسها وعينيها ان صدقت مولاتي ثم قالت
ومهما يكن من شانه فاني واثقة من حميته وصدق خدمته وسترين ولكن لا بد من
الذهاب الي غرفتي لانتظره فيها كما تواعدنا فقالت اري ان اخرج معك فالتقي
به عندك وذلك خير من ان نلتقي في غرفتي واسلم عاقبة ففهمت ريحانة قصدها
واومات ايماءة الاستحسان والطاعة ولبثت تنتظر خروجها معها فاذا بها تنهض من
الفراش وكان علي اللحاف مطرف من خز احمر مبطن بالفرو فالتحفت به فغطاها
كلها ولفت راسها بشال من الكشمير موشي بالحرير فلم يبق ظاهرا منها الا مقدم
وجهها فمشت الماشطة امامها وسارتا نحو غرفتها ولم تخرجا من ذلك الرواق حتي
سمعتا هبوب الزوابع وتنسمتا راءحة الشتاء فانبسطت نفس جلنار لسبب لا تعلمه
وارادت ان تخاطب ريحانة بشء لكنها صبرت نفسها حتي وصلتا الي الغرفة فدخلتا
واغلقت ريحانة الباب واسرعت في اعداد مقعد لسيدتها فجلست جلنار ووجهها تجاه
المسرجة ونور السراج يرقصه ما ينفذ الي الغرفة من بقايا تلك الزوابع ولما
جلست نزعت الشال عن راسها فبان وجهها وقد زاده الدفء رونقا وجمالا فتاملتها
ريحانة وهي في تلك الحالة وابتسمت ابتسام منذهل بذلك الجمال ولم تتمالك عن
تقبيل راسها ثم جثت بين يديها واخذت في اصلاح بعض ما افسده الخمار من شعرها
وهي تقول سبحان الخالق كيف لا يسحر ذلك الخراساني بهذا الجمال الذي لا مثيل
له في خراسان ولا ما وراء النهر فتنهدت جلنار وسكتت هنيهة ثم تذكرت شيءا
خطر لها حين سمعت هبوب الرياح واعتزمت ان تصارح ماشطتها به فقالت شعرت يا
ريحانة ونحن قادمتان الان براحة وطمانينة لسبب لا اعلمه فابتسمت الماشطة
وقالت جعل الله كل ايامك راحة وسعادة ثم نهضت وهي تقول وانا ايضا احسست
بنفس الشعور واظن ان السبب واحد وهو هبوب الرياح وتوقع المطر فاني كثيرا ما
اكون منقبضة النفس مغمومة فاذا امطرت السماء انبسطت نفسي وذهب عني الغم ثم
وقفت هنيهة تجاه المراة لغير غرض مقصود ثم تحولت بغتة الي سيدتها وهي تقول
ولكن لسرورنا سبب اخر هل اقوله قالت قولي قالت وهي تضحك لان الزوابع يعقبها
المطر الشديد واذا اشتدت الامطار كثرت الاوحال وسدت الطرق فيتاخر ضيوفنا عن
السفر يوما او بضعة ايام وبقية الحديث عندك فابتسمت جلنار بعد ان طال
انقباضها وقلقها وهمت بالكلام فسمعت ضحكة غلبت قهقهتها علي صفير الرياح
فعلمت انه الضحاك ولكنها لم تكن تتوقع ان يجعل لقدومه قرقعة وضوضاء وهم في
حال تدعو الي التكتم فنظرت الي ريحانة فراتها في مثل حيرتها وهي تقول صدقت
يا مولاتي يبدو انه ابله حقيقة ولبثتا بعد تلك الضحكة تتوقعان وصوله فاذا
هو يقول بصوت عال صدقت يا مولاي الدهقان ان الطقس قد تغير ولا يلبث المطر
ان يتساقط لان مطر الربيع قد يكون جارفا وانا لا استطيع النوم في مثل هذه
الليلة وضحك فلما سمعتا ذلك علمتا ان الدهقان لا يزال ساهرا فخشيت ريحانة
ان يشعر بهما فتقدمت الي السراج وغطته بحيث لا يبدو نوره من شقوق الباب
للخارج فلما فعلت ذلك سمعتا ضحكة اخري ابعد من تلك وقاءل يقول الم اقل
لمولاي ان ما ظنه نورا خارجا من الغرف انما هو من اثر البرق اذ ليس في هذا
القصر ساهر سوي مولاي وانا اما انا فاني ذاهب الي مخدعي بعد ان اكون في
خدمة مولاي حتي يدخل فراشه لان ساءر الخدم نيام واذا احب ان اءنسه بقية هذا
الليل فعلت فخفق قلب جلنار عند سماعها ذلك لانها ادركت منه ان والدها اساء
الظن بريحانة وبحث عن سبب النور الخارج من غرفتها واستحسنت اسلوب الضحاك في
انقاذها من ذلك الخطر علي انهما مكثتا صامتتين لا تتحركان وتكادان تمسكان
عن التنفس التماسا للاصغاء فلما مضت مدة ولم تسمعا فيها صوتا ايقنتا ان
الدهقان ذهب الي فراشه ولا يلبث الضحاك ان يعود اليهما فاخذت جلنار تتاهب
لسماع صورة الحكم علي عواطفها فاما الي النعيم واما الي الجحيم ولم تكن
تتوقع الاحساس بمجء الضحاك او سماع خطواته قبل وصوله للباب لتعاظم هبوب
الرياح وحفيف الشجر وقصف الرعد الفصل الرابع عشر ابلاغ الرسالة ولبثتا
صامتتين كان علي راسيهما الطير حتي سمعتا قرع الباب قرعا خفيفا فاجفلتا
واسرعت ريحانة الي فتحه فاذا بالضحاك يدخل مسرعا وهو في ذلك القباء المقلوب
وعمامته مشوهة ونعلاه في منطقته وشعر لحيته منتفش وهيءته في غاية الغرابة
فلما وجد جلنار هناك اجفل وتادب وقام باصلاح شعره وتسوية عمامته وهو يضحك
بلا قهقهة واخرج النعلين من منطقته فوضعهما بالباب ووقف متادبا كانه مارد
لطوله فابتسمت جلنار من منظره وحركاته فقال لها اعذريني يا مولاتي علي هذا
المنظر فاني لم اكن احسبك هنا والحق علي هذه الملعونة واشار باحدي يديه الي
ريحانة وباليد الاخري الي عمامته فلم تتمالك جلنار عن الضحك لاسلوبه في
التخلص من غضب ريحانة واما ريحانة فغالطته وقالت ان الدهقانة مسرورة من
همتك ونشاطك فقطع كلامها بصوت منخفض وقال وطبعا انت زعلانة لان العريس ليس
لك فقالت دعنا من المجون واخبرنا ما الذي فعلته واظنك لا تلتزم الجد الا
اذا حلفتك بمولاتنا الدهقانة فبحياتها الا تكلمت الجد فلما سمع قولها وقف
بين يدي جلنار متادبا فاشارت اليه ان يجلس فجلس فقالت له ريحانة قص علينا
ما جري فاخذ في سرد ما حدث منذ خروجه من غرفتها الي ان لقي ابراهيم الخازن
وكيف احتال عليه واخرجه من حجرته وما دار بينهما حتي انتهي الي ما تم
الاتفاق عليه بينهما ولكنه لم يذكر ما قاله الخازن عن كره ابي مسلم للنساء
لعلمه ان هذا يسء الي جلنار ويوقعها في الياس وهو يريد ان ترجو الظفر به
علي انه اخبرها ان ابا مسلم لا يستطيع احد من خاصته ان يخاطبه في امر
الزواج تهيبا وانما اذا لقيته وخاطبته فلا ريب ان سيحبها ويتمني الظفر بها
وخصوصا اذا اظهرت له غيرتها علي الدعوة التي يقوم بتاييدها وكانت جلنار
ترهف السمع لذلك الحديث فلما بلغت الي ختامه انقبضت نفسها لانها كانت ترجو
ان تعرف شيءا عن شعور ابي مسلم نحوها فسكتت وظهر الانقباض علي وجهها فادركت
ريحانة سبب انقباضها فارادت انعاش املها فقالت بورك فيك يا ضحاك ما الطف
اسلوبك فقد فعلت ما لا سبيل الي سواه فقال لا احب التملق يا ريحانة فاني لم
اعمل شيءا ولكنني مهدت السبيل للعمل فاذا رات مولاتي ان اعرض عليها رايي
فيما ينبغي ان تعمله فعلت فقالت جلنار قل يا ضحاك قال اولا ينبغي ان ندبر